– من يوم 15 يناير الحالي ومع الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة التونسية، خرجت عدد من المظاهرات والاحتجاجات الليلية والمواجهات المباشرة بين الشرطة والمحتجين في 6 مدن تونسية منها تونس العاصمة، بيطالبوا بتحسين ظروف المعيشة وتشغيل العاطلين.
– الاحتجاجات الحالية هي استمرار لنمط احتجاجي مستمر في تونس من عشر سنين بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، مدعوم أحيانا من نقابات عمالية وأحزاب، لكن في جوهره مطالب معيشي.
– النهاردة هنحاول نشرح إيه اللي بيحصل في تونس؟ وإيه أفق الوضع السياسي؟ وإيه ممكن نستخلصه من التجربة التونسية اللي بدأت بثورة زينا لكن كملت مسار مختلف؟
*****
إيه اللي بيحصل في تونس؟
– الموجة الأخيرة من المظاهرات اندلعت بشكل كبير في مدينة سليانة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لشرطي بيعنف راعي أغنام بعد ما دخلت بعض أغنامه لمقر بلدية المدينة.
– الفيديو أثار غضب الكثير من التونسيين اللي ما زالوا عندهم ذكريات مع عنف الشرطة من أيام عهد بن علي وطبعا مع مرور ذكرى الثورة البعض استدعى صورة “بو عزيزي”، ورغم أنه تم إحالة الشرطي صاحب الواقعة للتحقيق إلا إن الاحتجاجات استمرت.
– الطابع المميز للاحتجاجات الحالية هي أنها بالأساس بدأت من بره العاصمة تونس، في مدن زي سليانة، سبيطلة، القصرين صفاقس ومدن في الجنوب التونسي الفقير والمحروم من التنمية، من عهد بن علي.
– الطابع العنيف للاحتجاجات ورد الشرطة العنيف أدي لوفاة أحد المحتجين في مدينة سبيطلة بعد اقتحام مركز الشرطة في المدينة مما أدي لزيادة الاحتجاجات مرة أخرى في مدن كثير في تونس، رفضاً للسياسات البوليسية.
– أيضا حاجة مهمة جدا لازم ناخد بالنا منها هو طبيعة المشاركين في الاحتجاجات وهما شباب، وبحسب وصف وزارة الداخلية التونسية ” قصر” معظمهم أعمارهم تترواح بين 15-20 سنة، وبيقوموا بمواجهات عنيفة مع الشرطة، ما أدى لاعتقال المئات، ودا أدى لوقوف النخبة السياسية مذهولة قدام الفاعلين الجدد دول.
– وبشكل ما ما نقدر نقول نزول الشباب للشارع بالشكل دا رسالة مباشرة للنخبة السياسية التونسية بإن فيه حالة غليان من تجاهل الأزمات الحقيقية لقطاعات واسعة من الشعب التونسي.
*****
إيه سبب الاحتجاجات الحالية؟
– علي الرغم من إنه الاحتجاجات اشتعلت بالأساس بسبب عنف الشرطة إلا إن دا كان يعتبر الشرارة فقط، وبعد كده تطور الاحتجاجات أظهر أنها تحمل مطالب اقتصادية واجتماعية بالأساس.
– وكمان بعض المظاهرات هتفت لرفض حظر التجوال المفروض ضمن تدابير كورونا لأنه أدى لخسارتهم أعمالهم بدون ما تعوضهم الحكومة عنها.
– تونس من بعد الثورة بتعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة في ظل تجاذبات سياسية، ودا أدى إنه في العشر سنوات اللي فاتت اتغيرت تقريبا 9 حكومات في تونس، والصراعات السياسية واللي على رأسها الاستقطاب العلماني-الإسلامي، رغم انهم في تونس القطاع الأكبر من الطرفين أمكن ليهم عقد شراكة سياسية وحدود للخصومة، لكن الملف الاقتصادي والتنموي محصلش تقدم فيه رغم انه مفروض يكون أولوية بعد الثورات.
– الصراعات السياسية المستمرة في المشهد السياسي التونسي بين حركة النهضة وتحالفاتها من جانب، وبين القوى السياسية الأخرى المشتتة والنقابات والاتحادات العمالية، سواء كان صراع على الهوية ولا السيطرة على مفاصل الدولة، دا بجانب الصراع المكتوم بين الرئاسة والبرلمان على تشكيل الحكومة وتعديلاتها وغيره، كل دا خلى تونس مستمرة في نفس المسار الاقتصادي اللي بدأه بن علي من التسعينات والمتعلق بإصلاحات نيوليبرالية (تقليل النفقات الحكومية على القطاع العام، أولوية خفض العجز، الخصخصة) .
– الأجواء دي خلت بعض التونسيين يعيدوا تكرار نغمة فين أيامك يا بن علي، زي ما بيحصل في مصر بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية الحالية.
– حتى الحكومة الحالية برئاسة هشام المشيشي اللي جت بعد صراع بين الرئاسة والبرلمان كان يفترض عند بداية تشكيلها إنها “حكومة تكنوقراط” وأجندتها الاقتصاد بسبب السخط الشعبي المتزايد من الطبقة السياسية التونسية، إلا إن الحكومة انجرفت هي الأخرى في صراع سياسي مع الرئيس شوية والبرلمان شوية، واتعمل فيه تعديلات دخلت ضمن التجاذبات السياسية تاني، في وقت قوى سياسية بتطرح فيه حل الانتخابات المبكرة.
– نتيجة كل دا شعبياً نقدر نشوفها في استطلاع رأي عملته صحيفة الجارديان البريطانية قال إن 27 % بس من التونسيين شايفين إن وضعهم بعد الثورة أفضل مما قبل الثورة. في حين 50 % شايفين إنهم في وضع أسوأ.
– حالة عدم الرضا عن مآلات الثورة التونسية اللي موجودة بتقول إنه المكسب الوحيد لحد دلوقتي من الثورة التونسية كان الحرية ووجود آليات ديمقراطية لكن المعضلة كانت في سؤال الاقتصاد والعدالة الاجتماعية اللي ما زالوا من غير أجوبة حتى الآن.
– ده طبعا كان نتيجة مباشرة للركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا واللي أثرت على قطاع السياحة اللي بيوظف 25 % تقريبا من قوة العمل في تونس بشكل مباشر أو غير مباشر.
قطاع السياحة كان تضرر جدا من هجمات إرهابية ولما تعافى كورونا رجعت الوضع للصفر.
– معدلات البطالة في تونس ارتفعت من 13% في عام 2010، إلى 16.2% في 2020، في ظل عجز في الموازنة تصل نسبته إلى 13.4% ودين عام يقترب من 90% من الناتج المحلي.
– الفشل الاقتصادي المتكرر للحكومات التونسية مش بس في الأرقام دي، ولكن جزء مهم جدا منه في فهم الاحتجاجات الحالية في تونس واللي أماكنها بتقول أنه ما زالت أزمة التنمية في تونس أزمة فيها جانب جغرافي، وثنائية الهامش والمركز.
– ولايات الجنوب وحتى الولايات اللي فيها الفوسفات – اللي هو منتج مهم للاقتصاد التونسي- بتعاني من مشكلات كبيرة في ارتفاع معدلات الفقر وغياب الإنفاق الحكومي اللازم على البنية التحتية والتعليم والصحة، والتفاوتات دي من وقت بن علي ويمكن من قبله كمان مش نتاج الثورة لكن حكومات ما بعد الثورة للأسف لم تستطيع علاجها.
*****
إيه اللي ممكن نشوفه في كل ده؟
– في ناس ممكن تقولنا ” شوفوا أدي الثورة التونسية اللي انتوا بتقولوا عليها ناجحة، ودت البلد في داهية ” ودي نظرة قاصرة شوية للأمور، فعلي الرغم من تدهور الأوضاع الاقتصادية إلا أنه التونسيين لسه عندهم أدوات للتغيير، وشفنا نتايج انتخابات المحليات التونسية اللي حصل فيها صعود كبير لوجوه جديدة خارج كل التيارات السياسية القديمة.
– الثورات بشكل عام بتعاني في فتراتها الانتقالية الأولى وبتنزع مكتسبات وبتحارب عشان تثبتها زي التدوال السلمي للسلطة وحرية التعبير، لكن في نفس الوقت بتفضل بيبقى قدامها مشوار نضالي طويل عشان تنتزع المنجزات الاقتصادية والاجتماعية من بين أنياب الأوضاع القديمة والعقبات المختلفة.
– الاحتجاجات الأخيرة دي وارد تكون أحد العوامل المساعدة لتغيير الوضع لو تم احتوائها والتجاوب معاها، خاصة ان تونس عندها مجتمع مدني حي ونشط بجانب تجمعات نقابية مهمة وقادرة في لحظات كتيرة تضغط على الحكومة في ملفات اقتصادية مهمة زي ضمان أمان وظيفي للعمال في قطاعات كثيرة ومطالب اقتصادية مباشرة زي زيادة الحد الأدني للأجور ومعونات اجتماعية للناس اللي كورونا أثرت عليهم.
– أيضا الديمقراطية اللي في تونس رغم أنه ليها مشاكلها وأبرزها الانقسامات السياسية ومزايدة الأحزاب على بعض، إلا أنها قادرة على تصحيح المسار في أي لحظة بعد الضغط الشعبي واللي الاحتجاجات الحالية بتمثل جزء منه، وكمان التونسيين بيتعملوا من التجربة دي والسنين هترسخ استخدام الأدوات الديمقراطية، لحين الدفع وإجبار المكونات السياسية على تصدير البرامج الاقتصادية والاجتماعية بدل من المناكفات السياسية.
– بالتالي وزي ما قولنا كثير قبل كدة الديمقراطية ضمانة مهمة لتوزيع أعباء النمو الاقتصادي بشكل متساو على الجميع وتوزيع أرباحه أيضا بشكل جيد، ومن هنا لازم نقول إن مفيش أي نظام بيجي بعد ثورة ممكن يتجاهل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة الناتجة عن غياب العدالة أو يغطي عليها، لأنها أحد أسباب الثورة بالأساس، والاحتجاجات مش هتختفي إلا بعلاج أسبابها الجذرية.
– من جانب تاني الطبقات السياسية في الأوضاع الحرجة اللي زي دي في ظل تردي اقتصادي وجائحة لازم تتحلى بمسؤولية تجاه شعبها، وتقدم مصلحة المواطن على المصالح الحزبية الضيقة.
– تونس رغم كل مشاكلها معدل الفقر فيها 15 %، مقارنة مثلا ببلد زي مصر اللي فيها معدل الفقر تقريبا الضعف، يعني دايماً فيه فرصة لتحسين الأوضاع لو توافرت إرادة وطنية.
– نتمني للشعب التونسي الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإنهم يستمروا كونهم نموذج ملهم لثورات الربيع العربي ويقدموا مثال لكل شعوب المنطقة اللي لسه عايزين حرية – عدالة اجتماعية – وكرامة إنسانية.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *