– الشهر اللي فات أعلن الرئيس السيسي إنه وجه ببدء المرحلة الأولى من مشروع تطوير قرى الريف المصري، ودي تشمل تشمل 1500 قرية، وده بالتأكيد خبر إيجابي جدا في العموم.
– عند مناقشة مشروع زي دا لازم يكون فيه مساحة لأسئلة بديهية، منها مخطط التطوير، والتكلفة، والمدى الزمني، كمان في سؤال بديهي لازم يجي في ذهن أي حد، وهوا موقف المبادرات السابقة بنفس المجال، زي أنه عندنا بالفعل مبادرة “حياة كريمة” اللي بتستهدف تطوير القرى الأشد فقرا، هل تندمج؟ ولا هل هيتحسب عدد القرى بتاعة حياة كريمة في البرنامج ولا لأ لنفس القرى مرتين؟ أسئلة محتاجة لإجابة.
– عشان الأسئلة دي وغيرها قررنا النهاردة إننا نفتح النقاش دا، و هنركز فيه على ثلاث أسئلة رئيسية: إيه هو المشروع؟ هل لينا تجارب سابقة في الموضوع ممكن نتعلم منها؟ وإيه المطلوب في المشروع عشان يكون سبب في تطوير الريف المصري بشكل فعال؟ مع إشارة لتجربة مهمة هيا تجربة حركة ” المجتمع الجديد ” Saemaul Undong في كوريا الجنوبية.
*****
إيه هو المشروع؟
– المشروع الحالي يستهدف تطوير 1500 قرية في 50 مركز على مستوى الجمهورية في 20 محافظة.
– مصر فيها تقريبا 5600 قرية وحوالي 30 ألف عزبة ونجع وتابع.
– المراكز المستهدفة كالتالي 7 مراكز في محافظة أسيوط، 7 مراكز في سوهاج، 6 مراكز في البحيرة، 5 مراكز في قنا، 5 مراكز في المنيا، ومركزين في كل من محافظات أسوان والأقصر، والمنوفية والفيوم وبني سويف والجيزة، ومركز واحد بكل من محافظات الوادي الجديد والقليوبية والدقهلية والإسكندرية والغربية والشرقية والإسماعيلية ودمياط وكفر الشيخ.
– اختيار المراكز جاي عن طريق معيار أعلن عنه وزير التنمية المحلية وهو أنه المراكز اللي فيها نسبة الفقر في القرى أكبر من 55 % وفيها معدلات أمية عالية ونسب تانية زي التغطية بالصرف الصحي، لكن الحكومة لم تنشر معايير الترقيم ده بشكل يشارك مثلا نسب الفقر والأمية في كل قرية تم اختيارها.
– تكلفة المشروع بحسب بيان رسمي من المتحدث باسم الرئاسة حوالي 500 مليار جنيه، ودا يعني أنه تقريبا كل قرية هتحصل على 30 -35 مليون جنيه.
– المشروع يشمل بحسب كلام المتحدث باسم الرئاسة تطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية، خاصةً المياه والكهرباء والصرف الصحي وتبطين الترع وتطوير الوحدات الصحية والمنشآت التعليمية.
– طيب الفلوس دي هتيجي منين؟ ده سؤال مش واضح حتى الآن لأنه حسب التصريحات في أكثر من وزارة مشتركة في البرنامج بما فيها وزارات الصحة – التعليم – التنمية المحلية، وكمان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة .. هل الكلفة هيبقى من مخصصات الوزارات دي؟ واللي هي أساسا بتعاني من ضعف في المخصصات كل سنة، ولا الكلفة من بند جديد هيتخصص في الموازنة العامة؟ منين؟ مفيش توضيح حتى الآن.
*****
نقاش وأسئلة حول المشروع
– رفع مستوى البنية التحتية في القرى هو شيء جيد جدا، ويجب إنه يكون فعلا على رأس أولويات الحكومة، ومجرد انه يتطرح مشروع زي ده بحد ذاته ممكن يكون رد على انتقادات اتقالت أكتر من مرة عن ان الأولوية رايحة للعاصمة الإدارية بس ولمشاريع فاخرة بس، وبالتالي التجاوب ده بحد ذاته شيء بنشيد بيه ونتمنى يستمر.
– لكن المشاريع القومية الكبيرة اللي زي دي واللي بتغيب تفاصيل كثيرة عنها، وبتخرج بين يوم وليلة للنور دي تخلينا نفكر في إننا لازم نتأنى شوية قبل ما نحكم بنجاحها، رغم اتفاقنا في الهدف.
– يعني ببساطة المشروع ده بدأ الكلام عنه من شهور معدودة، بدون ما يحصل دراسات من شأنها تقييم الاحتياجات في القرى دي أو تفاصيل مطالب أهلها أو كلفتها.
– لكن حتي لو فكرنا أنه الحكومة كانت بتخطط للموضوع في السر يعني، فخلينا نشوف حاجة تانية مهمة وهو أنه يكون في مشروع لتطوير 1500 قرية بدون الكلام بأي شكل حتى الآن عن سكان القرى دي من الفلاحين والعاملين في القطاع الزراعي.
– ويكون كل المطروح في المشروع هو صرف صحي، وتطوير البنية التحتية في القرى (ودا شيء مهم) بس مش كفاية لازم يترافق مع كلام مباشر عن الزراعة ودعم الفلاحين سوى موضوع تبطين الترع عشان أزمة المياة فدي مشكلة كبيرة بيعاني منها المشروع.
– مصر عندها أزمة كبيرة في التفكير في مشاريع التنمية الريفية، والمشكلة ببساطة أنه صناع القرار بيفصلوا بين التنمية الريفية والتنمية الزراعية.
– ده حصل قبل كدة في مشروع شهير تم التفكير فيه في 2007 وبدعم مباشر وترويج من جمال مبارك وهو مشروع الألف قرية الأكثر فقر، وحتى قبل المشروع كان في مشروع تاني من نهاية التسعينات اسمه مشروع “شروق” كان بيستهدف برضه القرى الأكثر فقرا.
– مشروع الألف قرية فقيرة كان بيستهدف قرى الصعيد، وكان جزء من تمويله من البنك الدولي وحتى دراسة التقييم اللي اتعمل منها خريطة الفقر في مصر جايه من خبراء في البنك الدولي.
– لكن أثناء التطبيق ظهرت مشاكل كبيرة جدا في المشروع خلت أنه حتى بعد ما المشروع خلص لسه القرى دي فقيرة بشكل عام ولسه نسبة الفقر في الريف المصري مرتفعة، نسبة الفقر مثلا في ريف الوجه القبلي حوالي 48 % بحسب آخر بحث للدخل والإنفاق.
– المشاكل دي كان منها حصول قرى غير فقيرة على مخصصات من المشروع بسبب تدخل مسؤولين محليين، حتى أنه في قرى تم إنشاء وحدات صحية فيها وهي فيها وحدة صحية أصلا، وفي قري تم إنشاء بيوت لسكن الفلاحين عبارة عن عمارات من عدد أدوار بدون أي مراعاة لطبيعة المنزل الريفي المفترض أنه يكون في عائلة واحدة وفي مساحات مخصصة للماشية وغيرها من سبل عيش الفلاح.
– مشاكل تانية تتعلق بجودة الإنفاق نفسه، في وحدات صحية تم بناؤها بدون وجود مخصصات لاحقة لشراء أجهزة أو عدم وجود طبيب في القرية أصلا، كمان مدارس تم إنشاؤها بدون تخصيص موارد للصيانة اللاحقة ومشاكل بيروقراطية شديدة.
– المشكلة الأكبر دايما بتبقى التفكير في تنمية الريف بدون التفكير في تنمية الزراعة ومساعدة الفلاح، يعني الأسعار بتزيد وإمكانيات الفلاح قليلة والحكومة ممكن بس تكون مهتمة ببناء مرافق خدمية، دون مساعدة الفلاح بتنمية مستدامة في مجال أكل عيشه يرفع من مستواه.
*****
ايه التجارب الدولية المهمة في المجال ده ؟
– واحدة من أشهر التجارب الدولية في التنمية الريفية هي حركة المجتمع الجديد في كوريا الجنوبية ، الحركة انطلقت في السبعينات بدعم من الحكومة الكورية في الوقت ده والرئيس بارك جون هي اللي كان دكتاتور جاي بانقلاب عسكري في 1961 .
– السبب في الحركة وهي عبارة عن منظومة متكاملة من السياسات التنموية في الريف هو أنه كان في فجوة كبيرة في الدخول بين الريف والمدينة في كوريا اللي كانت بتشهد بداية طفرتها الاقتصادية .
– المشروع تم علي مراحل في البداية كانت فكرته بسيطة وهي أنه حيتم توفير خامات البناء أسمنت وحديد لكل القري اللي اختاروها في المشروع والناس في القري دي حتبني بيوتها بإيدها .
– لكن قبل كدة تم الجلوس والتفاوض مع الفلاحين في القري دي ، وتم اختيار زعيم في كل قرية يكون مسئول عن متابعة تنفيذ المشروع ، المشروع تم في حوالي 33 ألف قرية وفي كل قرية تم توفير الخامات من قبل الحكومة .
– بعد كدة بيتم الاتفاق علي تنفيذ عدد من المشروعات جوه كل قرية ، مستشفي ، مدرسة، مؤسسة ثقافية ، ومؤسسات تعاونية زراعية مشتركة بتجمع أهل القرية عشان الاستثمار الزراعي يكون منظم في القرية ، وفي النهاية كل قرية أو مجموعة قري بتعمل صحيفة محلية ليها.
– بعد 9 سنين من بداية المشروع نجح في أنه يقلل معدل الفقر الريفي في كوريا الجنوبية من 27 % في 1970 ل 10 % في 1979 .
– سر نجاح المشروع كان أنه مشروع محلي بيشغل أهالي القرية وقائم علي ما يشبه الحوار المجتمعي لتطوير احتياجات كل قرية لوحدها ، وبسب النجاح الكبير للمشروع تبنته حكومات كثيرة في العالم لكن مكنش ناجح زي كوريا الجنوبية بالطبع واللي فادها أنه البلد في عهد الجنرال بارك كانت بتخوض تحول صناعي رهيب في المدن الرئيسة في كوريا.
– المشروع دلوقتي علي لائحة اليونسكو للتراث العالمي بسبب نجاحة الكبير والبنك الدولي والأمم المتحده دائما بتوصي به الدول اللي عندها معدلات الفقر الريفي مرتفعة .
– كمان ممكن نشوف إن المشروع ده كان جزء من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، اللي انتهت بتوجه النظام الكوري لإصلاح داخلي، سمح بتعديل الدستور سنة 1987 لعقد أول انتخابات تعددية اللي أطلقت مسار التحول الديمقراطي.
*****
إيه اللي ممكن يتعمل في المشروع ده لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة؟
– لازم نعرف إن الاهتمام بالريف والاستثمار فيه والخروج من ثنائية تنمية المركز على حساب الهامش شيء إستراتيجي، وممكن يكون له نتائج وأبعاد إيجابية فوق ما نتخيل مش اقتصادية بس بل اجتماعية كمان، ودا حصل في تجارب كتيرة زي تجربة “حركة المجتمع الجديد في كوريا الجنوبية” واللي ممكن نبقى نفرد لها بوست مستقل لأنها تستحق.
– لازم يتم دراسة الاحتياجات في كل قرية على حدة، وبعدها يتم توزيع مخصصات القرية دي على كذا قطاع، منها اللي يتوجه لتطوير الزراعة ومنها اللي يتوجه لتطوير التعليم والصحة وهكذا، بحيث يبقى غطينا المساحتين.
– يعني لو عندنا قرية بتعاني من مشكلة في وصول مياه الري ليها، يبقى الأولوية لحل ده، لو عندنا قرية بدون مدرسة وعدد سكانها كبير يبقي نبني مدرسة، ولو عندنا قرية بدون وحدة صحية نبني وحدة صحية ويكون المستهدف من المشروع هو تلبية احتياجات السكان مش مجرد إنشاءات ومقاولات.
– المشروع أيضا لازم يكون الإنفاق عليه من خلال مخصصات إضافية للقطاعات محل التنمية، مش مثلا نضغط على مخصصات المدارس والمستشفيات اللي موجودة عشان نبني مدارس ومستشفيات جديدة ونخلي القديمة تعاني من ضعف الإنفاق.
– أيضا لازم يحصل دراسة متكاملة للقرى وتنشر نتائج الدراسة دي ومعايير واضحة لاختيار القرى، ويكون في قدر من الشفافية في المعايير دي، بحيث فعلا القرى الأكثر فقرا تاخد نصيبها العادل بدون تدخلات غير موضوعية.
– كل ده كان ممكن يتم بسهولة لو عندنا وحدات محلية وقروية منتخبة وقانون المحليات، لكن للأسف دا متمش طوال فترة البرلمان اللي فات، ونتمنى دا يحصل في أسرع وقت.
– لأن انتخابات محلية ديمقراطية تجيب أعضاء تعبر عن مصالح الناس الحقيقية وتتفاوض باسمهم وتكون حاضرة على طاولة النقاش في مشروعات تنموية زي دي، هيبقى عندك معادلة تنمية + ديمقراطية محلية اللي هي ممكن تغير شكل مصر تماما بدل ما الناس بتشتكي طول الوقت إن السلطة مركزة في العاصمة ومصالحها.
– التوجه نحو الأماكن الأكثر فقرا هو مشروع قومي لمصر، الحكومات السابقة فشلت فيه لأسباب كتيرة، وطرحه دلوقتي بالتأكيد تطور إيجابي، وبنقول إنه بمزيد من الدراسة مصر ومزيد من الشراكة الشعبية الحكومة تقدر تحط إستراتيجية أنجح لمواجهة لفقر من الريف المصري، وتحسن من كفاءة سكانه ويبقى رافعة للبلد واقتصادها.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *