– من أيام، توصلت قوى الحرية والتغيير في السودان لاتفاق مع المجلس العسكري، بعد استئناف المفاوضات المباشرة اللي كانت متوفقة من أكتر من شهر. الاتفاق حصل بحضور ورعاية وفدين من الإتحاد الأفريقي وإثيوبيا، واوصلوا لإن المجلس العسكري يسلم السلطة لمجلس سيادي من مدنيين وعسكريين.

– هنعرف في البوست ده تفاصيل الاتفاق، والتطورات اللي خلت المجلس العسكري يرجع يوافق على الاتفاق بعد ما كان رافض، وإيه اللي عرفناه عن الوضع في السودان بعد عودة الإنترنت من يومين.

*****

إيه تفاصيل الاتفاق؟

١- هيتم تشكيل مجلس سيادي يتولى السلطة، مكون من 5 أعضاء عسكريين يرشحهم المجلس العسكري، و5 أعضاء يرشحهم تحالف الحرية والتغيير، بالإضافة لمدني يتم الاتفاق عليه من الطرفين.

٢- الفترة الانتقالية هتكون 3 سنين على الأقل، وهتبدأ بإن واحد من العسكريين يتولي السلطة لمدة 18 شهر، ويتبعه مدنى لنهاية الفترة.

٣- أما المجلس التشريعي، فالطرفين اتفقوا على تأجيل تشكيله، وهيحددوا اللي هيحصل بشأنه لما ينتهوا من تشكيل المجلس السيادي والحكومة.

٤- قوى الحرية والتغيير هتختار حكومة كفاءات وطنية. ولسه محصلش اتفاق على الشخص اللي هيتولاها، لكن فيه ترجيحات بتولي أحمد عبدالله حمدوك، رجل اقتصاد سوداني. حمدوك حاصل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة مانشستر، وتولي مناصب في البنك الأفريقي، وكان قائم بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، واتعرض عليه في 2018 منصب وزير المالية لكنه اعتذر.

٥- في نفس الوقت الأسماء المرشحة لمجلس الوزراء من المرجح تكون شخصيات تكنوقراطية مميزة، بالإضافة لرموز من قوى الحرية والتغيير. أما المجلس السيادي فقوى الحرية والتغيير هتختار ممثليها بناء على التمثيل الجغرافي اللي يضمن المشاركة الجماعية.

٦- في المؤتمر الصحفي اللي اتكلم فيه محمد الحسن لبات، وسيط الإتحاد الأفريقي، عن التحقيق المستقل في فض اعتصام القيادة العامة اللي حصل في أول يونيو ونتج عنه أكتر من 100 قتيل، وكان مطلب أساسي لقوى الحرية والتغيير، اتفق الطرفين على تحقيق مستقل وشفاف في أحداث “الأسابيع الاخيرة”.

٧- كمان تم الإعلان عن إطلاق سراح السجناء السياسيين اللي اتقبض عليهم خلال الشهر اللي فات، حسب ما قال الوسيط الأفريقي، وبعد الاتفاق تم الإفراج فعلا عن 235 أسير من حركة تحرير السودان، واحدة من جماعات المعارضة النشطة في إقليم دارفور.

*****

إيه اللي خلى المجلس العسكري يوافق بعد تعنته قبل كده؟

– زي ما قولنا في بوست سابق، لما اتطرحت المبادرة الإثيوبية والأفريقية بعد فض الاعتصام، المجلس العسكري وافق عليها لاعتقاده إن المعارضين هيرفضوها. وبكده يرموا اللوم على المعارضين، وينفردوا بالسلطة. لكن قوى الحرية والتغيير فاجئتهم بموافقتها.

– ساعتها المجلس العسكري تراجع عن موافقته السابقة، في مشهد كان مربك للجميع. وده خلى المجلس العسكري يبان إنه بيتهرب من الوساطة الإثيوبية، وإنه بيتلكك للثوار، خصوصا لما تراجع عن الاتفاقات القديمة اللي حصلت قبل توقف المفاوضات، وقالوا عنها إنها مجرد تفاهمات.

– رجوع المجلس العسكري للتفاوض، وموافقته مرة تانية على المبادرة، كانت نتيجة لعوامل ضغط كتير، أهمها المظاهرات الضخمة اللي خرجت يوم الأحد 30 يونيو. اللي تعتبر أضخم مظاهرات حصلت منذ فض القيادة العامة. ونجح فيها الثوار في الوصول لمدن وأماكن كتير برا العاصمة، زي أم درمان وبحري ومدني وعطبرة وبورسودان، ودارفور.

– بعد المظاهرات دي، انطلقت دعوة تانية للاعتصام يوم 14 في الشهر الحالي. وواضح إن أدوات الضغط في أيد الثوار قوية وفعالة رغم انقطاع الإنترنت عن معظم المستخدمين، ونجاح العصيان المدني اللي استمر لمدة 3 أيام الشهر اللي فات. كل ده كان ليه دور مهم، في تأكيد وضوح اختيارات الشعب السوداني، وتمسكه بالديمقراطية، ودعمه لمطالب قوى الحرية والتغيير.

– على الصعيد الخارجي، حصلت ضغوط من جهات مختلفة في الأيام الأخيرة، زي أمريكا والسعودية والإمارات والإتحاد الأفريقي. وحسب تصريحات نائب رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري ياسر العطا، فيه ممثلين للأطراف دي حضروا اجتماع مع المجلس العسكري وقيادات الحرية والتغيير قبل مظاهرات 30 يونيو. وبعد الإعلان عن الاتفاق كان فيه ترحيب إماراتي على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش.

– كمان مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، كان طالب المجلس العسكري بالتحقيق في اتهامات قيادات الجيش باستخدام القوة المفرطة في فض الاعتصام.
*****

هل كده أصبح الوضع مطمئن؟

– رغم التفاؤل الحذر، لسّه فيه كتير من التفاصيل غامضة، خصوصا فيما يتعلق بتشكيل المجلس التشريعي، ومعاد تشكيله اللي مش متحدد بدقة. واللي كان عليه خلافات أساسية في الجولة اللي فاتت من المفاوضات. كمان مش معروف إزاي السلطة هتتسلم بعد انتهاء الفترة الانتقالية، أو آلية حل أي خلافات تحصل وسط الفترة دي.

– إيه اللي يضمن إن المجلس العسكري يوفى التزاماته، وما ينقلبش على المجلس السيادي في أي وقت؟ قوة السلاح اللي بيستند ليها المجلس العسكري هي مصدر قوة دائم، خصوصا إن قوات الدعم السريع لسه بتستخدم العنف، حتى مع التجمعات الصغيرة، لدرجة إنهم اقتحموا مقر انعقاد مؤتمر صحفي لتجمع المهنيين السودانيين قبل يوم واحد من مظاهرات 30 يونيو.

– قيادات المجلس العسكري بيحاولوا يقلبوا الحقايق، وفي الوقت اللي اتقتل فيه 7 أشخاص، وأصيب 180 برصاص قناصة يوم الأحد قبل اللي فات، نائب رئيس المجلس العسكري محمد حميدتي اتهم مندسين بقتلهم، وقال إن مسيرات المعارضة بتخرج عن أهدافها!

– الـBBC نشرت من أيام عن تعاقد قيمته 6 مليون دولار، عمله المجلس العسكري مع شركة علاقات عامة كندية “ديكنز وماديسون”، رئيسها ظابط موساد سابق اسمه “بن ميناشي”، عشان تحسن صورة المجلس العسكري قدام المجتمع الدولي، وترتب لقاء بين حميدتي وترامب. دي ممكن تكون مؤشرات عن حقيقة رغبات “حميدتي”. والتلاعب والوقيعة اللي ممكن يسعى الجيش لصنعها بين قوى الحرية والتغيير.

– وشوفنا، وفق موقع “theglobeandmail” امبارح، إزاي حميدتي “جن جنونه” بسبب رفض شركة ديكنز وماديسون للعلاقات العامة، إعادة مبلغ الـ6 مليون دولار، بعد خلافات بين الشركة والمجلس العسكري السوداني على تفاصيل بشأن التعامل مع حادث فض القيادة العامة.
******

إيه عرفناه بعد رجوع الإنترنت للسودان؟

– “أؤمن تماما أن ما شهدناه خلال الشهور الماضية وما نستمر في مشاهدته في السودان سيكتب في التاريخ كواحد من أعظم الحركات الجماهيرية السلمية في زمننا” ده كان كلام أندرو غيلمور مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان من أيام.

– لكن للأسف، من ساعة رجوع الإنترنت من يومين للسودان، وإحنا بنشوف مقاطع فيديو مفزعة وشديدة القسوة بتوثق لمشاهد مجزرة فض اعتصام القيادة العامة:

١- مشاهد ظهر فيها أفراد جيش بيجروا ورا متظاهرين وبيجبروهم يرددوا “عسكرية” بدل “مدنية” اللي كان بيهتف بيها المتظاهرين.

٢- مشاهد تانية ظهرت فيها محاولات إسعاف مصابين بعد إطلاق الرصاص عليهم.

٣- ومشاهد لجثث تم انتشالها من النيل بعد ما قام جنود قوات التدخل السريع بالقاءها فيه.
*****

– طبعا كل الفيديوهات المفزعة اللي بتتنشر من حادث الفض، وقطع الإنترنت لأكثر من شهر رغم حكم محكمة سودانية بإعادته، مع كتير من أفعال وتصريحات المجلس العسكري أمر غير مطمئن، لكن في المقابل بنشوف الإتحاد الأفريقي بيهدد بعقوبات ضد المجلس العسكري لو ملتزمش بالاتفاق. وفيه كلام عن عزلة دولية ممكن تفرض على المجلس العسكري، ووضع حميدتي يبقى زي وضع البشير سابقا لما كان مطلوب، ومايقدرش يسافر غير أماكن معينة، لكن نتمنى الأمور متوصلش للنقطة دي.

– في النهاية، مفيش أي ضمانة ممكن تأكد إن الأمور هتبقى مثالية، وإن الديمقراطية هتنجح في ظل صعوبات وتحديات كتير قدام الشعب السوداني. لكن وعي الثوار من دروس ثورات الربيع العربي، وإصراره وإصرار تجمع المهنيين وقوى الحرية على عدم التنازل عن الحكم المدني، وعن الديمقراطية، وسلك كل الطرق في سبيل ده: بالتفاوض أو بالضغط الشعبي، هو ده اللي يخلينا متفائلين بمستقبل السودان.

– كل العزاء والتضامن مع الشعب السوداني في ضحايا فض مجزرة القيادة اللي لسه بنعرف عنه كل يوم أكتر. وكل الدعم والتهنئة، والتمنيات بالانتصار لقيم الحرية والديمقراطية والعدل الاجتماعي، وباستكمال الاتفاق والالتزام بيه، لحين وصول الشعب السوداني للحكم المدني بشكل كامل.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *