– قبل اسبوع شفنا كلنا الأخبار المؤسفة لما في يوم واحد مات خالد بشارة، الرئيس التنفيذي لأوراسكوم للتنمية في حادثة علي الدائري قرب ميدان الرماية، وبنفس اليوم اتوفى كمان الصحفيين في جريدة المال زكية هداية وأحمد المنسي علي طريق العامرية.
– المهندس خالد بشارة كان معروف بنجاحه الشديد كرجل أعمال، وأيضاً كواحد من مؤسسي خدمات الانترنت في مصر عبر شركته لينك، غير مواقفه الانسانية والسياسية زي تأييده لثورة يناير علنا بمجرد بدايتها في وقت خوف أغلب رجال الأعمال.
والصحفيين زكية والمنسي أيضا سيرتهم معروفة بكل الخير وسط زملائهم وأصدقائهم.. ده يدينا فكرة ازاي الحوادث مش مجرد أرقام دي خسارة بشعة للأهل والأصدقاء وكمان لمصر كلها.
– كل العزاء لأسر المهندس خالد، وزكية والمنسي، وكل ضحايا الحوادث.
– نزيف الدماء علي الطرق في مصر قديم، ولم يتوقف بالرغم من كل الطرق الجديدة، وده يخلينا نفكر في الأسباب والحلول.
****
ايه وضع حوادث الطرق في مصر؟
– بحسب أخر تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء اللي صدر في ديسمبر 2019 فمصر حصل فيها 5220 حادثة في النص الأول من 2019، مقابل 4427 حادثة في نفس الفترة من 2018، يعني نسبة زيادة حوالي 17 %، ودي عودة للزيادة بعد ما كانت انخفضت 24% بنفس الفترة عام 2017.
– أرقام الضحايا فيها اختلافات بين الأرقام المحلية والدولية، لكن خلينا مع الرقم الرسمي في 2018 كان عدد حوادث الطرق في مصر حوالي 8500 حادثة، بمعدل وفيات مرتفع هوا 3078 وفاة وحوالي 12 الف مصاب.. ده فيه دول بتدخل حروب مش بتخسر العدد ده كله!
– كمان عندنا مؤشر مهم هوا “قسوة الحادثة” يعني نسبة الوفيات للإصابات، وحسب الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء الوضع عندنا هوا ٢٥.٩ متوفي لكل ١٠٠ مصاب.
– ده بيقول لنا أنه الحوادث في مصر أكثر قسوة، يعني إحتمالية الموت من الحوادث، أو متوفى لكل 100 مصاب وصلت ل 29.3 بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
****
إيه الأسباب؟
– الأسباب كتير ومتنوعة وقديمة وبتأثر على بعضها، وفيه اختلافات بين الخبراء والتقييمات المحلية والدولية عن الأسباب الأهم، لكن نقدر نلخص الموضوع في الأسباب دي:
١- اختلاط أماكن سير عربيات النقل مع عربيات نقل الركاب خاصة بالطرق السريعة، نسبة كبيرة من الحوادث بتحصل بالشكل ده.
٢- العنصر البشري، واللي بحسب التقدير الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء مسئول عن 70 % من الحوادث.
جزء من ده مرتبط بفعالية أداء حكومي، زي آليات الرقابة على تعاطي السائقين للمخدرات، او المراجعة الجادة في تجديد الرخص هل الشخص مثلا اصابه مرض في عينه أو أعصابه يمنع قيادته وغيرها من الاحتمالات.
وجزء تاني مرتبط بعادات القيادة عند المصريين، حاجة مثلا زي ارتداء حزام الأمان اللي الداخلية أهملت التشديد عليه بيكون عامل مهم جدا في انقاذ حياة ناس كتير.
٣-سوء حالة الطرق في مصر، ويمكن ناس تقول طيب ما هو الدولة بتبني طرق وكباري جديدة كل يوم، لكن الموضوع ليه علاقة بعدة عناصر:
– الطرق الجديدة تركزت في أماكن معينة، بينما أماكن أخرى بالجمهورية مكانش ليها نفس النصيب، ومازالت فيها طرق غير ممهدة.
– دايما فيه أسئلة أكبر حول كفاءة الطرق وصيانتها، شفنا الوفيات اللي حصلت بسبب السيول والانهيارات الأرضية اللي حصلت، وده برضه مرتبط بأداء أجهزة الدولة سواء بتحديد مواصفات الطرق أو بالرقابة على سلامة التسليم وعدم التهاون بحجة اولوية سرعة الانجاز.
– وبشكل غير مباشر لما الطرق بتقف سواء لمشاكل او أعمال اصلا بتحصل إحتمالية أكبر للحوادث نتيجة أنه الناس بتسوق بسرعة عشان تلحق مواعيد لما بيطلعوا من الجزء اللي بيتم إصلاحه.
– عوامل فنية تانية مرتبطة بالطرق تخص تخطيطها أصلا، زي الطرق السريعة اللي بتقطع مناطق سكنية وشفنا زيادة الحوادث في مصر الجديدة بعد “التطوير” اللي اتقال فيه للناس كباري وانفاق المشاة مش مسؤوليتنا دي مسؤولية المجتمع المدني، وكمان زي تفاصيل فنية زي عدد الحارات، اليوتيرن فين ومساحته أد ايه، وجود الحواجز الأسمنية علي طرق سريعة، وغيرها من العوامل.
٤- سوء خدمات الإسعاف على الطرق السريعة، كتير من الطرق القديمة والجديدة مفيهاش تغطية موبايل باجزاء منها او أي وسيلة تكنولوجية لضمان سرعة الإبلاغ عن الحوادث، مفيش إنتشار لوحدات الإسعاف بالشكل الكافي، زي ما شوفنا مثلا في موضوع طبيبات المنيا اللي الإسعاف تأخرت في الوصول ليهم بحسب شهادات المصابين.
٥- سبب غير مباشر إن مصر مازالت شبكة المواصلات العامة فيها غير كافية، لا القطارات كافية للتنقل السريع السهل بين المحافظات، ولا المواصلات داخل القاهرة مترو وأتوبيسات كافية، وبالتالي نسبة كبيرة من السكان بتلجأ للنقل الخاص زي الملاكي أو مواصلات أقل أمانا زي المكروباصات بين المحافظات، وده بيرفع نسبة الحوادث.
***
ايه الحلول؟
١- الأسباب دي كلها معقدة ومتداخلة بشكل كبير جدا، فول خطوة هوا دراسات علمية جادة، نعرف ايه الأسباب ونقيس آثارها النسبية، وبكدة ممكن نختار مثلا الأسباب الأخطر واللي علاجها أسرع نبدأ بيها.
– وكمان حلول جزئية عاجلة لما نشوف خريطة كاملة قدامنا، هيكون واضح مثلا ان الطريق الفلاني في نفس المكان بيتكرر فيه حوادث، ففورا نعرف مشكلته ونحلها.
للأسف حاجة زي حادثة المهندس خالد بشارة، وهوا شخص معروف، شفنا تضارب الأول مصادر أمنية قالت حادثة مع عربية نقل، بعدها مصادر قالت لا ده كان ماشي بسرعة وخبط في الحاجز الأسمنتي عند نزلة الدائري. اللي مفروض يحصل اننا منشوفش مصادر مجهولة، بل نشوف بيان رسمي من الداخلية، سبب الحادث كذا، وفورا عملنا كذا لتجنب تكراره!
٢- جزء من الاستراتيجيات دي هو تطوير المواصلات العامة في مصر وجعلها أسرع وأرخص من وسائل المواصلات التانية، تطوير السكك الحديدية من حيث رفع كفاءة القطارات ومعالجة مشكلة الحوادث المتكررة ورفع معدلات الرحلات ممكن يشيل كثير من المسافرين علي الطرق.
٣- تطوير منظومة النقل العام حتي جوة القاهرة ومنها المترو ومراعاة خفض أسعارها، ممكن يخلي الأعداد أقل علي الطرق، تطوير شبكة نقل العام الأتوبيسات وتحسين خدماتها ممكن يساهم في تقليل الحوادث. لأنه حيقلل من عدد السيارات الخاصة علي الطريق وبالتالي حوادث أقل.
 وزي ما قلنا سابقا مفيش حاجة اسمها أصل المترو بيخسر، مش مطلوب أصلا المواصلات العامة تكسب!
٣- لازم الدولة تحاول تفصل في الطرق بشكل أكبر بين عربيات النقل وخاصة النقل التقيل وبين مسارات عربيات الملاكي، وده بدأت خطوات ايجابية نشوفها في بعض الطرق الجديدة ليه.
٤- محتاجين بشكل عاجل تطوير لخدمات الإسعاف ومحتاجين يكون عندنا منظومة إبلاغ سريع في حوادث الطرق تضمن سرعة اسعاف المصابين.
٥- محتاجين مزيد من الرقابة علي عمليات تنفيذ الطرق وصيانتها علشان نقدر نحارب الفساد اللي بيؤدي لسوء حالة الطرق دي وبالتالي انعدام كفاءتها وعوامل الأمان فيها.
٦- محتاجين مزيد من الرقابة علي السيارات اللي تباع في مصر، محتاجين يكون في رقابة علي سلامة السيارات وملاءمتها للسير في الطرق في مصر، دا محتاج مجهود أكبر من إدارات المرور واللي ممكن تسمح لأنه الرقابة دي تتعمل بشكل غير مركزي بسهولة.
٧- محتاجين الدولة والمجتمع المدني يشتغلوا أكثر علي حملات التوعية بالقيادة السليمة، برامج تدريب للي عايزين يطلعوا رخص قيادة علي التعامل علي الطرق السريعة، نعمم ثقافة القيادة الأمنة زي استخدام الحزام وغيره.
٨- بعض الحلول دي حصلت فيها خطوات فعلا، لكنها مازالت أقل بكتير من انها تعمل أثر كافي، ونتمنى ده يتحول لمشروع قومي وأولوية، نشوف إرادة سياسية للإصلاح، وتفكير شامل ودراسات جدوي كلية لحل المشاكل، واحصاء كل سنة بنتايج الاستراتيجية القومية لخفض ضحايا حوادث الطرق، عشان منحلش جزء من المشكلة ونسيب بقيت المشكلة تتفاقم مع الوقت.
– خالص عزائنا لأسر خالد بشارة، وزكية هداية، وأحمد المنسي ولأسر ألاف المتوفين في حوادث الطرق في مصر، ونتمني الدولة تاخد خطوات جدية لوقف نزيف الدماء علي الطرق في مصر.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *