– قبل أيام أعلن الهيئة العامة للرقابة المالية الموافقة على تعديلات في قانون رأس المال رقم 95 لسنة 1992، وبالتالي الخطوة القادمة هوا عرضها على البرلمان. الهدف من التعديلات دي هو استحداث آلية جديدة للاقتراض أو الاستدانة في المرافق العامة والشركات العامة بضمان مواردها المستقبلية.
– التعديلات المقترحة على قد ما تبان أنها تقنية وإجرائية تخص تفاصيل اقتصادية بعيدة عن المواطن، إلا انها في الواقع ممكن تأثر علينا كلنا سواء بتأثيرها على الاقتصاد في العموم أو تأثيرها المحتمل على الخدمات وأسعارها لو لم يتم وضع قواعد صارمة ليها.
– إيه هي الآلية الجديدة للاقتراض؟ وليه دي آلية تحمل مخاطر؟ وإيه البديل؟
*****
إيه هي الآلية الجديدة؟
– تعديلات القانون بتسمح لشركات المرافق العامة وغيرها من الشركات العامة اللي بتقدم خدمات للمواطنين بأنها تعمل ما يسمى بالتوريق Securitization
– التوريق هو عملية مالية بموجبها بيكون لشركة ما الحق في إصدار سندات، اسمها سندات التوريق بضمان الحقوق الحالية أو المستقبلية للشركة.
– يعني بشكل أبسط لو أنا شركة عقارات مثلا وعايزه أخد تمويل بس مش من البنك ممكن أصدر سندات توريق بضمان أقساط الشقق اللي أنا بايعها.
– التعديل القانوني المقترح ده بيسمح لشركات المرافق العامة أنها تتوسع في نشاط التوريق ده، وخاصة توريق الحقوق المستقبلية للشركات، بمعني مثلا أنه لو هيئة مترو الأنفاق أو شركة الكهرباء أو أي مؤسسة خدمية يعني عايزة تقترض دلوقتي مش مضطرة تروح تاخد قرض من البنك أو من بره.
– يعني الشركات والمؤسسات العامة دي دلوقتي تقدر تحول الدخل المستقبلي ليها سواء من فواتير التليفون أو مدفوعات المرافق أو المصاريف الدراسية أو إيجارات العقارات، إلى أوراق مالية (سندات توريق في الأغلب) وتعرضها على المستثمرين عشان يشتروها بسعر فائدة معين.
– الهدف من التعديل ده بحسب محمد عمران رئيس الرقابة المالية هو إشراك المؤسسات دي في تمويل مشروعات البنية التحتية وخاصة في مجال النقل والمواصلات، يعني مرفق زي المترو مثلا واللي يقترض سنويا ديون خارجية أخرها السنة دي متوقع أنه يقترض حوالي 76 مليار جنيه عشان التوسعات ممكن دلوقتي يصدر سندات توريق ويقترض بضمان الدخل المستقبلي بتاعه عشان التوسعات دي.
– أو مثلا لو الحكومة عايزه تعمل طريق أو تبني كوبري مش شرط تروح تقترض من البنك دلوقتي لا ممكن هيئة الطرق والكباري تقترض بضمان الدخل المستقبلي بتاعها.
– القطاعات اللي ممكن تشارك في إصدار السندات دي هي الكهرباء، الغاز، المياه، الاتصالات، الطرق والكباري، نقل الركاب والبضائع برًا أو بحرًا أو جوًا، بما في ذلك رسوم بوابات الطرق ومترو الأنفاق وشبكة السكك الحديدية والصحة والتعليم والإسكان.
*****
طيب إيه المشكلة في ده يعني؟
– الاقتراض بضمان الموارد المستقبلية للجهات الحكومية أو المرافق العامة ممكن ناس تشوفه على أنه مصدر بديل للتمويل، وخاصة تمويل التوسعات اللي بتنفذها هيئات زي المترو والسكة الحديد وغيرها، وده ممكن ناس تشوفه أنه إيجابي.
– لكن الحقيقة آلية التمويل دي فيها مشاكل، أهم نقطة فيها هيا سعر الخدمات العامة.
– فعليا التعديلات القانونية دي بتحول المرافق العامة لشركات هادفة للربح مش شركات بتقدم خدمات عامة بيتم الصرف عليها من ضرائب المصريين، لأنه لو فتحت الباب قدام المرافق أنها تدور على زيادة الموارد والدخول بتاعتها في المستقبل كهدف، فهتكون حرفيا بتحولها لشركة خاصة عايزة تكسب وتحقق أرباح مش تقدم خدمات.
– هتكون أولوية المرفق العام انه يرفع السعر عشان يسدد الديون اللي عليه بضمان دخله.
– ده شيء خطير لأنه كده بيدفع المصريين تكلفة المرافق دي مرتين، مرة عن طريق الضرائب اللي دفعوها وتم الانفاق بيها على تشغيل المرافق، ومرة عن طريق زيادة أسعار الخدمات عشان يدفعوا فوائد للمستثمرين اللي اشتروا السندات اللي أصدرتها المرافق دي.
– الدكتورة سلوى العنتري أستاذة الاقتصاد ورئيسة قطاع البحوث السابقة في البنك الأهلي لخصت ده في تصريح لمدي مصر لما قالت” الاقتراض الضخم يستلزم ضمانات ضخمة، وبما أن الضمانة هنا هي موارد المرافق العامة فهذا يثير تساؤلًا حول سعر الخدمة المقدمة، وهل سيتم رفع أسعار الخدمات حتى تكون الحصيلة ضخمة، وبالتالي يكون التمويل ضخم؟ وماذا عن قطاعات مثل الصحة والتعليم والأصل فيها أنها غير ربحية؟”
– كمان في مشكلة تانية، لو أصدرنا سندات بضمان دخل مستقبلي ولم يتحقق هيكون إيه الضمانة اللي بتحمي حقوق اللي اشتروا السندات دي ؟ هل مثلا يحق ليهم الحجز على الأصل الموجود؟ ولا وزارة المالية هيا الضامن؟ وكدة هنرجع لنفس أزمة السيولة الأصلية مهو لو الفلوس في الموازنة العامة مكانش تم اللجوء للطريقة دي. ولا كدة الدولة هتقترض بطريقة تانية عشان تسد الفوائد وأصل السند في نهاية المدة بتاعته؟
– مشكلة كمان في الموضوع أنه إزاى هتحدد أسعار الفائدة على السندات دي، في العادي سندات التوريق بتكون غير سندات الشركات في القطاع الخاص، سندات التوريق بتكون أسعار الفائدة عليها أعلى لأنها مش بضمان أصل ولكن بضمان فلوس جاية في المستقبل.
*****
إيه البديل؟
– ممكن ناس تشوف أنه مفيش بديل عن ده، وأنها آلية تمويل زيها زي آليات التمويل الأخرى في ظل تدني معدلات الحصيلة الضريبية في مصر بالمقارنة بالدول المتقدمة.
– ودي الحقيقة في حد ذاتها مشكلة لأنه البدائل هيا اصلاحات اقتصادية فعالة كبيرة على رأسها إصلاح الهيكل الضريبي، وده بيدخل فيه تفاصيل كتير زي ن طريق ضرائب تصاعدية وضرائب على الثروة، ودلوقتي بنشوف حتى أمريكا وأوروبا فيها مراجعات كبيرة لمسألة التخوف من فرض ضرايب على شرائح الدخل الضخمة بهدف عدم تخويف المستثمرين. ده غير آليات لمنع التهرب الضريبي عند كبار الممولين وأيضا في قطاع الاقتصاد غير الرسمي.
– لككن على الأقل لو لازم تتطبق الآلية دي يبقى لازم القانون يعالج بوضوح المخاوف المطروحة، على سبيل المثال يحصل فصل واضح بين نوعين من الجهات الحكومية.
– فيه شركات بتصنع أو تنتج مثلا ودي طبيعي تكون هادفة للربح واللي بيحط فلوسه في سنداتها هوا بيستثمر كإنها أسهم في البورصة، لكن المرافق العامة زي مشاريع الكهرباء والقطارات والمترو ومحطات المياة، كلها لازم يبقى فيه قيود ومعايير واضحة على تحديد سعر خدماتها مش تتربط بالديون دي، واللي يحددها جهة غير إدارة المؤسسة التنفيذية اللي أخدت القرض، ويكون متاح تدخل حكومي مالي لدعمها حسب آلية تخضع لمراقبة شعبية وده تاني يرجعنا لمسألة نزاهة الانتخابات سواء البرلمان أو المجالس المحلية الغائبة من سنوات طويلة جدا.
– فكرة التحايل وشراء الوقت من خلال التوسع في الاقتراض دي مشكلة كبيرة وبتدخلنا في دائرة من الاقتراض وإعادة الاقتراض لتسديد الديون القديمة وهكذا بدون ما نخرج منها.
– ولو افترضنا أنه مفيش بديل عن الاقتراض على المستوى العام فهنرجع لسؤال احنا بنصرف على إيه وبأي أولوية وبأي توقيت؟ بالتأكيد كويس وجود طرق وكباري ومساكن، لكن ده يبقى نسبته كام في الانفاق العام والاقتراض العام؟ هل مثلا محتاجين جدا بشكل فوري انفاق 800-900 مليار جنيه سنويا بحسب كلام الرئيس على البنية التحتية في المدن الجديدة وخاصة حتت زي العاصمة الجديدة والجلالة والعلمين الجديدة، بينما بنود زي التعليم والصحة مبتاخدش نفس القدر من تزايد الانفاق.
– والبنية التحتية دي نفسها ايه مدى عدالة توزيعها وأولوياتها؟ لو امكاناتنا كافية تعمل من الموازنة العامة قطار سريع من العلمين للسخنة وفي نفس الوقت تجديد السكة الحديد القديمة من القاهرة لأسوان ياريت، لكن لما يبقى بيتقال ان مفيش موارد ومحتاجين نقترض بضمان مؤسساتنا العامة ومرافقنا العامة يبقى ايه المشروع اللي هنختاره؟
– كل دي أسئلة مشروعة حوالين أولويات الحكومة في الانفاق والاستثمار وإيه المهم بالنسبة لأغلبية الشعب المصري والأهم الاستثمارات دي بتفيد مين ومين بيدفع تكلفتها في النهاية.
– البديل الواضح هو مراجعة سياسة الاقتراض، ومراجعة الأولويات زي انه يتم استكمال المشاريع اللي بدأنا فيها في البنية التحتية بالمدن الجديدة لكن عدم البدء في مشاريع اضافية في نفس القطاع في المرحلة الحالية، وتوجيه الاستثمار الحكومي لقطاعات أخرى أكثر تنوعا وتخدم أعداد أكبر من السكان.
– نتمني يكون في البرلمان عقلاء يرفعوا صوتهم بانتقاد التعديلات المقترحة ويرفضوها أو يطرحوا تعديلات عليها، والأهم يكون فيه عيون بتراقب طريق الاستدانة المتصاعد بسرعة كبيرة لحماية الأجيال القادمة من مخاطر ممكن تجنبها.
*****