كل التعازي لأهالي ضحايا كارثة مركب رشيد.. ولكل المصريين..
وكل الإدانة والرفض للكلام العجيب اللي البعض كتبه اليومين دول إن دول طماعين، وإن اللي معاه ٣٠ ألف ده مش فقير ويسافر ليه ما يعمله مشروع بيهم.
*****

أولاً:
قبل كل شيء، فيه حاجة اسمها احترام المشاعر الانسانية .. احنا دلوقتي مش في لحظة نقاش نظري هاديء نتفق ونختلف فيه، بل احنا في وقت كارثة ومصيبة لما يموت مئات المصريين في يوم واحد، وفي بلاد تانية ده سبب كافي لإعلان الحداد العام رسمياً.
أكيد ليس من اللياقة ولا الذوق ولا الانسانية، ولا حتى الذكاء السياسي، الكلام ده في التوقيت الحالي تحديداً.

ثانياً:
الـ ٣٠ ألف جنيه اللي مستكترهم جداً دول بيكونوا آخر فرصة في حياة الشخص ده .. باع دهب مراته، أو جاموسته، أو نص قيراط الأرض اللي ورثه، أو أصلاً واخدها ديون “بالفايدة” من تجار مُستغلين، وماضي على نفسه وصولات أمانة وشيكات على إنه هيسدد من هناك.
هل المبلغ ده كمصاريف كافي لحياة وتعليم وصحة أسرة لمدة أد إيه؟
هل المبلغ ده كرأس مال كافي لأي مشروع صغير مضمون (في القطاع الرسمي)؟
والمشروع ده اللي راس ماله ٣٠ ألف هيجيبله دخل كام شهرياً يغطي حياته وديونه؟
ولو راهن بكل ما يملك وبحياته حرفياً على مشروع في (القطاع غير الرسمي)، زي فرشة بضاعة في الشارع مثلاً، وخسرها في لحظة بسبب كبسة من البلدية أو بلطجية أو أي سبب، هيعمل ايه؟
هينتهي في السجن أو عامل باليومية، وبلا أي فرصة حتى انه يخاطر بحياته في البحر تاني.

ثالثاً:
واشمعنى انتو تحلموا؟!
اشمعنى الطبقة الوسطى والعليا في مصر بيهاجر منها كل يوم أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات وأصحاب شركات، ناس ظروفهم الاقتصادية أكيد أحسن نسبياً من الطبقات الدنيا، لكنهم بيهاجروا عشان حلم الحياة الأفضل، يلاقوا مستويات أمن وتعليم وصحة ومستقبل أفضل.
هل الحلم والطموح حلال لناس دون ناس؟
البعض بيقول مستنكراً “الواحد منهم عايز يسافر عشان يبني بيت في قريته لأهله” .. هل دي جريمة؟ هل مطلوب يفضل عايش في عِشة طول عمره عشان ميبقاش طماع بالنسبة لحضراتكم؟ شفتوا شكل بيوتهم الفقيرة لما الكاميرات صورتها؟ ليه مش من حقهم يحلموا بالأفضل؟
طيب ما إحنا برضه بنشوف في الطبقة الوسطى والعليا اللي بيتغربوا سنين في الخليج عشان ينقل من شقة – مش عشة! – في شبرا مثلاً لشقة في التجمع الخامس، أو عشان يجيب عربية جديدة مكان عربيته القديمة .

*****

طيب بلاش أوروبا والبحر، تعالوا نشوف نموذج تاني .. حد يعرف كام عدد العمال المصريين في ليبيا؟
رغم كل الحرب والأوضاع غير المستقرة في ليبيا عدد المصرييين هناك لا يقل عن ٧٠٠ ألف حسب وزير القوى العاملة (تصريح في ديسمبر 2015) ، أو مليون و٦٠٠ ألف حسب تصريح سابق للسفير الليبي فايز جبريل.
صعوبة الحصر مرتبطة إن أغلبهم عمالة غير رسمية، عمال غلابة من قرى الصعيد الفقيرة، بيروحو يشتغلوا في ليبيا فلاحين أو عمال بناء أو حمالين ..الخ، وأغلبه عند مواطنين ليبيين مش شركات، وبلا عقود أو حماية أو أي شيء.

لما حصلت الجريمة الإرهابية بقتل المواطنين المصريين في فبراير ٢٠١٥ مرجعش إلا أعداد محدودة جداً، بعدها بـ ٦ أشهر في أغسطس مدير أمن مطروح قال إن اجمالي اللي عبروا لمصر طول الفترة دي، وده يشمل الاجازات مش بس العائدين نهائياً، لم يتجاوز ٧٢ ألف فقط.
هل كل دول كمان سايبين الشغل والفرص والهنا اللي في مصر ورايحين يتدلعوا؟!
وده كمان فيه رد على أسطورة “المصريين مش عايزين يشتغلوا” .. مش هيروحو يخاطروا بحياتهم في أشغال شاقة في ليبيا، أو في البحر، لو كانوا كسالى ومش عايزين يشتغلوا.

*****

حالياً أوضاع مراكب الهجرة أكثر مأسوية، لأن أغلب اللي بيروحوا قاصرين تحت ١٨ سنة، بعد ما الدول الأوروبية صعبت اجراءات الهجرة واللجوء وبقت بترجع الشباب اللي يتمسك هناك إلى مصر، لكن القاصرين بيحظوا بالرعاية والتعليم وفرص العمل بموجب القوانين الأوروبية.
حسب تقرير للمنظمة الدولية للهجرة خلال فترة ٦ أشهر فقط، من يناير إلى مايو ٢٠١٦، تم تسجيل وصول ١٨١٥ من المهاجرين المصريين غير الشرعيين للسواحل الإيطالية من بينهم ١١٤٧ من الأطفال والقاصرين بدون أهل، يعني بنسبة ٧٨%، لتصبح مصر في المركز الأول بين البلدان المرسلة للأطفال والقاصرين، والعاشرة بين البلدان المصدرة للمهاجرين غير الرسميين.
في مركب رشيد أحد القاصرين اللي عنده ١٧ سنة طلع سافر بدون ما يقول لأهله أصلاً، كان يتمنى يصرف عليهم من تحويل الفلوس من هناك.
أكيد إحنا مش بنشجع أو بندعو حد يعمل كده، وأكيد فلوس الدنيا متسواش أبداً حياة إنسان .. لكن في المقابل لازم نفهم كويس جداً ليه الإنسان ده حس إنه “كده كده ميت” زي ما أحدهم قال.

*****

نحيي قرار النيابة بإخلاء سبيل ١١٧ من الناجين واعتباره مجني عليهم مش جناة، ده الطبيعي والبديهي والمنطقي.
النيابة اعتبرت الجناه هما البحارة الاربعة اللي تبع المهربين اللي كانوا بالمركب، وطبعاً جاري البحث عن المهربين أنفسهم.
وإحنا بنضيف إن الجناة سياسياً هما كل المسئولين عبر السنوات عن انتشار الفقر والجهل والمرض والبطالة واليأس في بلادنا، وهما كل اللي مش حاسين ولا شايفين غير نفسهم.
نتمنى بإيدنا إن شاء الله بلادنا تبطل تطرد ولادها، ومفيش مصري يحتاج يخاطر بحياته عشان لقمة عيش بالخارج.
هنتكلم وهنشتغل لغاية ما نغير مصر بلدنا للأحسن، ناسها متساويين. العدالة للجميع، والحياة الكريمة لكل أهلنا..




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *