من أبرز مطالب ثورة يناير كانت العدالة الاجتماعية، الهتاف الشهير ” عيش – حرية – عدالة إجتماعية ” هو المعبر الأكبر عن مطالب المصريين، وده فيه العيش – والعدالة الاجتماعية. يعني المصريين عايزين ميكونوش فقرا، عايزين عدالة اجتماعية في توزيع الدخل والثروة في مصر.
حجم الاقتصاد في كل الدول تقريبا بيكبر لعوامل مختلفة منها عوامل طبيعة زي زيادة السكان، بالتالي السؤال عن العدالة الاجتماعية مش سؤال عن النمو الاقتصادي، ولا سؤال عن المشروعات القومية هو سؤال عن وضع الناس، رغم أنه الأرقام ممكن متكونش بتعبر عن الفقر بشكل كامل لكنها في النهاية مؤشر رئيسي.
النهاردة وبعد 10 سنوات من ثورة يناير هنشوف إيه اللي حصل في مطلب العدالة الاجتماعية؟ إيه اللي حصل لمعدلات الفقر في مصر ؟ ليه زادت ؟ وإيه اللي حصل لتوزيع الثروة والدخل في مصر ؟ ليه بقا في فجوة أكبر؟ وإيه اللي ممكن نعمله في الملف ده لتقليل الفجوة بين الفقراء والأغنياء في مصر؟
*****
إيه اللي حصل لمعدل الفقر؟
في 2010 وبحسب بحث الدخل والإنفاق اللي بيعمله الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كانت نسبة الفقراء في مصر 25.2 % من السكان، وبعد 8 سنين من الثورة ارتفعت النسبة دي في 2018 لـ 32.5 % من السكان قبل ما تنخفض تاني بحسب أخر بحث لـ 29.7 % في 2019 -2020. (عملنا قراءة في بحث الدخل والإنفاق قبل كده ممكن تشوفوها من هنا: http://bit.ly/2MmczI5
زيادة نسبة الفقر مش هو بس المؤشر على زيادة الفقر، لأنه الفقر في مصر متعدد الأبعاد، يعني مش فقر فلوس بس ولكن فقر صحة عامة، وحرمان من فرص التعليم وحرمان من الوظائف اللائقة في سوق العمل، وبالتالي تزايد بمؤشرات عدم المساواة بين المصريين.
وعلي الرغم من أنه معدل البطالة في 2010 كان 9 % دلوقتي معدل البطالة حوالي 7.9 % يعني أفضل نسبيا، إلا أنه الوظائف الجديدة دي معظمها في قطاعات لا يتحقق بها أي أمان وظيفي زي قطاع عمالة العقارات.
كمان مصر لسه بتعاني من ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، اللي هو حوالي 17 % يعني ضعف معدل البطالة.
وعلى الرغم من زيادة الحد الأدني للأجور مرتين، مرة بعد الثورة مباشرة لـ1200 ومرة قبل التعديلات الدستورية الأخيرة لـ2000 جنيه إلا أنه ده لم ينعكس على المصريين بسبب معدلات التضخم الانفجاري اللي حصلت في مصر بعد التعويم واللي وصلت لـ 32 % في 2017.
الأجور الحقيقية يعني قيمة الفلوس اللي الناس بتقبضها انخفضت 11 % في الفترة من 2012 لحد 2018 بسبب معدلات التضخم المرتفعة من بعد الثورة، وخاصة بعد قرار التعويم.
في الصحة لسه مصر عندها ضعف إنفاق وسوء توجيه للموارد الموجودة في القطاع الصحي، اتكلمنا عن المشكلة دي بشكل أكبر في بوست سابق عن الصحة والتعليم في الموزانة ممكن تشوفوه من هنا : https://cutt.ly/TjAkvjB
مع كل ده لسه الحكومة بتركز على إن الاقتصاد بيحقق معدلات نمو كويسة ودا حقيقي وإيجابي كمان، لكن الأسئلة الأهم غايبة زي النمو ده بيتحقق إزاي؟ هل بيخلق وظائف كافية جيدة لكل المواطنين؟ هل أعباء النمو ده بتتوزع بشكل جيد على المصريين، وإزي أرباح النمو دا بتتوزع كذلك؟
*****
إيه اللي حصل للعدالة الاجتماعية؟
زيادة معدلات الفقر اللي اتكلمنا عنها هيا جزء من صورة أكبر هيا غياب العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
فعلى الرغم أنه الاقتصاد من 2014 بدأ ينمو بوتيرة جيدة إلي حد ما (ودا شيء كويس) إلا إن مصادر نمو الاقتصاد خاصة قطاعات البنية التحتية والنفط والغاز مكنش ليها التأثير اللازم على تقليل الفجوة في توزيع الدخل والثروة في مصر.
معامل جيني وهو مقياس شهير لقياس عدالة توزيع الدخل القومي نسبته في مصر 47 نقطة بحسب إحصاءات 2018، بعد ما كان حوالي 32 نقطة في 2010 وده يعني إنه في زيادة في سوء توزيع الدخل من بعد الثورة في مصر.
وعلى الرغم من أنه 47 دي نسبة كبيرة لكن مقبولة بشكل ما في حال لو قارنا مصر بدول قريبة زي الخليج واللي فيها عدالة أقل في توزيع الدخل، وده راجع بشكل ما إنه مصر مفيهاش معدلات الدخول العالية كما في الخليج إنما الثروات بتيجي من أشياء أخري غير الدخل زي الاستثمارات والريع.
لكن لو بصينا على تفاوت توزيع الثروة هنلاقي أنه أغنى 10 % من المصريين بيملكوا 73.3 % من الثروة في مصر، دي أرقام 2014 وهي أخر تقديرات رسمية بحسب تقرير كريدي سويس 2014. و على الرغم من كدا الـ10 % دول بياخدوا 30-35 % من الدخل السنوي ( الناتج المحلي).
دا يعني أنه معظم الزيادة اللي حصلت السنين اللي فاتت في الثروات راحت لأكثر 10 % أغنياء في مصر، ودا يفسر بشكل كبير إزاي الثروات بتزيد في الوقت اللي فيه 1 من كل 3 مصريين تحت خط الفقر.
تقرير بنك كريدي سويس عن الثروة في العالم في 2019 بيقول أنه 71.4 % من المصريين ثروتهم أقل من 10 آلاف دولار، يعني 71 مليون مصري تقريبا إجمالي ثروتهم لا تتعدى ال160 الف جنيه بأسعار الصرف الحالية، يعني مش معاهم ثمن شقة في منطقة شعبية فقيرة في القاهرة.
نيجي للطبقة الوسطي واللي ثروتهم تتراوح بين 10 آلاف -100 ألف دولار، يعني معاهم ما بين 160 ألف، و1.6 مليون جنية، هنلاقي إنه دول 26.9 % من البالغين في مصر، ودي نسبة ضئيلة جداً، وهتشوف قد إيه الطبقة الوسطى المصرية فقيرة من ناحية الثروة لو قارنتها بدول كثير في العالم.
يعني مثلا دول فقيرة زي غينيا الاستوائية النسبة دي فيها 27 %، السلفادور 46 %، والمتوسط العالمي هو 32 %، ودا يعني أنه الطبقة الوسطي المصرية فقيرة جداً في الثروة مقارنة بدول العالم.
طبعا سوء توزيع الثروة المتزايد في مصر دا نتاج السياسات المالية والاقتصادية العامة للحكومة، زي عدم الإنفاق بالشكل الكافي على التعليم والصحة، والإنفاق على مشاريع البنية التحتية اللي يتخدم فئة محدودة من المواطنين.
أو سياسات ضريبية زي أنه الضرائب على الثروات منخفضة، بالتالي الناس بتميل لتخزين الثروات في حاجة متدفعش فيها ضرائب على الأرباح والدخل، كمان غياب أنواع تانية من الضرايب زي ضرايب التركات الموروثة، والضرايب على العقارات وضريبة البورصة اللي نسبها منخفضة جداً.
*****
ده حصل ليه؟
في 2011 لما كانت الناس في الميدان بتقسم على بعضها ثروات نظام مبارك المنهوبة وعلي الرغم من التهويل في الأرقام إلا إن ده كان بيعبر عن وعي بالمطلب الأساسي من خروج الناس للشارع في الأساس.
بعد سنوات من يناير وتحديداً بداية من 2014 وقمع الحكومة للحركة في الشارع بشكل كبير بدأت في تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي عنيف، البرنامج ده شمل إجراءات كثيرة ساهمت في تعميق الفقر وزيادة حدة اللامساواة في مصر.
مثلا الدعم انخفض في الموازنة من 8.2 % من الناتج المحلي في 2015 لـ 4.8 % من الناتج المحلي في أخر موازنة. الأجور انخفضت من 8.2 % من الناتج المحلي في 2015 لـ 4.9 في 2020، تقريباً كل البنود المخصصة للفقراء انخفضت في حين مزادش غير الاستثمارات اللي بتعملها الدولة في البنية التحتية.
حتى برامج الحماية الاجتماعية زي تكافل وكرامة مقدرتش تقلل الفجوة دي لأنه عدد المستفيدين بيها نسبة قليلة جدا من الشعب المصري.
ودا مش معناه أبداً إن الوضع السابق كان تمام، لأن ببساطة المصريين خرجوا في 2011 بسبب رئيسي وهو غياب العدالة الاجتماعية وقتها، ودا مش معناه كذلك إننا مكناش محتاجين نعمل إصلاح اقتصادي، بالعكس طول الوقت كان لازمنا خطة اقتصادية لكن بالأساس تستهدف تغيير مستوى معيشة المصريين للأفضل، مش بس تحقق أرقام نمو عالية لا تنعكس بشكل واضح على أحوال المصريين حتى لو اتقال لازم نصبر في الأول يبقى مفروض يكون موجود جدول زمني واضح بمعايير قياس واضحة.
*****
هل دا يعني نهاية المطاف؟
بالعكس الثورات اللي بتفشل أو تتعثر زي يناير بتفتح دائماً أفق لحركات اجتماعية وجيلية جديدة بتكون العدالة الاجتماعية حاضرة في خطاباتها. بنشوف كل فترة احتجاجات في مصر بتنفجر علشان العدالة الاجتماعية زي احتجاجات سبتمبر 2019 – 2020 وغيرها بشكل دوري.
الدولة لازم تدرك إنه المسار الحالي للإصلاح الاقتصادي عاجلاً أم أجلاً يجب تعديله لأنه مصدر عدم استقرار اجتماعي كبير في البلد.
البلد محتاجة سياسات عامة من الحكومة تحاول تقلل الاستثمارات اللي بتضخ في قطاعات العقارات وتوجه الاستثمارات دي ناحية قطاعات منتجة زي الصناعات التحويلية والزراعة، ونتمنى الخطة الجديدة الخاصة بتنمية القرى تكون بداية تغير حقيقي لصالح الناس.
استراتيجيات متكاملة لمكافحة الفساد والاحتكار تخلي كل المستثمرين سواء الأجانب أو المحليين يقدروا يستثمروا بشكل متساوي بغض النظر عن علاقته بالحكومة ودواير الحكم.
الكلام دا مش كلام حالم أو كلام عن العدالة الاجتماعية بس، لكنه كلام عن بناء اقتصاد متكامل فيه أنشطة إنتاجية كبيرة، وفيه طبقة وسطى واسعة ومشروعات صغيرة ومتوسطة بتشغل عمال كثير، دا اللي بيحارب الفقر ويقلل مساحة الاقتصاد غير الرسمي ويزود الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات العامة.
يعني الكلام دا في مصلحة الحكومة زي ما هو في مصلحة الشعب، لما نوزع التورتة بتاعة الاقتصاد سواء الدخول أو الثروات بمعدلات تساوي أفضل ده بينعكس علي معدلات النمو، بالتالي التورتة بتكبر مع الوقت.
كل التجارب الاقتصادية الناجحة في العالم بشكل ما أو بآخر عملت ده، حتى الدول اللي كانت في وقت من الأوقات نامية زي الصين والهند اضطرت أنها توسع حجم الطبقة الوسطى وتدخل ناس كثير في هيكل الإنتاج، لأنه دا اللي بيضمن استدامة النموذج الاقتصادي.
– ومن جانب تاني دا بيقلل التوتر والاحتقان الاجتماعي، وبيقلل من معدلات الجريمة، وبيشيل أعباء كتير من على الحكومة مع الوقت.
كالعادة وزي ما بنكرر دائما الاقتصاد مرتبط بالسياسة، وجانب مهم من التحول ده مرتبط بوجود ممثلين منتخبين بنزاهة بالبرلمان عشان يمرروا قوانين لصالح عامة الناس مش لمصالح فئات بعينها، والأهم وجود مجالس محلية بصلاحيات قانونية واقتصادية حقيقية بمناطقها بحيث كل منها يبقى شريك عن التنمية في مكانه.
الكلام عن الاقتصاد مش بس هو الكلام عن معدلات النمو لكنه كلام عن توزيع ثمار النمو ده، ومين هيستفيد منه؟ وإزاي نخلي أكبر عدد يستفيد عشان على المدى الطويل يرتفع مستوى معيشة الناس، وتشتغل عجلة الاقتصاد صح.
نتمني أنه السلطة في مصر ييجي عليها وقت وهي بتفكر في الإصلاح الاقتصادي تاخد في الاعتبار الصورة الكاملة اللي زي دي، عشان الإصلاح يكون شامل ومكاسبه وخسايره تتوزع بالتساوي على كل المصريين.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *