– يوم 3 ديسمبر الحالي أصدرت محكمة العدل الأوربية قرار بإلغاء تجميد أموال مبارك وعائلته، القرار صدر لالغاء قرارات تجميد الأموال السابقة اللي تمت في 2016 – 2018 مش الغاء تجميد كل أموال مبارك.
– بعد يومين فقط من القرار صدر قرار أخر في مصر برفع جمعية “جيل المستقبل ” اللي أسسها جمال مبارك من قضية التمويل الأجنبي الشهيرة رقم 173.
– القرارين المتزامنين تقريبا يخلونا نفكر هل في علاقة بين ده وده؟ والأهم القرار اللي صدر من محكمة العدل الأوربية يخلينا نفكر في مسار استرداد أموال مبارك المنهوبة وليه مصر فشلت هذا الفشل الذريع في ملف إسترداد الأموال؟
*****
ايه اللي حصل؟
– محكمة العدل الأوربية قررت الغاء قرارات تجميد أموال صادرة في حق مبارك واسرته، في 2016 – و2017 و 2018 لأنها شافت أنه بحسب نص الحكم ” أنه المحكمة لم تتمكن من التأكد أن العقوبات المفروضة على مبارك وأسرته كانت على أساس متين.”
– أضافت المحكمة في حيثيات الحكم المنشور علي موقعها ” أنه لا يجوز الاكتفاء بإشارات من السلطات المصرية قبل أن يتحقق مجلس الاتحاد من احترام حقوق الدفاع، والحق في الحماية القضائية الفعالة في ذلك الوقت لاعتماد القرار من الدولة الثالثة المعنية.”
– بمعني بسيط أنه الأخطاء الإجرائية في محاكمة مبارك وأبناءة في مصر كانت سبب في الغاء قرارات التجميد السابقة، لأنه القضاء المصري مقدمش أدلة واضحة علي أنه أموال مبارك ده جايه من ارتكاب فساد.
– سويسرا كانت جمدت حوالي 300 مليون دولار من أموال مبارك وعائلته، وكل سنة كانت محاميي مبارك بيطالبوا برفع التجميد عن الأموال دي.
– مش معروف لحد دلوقتي قرار المحكمة الأخير ده حيتيح لأسرة مبارك التصرف في قد ايه من الأموال دي، لكن من المؤكد انهم مش حيقدروا التصرف في الأموال دي علي الفور لأنه لسه في قضايا أخري مستمرة، منها قضية علي مبارك وأبناءة متعلقة بغسيل الأموال وهي قضية لم تنتهي أمام المحاكم السويسرية.
******
ليه مصر فشلت في استرداد أموال مبارك ورموز نظامة
– القرار ده مش الأول من نوعة في 2017 اقرت محكمة سويسرية الافراج عن 436 مليون فرنك سويسري من أموال رموز رجال أعمال مقربين من مبارك.
– ساعتها السلطات السويسرية قالت أنه القرار ناتج عن توقف التعاون القضائي بين مصر وسويسرا لأنه السلطات المصرية لم تقدم أي حكم نهائي من محكمة يثبت أنه الأشخاص دول سرقوا المبالغ دي في قضايا فساد محددة.
– القلق السويسري من التعاون مع مصر كان واضح من الأول، من أيام تشكيل لجان استرداد الأموال واللي بحسب طارق الخولي نائب مجلس الشعب كلفت مصر حوالي 120 مليون دولار في 7 سنوات بدلات سفر واتعاب محاميين وغيرها.
– بالتالي قرارات محكمة العدل الأوربية دلوقتي هو استمرار لنفس المسار، فشل مصري واضح – محدش عارف هو مقصود ولا مش مقصود- في بناء قضايا واضحة ومحاكمات عادلة بدون تدخل في أعمال القضاء هو السبب في توقف التعاون.
– بشكل ما أو بأخر الإدارة السياسية خاصة بعد تولي الرئيس السيسي ركزت أكثر علي التصالح مع رموز مبارك مقابل مبالغ من الأموال واستصعبت الاستمرار في الطرق القانونية والتعاون القضائي مع البلدان الأخرى عشان استرداد الأموال.
– بالطبع عملية استرداد الأموال هي عملية صعبة وطويلة نسبيا وبتتطلب قدر كبير جدا من الاراداة السياسية، والتحقيقات القانونية المستقلة، والذكاء في التعامل والتقاضي أمام محاكم غير المحاكم المصرية، لكنها في حالات كثير في العالم نجحت.
– نجحت حتي في دول نامية زي نيجيريا اللي نجحت في استرداد 321 مليون دولار من سويسرا من أموال نهبها الدكتاتور النيجيري السابق ساني أباتشا بعد 18 سنة علي وفاته، نيجيريا نجحت لأنها استعانت بخبرات قانونية وكان عند رئيسها محمد بخاري والسلطات هناك إرادة لاسترداد الأموال دي وبالتالي مع الضغط الشعبي والرسمي علي السلطات السويسرية تم إعادة الأموال.
– في ليبيا ملف الأموال المجمدة يمثل مشكلة كبيرة خاصة بسبب الانقسام الليبي بين الشرق والغرب، لكن برضه ليبيا عندها تجربة نجحت في استعادة قصر الساعدي القذافي في لندن بقيمة 16 مليون دولار، وده بعد ما تم الاثبات أمام محكمة بريطانية إن دي أموال مسروقة من ليبيا.
– وحكينا من فترة عن تجربة استعادة الأموال في ماليزيا، وقصة استرداد يخت كان يملكه رئيس الحكومة السابق نجيب رزاق ب 250 مليون دولار.
– علي عكس كل الدول دي ونماذج تانية كثير اللي حصل في مصر هو العكس، لجنة الكسب غير المشروع تصالحت من 2014 ولحد دلوقتي مع رجال أعمال كانوا مقربين من نظام مبارك ووزراء سابقين منهم مثلا (حسين سالم، ورشيد محمد رشيد، وزهير جرانة، وأحمد عز وغيرهم )
– بل أنه الخارجية المصرية في حالة حسين سالم أرسلت مذكرة للنائب العام السويسري في مايو2016 بتطالبه أنه يرفع التجميد عن أموال حسين سالم ومراته لأنهم مش مطلوبين على ذمة أي قضايا في مصر، ودا كان غير حقيقي لأنه كان لسه في قضايا عليهم وخلصت فى اغسطس 2017.طبعا الحكومة قررت تعمل ده عشان تقدر تتصالح مع حسين سالم.
– معظم الناس دي خدت أحكام في قضايا الفساد في الفترة بعد الثورة أيام ما كان في ضغط شعبي كبير على النظام، لكن بعد ما تراجع الضغط الشعبي ده، وتحت مبررات من نوعية ” هنعمل إيه لما نسجنهم ” اتصالحت الحكومة مع رجال الأعمال الفاسدين دول.
*****
نشوف ايه من كل ده؟
– القرار الأخير لمحكمة العدل الأوربية بيقول كثير عن وضع القضاء المصري وخاصة في ملف مهم زي استرداد الأموال المنهوبة، انعدام الثقة في القضاء المصري بسبب القضايا والمحاكمات الصورية اللي بتتعمل لعشرات النشطاء السياسيين بتخلي مفيش ثقة من أي حكومة أجنبية في التعاون معانا في ملفات زي دي.
– بالتالي إحنا بندفع أثمان غياب الديمقراطية والإرادة الحقيقة لمحاربة الفساد ،لأنه أموال زي دي كان ممكن يتم استردادها واستخدامها بأشكال مختلفة لصالح المصريين.
– لو الحكومة كانت عاوزة بالفعل تسترد الأموال دي كانت استفادت من شغل أشخاص ومؤسسات من المجتمع المدني اشتغلوا علي الملف ده زي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية واللي كان لها علاقات جيدة بمؤسسات مجتمع مدني سويسرية معنية بمكافحة الفساد.
– كان ممكن نستفيد من ده ومن الضغط الشعبي اللي كان لازم نبين لسويسرا وغيرها أنه موجود لاسترداد الأموال دي، في العادة وفي حالات دولية تانية كانت قرارات بتخصيص الأموال المستردة لمشاريع التنمية زي ما حصل في نيجريا، أو تمويل تعويضات ضحايا الدكتاتور زي ما حصل مع ماركوس في الفلبين بعد استرداد جزء من أمواله الي نهبها.
– كل ده كان ممكن يزود الضغط الشعبي غير الرسمي علي الحكومة السويسرية بجانب طبعا الإجراءات الرسمية القضائية.
– ده غير مسار سياسي تاني مختلف هوا التواصل مع القوى السياسية وقوى المجتمع المدني في أوروبا اللي بتشتغل على تغيير قوانين تجميد واسترداد الأموال، بحيث تبقى المسؤولية واقعة على صاحب الأموال المشكوك فيها إن هوا اللي يثبت إن مصدرها شرعي مش حكوماتهم اللي تثبت إن مصدرها غير شرعي.
– لكن للأسف في مصر مخدناش الطريق الرسمي القانوني ولا غير الرسمي الشعبي والسياسي، بالتالي دلوقتي احنا في الوضع ده، إن أسرة دكتاتور سابق حكم 30 سنة وتسبب بقتل المتظاهرين وغيرها من جرايم عهده الطويل، ترجع أموال فسادهم وفساد رجالهم ليهم.
– مكافحة الفساد واستقلال القضاء كلها شعارات ممكن أي حد يقولها، المهم نشوف التطبيق .. لكن مهما كان الواقع مؤلم الأكيد انه هيفضل المصريين عارفين الحقيقة، عارفين ان الملايين والمليارات دي كلها مجاتش من مرتب السيد الرئيس وأسرته، وعارفين إن أجهزة الدولة كان بايدها كتير تعمله بالملف ده وغيره لو صدقت الإرادة السياسية.
*****