– خلال الفترة اللي فاتت ظهرت حلافات كبيرة على مسودة لقانون الأحوال الشخصية الجديد، والحقيقة إن الأزمة مستمرة من سنتين على الأقل، لما نسخة تانية من القانون لم تمر في البرلمان السابق بسبب اعتراضات من الأزهر والمجلس القومي للمرأة وغيرها.
– قانون الأحوال الشخصية في مصر هو قانون شديد الأهمية والتعقيد في نفس الوقت، ودائما محل جدل لأنه فلسفته نفسها عليها خلاف، خاصة كمان إن مصر قانون الأحوال الشخصية اللي فيها من سنة 1925.
– شفنا بعض الشيوخ زي أحمد كريمة بيعترض على القانون، وقصاده شفنا مثلا امبارح 7 منظمات حقوقية مصرية أصدرت بيان مشترك بيوصفه إنه “قانون العصور الوسطى للعصف بحقوق النساء”.
– النهاردة هنتكلم معاكم عن مسودة القانون الجديد المطروحة؟ إيه الإيجابيات اللي فيها؟ وإيه السلبيات؟ والأهم هوا من وجهة نظرنا إيه المطلوب من قانون الأحوال الشخصية في بلد زي مصر؟
*****
إيه قصة المسودة الجديدة؟
– سياق الموضوع حصل فيه أحداث غريبة، موقع اليوم السابع اللي نشر المسودة رجع حذفها!
– مجلس الوزراء وافق بشكل نهائي على مشروع قانون بإصدار قانون الأحوال الشخصية، في 20 يناير الماضي، ووصل البرلمان وتمت احالته للجنة الشؤون الدستورية والتشريعية لدراسته في 28 فبراير، يعني مفروض انه خلص، لكن الغريب انه اتقال المسودة المنشورة لا تعبر عن موقف الحكومة وأنها ما أرسلتش لسه مسودتها النهائية للبرلمان!
– القانون اللي حذفته اليوم السابع ومش منشور بالكامل في أي موقع تاني كان بيضم 194 مادة، وبيتضمن أحكام متعلقة بالخطبة، وعقد الزواج، والطلاق، والخلع، والنفقة والحضانة، وكمان يشمل ما يخص لإرث، والولاية، والوصية للمسلمين، والأحكام الخاصة بإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، واستحداث صندوق لدعم ورعاية الأسرة لتوفير موارد لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالنفقة.
– في ملاحظة مهمة عن القانون وهو أنه اتسرب في وقت تنفيذ قانون الشهر العقاري اللي سبب اعتراضات شعبية كبيرة قبل ما يطلب الرئيس السيسي التراجع عنه، وده سبب إن البعض شاف تسريب مسودة قانون الأحوال الشخصية شيء متعمد للتشويش على قانون الشهر العقاري، لكن طبعا دي توقعات محدش يقدر يكون متأكد منها، والمؤكد إن قانون الأحوال الشخصية هيصدر قريبا وطبيعي يحصل نقاش على المسودة المتاحة.
*****
إيه سلبيات القانون الجديد؟
1- القانون عمليا بينهي الأهلية القانونية للمرأة، فلسفته بالعموم هوا جعلها تحت سلطة وولاية رجل طول الوقت .. مثلا رغم إنه أعطى المرأة حق تزويج نفسها أخذا بالمذهب الحنفي، ولكن في الوقت نفسه صادر الحق ده عمليا، وسمح لأي ولي بالأسرة بالطعن على عقد الزواج “مالم يكن قد دخل بها”، بحجة عدم التكافؤ، بالتالي القانون فعليا لا يعترف بحق النساء في اختيار الزوج وبيخلي أي ذكر في العيلة قادر على فسخ عقد الزواج بسبب فكرة “عدم التكافؤ” المطاطة جداً (مادة 6 بند ب)، بالتالي ممكن يفتح باب التعنت لإبطال عقود الجواز لو حد من الأسرة متعنت ضد الخاطب.
2- القانون ينص على استكمال الاستناد إلى مذهب الإمام أبى حنيفة كمرجع وحيد دون باقى المذاهب أو مبادئ الشريعة مما يؤدى إلى حق أي ذكر فى العائلة منع النساء من السفر مهما كان منصبها أو متطلبات السفر وده جه في المادة الأولي من القانون! في حين إنه حتى بالناحية الشرعية البحتة فيه آراء فقهية تانية مختلفة في النقطة دي.
الموضوع ده بيفتح مشاكل عملية كتير جدا، من أول إن سيدة بمنصب كبير في مهمة عمل تتعرض للمنع أو المساومة، ولحد إن الزوج يتعنت ويحرم زوجته من السفر لزيارة أهلها في محافظة تانية مثلا.
3- القانون في جزء الولاية على مال الابن القاصر ذكر في المادة 103 أنه الولاية للأب ثم للجد ولم يذكر الأم على الإطلاق مع أنه الأم أولى بالولاية على مال أطفالها، وكلنا عارفين في المجتمع المصري المشاكل اللي ممكن تنتج عن ولاية الجد على مال وممتلكات الأطفال بعد وفاة الأب.
4- فقدان الولاية القانونية والمالية على الطفل دي مشكلة كبيرة لانه كدة قانونا الأم ملهاش تاخد أي قرار متعلق بابنها في حالة وفاة أبوه يعني متقدرش تطلع قيد ميلاد، أو تشرف على أمواله، أو تختار له مدرسة وغيرها من الحاجات اللي بتتطلب تعامل قانوني لازم يكون الولي اللي هو في الحالة دي الجد هو اللي يعملها، ده غير احتمالات تعنت الأب، أو الأب المسافر والغائب اللي لازم ييجي بنفسه يقدم في المدارس مثلا.
5- القانون بيمنع في المادة 89 سفر الأم الحاضن بالطفل بغير إذن غير الحاضن، لكنه لم يقيد سفر الأب بالطفل، ومش مفهوم ليه مفيش مساواة بالمنع أو السماح في الحالتين، ممكن غير الحاضن يخطف الطفل خارج البلاد في الحالتين.
7- القانون ألغى اختصاص المحاكم الجنائية فيما يتعلق بمنقولات الزوجية وخلاها من إختصاص محكمة الأسرة، وده عمليا بيحرم الستات من قوة ضغط مهمة أمام محكمة جنائية بتسرع عملية الحكم على عكس محكمة الأسرة الأبطأ في الأحكام.
بجانب ده كله في نقاط القانون الجديد تجاهلها تماما ولا حتى أي إشارة، ودي مشاكل مجتمعية أكبر من التمييز الصريح ضد النساء اللي في المواد اللي قولنا عليها فوق يعني مثلا:
1- القانون لم يقدم أي رؤى تتماشى مع متغيرات العصر وتطور أدوار النساء في مصر واللي بتعيل عمليا ثلث الأسر المصرية وتساهم في الإنفاق في بقية الأسر، ودا شيء محدش يقدر يتجاهله بأي حال.
2- لم يساهم فى تقديم حل ناجز فى ضمان مسكن للأطفال في حال الخلاف لحمايتهم من المبيت فى الشارع فى حال طردهم من منزل الزوجية.
3- في الجزء الخاص بتنظيم الطلاق وإنه يكون أمام القاضى لحسم الحقوق المترتبة عليه، مفيش نص على إيه الحقوق دي صراحة، بالتالي أمام القضاء بيكون في ألاعيب كتيرة ممكن تتعمل.
4- القانون أيضا لسه متغافل عن أي صيغة لتنظيم تعدد الزوجات، وحتى الجزء بتاع إبلاغ الزوجة بالزواج للمرة الثانية في الحقيقة هوا شيء اجرائي فارغ من المحتوى لإنه ممكن يتعمل بمجرد جواب بعلم الوصول، وفيه ألاعيب كتير تتعمل إن الزوج يبعت الجواب ويحرص إن مراته متشوفوش وخلاص كده عمل اللي عليه قانونا.
فيه دول إسلامية أخرى بتنظم شروط تعدد الزوجات بل إن بعضها بيمنعه خالص زي تركيا، أندونيسيا، تونس، المغرب، وغيرها .. على سبيل المثال المغرب بتلزم الزوج بإعلام زوجته بس ده يكون قدام قاضي، وله إنه يمنع الزواج لو شاف إن الزوج غير قادر جسديا أو ماليا على الزواج التاني والعدل بينهما لا يمنحه رخصة الزواج.
*****
إيه الإيجابيات اللي في القانون؟
1- القانون غير ترتيب الأب في حضانة الطفل من رقم 16 لرقم 4 بعد الأم وأم الأم وأم الأب، وده شيء إيجابي جدا وكان دايما مثار اعتراض من الرجال المطلقين، لأنه الأب أولي من الخالات والعمات وغيرهم من ذوي القربى.
2- النص على الغرامة أو السجن في حالة عدم إعلام الزوجة بالزواج الثاني ده تطور إيجابي، البعض اعترض على عقوبات المادة وانها مبالغ فيها لكن الحقيقة زي ما قولنا فوق ان المشكلة بالآلية نفسها غير كافية وسهل التحايل عليه، المهم وضع آلية بدون. ثغرات تضمن إن الزوجة الأولى تعرف.
3- إلزام الأب بتقديم مصدر الدخل في خلال 15 يوم عشان النفقة شيء إيجابي، لكن برضه القانون أبقي عبء إثبات دخل الزوج فى النفقات على الزوجة دون تقديم أى تصور حديث لده زي أنه القاضي يطلب من جهة العمل أنها تبعت خطاب للمحكمة أو غيرها من الطرق اللي تشيل عن الأم عبئ الإثبات ده.
4- وبموجب المسودة المتداولة، يلزم القانون بوجود ملحق لوثيقة الزواج أو الطلاق تتضمن حقوق والتزامات الطرفين وقت الزواج أو الطلاق تتضمن المسائل المتعلقة بالنفقة أو الأجور المستحقة للمرأة من الرجل عن الرضاعة والحضانة، إلى جانب المسائل المتعلقة بالرؤية والاستضافة للأطفال عند الطلاق، ومؤخر الصداق، ونفقات تعليم الأطفال وغيرها ويعد الملحق جزءًا لا يتجزأ من الوثيقة، ودا شيء جيد.
*****
إيه المطلوب من قانون الأحوال الشخصية في مصر؟
1- الرؤية العامة إن أي قانون حديث للأحوال الشخصية في مصر يستند على فلسفة أنه قانون مدني في إطار الدستور والمواطنة، حتى لو كان في بعض بنوده لازم يلتزم بالشريعة الإسلامية، لكن في نفس الوقت لازم كمان يفتح الباب أمام اللي مش عايزين ده أنهم يصيغوا اتفاقات أخرى، وده بيسموه أحيانا “التوازي التشريعي”
– ودا يعني المطالبة بمرونة في صياغة عقود الزواج بين الطرفين والعقود والحقوق المترتبة على الطلاق كل واحدة على حدة.
– على سبيل المثال لازم قانون الأحوال الشخصية ينظم مسألة منع طلاق المسيحيات واللي هو مشكلة كبيرة وقديمة، لأن تصاريح الطلاق في الكنيسة بتتمنع أو بتاخد سنوات لو طلعت، وقضية الجواز بعد الطلاق أصعب وأصعب .. الحل مش دعوة الدولة للضغط على الكنيسة لتغيير اللي شايفاه شريعة دينية ليها، لكن إنه الدولة توفر لكل المواطنين آلية زواج مدني، وبالتالي يبقى الاختيار للمواطنين المسيحيين إما انه يكمل في مسار الزواج الديني الكنسي أو إنه يتزوج زواج مدني، وبالمثل للمواطنين المسلمين هيكون ده خيار برضه متاح قدامهم.
2- القانون يشوبه الغموض وفيه عدم شفافية كبيرة فيما يخص المسودة، يعني مثلا الحاجات اللي مش عليها خلاف عقدي إزاي هيكون فيها اختلاف بين المسلمين والمسيحيين، بمعنى هل مصلحة الطفل بتختلف من أسرة مسلمة لأسرة مسيحية.
– الكلام دا تحديداً قالته المحكمة الدستورية العليا، إن الأمور الدنيوية اللي مش متصلة بأمور العقيدة لا يصح يكون فيها اختلاف بين الأسر المسلمة والمسيحية.
3- لازم قانون الأحوال الشخصية يكتبوا خبراء في مجالات كثير مش بس علماء دين وخبراء قانونين لازم يكون في أراء مختلفة، ومتخصصين عندهم دراسات عن المشاكل الواقعية المعقدة جدا، ويقدروا يمثلوا آراء المتضررين و ينقلوا أنماط المشاكل المتكررة.
– لازم القانون يكون بحوار مجتمعي موسع مع المؤسسات النسوية ومنها المجلس القومي للمرأة ومؤسسات المجتمع المدني، وعدم الاكتفاء بوجهة نظر واحدة.
5- العالم بيتقدم وبيتطور والستات دلوقتي في مصر مش من المفترض أنه حقوقهم تكون هي حقوق 100 سنة فاتت، الستات في العالم كله بتحقق مكاسب وبتخوض مساحات جديدة مينفعش يكون في قانون بالشكل دا في سنة 2021، بمعنى إنه أحياناً ممكن تشوف المسودة الحالية دي فيها انتكاسة في الحقوق أكتر من القانون السابق.
6- محتاجين نقاش متوازن حول كيفية علاج مشاكل الحضانة والرؤية والنفقة وغيرها إجرائيًا، بمعنى إن البرلمان قبل إقرار أي قانون حساس زي دا محتاج يفتح باب النقاش المجتمعي، ومفروض إن مجلس الشيوخ أنشئ لأداء أدوار زي دي.
بالمجمل محتاجين إصلاح كامل لمنظومة الأحوال الشخصية مش بس التشريعات، عشان نوصل لصيغة توافقية تضمن حقوق المرأة والرجل والطفل في الأسرة، وفقًا لمقتضيات الواقع اليوم والتطبيق العملي.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *