– من أيام وزير التعليم طارق شوقي قال داخل البرلمان نصاً: “مجانية التعليم تحد قدرتنا على الحركة، اللي كتب الكلام دا عام ١٩٥٢ مكنش يعرف إن مصر هيبقي فيها العدد ده من السكان، إزاي عندنا إصرار نعلم الخايب والشاطر زي بعض.. فَلَو انتوا عاوزين تصلحوا بجد، لازم تناقشوا هذه الأفكار”
– وقال كمان ” حفلة عمرو دياب وصلت لـ ٢٠ ألف جنيه للتذكرة، واحنا مش لاقيين فلوس نطور بيها التعليم .. ولما نتكلم عن مجانية التعليم وضرورة إعادة النظر في المصطلح، الناس ممكن تحدفنا بالطوب، الرئيس نفسه كان بيقول هنحل مشكلة الكثافة ازاي”.
– الوزير تراجع لاحقا عن التصريحات دي بعد الرفض الكبير بيها، وطلع في مداخلات في برامج التوك شو قال انه محدش يقدر يلغي مجانية التعليم لأنه حق دستوري، وانه الكلام اللي اتسرب من الاجتماع دا بسبب عدم علمه بحضور الصحافة وأنه يجب محاسبة المسئولين عن ترويج الشائعات دي، وده بالرغم من وجود مايكات بعض القنوات قدامه أثناء كلامه، وبالرغم من انه لم ينفي انه قال الكلام يعني الغلط في اللي نقله مش اللي قاله!

– بعيدا عن التصريح الأخير واللي بيدل على أنه وزير التعليم بيتعامل بشكل غير علمي لما عايز يطبق حالة اللي بيروحو حفلة عمرو دياب على شعب فيه 100 مليون يعني لو عندك مليون غني دول هيفضلوا 1% بس، ده غير ان حفلة عمرو دياب اصلا تمنها مش 20 ألف ولا حاجة، لكن احنا محتاجين فعلا نناقش مجانية التعليم زي ما الوزير نفسه قال “من غير تحديف طوب”.
*****

طول الوقت بيتقال ان ده وزير كان شغال من “اليونسكو” ( منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) وأكيد فاهم.. طيب ايه اللي بتقوله اليونسكو عن مجانية التعليم؟
– اليونسكو سنة 2000 اطلقت مشروع “التعليم للجميع” اللي في اطاره تعهدت 164 دولة بضمان “توفير التعليم الأساسي الجيد” لكل المواطنين.
في التقرير اللي صدر سنة 2015 عن تقدم المشروع، مش بس كانت اليونسكو بتؤكد أنه “يجب أن يتاح التعليم بالمجان لجميع الأطفال، ولا بد في هذا الصدد من إلغاء الرسوم المتصلة بالتعليم المدرسي والكتب الدراسية والزي المدرسي والنقل”، دي كمان اشادت باجراءات جذب الفئات الأفقر زي توفير الوجبات الغذائية لأن فيه أسر هتبعت أطفالها المدارس بس عشان يوفرو تمن الوجبة دي، وكمان اليونسكو شجعت على برنامج “الدعم النقدي المشروط” زي الي حصل في البرازيل واللي عندنا في مصر نموذج منه “تكافل وكرامة”، يعني الحكومة تدفع فلوس للأسرة مقابل انها متوديش الطفل يشتغل لكن توديه المدرسة.
*****

ليه مجانية التعليم مهمة؟
– الموضوع مش بس لأسباب انسانية وأخلاقية، لكن ليه جوانب مصلحة اقتصادية مباشرة، لأن التعليم ده بيحدد حجم سوق العمل وطبيعة سوق العمل، ده اللي بيحدد ان البلد دي هيكون فيها موظفين أو عمالة مدربة ينفع تشتغل في صناعات معقدة ومهمة للاقتصاد.
– التعليم كمان ليه دور رئيسي في خفض الجرائم ورفع مستوى الأمن في البلد.
– في مصر تحديداً الغالبية الساحقة من “النخب” زي الوزراء وأساتذة الجامعات والفنانين ..الخ، كلهم لولا المجانية مكانوش “ترقوا اجتماعياً” ووصلوا لأمكانهم، لأننا بلد تاريخياً أصلها بلد زراعي فقير.
– بالإضافة لأمر تاني يخص المجانية، وهي فكرة إنه التحصيل العلمي مش الشرط الوحيد لفكرة التعليم، في سنغافورة على سبيل المثال -وهي نموذج بيتكلم عنه الوزير كذا مرة- بتقسم أهمية التعليم ل 3 دوائر، الأولى دائرة تربية النشأ والأطفال على قيم المواطنة واحترام الآخرين والأخلاق وبناء الشخصية وده 30% من أهمية التعليم بالنسبالها، و30% من دائرة التعليم التانية هي للموسيقى والرياضة والفن، و20% فقط من أهمية التعليم هي للتحصيل والتفوق العلمي، وبالتالي ضرورة وأهمية الاستثمار في مستقبل أي دولة في المعايير دي كلها لبناء شخصية المواطن السوية.
*****

هل الدول المتقدمة بتعلم مجاناً؟ هل عندهم بيعلموا “الشاطر والخايب”؟
– كل الدول المتقدمة صناعياً عندها مجانية للتعليم قبل الجامعي وده من أسباب تقدمها، وده يثبت كذب الإدعاءات المضللة اللي بتقول انه الدولة هتتقدم لما تصرف على مجموعة صغيرة تعلمهم كويس، صناعة النخبة يعني.
– برضه في الدول المتقدمة بما فيها اللي مدحها الوزير قبل كده زي سنغافورة وفلنلندا واليابان بتعلم ( الخايب والشاطر ) بتعبير الوزير، وبتعلم (الغني والفقير)، لأنه الجميع لازم ياخد فرصة متكافئة في الإنفاق، ونوفر للجميع الظروف المناسبة للنجاح، ولو طفل مستواه أقل من طفل بيدرسوا ايه الأسباب ويعالجوها او يدوه نوع خاص من التعليم لو هوا له قدرات عقلية أقل فعلا.

طيب والتعليم الجامعي؟
– هنا الدول فيها نماذج مختلفة، دول فيها التعليم الجامعي مجاني تماماً زي ألمانيا، ودول فيها التعليم الجامعي برسوم لكن مش غالية جدا زي فرنسا، ودول فيها التعليم برسوم غالية فعلا زي بريطانيا وأمريكا، لكن في المقابل في الدول اللي فيها التعليم الجامعي مش مجاني لازم نشوف باقي المنظومة:
* منح مجانية للمتفوقين مفيهاش فساد أو محسوبية، بعد ما الطالب أخد كامل فرصته لحد الثانوي أو “الهاي سكول” مجاناً.
* آليات توفير قروض ميسرة جدا من الحكومة للطلاب، أي حد عايز يدخل الجامعة ياخد الفلوس ويسدد القرض بعد ما يشتغل على 30 سنة مثلا، قروض التعليم في امريكا وصلت السنة اللي فاتت إلى 1.4 تريليون دولار.
* مش لازم أصلاً يدخل الجامعة، وممكن يشتغل بالهاي سكول ويجد فرص تطور خارج الجامعة، أو هيكمل في التعليم المهني اللي مستواه كويس جدا وهيلقى شغل بدخل محترم برضه، لدرجة ان في ألمانيا اللي فيها الجامعات مجانية نسبة كبيرة من الطلاب بتفضل تختار التعليم المهني.
*****

الوزير بيقول أنه الأسر بتنفق من جيوبها أكثر من 200 مليار جنيه سنويا على التعليم، فبالتالي المجانية مش متحققة؟

– المعلومة الرئيسية هنا إن 85.3% من المدارس في مصر حكومية، والباقي يتوزع بين أزهري وخاص، فمش معنى ان الوزير أصحابه كلهم داخلين تعليم غالي ان ده وضع كل الناس.
– موضوع الصرف الكتير على الدروس الخصوصية وغيرها ده كلام حقيقي فعلاً لكن معناه مش ان الحل تلغي المجانية، لكن اننا نحل المشكلة ونخلي الناس مش محتاجة تصرف ..الفايدة اللي هيحققها الاقتصاد والبلد بشكل عام من مجانية التعليم حتي وهي فيها مشاكل أكبر بكتير من استسهال إلغائها.
– نلاحظ ان المسؤولين بقى عندهم توجه عام ان المواطن لازم يدفع عشان ياخد أي خدمة جيدة حتى لو الفلوس موجودة، زي مثلاً مشروع “المدارس اليابانية” في مصر اللي كان حسب الاتفاق مع اليابان على إنها مدارس موجهة إلى محدودي الدخل، لكن فوجئوا بقرار تأجيل الدراسة فيها أكثر من مرة بسبب رغبة الوزراة في دفع أهالي الطلاب لمصاريف عن التعليم، وبعد تفاوض وافقت اليابان بشرط إنه المصاريف متزيدش عن 4 الاف جنيه في السنة، لكن المصاريف وصلت حالياً ل 10 الاف جنيه سنوياً، وبالتالي قدامنا “انحيازات” معينة بيتم تطبيقها.
*****

طيب هي فين مشاكل المجانية عندنا بالظبط؟
– عندنا مشكلة عامة تتعلق بمنظومة البلد كلها، مشكلة ان التعليم نفسه بتقل قدرته على انه يكون وسيلة “الترقي الاجتماعي”، لان عندنا ناس بتتعلم وتخرج متلاقيش شغل، فالأسر بقت كلها مضطرة تحفز أولادها يدخلوا “كليات القمة” .. ده مختلف عن البلاد التانية اللي فيها فرص مختلفة أكتر بسوق عمل أوسع، وكمان فيها منظومات صحة وتعليم ورعاية اجتماعية واعانات بطالة بحيث مفيش نفس قدر الضغط.

– عندنا مشكلة واضحة في تدني الانفاق العام على التعليم وجودة الانفاق دا ..ازاي ؟
– مصر فيها حوالي 20 مليون طالب والدولة بتنفق على التعليم الأساسي حوالي 115 مليار جنيه، منهم 80 % بيروحوا كرواتب للموظفين، وده بيخلي 20 % بس من الإنفاق متعلق بتطوير أدوات العملية التعليمية (شراء السلع والخدمات) أو بناء المدارس مثلا.
– حتى مع النسبة الكبيرة اللي بتروح للأجور فى القطاع بيظل أجر المعلم فى مصر أقل بكتير من النسب الاقليمية والدولية، ببساطة لأنه في تشوه فى هيكل الموظفين في الوزارة نفسها اللي ديوانها فيه 8 الاف موظف حسب تصريحات الوزير! بينما المدرسين هما 61% بس من قيمة الرواتب ده بإجمالي 1.3 مليون مدرس!
– واتكلمنا أكتر من مرة سابقا عن النظرة للاقتصاد بشكل عام وطرق تجنب الهدر، وانه بالتأكيد ممكن توجيه جانب أكبر من الموارد للتعليم على حساب بنود أخرى، الموضوع مرتبط بالنظرة السياسية للأولويات.
– التشوه الموجود في طريقة الإنفاق الحالي بيخلي نصيب الطالب المصري من الإنفاق سنويا قليل جدا مقارنة بدول أخرى في نفس المنطقة، ففي دراسة من سنة 2012 أصدرها منتدى البدائل العربي للدراسات هنلاقي أنه نصيب الطالب من الإنفاق السنوي على التعليم فى مصر هو 900 دولار بينما في تونس وصل 4630 دولار والمغرب 3440 دولار ولبنان 4500 دولار، طبعا دا لو جينا نحسبه دلوقتي بالأسعار الحقيقة بعد التعويم هتلاقي النسب أقل بكتير.

– توزيع الإنفاق على التعليم نفسه في مشكلة أكبر، هنلاقي مثلا أنه المراحل الدنيا فى التعليم ( الابتدائية ) نصيبها اقل من الانفاق، في حين أن معظم الدراسات العلمية بتأكد على أهمية الإنفاق في المراحل المبكرة لأن ده هو اللى بيكون قاعدة تعليمية صلبة.

– وبالتالي المفروض أولوية أي سياسة تعليمية حقيقية تبقى في اتجاهين، تطوير البنية الأساسية في ظل حالة النقص الشديدة للمدارس والفصول وبالتالي عالأقل طلب زيادة الإنفاق بشكل حقيقي على التعليم وبالنسب اللي حطها الدستور “كحد أدنى”، والاتجاه التاني الاستثمار في المدرسين نفسهم وتطويرهم تعليمياً وتربوياً وتوفير الإمكانيات ليهم، والمدرس ده هوا أهم حلقة أكتر من التابليت مثلا.
*****

– طبعاً دي كل ده مفروض يكون معروف عند موظف سابق في مؤسسة دولية كبرى بحجم اليونسكو، لكن ده بيقولنا قد ايه المنظومة السياسية والادارية بتأثر على أي شخص خاصة لو كان “تكنوقراط” يعني عنده خلفية تقنية لكن بدون رؤية سياسية، وتغيير المنظومة هوا الأهم من الأشخاص.
– كمان مهم إننا نأكد على أهمية “المشاركة” والنقاش العام في أي شأن بيهم المصريين، وإنه أسلوب الوزير الحالي – اللي هو أسلوب السلطة كلها – بتاع أنا بفهم وانتو لأ، انا بعرف وانتو لأ، محدش يناقشني أنا بعمل الصح، ده دايماً نهايته كوارث ومأساوية، والشخص اللي رغم خلفيته الدولية يلجأ لتقديم بلاغات في المعلمين المعترضين على سياسته، وبيمنع دخول الصحفيين للمدارس عشان ميصوروش المستوى المزري للمدارس، وبيتصور إنه حل أزمة التعليم في زيادة المصاريف وتوزيع “التابلت” بالتأكيد صعب مصير التعليم يشهد أي تقدم حقيقي في عهده.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *