– في 20 فبراير أصدرت الإدارة الأمريكية الجديدة قرار مهم جدا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، وهو وقف تعليق المساعدات الأمريكية لإثيوبيا.
– التعليق اللي كان بيأثر على تدفق مساعدات بقيمة (272 مليون دولار)، واللي كانت أقرته إدارة ترامب بسبب التعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة اللي تمت برعاية واشنطن، وأوقفت بالفعل أكثر من 100 مليون دولار.
– رغم إنه لسه الإدارة الأمريكية الجديدة لم تعلن بوضوح موقفها بأزمة السد، لكن القرار بيدي إشارة مهمة ، وفي المقابل لسه مش واضح تماما مصر هتتعامل إزاي مع التغيرات المتوقعة.
– لذلك هنناقش مع بعض القرار الأمريكي الأخير، وتأثيره على أزمة السد، ومحاولة لفهم الدور المرتقب للإدارة الأمريكية الجديدة في الملف في الفترة القادمة، وإيه اللي ممكن مصر تعمله؟
*****
إيه القرار الأمريكي الأخير؟
– كان جزء من التوقعات قبل الانتخابات الأمريكية أنه ملف سد النهضة مش هيكون أولوية في ملفات إدارة بايدن، وهياخد وقت على ما يحصل فيه أي تحرك، بالتالي القرار الخاص بإلغاء تعليق المساعدات لإثيوبيا بعد شهر واحد من تسلم السلطة بيقول أنه في تغيرات هتحصل أسرع من المتوقع.
– القرار الجديد وإن كان هيعتمد على عدد من العوامل الأخرى، إلا إنه جاي مع توجه جديد من الولايات المتحدة بحسب نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية واللي قال أنه “الولايات المتحدة قررت أن تتوقف عن ربط التعليق المؤقت لمساعدات محددة لإثيوبيا بالموقف الأمريكي بشأن سد النهضة”.
– بالتالي التوجه الجديد ده فعليا بيصب في مصلحة إثيوبيا، لأنه بيحررها إلى حد كبير من ضغوطات أمريكية كانت موجودة سابقا.
– إحنا مش بنقول أنه ترامب كان الأفضل بشكل فعلي لمصر في ملف السد لأنه ترامب نفسه محاولش يضغط بشكل فعال على إثيوبيا ليجبرها بتوقيع أي اتفاق. وتعليق المساعدات ده مجبش أي نتيجة مع إثيوبيا رغم أنه حصل قبل شهرين من الانتخابات تقريبا و5 شهور من تسليم السلطة في الولايات المتحدة، ولكن لا ننكر إنه كانت خطوة بتمثل قدر من الضغط لأديس أبابا ورسالة سياسية مهمة.
*****
ليه لازم نتوقع تغيرات في موقف الإدارة الأمريكية؟
– الإدارة الأمريكية الجديدة جايه بأجندة مختلفة عن أجندة ترامب وطريقته في الدبلوماسية، ويمكن التخوفات المصرية من ده مبررة، لأنه بايدن نفسه ومن قبل انتخابه بيقول أنه مش هيبقي في شيكات على بياض تاني ل “دكتاتور ترامب المفضل” يقصد الرئيس السيسي.
– وفي ملف السد متوقع يحصل تغيرات بسبب الموقف الجديد للإدارة الأمريكية الديمقراطية، واللي بسبب أصوات الأمريكيين من أصل إفريقي قدرت تحسم بشكل ما السباق الانتخابي، وبالتأكيد منهم متعاطفين مع إثيوبيا في الدوائر السياسية، وبسبب طبيعة الحزب الديمقراطي نفسه في الوقت الحالي كحزب بيضم تحالف واسع للأقليات فمن المتوقع أنه الموقف الأمريكي ممكن ميكونش حاسم كفاية تجاه إثيوبيا ويمكن تجاه الملف ككل نتيجة ضغوط.
– وكمان لازم نعرف إن دا مش مجرد كلام، لكن على الأرض في واشنطن تمكنت مجموعات ضغط أمريكية–إثيوبية من إقناع أعضاء بالكونجرس الأمريكي من أصول إفريقية باتخاذ موقف مؤيد لإثيوبيا في أزمة سد النهضة، ومن قبل رحيل ترامب أصدر تجمع في الكونجرس بيضم 55 سناتور من أصول إفريقية بيان بيدعم عمليا أديس أبابا، وبيعتبر أن سد النهضة له وقع إيجابي على المنطقة وفقط.
– وقع الضغط دا بيظهر بشكل ما في الفترة الانتقالية لإدارة بايدن الجديدة، واللي اختار فيها يوهانس إبراهام وهو سياسي من أصول إثيوبية كمدير لفريق تسلم السلطة، وتردد كلام عن إنه هيتم تعيينه كسكرتير تنفيذي لمجلس الأمن القومي الأمريكي.
– الأمر وصل لدرجة أنه ناشط سياسي مهم ومفكر قريب جدا من الحزب الديمقراطي وهو جيسي جاكسون يكتب في يونيو 2020 مقاله بيقول فيها أنه موقف مصر مع النيل زي موقف المستعمرين وبيتهم مصر أنها استعمار أبيض في إفريقيا عشان رافضه الموقف الإثيوبي في موضوع السد.
– في المجمل فيه سعي إثيوبي متواصل للترويج لنفسهم في واشنطن على أساس إنهم دولة ديمقراطية عندها طموحات تنموية، ودا خلى فيه تعاطف سياسي بنسبة ما موجود داخل الدوائر السياسية الأمريكية مع إثيوبيا في عرض القضية بصورة مختلفة عن حقيقتها وتصوير مصر على أنها بتحاول تمنع تنمية إثيوبيا .
– وكمان خلينا نقول إن الصورة دي طبعا مش بهذا النقاء أبدا، خاصة إن إدارة بايدن بدأت عهدها مع أديس أبابا بوجود حرب داخلية في إثيوبيا في إقليم التيغراي، كان فيه انتهاكات حقوقية واسعة من جانب السلطات الإثيوبية، وحصل عليها انتقادات دولية كبيرة، خاصة لما القوات الأثيوبية أطلقت النار على فريق للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي.
*****
إيه اللي المفروض يحصل؟
– على وقع التحركات الإثيوبية دي، مينفعش مصر أبدا تكون رد فعل أو تكون متأخرة خطوات في الحراك الدبلوماسي العالمي المتعلق بالسد، وإن مطلوب خطوات دبلوماسية مصرية جدية على أكثر من مستوى للرد على الرواية الإثيوبية، وتوضيح القصة من جانبنا، بأن مصر ليست ضد التنمية في إثيوبيا، وإنما فقط تريد الحفاظ على حقوقها المشروعة، لأن دا وتر بيلعب عليه الإثيوبيين داخل إفريقيا وفي واشنطن، وللأسف بيجد مستمعين.
– مصر بعد خسارة ترامب أضافت السيناتور السابق مارك بيغيتش، اللي بيعمل مع شركة “براونشتاين حياة فاربر شريك”، إلى فريق متزايد من أعضاء جماعات الضغط من الشركة، لتحسين صورة مصر أمام الإدارة الأمريكية الجديدة وخاصة داخل الكونجرس.
– وبحسب البيانات اللي نشرتها وزارة العدل الامريكية فمصر بتدفع شهريا للشركة دي حوالي 65 ألف دولار، مع وجود عقود مع أسماء سابقة نظير تقديم خدمات “العلاقات الحكومية والاستشارات الإستراتيجية” لمصر في الأمور المعروضة على الحكومة الأمريكية.
– لكن السياسة دي يبدو مجبتش النتيجة المتوقعة فيما يتعلق بسد النهضة، بل بالعكس النظام تورط بشكل كبير جدا مع إدارة ترامب وبقى محطوط على القائمة السوداء للأنظمة اللي نظام بايدن جاي برؤيه سلبية عنها، خاصة بعدما بدأ عهده بقصة القبض على العاملين بالمبادرة المصرية، وأيضا القبض على أقارب محمد سلطان.
– وبالتالي طالما بندفع فلوس من أموال عامة للشركات دي يا ريت تكون أجندتها لخدمة قضايا وطنية ومصيرية زي سد النهضة مش مجرد غسيل سمعة النظام في القضايا الحقوقية والسياسية خاصة إن حلها مش إعلامي.
– وكمان مؤسسات الدولة المصرية زي الخارجية وغيرها لازم توضح إن قضية سد النهضة لا تتعلق بالنظام المصري وإنما بكافة المصريين، وده كمان يتطلب إن الوفود اللي تتكلم عن الملف تشمل شخصيات من مختلف التيارات السياسية المصرية، زي وفود الدبلوماسية الشعبية سابقا.
– وبالطبع مرتبط بالنقطة اللي فاتت انه تحصل إصلاحات سياسة في مصر، وحل عاجل تحديدا لملف السجناء السياسيين، وده لصالح مصر والمصريين أولا قبل ما يكون لتغيير صورة النظام المصري وتحويل الضغوط الأمريكية.
– ده بالإضافة لأدوار مصرية تهم أمريكا بملفات أخرى بالمنطقة زي القضية الفلسطينية وليبيا وغيرها.
– وبجانب خطوات مصر المهمة المطلوبة في واشنطن، لا يمكن الارتهان لحل أمريكي فقط، لأنه وارد إدارة بايدن تتباطأ ودا في مصلحة إثيوبيا مش في مصلحة مصر.
– ومن الأهمية تنويع التحركات والضغوط الدبلوماسية بداية من التحرك داخل الاتحاد الإفريقي بشكل أكثر حسما بجانب السودان اللي فيه تطورات إيجابية معاها مؤخرا، وكذلك عربيا باستخدام ثقل حلفاء لينا زي الإمارات والسعودية (خاصة بعد المبادرة السعودية الأخيرة للوساطة)، ودا ملف محتاج وقفة جادة نظراً لطبيعة العلاقات المتينة بين الإمارات مثلا وأديس أبابا.
– لكن كل دا لازم يحصل مع عدم الانجرار لسياسة كسب الوقت الإثيوبية لفرض الأمر الواقع بمفاوضات محكوم عليها بالفشل مسبقا، يعني يفترض قبل الدخول في مفاوضات جديدة يكون فيه ضمانات جادة لعدم التهرب.
– كتبنا قبل كده بالتفصيل عن حلول مقترحة لأزمة سد النهضة زي اللي فوق دي وغيرها زي التحكيم الدولي، وليه الخيار العسكري عوامله صعبة ومعقدة جدا، وحلول داخلية تتعلق بترشيد استهلاك المياه، وحلول تتعلق بتفعيل الدور المصري في إفريقيا، وخاصة في دول حوض النيل، وحلول تنموية للدول دي تشارك فيها مصر بفعالية.
– ممكن تشوفوا اللي كتبناه خلال مراحل مختلفة من الأزمة من هنا: shorturl.at/crzB4 بتاريخ 9 مارس 2020 أو من هنا: shorturl.at/kuHUW بتاريخ 11 أكتوبر 2019 وحتي مع فشل جولة المفاوضات الأخيرة كتبنا تحليل عن المفاوضات وعلاقة مصر بالسودان في الملف ده ممكن تشوفوه من هنا : shorturl.at/eiEH7
– بنكرر كلامنا السابق إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ونتمنى نشوف تعامل على مستوى الخطر الرهيب بتطرح كل الخيارات ومكاسبها وخسائرها، وتشارك فيه كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *