– الشهر اللي فات بدأت محاكمة رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد بالادور، في قضية فساد معروفة إعلاميا بـ “فضيحة كراتشي، وبتدور حوالين صفقة غواصات باعتها فرنسا لباكستان سنة 1994.

– ده بيحصل بعد وقت قصير من إحالة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للمحاكمة بتهم فساد واستغلال النفوذ. هنتعرف في البوست ده على وقائع القضيتين، ونشوف نموذج للي بيحصل في دول تانية بتحاسب أكبر المسؤولين فيها، حتى لو فات على الوقائع سنوات طويلة.
*****
ايه هي فضيحة كراتشي؟
– رئيس الوزراء إدوارد بالادور عمره حاليا 90 سنة، تولى منصبه في الفترة من 1993 ل 1995، وكان مرشح لانتخابات الرئاسة 1995. وفي 1994 فرنسا باعت 3 غواصات من فئة أغوستا لباكستان، ووصلت قيمة الصفقة 5.41 مليار فرنك فرنسي.
– الحملة الانتخابية فشلت، والصفقة كانت سرية، ولحد هنا الأمور كانت ماشية بشكل طبيعي. لكن سنة 2002 حصل تفجير في مدينة كراتشي الباكستانية، أدى لمقتل 11 مهندس فرنسي، 3 باكستانيين، وكان فيه غموض حوالين سبب التفجير، وبدأت تحقيقات طويلة ومستمرة حتى الآن.
– في البداية كان فيه اعتقاد إن التفجير وراه تنظيم القاعدة، لكن قاضي مكافحة الإرهاب الفرنسي، اللي قضى سنوات في التحقيق في القضية، كان يعتقد إن الواقعة كانت للانتقام من قرار الرئيس الفرنسي جاك شيراك وقف دفع عمولات للوسطاء في صفقات الأسلحة السرية، واللي من ضمنها الصفقة مع باكستان.
– استمرت التحقيقات، وكانت السبب في اتهام رئيس الوزراء إدوارد بالادور بإنه قبل بتلقى رشاوي مالية، ووافق على بيع الغواصات، وعلى دفع عمولات للوسطاء 13 مليون فرنك (حوالي 2 مليون يورو بأسعار النهاردة)، وإنه استفاد من العمولات دي، ومول منها حملته الرئاسية للانتخابات، وفقا للاتهامات اللي وجهها له المدعي العام الفرنسي.
– تم توجيه الاتهامات للمتهمين دول سنة 2017، وبدأت وقائع المحاكمة الشهر اللي فات أمام محكمة خاصة بمحاسبة المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين.
– في خمس مسؤولين آخرين في نفس القضية، منهم وزير الدفاع في نفس الحكومة فرانسوا ليوتارد (77 سنة)، هو كمان متهم في القضية بتهمة “التواطؤ في إساءة استخدام أصول الشركات وإخفاء صفقة باكستان”.
– كمان الرئيس السابق نيكولا ساركوزي اتحقق معاه في القضية، لأنه كان وزير الموازنة وقت توقيع الصفقة، ومن المقربين من بالادور، لكنه مش من المتهمين اللي تم إحالتهم للمحكمة ونفى إنه يكون ليه علاقة بالصفقة دي.
*****
فرنسا بتعمل ايه مع باقي المسؤولين؟
– في شهر يونيو اللي فات، القضاء الفرنسي قرر إحالة قضية تانية متهم فيها ساركوزي لمحكمة الجنح، تفاصيلها بتقول إنه سنة 2014، حاول الضغط من خلال محاميه على أحد القضاة للحصول على معلومات سرية.

– وقتها كان القاضي بيحقق في قضية “استغلال ضعف امرأة”، تتعلق بهدايا قدمتها المليارديرة ليليان بيتنكور (أثرى امرأة في فرنسا) لحزب التجمع من أجل حركة شعبية (حزب ساركوزي السابق)، في وقت لم تكن تتمتع فيه بكامل قدراتها العقلية.
– ساركوزي وعد بمنح القاضي منصب مرموق في حالة تعاونه والإفصاح عن المعلومات السرية، لكنه تراجع عن تنفيذ الخطة في اللحظة الأخيرة، لما حس إن مكالماته مع محاميه (الوسيط بيه وبين القاضي) بيتم التنصت عليها.
– رغم ده، ومع إنه حصل على البراءة في قضية “استغلال الضعف” سنة 2013، لكن التحقيق في قضية استغلال النفوذ استمر، وفشلت جهوده في تجنب المحاكمة دي، وقدم أكثر من طعن والتماس ضد لائحة الاتهام، لكن محكمة التمييز (أعلى سلطة قضائية في فرنسا) خذت قرار نهائي باتهامه، وإحالة الأمر لمحكمة الجنح.
– دي مش القضية الوحيدة اللي بيواجهها ساركوزي اللي اعتزل الحياة السياسية نهائياً من 3 سنين. السنة اللي فاتت وفي مارس 2018، اتوجه ليه اتهام بالحصول على تمويل من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي سنة 2007، لتمويل حملته الانتخابية، وتم إكتشاف موضوع التمويل بسبب خط تليفون “سري” كان متسجل باسم مستعار كان بيستخدمه الرئيس الفرنسي لمكالمة شخص واحد وهو محاميه، وده لأنه عارف إن مكالماته بيتم تسجيلها، ورغم إنه لاحقاً قدم هو ومحاميه طلبات برفض المحاكمة بما إن الخط مش مسجل بإسمه ولا هو من هواتف الرئاسة وبالتالي عملية التصنت وتسجيل المكالمة غير قانونية، لكن التحقيقات في القضية شغالة لحد انهردة.
*****

– نيكولا ساركوزي هو تاني رئيس سابق في الجمهورية الخامسة، بيحاكم بتهم فساد، بعد جاك شيراك الرئيس الأسبق، اللي اتحاكم سنة 2011، بتهم تعيين 21 شخص من مساعديه في وظائف وهمية وقبضوا من خلالها رواتب بدون وجه حق، لما كان رئيس لبلدية باريس بين عامي 1977 و1995.
– شيراك كان بيواجه حكم بالسجن عشر سنوات، لكن الحكم صدر بشكل مخفف بعد ما بلدية باريس توصلت لتسوية مع الحزب الحاكم بقيمة 3 مليون دولار، وبعد ما الادعاء حث المحكمة على تبرئته هو و 9 متهمين آخرين.

– المحكمة برأت 2 من المتهمين التسعة، وأدانت السبعة الباقيين، وحكمت على شيراك بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ، بعد ادانته بالفساد وتبديد المال العام واستغلال ثقة الشعب.
– المحكمة قالت في حكمها “لقد خرق جاك شيراك واجب النزاهة المطلوب من قبل المسؤولين العاملين في الحقل العام، وذلك على حساب المصلحة العامة الباريسيين”، وده على الرغم من إن جاك شيراك وهو في السلطة طلب تعديل دستوري لتخفيض سنوات الرئاسة عشان الرئيس ميطولش في الحكم ويتكون حواليه فساد، ده مشفعلوش من محاسبته.

******

– بشكل عام وبعيد عن إدانة المسؤولين الفرنسيين أو لا، واضح ان فرنسا مش أعظم دولة في العالم في ملف مكافحة الفساد، لكن في نفس الوقت عندها مقومات وإرادة لمكافحة الفساد ومؤسسات دولة مش فرد، ده زي حرية الصحافة إنها تراقب وتحقق حوالين أعلى مسؤول، وعندهم استقلال حقيقي للقضاء ميقدرش الرئيس يتدخل ويغير في أحكام أو أعمال القضاء، وطبعا انتخابات ديمقراطية بيتغير فيها الرؤساء والحكومات ، وانتخابات محليات بصلاحيات، والمنظومة دي سبب رئيسي لاحتفاظ فرنسا بمكانتها كدولة متقدمة حتى لو عندها مشاكل وأوضاع غير مثالية.

– القضاء المستقل، وسيادة القانون، والصحافة الحرة، والتداول السلمي للسلطة، هي أكبر ضمانات لحقوق أي شعب في العالم، وبدونها المجتمع هيعاني من تسلط الحكومات، ومن الفساد والإفقار لأن محدش بيحاسب أو بيراقب، وأكيد إحنا كمصريين حقنا نتحكم باحترام زي أي بلد ديمقراطي في الدنيا.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *