يوم الاثنين اللي فات محكمة النقض رفضت الطعن المقدم من المتهمين في قضية “إهانة القضاء”، وبالتالي بقى حكم الدرجة الأولى نهائي على متهمين من مختلف التيارات بما فيها مؤيدين للرئيس الحالي، وكمان مأخدوش فرصة لإعادة المحاكمة رغم القصور القانوني في قضيتهم.
والموضوع ده مرتبط بالاختفاء الغامض للنائب السابق مصطفى النجار اللي الهيئة العامة للاستعلامات أصدرت بيان عنه.

****
هل فعلاً فيه حاجة اسمعها “لا تعليق على أحكام القضاء”؟
– أولاً مفيش أي نص في الدستور أو القانون بيقول الجملة دي على الإطلاق! كل الموجود في القانون يخص إهانة الأشخاص زي مثلا عقوبة “من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد موظفاً عمومياً ..”
– في الواقع الدولة نفسها قوانينها بتقول إن أي حكم قضائي وارد يكون عادل ووارد ميكونش منصف، بمعنى إنه مفيش حكم نهائي إلا بعد “درجات تقاضي”، يعني النقض أو الاستئناف في حد ذاته هو تعليق بالرفض للحكم، وده حق أصيل للمحاميين وللمتهمين أو المجني عليهم!
وشفنا قضايا كتير اتحكم فيها ومحكمة النقض قالت إن الحكم الأول اتلغى بسبب “قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال”.
وبما انه الأحكام بتصدر باسم الشعب فمن حق الشعب يقول رأيه خاصة بالقضايا ذات البعد السياسي.

***

إيه الأحكام اللي صدرت؟
– حبس 19 شخص لمدة 3 سنين (منهم الصحفي عبدالحليم قنديل، الرئيس الأسبق محمد مرسي، رئيس البرلمان السابق سعد الكتاتني، المستشار محمود الخضيري، النائب السابق مصطفى النجار، المحامي محمد منيب)، والغرامة 30 الف جنيه على 5 متهمين، منهم عمرو حمزاوي وعلاء عبدالفتاح وتوفيق عكاشة! – كمان اتحكم بتعويض مدني مؤقت على الرئيس السابق مرسي لصالح القاضي على النمر.
– اتحكم على كل المتهمين ما عدا الإعلامي توفيق عكاشة والدكتور محمود السقا، بتعويض مدني قدره مليون جنيه لرئيس نادي القضاة، بإجمالي 23 مليون جنيه مصري.
*****

طيب ليه الناس دي كلها بتتحاكم؟

– بداية القصة كانت لما مجلس الشعب سنة 2012 عمل جلسة تعقيب على حكم محكمة الجنايات ضد مبارك وحبيب العادلي والمتهمين بقتل المتظاهرين، وقتها صدر حكم بالسجن المؤبد على مبارك، والبراءة لكل ظباط الداخلية.
– في الجلسة بعض النواب ركزوا على إعادة المحاكمات والبعض اتكلم عن محاكمات خاصة، والبعض اتهم النيابة بالتقصير في جمع الأدلة، وبعض النواب بدأوا يتكلمو عن مشاريع لإصلاح القضاء واقتراحات لقانون السلطة القضائية، بعدها صدر قرار المحكمة الدستورية بحل البرلمان. بعض القضاة اعتبروا التعليقات دي إهانة للقضاء، وقدمو بلاغات بناء عليها اتفتحت القضية.

كأمثلة على التعليقات اللي أدت للأحكام:
– المستشار محمود الخضيري، بصفته نائب في البرلمان وقتها، كان بيطالب باستبعاد القضاة اللي شاركوا في تزوير انتخابات 2005 و2010 من العمل القضائي، وده قريب من اللي قاله الرئيس المعزول محمد مرسي بإن القاضي النمر اللي بيتولى التحقيق بقضية شفيق كان هوا شخصيات اتهمه بتزوير الانتخابات سنة 2005.
– الدكتور عمرو حمزاوي والناشط علاء عبدالفتاح انتقدوا الحكم ضد المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، واللي تم تهريب المتهمين الأمريكيين فيها وعقاب المتهمين المصريين بالسجن.
– أما توفيق عكاشة فقال إنه القضاء زور نتيجة الانتخابات الرئاسية 2012 لصالح محمد مرسي.
– بعض المتهمين أدرجوا في القضية عشان علقوا على الحكم عن طريق مداخلات صحفية وتليفزيونية، زي المحامين أمير سالم ومحمد منيب ومنتصر الزيات اللي عملو مداخلات قانونية انتقدو فيها طريقة إدارة الجلسات.
– تم اتهام صحفيين زي عبدالحليم قنديل اللي كان بيطالب بعدم محاكمة المتهمين بالقوانين القائمة، والصحفي أحمد حسن الشرقاوي اللي قال انه عنده احساس بانه هيتحكم ببراءة المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين – وده اللي حصل فعلاً-.
*********

حصل إيه خلال سنوات نظر القضية دي كلها؟

القضية عدت بمراحل كتير:

– المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة السابق قدم بلاغ ضد 25 شخص، كمان بعض القضاة رفعوا شكاوى لرئيس مجلس القضاء الأعلى، اللي أحالها للنائب العام.

– في عهد الرئيس الأسبق مرسي نفسه برضه استمر الوضع رغم ان البلاغات تشمل أشخاص من جماعة الإخوان، لكن اللي حصل كمان إن أحمد مكي وزير العدل في حكومة هشام قنديل أصدر قرار بانتداب المستشار ثروت حماد للتحقيق في بلاغات تتهم عدد من الصحف ووسائل الإعلام بإهانة رجال القضاء!

– في سبتمبر من نفس السنة بدأ قاضي التحقيق السماع للشهود. تم استدعاء 18 إعلامي ، معظمهم أكد التهم على المتهمين حاليا. من بينهم وائل الإبراشي وهالة سرحان ولميس الحديدي وأماني الخياط وخالد صلاح وخيري رمضان. بعض الإعلاميين دول في البداية كانوا متهمين في القضية برضه، وبعدها النيابة خرجتهم منها وتم تعديل صفتهم كشهود.

– وفي يوليو 2013 رئيس مجلس القضاء الأعلى بعت طلب للنائب العام للتحقيق في وقائع ليها علاقة بإهانة القضاة، وتم إضافة اسم محمد مرسي، وبدأت محكمة الجنايات جلسات القضية في مايو 2015.

– القضية فضلت أدام محكمة الجنايات لحد ما اتحكم فيها شهر ديسمبر 2017، بالحكم اللي قلناه، وأخيراً النقض اترفض.

******

ايه المشاكل القانونية في الحكم ده ده؟

– المحامي خالد علي إن قانون الإجراءات الجنائية بيشترط رفع الدعوى خلال 3 شهور من الواقعة، والتاريخ مش موجود في الدعوى ولا أمر الإحالة، وزي ما استعرضنا كده فالقضية كبيرة ومفتوحة وكل شوية كان بيتم إضافة إسم جديد وواقعة جديدة، يعني دي مش قضية واحدة بتوقيت واحد أصلاً.

– كمان المادة 171 من الدستور بتنص على عدم جواز توقيع عقوبات سالبة للحرية في قضايا الرأي، وده معناه عدم دستورية مواد قانون العقوبات اللي بتستند ليها القضية.
– القضية بدأت بناء على بلاغ من رئيس نادي القضاة. في مرافعته خالد على قال إنه النادي ملوش صفة لأن توصيفه القانوني هو جمعية أهلية.
– في حالة النائب السابق مصطفى النجار تحديدا، الدعوى غير مذكور فيها أصلا إيه الكلام اللي قاله وتم اعتباره إهانة، وده وحده مفروض كفاية لنقض الحكم الخاص بيه!
– نيابة النقض (اللي هي الهيئة الاستشارية لمحكمة النقض) قالت في توصيتها للمحكمة إن التحقيقات اللي قامت عليها القضية مشوبة بالبطلان، وإن التحقيقات بدأت قبل ما رئيس السلطة القضائية يطلب أصلا.
لكن في سابقة غريبة من نوعها المحكمة مخدش بتوصيات نيابة النقض ورفضت الطعن.

******

– هما مفروض بيتعاقبوا ليه؟!
عشان قالوا إن الأدلة تم العبث فيها وإتلافها، والأدلة المقدمة ماكنتش كافية للإدانة؟ طيب ما ده اللي قاله قاضي النقض نفسه وهو بيحكم بالبراءة على معاونين مبارك، وكمان شفنا حكم صدر بالفعل على اللواء حسين موسى، مدير قطاع الاتصالات بالأمن المركزي سابقا، بحبسه عامين بتهمة اتلاف الأدلة.

– عايز تعرف أد ايه الحكم ده مهزلة؟ انه كتير من اللي اتحكم عليهم كانوا بيتحاكمو على آراء قالوها هما أعضاء برلمان جوة المجلس في جلساته الرسمية، والمفروض نواب البرلمان عندهم “حصانة” مخصوص هدفها انهم يتكلمو بحرية ينتقدو اللي هما عاوزينه بدون مايخافوا لأنهم صوت للمواطنين.

– المأساه أكتر من كده إن دكتور مصطفى النجار اختفى من أسبوعين وساب بيان لأسرته لنشره لو اتقبض عليه، الداخلية بتنفي وجوده عندها، الهيئة العامة للاستعلامات طلعت بيان قالت أكدت إن مصطفى هربان، ومحاميه أ.نجاد البرعي بيقول ميعرفش مكانه لكن وردت له معلومة غير مؤكدة انه محتجز في معسكر أمن الشلال في أسوان، علماً بأنه آخر مكان كان فيه هوا أسوان.

– أكتر من مرة بيتكرر سيناريو القبض على أشخاص من جهات أمنية وبعد فترة بيظهرو في النيابات أو الاقسام، فترة احتجاز أي مواطن أكتر من 24 ساعة بدون ابلاغ محاميه وأسرته وتوجيه تهم ليه حسبما ينص الدستور اسمها “اختفاء قسري”، لكن سواء كان د.مصطفى فعلا هربان أو مخطوف عند جهة أمنية، فواجب الداخلية انها تدور عليه وتعلن مكان وجود لأن ده واجبها، وزي ما قال أ.نجاد ان الاعلانات بتقول “ابحث مع الشرطة” مش “ابحث بدلا من الشرطة”.

– بشكل عام المنظومة القضائية في مصر محتاجة إصلاح كبير سواء في طريقة عمل المنظومة وجهات التحقيق وجمع الأدلة، أو حتى العمل البيروقراطي وتوزيع القضايا واختيار القضاء ومناخ العمل نفسه، الرئيس السيسي نفسه وإعلامه أكتر من مرة اتكلمو عن الموضوع ده، والرئيس استخدم تعبير “يد العدالة الناجزة مكبلة بالقوانين” بس محدش اتهمهم هنا بالإهانة! لكن القضاء زي كل مؤسسات مصر هو فعلاً محتاج إصلاح عشان رسالته المفروضة “العدالة” تتحقق فعلاً وترجع من غيابها الطويل، لأن الوضع الحالي هوا في حد ذاته أكبر إهانة.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *