– من يومين أعلنت الشبكة العربية للأبحاث والنشر واحدة من أكبر دور النشر في الوطن العربي أنها قفلت الفروع بتاعتها في مصر بسبب التضييقات الأمنية.

– الشبكة العربية هي مؤسسة نشر مستقلة، بتنشر وتوزع عدد مهم من الكتب وخاصة في الموضوعات الفكرية زي الفلسفة والعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الاجتماع، ومهمة جدا لأي باحث مصري أو عربي في مجال العلوم الإنسانية.

– إيه اللي حصل؟ وليه غلق المكتبة خبر سيء لكل الناس مش الجماعة الثقافية بس؟

*****

إيه اللي حصل؟

– إغلاق المكتبة بدأ من حوالي شهرين لما الشبكة قفلت فرع الإسكندرية، قبل ما تغلق الفرع التاني اللي كان في القاهرة في وسط البلد في ديسمبر.
– السبب الرسمي اللي أعلنه نواف القديمي رئيس مجلس إدارة الشركة هو التضييقات الأمنية على الشبكة في السنوات اللي فاتت واللي ساهمت في تأزم الوضع المالي لها.
– التضييقات دي بحسب القديمي شملت زيارات متكررة للمكتبة من ضباط في الأمن الوطني، وتفتيش للكتب اللي فيها وفي مرة قُبض على عاملين من المكتبة قبل ما يفرج عنهم.
– كمان تم مصادرة كتب من مخزن المكتبة كانت غير معروضة للبيع، زي كتاب يوميات الثورة واللي هو كتاب لنواف القديمي نفسه، وكتابين تانيين عن الربيع العربي.
– تم إثبات حرز الكتب دي واترفعت دعوى قضائية ضد الشبكة العربية بتهمة نشر كتب إثارية، وصدر قرار ضبط وإحضار لنواف القديمي واللي هو ممنوع من دخول مصر من أبريل 2017.
– بعدها بحسب كلام القديمي مع موقع مدى مصر، تواصل مسئولين الشبكة مع الأمن في 2019 عشان يستفسروا عن موضوع القضية ويسألوا عن عودتها للعمل مرة تانية وهو الشيء اللي وافق عليه الأمن في 2019.
– لكن التضييقات الأمنية لم تتوقف، وبعدها بدأ الأمن يدقق في شحنات الكتب اللي جايه للشبكة من بره، وفي أحد المرات احتجز شحنة كتب بقيمة 40 ألف دولار لمدة سنة ونصف بحجة أنه فيها كتب مخالفة.
– كل ده ساهم في تأزيم الوضع الاقتصادي للشبكة ومع الوضع الاقتصادي بعد التعويم واللي ساهم في ضعف الإقبال على الشراء لأنه قيمة الجنيه انخفضت للنص تقريبا في ظل أنه معظم كتب الشبكة بتتباع بالدولار أساسا، وضعف السياحة وخاصة السياحة العربية الثقافية واللي قللت من معدلات بيع الكتب، كل العوامل دي قادت للنهاية الحزينة بإغلاق مكتبة الشبكة في مصر.
*****

ليه ده خبر حزين؟

– كثير من الباحثين في مجال العلوم الإنسانية زي الاقتصاد والعلوم السياسية والفلسفة وعلم الاجتماع والدراسات الإسلامية عارفين أهمية توفر مكان زي الشبكة العربية للأبحاث في مصر.
– المكان كان بيبيع كتب مش موجودة في مصر ومهمة جدا للباحثين سواء ماجستير أو دكتوراه أو غيرها، بالإضافة لأنه النوع ده من الثقافة المتخصصة في مصر شبه غائب وده سبب مباشر في سوء حالة الجامعات والأكاديميا في مصر بشكل عام وسبب مباشر في أنه البحث العلمي وخاصة في العلوم الإنسانية متأزم في مصر.
– مصر تاريخيا كان فيها باحثين ومفكرين مهمين على المستوي العربي وحتى منهم ناس كانوا فلاسفة عالميين ومؤثرين في مجالاتهم، وده بسبب أنه السياق الثقافي والأكاديمي كان بيشجع على ده.
– حاليا مع التضييقات الأمنية في كل حاجة بداية من الجامعة وتقييد حرية البحث العلمي وحتى التضييق على دور النشر في مصر زي ما حصل قبل كدة مع مكتبة تنمية ومؤسسها خالد لطفي اللي اتحاكم عسكريا واتحكم عليه بخمس سنين بعد نشره لكتاب عن أشرف مروان.
– أواخر شهر سبتمبر سنة 2018 اللي فاتت الأمن قفل مكتبة البلد بشارع محمد محمود وسط القاهرة، وتم إغلاق المقر بالشمع الأحمر بدعوى أن المكتبة بلا ترخيص. مع العلم إن المكتبة مملوكة لفريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي المعارض ما دفع البعض للربط بين مواقف المالك السياسية وقرار الإغلاق.
– وقبل كده في ديسمبر 2016، تم إغلاق مكتبتين تابعتين لسلسلة مكتبات الكرامة، اللي أسسها الناشط الحقوقي جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (واللي هي قفلت كمان بسبب التضييقات الأمنية)، وغير دا كله عشرات الحالات من الاقتحامات الأمنية والقضايا على دور نشر بسبب محاولة السيطرة على محتوى الكتب المنشورة.
– التضييق على الإبداع وحرية التعبير والنشر مرتبط جدا بالسياق السياسي الحالي واللي فيه ناس من جوا المطبخ مش عايزة غير صوت واحد بس هو الصوت المؤيد وفقط، حتى لو فيه مجال ثقافي بحت بعيد إلى حد ما عن التجاذبات السياسية (يفترض).
– الحقيقة إحنا مش عارفين ليه الأمن المصري بيصرف من وقته وجهده في مراقبة الكتب اللي هي مصرح لها بالطباعة والنشر ومستوفية الشروط القانونية في كيان مرخص وقانوني.
– يعني هل خلاص مفروض يعتمد في القانون إنه الأمن الوطني مراقب للمشهد الثقافي في مصر، ويستلزم إنه ظابط يقرأ كل كتاب بيتنشر في مصر ويقول إذا كان ينفع يتنشر ولا لأ، هل دي مصر اللي بنحلم بيها كلنا؟ هل فيه أي مكان في العالم بيحترم الثقافة والعلم والشعب ممكن يعمل دا؟
– مفيش بلد بتتقدم وفيها ناس بتعادي الثقافة بلا مبرر سوى هواجس سياسية، لأن دا بيأثر على الحركة الثقافية والعلمية بشكل عام بعيداً حتى عما هو سياسي، فتلاقي الموارد الثقافية قدام الباحثين عندك بتقل، فيلجأوا للهجرة، أو بيقعدوا في البلد ويبقى مستواهم أقل من نظرائهم في دول تانية، أو بيبطلوا الشغلانة دي أصلا، وكل دا شيء يضر بسمعة وقوة البلد.
– ثم إن في عصر الإنترنت والانفتاح الثقافي إزاي لسه فيه عقلية قادرة تشوف إنها ممكن تمنع المعرفة عن الناس، طيب ما فيه إنترنت وكتب أونلاين وغيره وغيره، فنعتقد إن فيه جهد وفلوس بتضيع على الفاضي وبتشوف سمعة البلد بلا أي طائل بسبب الإصرار على سياسة قمعية تجاه الثقافة.
– حق النشر والتعبير والفكر حقوق أساسية منصوص عليها في الدستور والمعاهدات الدولية اللي مصر موقعة عليها، ودا جزء من الرقابة الشعبية اللي المفروض انها تكون موجودة طول الوقت، بدون حرية تعبير مفيش رقابة وبالتالي كل مسئول هيعمل اللي هو عايزة بدون أي محاسبة لأنه متأكد أنه محدش هيجرؤ أنه يتكلم عنه.
– كل الدعم للشبكة العربية للأبحاث والنشر ولصناعة النشر بشكل عام في مصر، ونتمنى ترجع كل المكتبات المغلقة وأكتر قريب لمصر بعد إصلاح الأوضاع.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *