– قبل أيام خلال افتتاح الرئيس السيسي المرحلة الثالثة من مشروع حي الأسمرات اتكلم للمرة التانية على قرار وقف تراخيص البناء في بعض المناطق في مصر، وعن حملات الإزالة الكبيرة للمخالفات، وده في إطار كلامه عن جهود الدولة لتطوير العشوائيات.
– النهاردة هنناقش إيه الأبعاد الإيجابية والسلبية لقرار زي ده؟ وإزاي ممكن الصورة تكتمل عشان يكون في مصلحة الناس؟
*****
ايه اللي قاله الرئيس السيسي؟
– الرئيس في المرتين اتكلم عن انه لازم مخالفات البناء تتعمل بشكل حازم من المحافظين، وكل مخالفة يتم القبض على صاحبها، وقال بالنص في مايو الماضي “١٠ آلاف مخالفة تساوي ١٠ آلاف إنسان مقبوض عليه”.
– اتكلم كمان عن وقف تراخيص المباني الجديدة والاكتفاء بالمشروعات القومية، ده بسبب أن القاهرة والجيزة واسكندرية لازم يتراجع فيهم الكثافة والتكتلات السكانية عشان نقدر نعيش بشكل مناسب.
– قال: “يوجد أماكن في القاهرة لن يصدر لها ترخيص تاني مرة أخرى، وحتى الأماكن التي سيصدر لها ترخيص؛ لو كانت الاشتراطات الخاصة بالمباني كانت تقول 7 أدوار هيكون دورين فقط”.
– كمان قال أنه ” القرار متأخر 20 سنة.. أنا بحلف بالله العظيم، ما كنش حد أبدا طلع ترخيص أكثر من 3 أو 4 أدوار طوال الـ20 – 30 سنة الماضية ..والجراجات، ندي رخصة تطلع بجراج وبعد ما تطلع العمارة وتسكن الجراج مش مستخدم، الكلام ده مش هيكون تاني”.
– كمان اتكلم عن ضرورة إنه المكاتب الاستشارية الهندسية في كل محافظة تبقى مسؤولة عن وضع اشتراطات للبناء على كل قطعة أرض وميبقاش الموضوع مختص بس بالأحياء، وإنه لازم كل محافظ يمارس سلطته القانونية تراخيص البناء وقت الضرورة.
*****
ايه القرار الجديد اللي طلع؟
– الشهر اللي فات وافق مجلس النواب على تعديل قانون البناء الموحد، التعديلات شملت آليات جديدة للتصالح في نزاعات أراضي الدولة.
– لكن اللي هنركز عليه النهاردة هو تعديل المادة 44 من القانون، واللي بعد التعديل أصبحت تنص على ” أنه لمجلس الوزراء بقرار مسبب من المحافظ المختص بعد موافقة المجلس المحلي وقف الترخيص في المدن أو المناطق أو الشوارع تحقيقا لغرض قومي أو مراعاة لظروف العمران أو إعادة التخطيط، على ألا تجاوز مدة الوقف 6 أشهر”؟
– كمان التعديلات أقرت إنشاء “المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية”، واللي حيكون من اختصاصاته مد وقف تراخيص البناء في بعض الأماكن لمدد لا تزيد عن سنتين.
– القرار ده بدأ تطبيقه عمليا بوقف تراخيص العمارات السكنية بالكامل لمدة 6 أشهر في محافظات القاهرة والجيزة والقاهرة والقليوبية والإسكندرية، وعواصم باقي المحافظات، مع السماح ببناء المشاريع القومية والخدمية زي المستشفيات والمدارس.
*****
كام حجم مخالفات البناء في مصر؟ ليه ده حصل؟
– حسب كلام النائب إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان، إجمالي المخالفات في مصر ٣مليون و٥٠٠ ألف ! ولم يتم التصالح إلا في ٢١٧ ألف فقط.
– مش منطقي طبعاً تكون الأولوية هيا حبس الناس، هل هنحبس ٣ مليون ونصف مواطن! أو نزيل كل المباني دي.
الأولوية نفهم الأسباب ونعالجها، والأسباب ممكن تلخيصها في نقطتين هنناقشهم، أولا هيا عدم كفاية المعروض بأسعار تلبي حاجة الطلب المتزايد، خاصة من شرائح العمالة الفقيرة، وثانياً غياب انتخابات المحليات النزيهة وغياب صلاحيات المحليات.
*****
ايه تأثير القرار الأخير؟
– من حيث المبدأ شيء كويس وحميل جداً أنه الدولة تكون شايفة أنها لازم تتدخل في تنظيم ممارسات البناء غير الرسمية خاصة في ضواحي القاهرة والجيزة والاسكندرية، واللي منتشر فيها ممارسة بناء الأبراج العالية في شوارع ضيقة، واللي بيمثله ده من ضغط على البنية التحتية بشكل عام في المناطق دي، أو التوسع في البناء على الأراضي الزراعية واللي هو شيء دمر كتير من الأراضي الزراعية في الدلتا.
– لكن تطبيق قوانين البناء في مصر تاريخيا كان من أصعب الحاجات، لأنه لا مركزية القرار والرشوة والفساد وعوامل كثيرة في منظومة البناء في مصر كانت بتصعب أي رقابة حقيقية على الموضوع من الدولة، شوفنا آثار ده في السنوات الأخيرة في قصة التعدي على أراضي الدولة وبعدين معركة التصالح في مخالفات البناء.
– كمان في مشكلة تانية وهو الأسعار اللي تم تحديدها للتصالح في المخالفات وهي كبيرة جداً، وكمان مطلوبة في 3 سنين من كل واحد عنده مخالفة ولو لدور واحد حتى لو البيت ده هو ساكن فيه ولازم يبدأ ب 25% منهم فوراً، وده شيء صعب جداً خصوصاً في عز أزمة اقتصادية بيعاني منها المواطنين كلهم بسبب فيروس كورونا، وللأسباب دي فالنائب هيثم الحريري طلب في بيان ليه إنه يتم مد الأجل في قضايا التصالح في مخالفات المباني لحد 5 سنين.
– بالإضافة لمشكلة تانية عملية تخص تحديد المخالفين اللي وارد يتقبض عليهم حسب كلام الرئيس، هي إنه كتير من المقاولين بيجيبوا أشخاص ملهمش علاقة بالبيت اللي هيتعمل وتطلع رخصة المبنى باسمه في مقابل شوية فلوس، وبالتالي كتير جداً من الناس دي اللي هي حرفياً متعرفش إنه بيتم استغلالها في جريمة هتكون معرضة للحبس والسجن والغرامات الضخمة، وهما ملهومش علاقة بالعمارة أو المبنى المخالف ولا بيستفيدوا منه، والقانون محطش أي عقوبة قانونية على المقاول المختص بالبناء واللي هو في الأغلب المسؤول الرئيسي عن أي مخالفة!
*****
لكن السؤال المهم هو ايه تأثير قرار زي ده على سوق العقارات في مصر؟
– المفروض أنه تطبيق قرار زي ده حيقلل من قيمة العقارات في المناطق القديمة دي على المدى القريب، ودا معناه خسارة كبيرة للناس في قيمة أصولهم، لكن غالبا القرار ده مش حيضر الناس كتير لأنه معظم الناس اللي ساكنة في المناطق دي عندها شقق بغرض السكن مش بغرض الاستثمار والمضاربة.
– كمان المفروض أنه ده يرفع الطلب على العقارات والمباني في المناطق الجديدة، خاصة اللي بتتعمل في شرق القاهرة زي الشروق والرحاب والعاصمة الإدارية الجديدة، ودي مشكلة كبيرة، لأنه زيادة الطلب وارتفاع الأسعار ده مش في مصلحة المواطنين. لكنه في مصلحة سوق العقارات الكبير والمتضخم في المنطقة دي واللي بتسيطر عليه الدولة عن طريق هيئة المجتمعات العمرانية والشركات الكبيرة الخاصة.
– كمان ده في مشكلة أنه معظم اللي ساكنين في المناطق دي شغلهم لسه جوة القاهرة بالتالي في صعوبة حقيقية في انتقال الناس دي يوميا للعمل، ودا بيزود مشاكل الإنتاجية في سوق العمل، وبيحط عبء أكبر على الناس في الانتقال من شرق القاهرة لقلب القاهرة.
– عشان كدة تاريخيا، العمران غير الرسمي من المباني والعمارات في أحياء وأطراف الجيزة والقاهرة، واللي كان متداول فيها هدم بيت دورين أو تلاتة عشان يتبني مكانها برج سكني، وكل الممارسات اللي هي بالفعل سيئة ومضرة كانت بتستوعب 70 % من الطلب الجديد على السكن، بحسب كتاب ديفيد سيمز أستاذ العمران في الجامعة الأمريكية، والإحصائية دي بتشمل الفترة من الثمانينات وحتى 2006.
– ده كان مبرر بأنه الناس مش عايزة تبعد عن أماكن شغلها، ودا طبيعي في كل بلدان العالم، الناس بتحاول دائما تسكن بالقرب من أماكن عملها.
– بالتالي قرار زي وقف البناء في المناطق الداخلية وحملات الإزالات اللي شغالة بقوة، على الرغم من إنها قرارات كويسة، لكنها مليانة مشاكل كبيرة في بدايلها، واللي هتخلي البنية التحتية “تحديداً الطرق” زحمة أكتر نتيجة انتقال ناس أكتر لشرق القاهرة بينما شغلهم في قلب القاهرة، وده هيأثر أكتر على كفاءة وإنتاجية الناس دي في سوق العمل، وطبعاً ده شيء معروف خطورته في بلد مركزية زي مصر، فرص العمل مرتبطة دايماً بالقاهرة.
*****
ايه اللي المفروض يحصل؟
– القرار زي ما قلنا هو مهم وكويس إنه يتم إعادة توزيع الكثافة السكانية المرتفعة في قلب القاهرة، لكن القرارات اللي زي دي لازم تيجي بالتدرج ويبقى فيها خطة شاملة لإعادة توزيع السكان دول.
– بمعني أننا لازم واحنا بنفكر ننقل السكان برة قلب القاهرة، ننقل أشغالهم معاهم ونخلق فرص عمل أكتر للأماكن الجديدة، واللي غالبا التوظيف فيها بيكون في قطاع الخدمات فقط.
– ده يتم عن طريق خطة لتوفير فرص العمل بالقرب من المناطق دي، وشركات ومصانع وقطاع خدمي أكبر تنقل مقراتها من قلب القاهرة للمناطق دي بشكل يخلي كل حد يشتغل في المدينة بتاعته او على الأقل ميضطرش للانتقال يومياً لفترات طويلة عشان يوصل شغله.
– بالتالي قرارات زي دي لازم تيج في إطار خطة شاملة لإعادة توزيع السكان، مش بس نوقف البناء في قلب القاهرة، ونتوسع في البناء على الأطراف، خصوصاً وإنه مصر فيها أكتر من 12 مليون وحدة سكنية مقفولة، لكن يشمل خطط كثيرة لتوزيع السكان دول وتوفير احتياجات العمل والبنية التحتية والخدمات وغيرها ليهم بحيث أننا نبني مدن متكاملة على أطراف القاهرة مستقلة نسبيا عن القاهرة نفسها.
– بالتالي ورغم الاتفاق على أهمية استثمار الدولة في القطاع الإسكاني خاصة في برامج زي الإسكان الاجتماعي، إنما الحقيقة سوق العقارات في مصر مليان استثمار مبالغ فيه جداً، شقق كتير بتتبني من غير متتسكن وبتستخدم كمخزن للقيمة أو استثمار، وبعيدا عن خطورة ده على المدى الطويل على الاقتصاد المصري لأنه بيمنع استثمارات ضرورية في قطاعات أهم زي الصناعة والزراعة مثلا، إلا أنه ده بيخلي الاقتصاد كله مرتبط بأداء العقارات وده بيعرضنا لأزمات اقتصادية زي الفقاعة العقارية اللي معرض أنها تنفجر في أي لحظة.
– محدش عنده مشكلة أنه الدولة تتدخل وتنظم ملف الإسكان والبناء في مصر واللي هو سائد فيه ممارسات عشوائية وغير قانونية ومضرة، لكن قطاع الإسكان مرتبط بمشاكل أكبر لازم تتحل وإلا مش هيكون في حل لأزمات السكن.
– زي ما قولنا عندنا 12 مليون شقة مقفولة، وأسعار عقارات مرتفعة، ودا عرض للأزمة التاريخية في القطاع العقاري المصري وهو انه الناس بتشتري لتخزين القيمة مش لغرض السكن، وللسبب ده حل زي الضرايب على الشقق المقفولة لازم يتفعل.
– بالتالي قرار زي منع البناء مؤقتا، وحتى لو استمر في بعض المناطق تأثيره عمره ما يحقق الهدف المرجو منه وهو إعادة توزيع السكان بشكل شبه متساوي على القاهرة والمناطق الجديدة المحيطة بها. ده بالإضافة إلى إن الأزمة دي كلها كان ممكن تقل كتير لو عندنا محليات قوية وفاعلة وديمقراطية، مش فاسدة ومرتشية ومعليهاش أي رقابة شعبية أو مشاركة من المواطنين.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *