– يوم الثلاثاء 30 نوفمبر 2021 صدر قرار مهم من وزير الدفاع، القرار كان بتحويل الولاية الإدارية والإشرافية على الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء إلى وزارة الدفاع بدلًا من مجلس الوزراء، وضمّه إلى الهيئات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة.

– القرار صدر برقم 256 لسنة 2021 ونشر في الجريدة الرسمية، وده فعليا بيوسع بشكل كبير من صلاحيات جهاز تنمية سيناء وبيمنع أي رقابة فعلية على الأموال أو الاستثمارات اللي بيعملها الجهاز في سيناء وده لأنها هتبقى جهة تابعة للقوات المسلحة.

– إيه سياق القرار ده؟ ليه القرار ده مهم وخطير؟ وإزاي ممكن نشوف توسع ولاية الجيش على كثير من الأنشطة الاقتصادية في السنوات الأخيرة؟

*****

إيه تفاصيل القرار؟

– قانون التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء ده صدر في 2012، والبرلمان اللي فات أدخل عليه تعديلات في يونيو 2020 قبل ما تخلص الدورة البرلمانية.
– جوهر التعديلات اللي أقرها البرلمان اللي فات هي نفسها اللي جت في قرار وزير الدفاع الحالي وأهم التعديلات دي هي:
1- اعتبار الجهاز (الجهاز الوطني لتنمية سيناء) هيئة عامة اقتصادية يتبع وزير الدفاع، ويعمل طبقًا للقواعد والنظم السارية على الهيئات العامة الاقتصادية، وتطبق عليه كافة القواعد والأحكام السارية على الهيئات الاقتصادية بالقوات المسلحة.
2- تمنح وزير الدفاع سلطة تعيين رئيس مجلس إدارته، حيث تنص على أن يجتمع مجلس الإدارة مرة كل شهر على الأقل أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ويرأس مجلس الإدارة رئيس يعين بقرار من وزير الدفاع.
3- رفع التقارير الخاصة عن المشروعات مبقاش لمجلس الوزراء بل لوزير الدفاع فقط.
– بالتالي جوهريا ده بقى أحد الهيئات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة زي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والشركات التابعة له، وده بيعني زيرو رقابة من أي جهة رقابية في البلد بره الرقابة الداخلية للجيش يعني لا المركزي للمحاسبات ولا البرلمان ولا أي حد هيشوف بره الجيش ميزانيات وإنفاق الجهاز الوطني لتنمية سيناء.
*****

إيه المشكلة في دا؟

– التبرير الشائع للقرار ده، سواء من البرلمان السابق أو أي مؤيد هيقول إنه القانون ده بما يعنيه من نقل التبعية لوزير الدفاع هو من متطلبات الأمن القومي، بما أنه سيناء منطقة حدودية يعني.
– لكن شماعة الأمن القومي غير مجدية أوي في الحالة دي، لأنه بالأساس كان الجهاز فيه أعضاء من المخابرات العامة والجيش والداخلية، بالتالي الموضوع آثاره الأساسية هتكون حجب المعلومات وانعدام الشفافية.
– جهاز تنمية سيناء بالأساس كان بيكتنفه الكثير من الغموض بسبب وجود الجيش والمخابرات في الجهاز، لحد دلوقتي ومن 2014 الجيش بيعمل مشروعات مستمرة في سيناء، يقال إنه تمويل المشروعات دي لحد 2019 كان في حدود 3 مليار دولار بحسب بيانات رسمية من مجلس الوزراء في مايو 2019.
– مستهدف ضخ ما يقرب من 20 مليار دولار على مدار السنوات الجاية في تنمية سيناء، وده شيء مهم لأنه تنمية سيناء مهمة فعلا للأمن القومي المصري بلا أي جدال في الفكرة العامة، لكن التفاصيل شيء تاني.
– مخصصات جهاز تنمية سيناء كانت وصلت لـ1.4 مليار جنيه من الموازنة العامة، ودي بس الفلوس المخصصة للجهاز اللي بقى دلوقتي تحت إشراف وزير الدفاع.
– ده طبعا مش مخصصات تنمية سيناء بس لأنه في جهات تانية بتنفق في المحافظتين، وفي شمال سيناء بس وفي خطة التنمية اللي فاتت بحسب أرقام وزارة التخطيط كانت مخصصات شمال سيناء حوالي 4.8 مليار جنيه، ومخصصات جنوب سيناء حوالي 2 مليار جنيه.
– الأرقام دي قفزت في السنوات الأخيرة ومعظمها موجه لمشروعات البنية التحتية اللي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتلعب فيها دور الوسيط مع الشركات اللي بتنفذ أعمال المقاولات دي.
– بالتالي مع القرار الجديد من وزير الدفاع كل الفلوس دي مش هيبقى عليها رقابة، وبالتالي باب أكبر واسع للفساد.
– بالإضافة لانعدام الرقابة والشفافية، ففي مشكلة كبيرة في توسع الجيش في الاقتصاد أشار لها صندوق النقد أكثر من مرة والمفترض أنه في نية للجيش للتخارج من قطاعات اقتصادية معينة في مقابل البقاء في قطاعات أخرى، بالتالي القرار ده بيقول أنه إحنا لسه ماشيين بالعكس، بنقول هنتخارج في الوقت اللي بنزود الاستثمارات بتاعه الجيش وولايته على الإنفاق لحاجات كثيرة منها جهاز تنمية سيناء.
*****

إزاي ممكن نشوف توسع الجيش في الاقتصاد في السنوات اللي فاتت؟

– خلال السنوات اللي فاتت كان فيه تخوف مستمر من توسع الجيش في الاقتصاد وحدود منافسة القطاع الخاص بالنسبة للتوسع ده.
– التوسع ده قد يكون مهم لأنه الدولة تقود الاستثمار في قطاعات غير مشجعة للقطاع الخاص للدخول فيها مع التعويم وتزايد مخاطر تقلبات سعر الصرف في مصر، لكن الآلية اللي بتتدخل فيها الدولة في السوق هي المهمة.
– سؤال الآلية أو كيف تتدخل الدولة في السوق مهم جدا للحفاظ على استقرار بيئة الأعمال في مصر، والحد من مخاطر تخارج القطاع الخاص من القطاعات المهمة.
– يعني للتبسيط خلينا ناخد مثال، لو شركة مثلا حكومية زي أبوقير للأسمدة قررت تدخل وتزود استثماراتها في السوق عشان تزود الإنتاج المحلي وتصدر فده شيء إيجابي جدا، لأنه الشركة الحكومية بيسري عليها قواعد السوق والمنافسة مع القطاع الخاص اللي بتكون عادلة.
– لكن لو الجيش أو الحكومة قرروا يركنوا أبو قير على جنب ويعملوا مصنع أسمدة جديد من الأول فده يخوف المستثمرين من الدخول لأنه المنافسة مع الجيش منافسة غير عادلة، مفيش ضرائب، مفيش رقابة ودا يهم الناس والمجتمع، وعنده قدرة أكبر على استخراج هوامش ربح أفضل بأسعار أقل.
– ده تقريبا اللي حصل في قطاع الأسمنت اللي بيعاني من دخول الجيش فيه من 3 سنين وفي تخمة في العرض ومشكلة بالنسبة لكل شركات الأسمنت حتى الحكومية منها.
– الخلاصة أنه حتى بعيدا عن أسئلة الرقابة والشفافية وايه اللي بندفعه من جوة الموازنة من ضرائب المصريين وإيه من براها، وكل الأسئلة المشروعة الشبيهة بدي، فدخول الجيش نفسه وتوسع ولايته على قطاعات كبيرة في الاقتصاد فيه مشكلة، وده لأنه بيخوف القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي، وساعات بنشوف إنه مفيش ثقة في الأجهزة الحكومية الأخرى بإسناد المشاريع للجيش، ودا مؤشر مش كويس.
– وده بالمناسبة مش كلامنا ده كلام الرئيس والإدارة الاقتصادية في البلد وعلى رأسهم وزيرة التخطيط هالة السعيد وأيمن سليمان مدير صندوق مصر السيادي، واللي اتكلموا أكتر من مرة عن خطة للجيش للتخارج من مشروعات مختلفة منها وطنية مثلا وخطط لطرح الشركات في البورصة أو بيعها لمستثمرين أجانب زي موضوع بيع وطنية لأدنوك الإماراتية وهي الصفقة اللي لسه لم تتم لحد دلوقتي.
– بالتالي قرار زي نقل تبعية الجهاز الوطني لتنمية سيناء للجيش من المتوقع أنه يقلل من جاذبية سيناء مع المشروعات الجديدة واللي كتبنا عنها إشادات قبل كدة زي محطة بحر البقر، لأنه المستثمر الأجنبي غالبا مش هيحب يشارك الجيش ولا ينافس الجيش.
– هنكرر كلامنا عن إدارة استثمارات الجيش في مصر، واللي مشكلتها مش في وجودها، لأن دا بقى أمر واقع خلاص ويمكن تبريراته تمر، لكن إشكالياتها الأخرى إنها ساعات بتدار بدون أي منطق إستراتيجي، لأنه مينفعش يتحول الجيش لمؤسسة بتدور على الربح فقط، ويدخل ينافس وزارات الحكومة والقطاع الخاص.
– كمان غياب الرقابة الكافية على أنشطة مدنية واسعة زي دي سهل يشوبه عمليات فساد واستغلال السلطة، وهنا مش بنتهم حد بحاجة، لكن بنتكلم عن ضرورة وجود رقابة لأن فيه مؤسسات في الدولة بيدفع لها من أموال الناس عشان تقوم بدور الرقابة دا، وبنفاجئ إنه مش من حقها عشان النشاط المدني بيديره ظباط جيش، وده ممكن يضعف بنية مؤسسة الجيش وبيهدر فلوس وموارد بدون رقابة.
– اللي يحسم ده هو آليات شفافية ومحاسبة شاملة على كل العاملين بالدولة وكل مؤسساتها، نقدر نحتكم ليها عشان نطمن على مصير فلوسنا وضرايبنا ومواردنا اللي هي حق لكل المصريين.
– بالتأكيد اللي عاوزينه في النهاية إن الأنشطة الاقتصادية في مصر تزيد وإنتاجيتها تعلى، عشان إحنا كمواطنين نستفيد من ضرايب وموارد أكتر وتوفير فرص عمل. وعشان كده إحنا مهتمين بإن معايير الإدارة الجيدة للاقتصاد تتطبق، لإن ده اللي بيضمن تطور وتقدم أي بلد.
– تحسين بيئة الأعمال في مصر لازم يكون أولوية عند الحكومة ومش بس بالكلام والتصريحات لكن بالفعل وتغيير المنظومات القانونية الحاكمة للإستثمار بشكل عام في مصر.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *