فاكرين قضية الشاب محمد عبدالحكيم (شهرته عفرتو) اللي مات من التعذيب في قسم شرطة المقطم في يناير اللي فات؟ المحكمة حكمت في القضية الشهر اللي فات على معاون مباحث القسم بالسحن لمدة 3 سنوات وغرامة 200 جنيه، وعلى أمين شرطة بالسجن لمدة 6 شهور بس!
السبب في الحكم ده هيا التهمة اللي اتوجهت للمتهمين “ضرب أفضى إلى موت”، لأن حسب القانون اللي حصل لعفروتو ده مش “تعذيب”! وده اللي خلا المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرر باجتماعه الأخير مطالبته تعديل تعريف التعذيب بالقانون.
*****
إزاي يعني الطب الشرعي يثبت انهم قتلوه من الضرب ويبقى مش تعذيب؟؟
– القانون الحالي عندنا بيشترط لتعريف الفعل انه تعذيب “توافر القصد الجنائي”، يعني يكون التعذيب متعمد بغرض إنه يعترف بمعلومة مثلا، أو بغرض التمييز، وساعتها توجه للفاعل تعمة القتل العمد، لكن لما يعذبوه بدون غرض انه يعترف يبقى عادي ده “ضرب أفضى إلى موت”!!
– القضايا دي بيتم التعامل معاها كجنحة وليس جناية، والقانون بيعاقب مرتكبها بالسجن لمدة تتراوح بين 3 و7 سنوات، لو كانت الواقعة بدون سبق إصرار أو ترصد.
– أحكام المادة دي تنطبق على أي حد يعني ناس عادية في خناقة عادية، زيها زي ظباط عذبوا متهم داخل مقر احتاج رسمي!
– لازم المجني عليه يكون عرف المتهم باسمه أو على الأقل شاهد شافه، لكن لو متعرفش عليه (غالبا بيكون متغمي) القضية بتتسجل ضد مجهول حتى لو ثبتت إصابات التعذيب وثبت ان مصدرها مكان الاحتجاز.
– المجلس القومي لحقوق الإنسان – وهو جهة رسمية – بيطالب من 2013 بتعديل المواد 126 و 129 من قانون العقوبات، وماحدش رد من وقتها.
*****
هل القانون هو المشكلة الوحيدة؟
– طبعاً لا، المشكلة في رؤية عامة لأجهزة الدولة إن التعذيب شيء عادي وممكن مطلوب، وده على الجنائيين وأي مواطن مش على السياسيين.
– خلينا نشوف الإعلام .. في قضية عفروتو أول ما اتقتل صحف ومواقع كتير نقلت عن “مصادر أمنية” إنه مات بجرعة مخدر استروكس زائدة .. هل أي حد من دول هيتطبق عليه قوانين بث أخبار كاذبة وغيرها من التهم؟!
وكمان مفيش أي موقع أو جريدة ذكر اسم الظابط خالص، على خلاف اللي بيحصل في فضح ناس تانية مبيكونوش عملوا أي حاجة ولا عليهم أي تهم!
– نروح للقضاء .. الظابط المتهم لم يتم حبسه احتياطي، وفضل بيحضر الجلسات بملابسه المدنية ويضربوله تعظيم سلام، والقاضي كمان أسقط تهمة “احتجاز بدون وجه حق”، واختار في جنحة ضرب أفضى إلى موت إنه يديه أخف حكم في القانون، وغرامة 200 جنيه بس … نقارن ده بتعامل القضاء مع سياسيين وشباب بيقعدو سنوات حبس احتياطي وياخدوا احكام مشددة وغرامات ضخمة.
– نروح لوزارة الداخلية .. الظباط اللي بيتحكم عليهم في قضايا التعذيب مش بيتفصلوا من وظيفتهم ولا حاجة، بكل بساطة الظابط ده هيرجع شغله كإن مفيش أي حاجة حصلت وده اتكرر لظباط كتير.
– ده غير انه هيطعن على حكم ال 3 سنين وغالبا هيتخفف، وطبعاً هيقضي فترة سجن برفاهية، أحيانا مش في السجن أصلاً بل بيخلوه يقضيه في مستشفى السجن أو معسكر، وبعدها يخرج قبل مدته ب “حسن سير وسلوك”. يعني فعليا دم الشاب محمد عبدالحكيم ببلاش رغم تقرير الطب الشرعي والشهود وكل الاثباتات!
*****
كام نسبة الظباط اللي بيتحاسبو أي حساب أصلا؟
– مركز عدالة للحقوق والحريات أصدر تقرير (تعذيب أفضى إلى موت) رصد فيه 32 حالة موثقة ماتوا من التعذيب خلال فترة الرئاسة الأولى للسيسي، من نص 2014 لنص 2018.
– في 23 حالة من 32 بالتقرير، ماتقدموش للمحاكمة أساسا، وحالتين حصلوا على البراءة، بينما 3 حالات فقط تم فيها ادانة مرتكب التعذيب، ولسه 4 قدام المحاكم.
– في المقابل حتى الإدانة مش ضمان، الظباط اللي قتلوا كريم حمدي بعد ما اتحكم عليهم بالسجن 5 سنوات فقط، في الطعن اخدوا براءة .. وبرضه الظابط اللي قتل الدكتور البيطري عفيفي حسن في الاسماعيلية بعدما قبض عليه من صيدلية مراته وتم الاعتداء عليها هناك، خد براءة بعد ما طعن على حكم صدر ضده بالسجن 5 سنين. رغم وجود فيديو بيوضح الضرب اللي حصل للقتيل جوا الصيدلية قبل ما يكمل عليه في القسم!
*****
– آخر مرة سمعنا فيها حد بيقدم طرح جاد لتعديلات النصوص الخاصة بالتعذيب هو المحامي الأستاذ نجاد البرعي، لما عمل مقترح قانون للوقاية من التعذيب مع القاضيان هشام رؤوف وعاصم عبد الجبار، وأرسلوا نص القانون لرئاسة الجمهورية والجهات المعنية.
– بدل ما يتم شكرهم فوجئوا باحالتهم للتحقيق ببلاغ قدمه مجلس القضاء الأعلى فيهم هما التلاتة!! .. شمل اتهامات زي “تأسيس جماعة غير شرعية، وإعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب والضغط على رئيس الجمهورية لإصداره، إذاعة أخبار كاذبة”، والأستاذ نجاد لحد النهاردة بيتحقق معاه بالقضية، والقاضيان المحترمان تمت احالتهم لمجلس التأديب والصلاحية!!
*****
أبرز بنود القانون الجديد المقترح تشمل:
1- جريمة التعذيب مش مقتصرة على اللي عذب بس، بل تمتد لمأمور القسم وكل مدير لمكان احتجاز حصل فيه تعذيب لأنه “أخل بواجبات وظيفته في الرقابه والاشراف”..
2- بينص على وجود شرطة تابعة للنائب العام اسمها ادارة مكافحة التعذيب، وهي اللي تختص بإجراء التحريات والتفتيش.
3- يكون في نيابة في كل دايرة محكمة ابتدائية، مختصة بالتحقيق في بلاغات جرائم التعذيب، وتشرف على أماكن الاحتجاز الموجودة في نطاق عملها المكاني.
4- الظابط المتهم بالتعذيب يوقف عن العمل فورا لحد ما تخلص التحقيقات.
5- يكون في حماية قضائية للي تعرض للتعذيب ولأسرته لو تعرض للتهديد عشان يتنازل عن حقه أو يغير أقواله
6- تشديد العقوبة بالسجن لمدة مش أقل من 5 سنين لو كان التعذيب لنزع اعترافات، ولو المجنى عليه مات يحاكم المتهم بتهمة القتل العمد. والتعذيب للأطفال والنساء عقوبته المؤبد.
7- مبلغ التعويض للورثة في حالة وفاة الضحية مايقلش عن 250 ألف جنيه.
8- يلزم الدولة بتقديم العلاج البدني والنفسي للمجني عليه وتأهيله نفسيًا واجتماعيًا.
*****
وسبق أن طرحنا وقت قصة مجدي مكين اقتراحات تانية:
– تعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان لتحويله لمفوضية كاملة الاستقلال والصلاحيات، ويتم منحه سلطات التفتيش والإخطار (ضبطية قضائية)، وذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
– عمل منظومة كاملة من الكاميرات في الأقسام، وعلى سيارات الشرطة، وبملابس رجال الشرطة، كما هو معمول في دول تانية كتير.
ده مش بس حماية للمواطنين من الرشوة والتعذيب، ده كمان حماية للشرطي اللي ممكن حد يفتري عليه ويتهمه بحاجة مارتكبهاش.
في أكتوبر 2017 الإدارة العامة للمرور زودت ملابس “وحدة الانضباط المروري” بالكاميرات. خطوة إيجابية ومحترمة أشدنا بيها وقتها وقلنا نتمنى تتعمم، لكن اللي حصل انها اختفت خالص.
*****
مصر موقعة على اتفاقية دولية لـ “مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة”،
الاتفاقية دي بتعرف التعذيب بشكل أفضل وتعتبره “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًّا كان أم عقليًّا، يلحق عمدًا…”.
وحسب الدستور، فالاتفاقيات الدولية ليها قوة القانون، لكن للأسف مش بنشوف أثر لتطبيق الاتفاقيات دي على أرض الواقع، لإن المفروض تنفيذها يبقى عبارة عن تعديل القوانين المحلية بما يتوافق مع الاتفاقيات دي، بحيث تقدر المحاكم تنفذ بنوده.
*****
زي ما قلنا سابقا التعذيب مش قضية سياسية، ولا قضية بعيدة عن أي مواطن .. ضحايا التعذيب هما عم مكين من الزاوية الحمرا، وطلعت شبيب من الأقصر، والصيدلي عفيفي حسني من الإسماعيلية .. مفيش أي حد في دول كان سياسي ولا مشهور .. الضحية الجاية ممكن يكون أي مواطن فينا، وعشان لازم كل مواطن مننا يخاف ويقلق من الظاهرة دي، وكل مواطن يعمل كل جهده لمنعها، لحد ما نوصل لحلمنا بوطن بلا تعذيب..