خلال الأيام اللي فاتت حصلت واحدة من أغرب القصص في تاريخ الصحافة المصرية .. الطبيعي ان قرارات حظر النشر بياخدها النائب العام أو قاضي، لكن اللي مش طبيعي ان المجلس الأعلى للإعلام اللي من مهامه دعم حرية التعبير هوا اللي يعمل كده.
ده اللي حصل لما مكرم محمد أحمد رئيس أصدر قرار بحظر النشر في موضوع مستشفى 57357، اللي هوا مش قضية أساسا قدام النيابة.
غرابة المشهد اكتملت لما النائب العام أرسل خطاب لمكرم بيقوله فيه قرارك منعدم، والمجلس تجاوز اختصاصاته، وأحاله للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا، وأمر بحظر النشر في التحقيقات في قضيته!
*****

حظر النقاشات مش بس حظر نشر التحقيقات

– في الفترة ما بين منتصف 2013 لحد منتصف 2016، مؤسسة حرية الفكر والتعبير رصدت 37 قرار حظر نشر، منها 24 قرار أصدره النائب العام، والباقيين أصدرهم قضاة.

– بعد الفترة دى صدر قرارات حظر نشر في القضايا التالية: رشوة مجلس الدولة، قضيتين متهم فيهم الفريق سامي عنان لما اترشح للرئاسة، وأخيرا قضية التحقيق مع مكرم محمد أحمد. وبكدا تكون القضايا اللي صدر فيها القرار من نص 2013 لحد الآن 41 قضية، منها تحقيقات مقتل النائب العام وقضية المستشار هشام جنينة، وبعض قضايا التظاهر بسبب تيران وصنافير، بالاضافة لبعض قضايا الفساد المتهم بها مسؤولين سابقين.
– ده معناه ان القرار كان بيصدر في مرحلة من اتنين، اما مرحلة المحاكمة أو مرحلة التحقيقات. ماحصلش في الحالات السابقة ان يحظر النشر في نقاش عام، مفيش فيه قضية وتحقيقات ومتهمين.
– ضمن رد المجلس قالوا ان القرار عشان الكلام لا يؤدي لوقف التبرعات.. الحفاظ على التبرعات وسير المستشفى أمر متفهم طبعا، لكن كمان أي مراجعة أو شراكة مجتمعية شيء صحي، وفكرة اعلان ميزانيات كل المؤسسات الخيرية وكل الجهات الحكومية كمان ده ايجابي للكل. مش معقول للدرجة ده الناس ممنوعة من معرفة مصير ضرايبها ومواردها وميزانيات الجهات الحكومية، وكمان هتتمنع من النقاش عن مصير تبرعاتها اللي بتطلع بهدف دعم رعاية صحية الدولة مبتوفرهاش؟!

– الأصل في المحاكمات العلانية، والقوانين لما نصت على حظر النشر أصلا في قضايا معينة كان هدفها ان تمنع التأثير على الشهود أو على القضاة خلال بعض القضايا الحساسة، زي دعاوى تخص الحياه الخاصة، أو القضايا اللي بتمس “الأمن القومي”، او نشر معلومات عنها يؤدى لعرقلة الكشف عن الجرائم والمجرمين .. يعني مفروض يتم بأضيق نطاق ولأسباب واضحة.
– المهزلة هنا ان النائب العام في خطابه قال فيه انه مهمة المجلس الاعلى لتنظيم الاعلام هو “ضمان حرية الصحافة وحق المواطنين في المعرفة والتمتع باعلام وصحافة حرة”، كإنه بيفكر الأستاذ (الكبير) واللي معاه انهم يعملوا شغلهم ويسيبوا الحظر لناسه.
– في بيان المجلس للرد أكد ان قراره سليم وانه من صلاحياته القانونية يمنع النشر، زي ما اصدروا قرارات معاقبة الصحف ومحدش قال ده بره صلاحياتنا.. كإنها منافسة!
*****

هل المجلس الاعلى للاعلام ورئيسه هما فعلاً بيدعموا حرية الصحافة وحق المواطنين في المعرفة؟

– الأول مين هو رئيس المجلس الاعلى للاعلام؟ مكرم محمد احمد (81 سنة) كان نقيب الصحفيين في عهد حسني مبارك، وكان معروف بأنه بيكتب خطابات مبارك لصلاته القوية بيه.

– بعد ثورة يناير قامت انتفاضة ضده في نقابة الصحفيين بسبب ادواره السلبية في التضييق على الصحافة، وهتفوا ضده في النقابة لحد ما خرج مطرود وقدم استقالته، واختفى تماماً من اي مشهد سياسي او اعلامي.
– رجع اسمه للظهور وتردد بقوة أثناء ازمة اقتحام وزارة الداخلية لنقابة الصحفيين وقبضها على صحفيين معتصمين بداخلها سنة 2016، في التوقيت ده كان الصحفيين مستنفرين من الخطوة ده واتعمل اعتصام كبير في نقابة الصحفيين قاده مجلس نقابة الصحفيين السابق بقيادة النقيب يحي قلاش والوكيل خالد البلشي.
– مع الموقف اللي كان بيعمله الصحفيين دفاعا عن مهنتهم قام مكرم محمد احمد مع بعض الصحفيين ورؤساء التحرير وثيقي الصلة بالسلطة والأمن من عمل جبهة اسمها تصحيح المسار دورها التحريض ضد مجلس نقابة الصحفيين والدفاع عن وزارة الداخلية.
– عينه رئيس الجمهورية رئيس المجلس الاعلى للاعلام ، ومن ساعتها وهو بيشتغل بدأب على تقييد حرية الصحفيين والاعلام، اصدار مستمر لوقف برامج ومذيعين ومعاقبة صحف وقنوات على تقارير ومقالات لاتعجب السلطة زي مثلا وقف برنامج snl الكوميدي من العرض، ومراقبة مسلسلات رمضان قبل اذاعتها، وتغريم المصري اليوم بسبب مانشيت حشد الدولة للناخبين في الانتخابات الرئاسية بتوقيع غرامة مالية 150 الف جنيه واحالة مسؤولي الجريدة للتحقيق، واصدار قرارات ليها طابع ابوي سخيف زي منع الصحفيين من لبس البنطلون الجينز اثناء اجراء اي حوار ومعاقبة اي صحفي بيرتديه بمنعه من دخول النقابة! رغم عدم امتلاكه لهذا الحق.
وفي الآخر شارك في قانون الصحافة السلبي اللي اتكلمنا عنه البوست الي فات.
*****

الحرام على البعيد عن السلطة، حلال للقريب منها
– الأسوأ هي سياسة الكيل بمكيالين اللي كانت واضحة تماماً لما تلفظ الاستاذ مكرم في مؤتمر صحفي بلفظ مشين على الملأ، ولم يتم فتح تحقيق معاه من مجلس الاعلام او نقابة الصحفيين ويتوقع ضده عقوبة زي العقوبات اللي أصدرها، وفي الوقت اللي المجلس زي ما قلنا منع برامج عشان فيها “ايحاءات جنسية” لم يخجل من اللفظ المشين اللي قاله وأكد انه من وصفهم باللفظ ده يستحقوه!

– نفس الموقف اتكرر لما أخيراً تم التحقيق مع الاستاذ مكرم من نيابة أمن الدولة العليا، وقال انه التحقيق لم يستغرق 10 دقايق وكانت “جلسة ودية” .. لكن طبعاً لما نفس النيابة بتحقق مع معارضين زي شادي الغزالي حرب و وائل عباس وعبدالمنعم ابو الفتوح مفيش ودية ولا حاجة، وبيتسجنوا احتياطي من شهور طويلة، ليه التعامل اختلف؟ لأن موقف الشخص من السلطة اختلف.
ده غير انها مفروض نيابة لقضايا الطواريء والارهاب مش قضايا الصحافة والسياسة وده يتضاف للخلل في السلطة القضائية اللي مش عارفين ممكن يقف ازاي الا بارادة سياسية ومجتمعية حقيقية.
*****

– زي ما قلنا حرية الصحافة مش قضية خاصة بالصحفيين، ده قضية تخلص المجتمع كله والصحافة الحرة هي اللي بتساعد المجتمعات على كشف الفساد واي خلل او قصور او مشاكل عشان نتعامل معاها، و حتى الان لم يصدر قانون حرية تداول المعلومات اللي المفروض يلزم كل جهات الدولة بعدم اخفاء اي معلومات او بيانات للمواطنين في تجاهل واضح للدستور المصري، كمان لسه مصدرش قانون ينظم عمل المجالس والهيئات الاعلامية عشان يتم ضبط أداء الهيئات ده ومتبقاش متروكة للأهواء الشخصية زي مهوا الوضع حالياً.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *