– “تفتح وعيي على التجربة الناصرية. آمنت بها، ودافعت عنها. فرحت لانتصاراتها، وتجرعت مرارة هزائمها وانكساراتها. هنت عندما هان كل شيء. وسقطت، كما سقط الجميع، في بئر سحيق من اللامبالاة، والإحساس بالعجز، وقلة الحيلة”.

– ده جزء من خطاب المحامي مصطفى خلف، اللي قام بدوره الفنان أحمد زكي في فيلم ضد الحكومة. الحوار كتبه بشير الديك، لكنه بيعبر، زي كل أفلام عاطف الطيب، عن عاطف الطيب ورحلة جيلة من التجربة الناصرية، للنكسة، لحرب أكتوبر، للواقع المجتمعي المادي بدرجة أكبر في عهد السادات، لبدايات عصر مبارك.

– أول امبارح كانت ذكرى وفاة عاطف الطيب الـ24، واحد من أهم وأجمل المخرجين المصريين عبر تاريخ السينما المصرية، اللي كان مهموم بنقل وتصوير مشاكل الإنسان المصري.

– بنذكر عاطف الطيب، وواقعيته في رصد الواقع، والظلم اللي بيقع على أبناء الطبقة الوسطى، وإحنا في زمن ما زالت الرقابة ليها دور كبير في عدم تصوير الواقع. والإنتاج السينمائي والدرامي بتسيطر عليه الدولة، من خلال شركات زي سينرجي وإعلام المصريين اللي بتملكهم المخابرات العامة.

*****

إزاي أفلام عاطف الطيب عبرت عن المصريين؟

– عاطف الطيب من أكتر المخرجين المصريين المجتهدين، اللي مفيش حاجة من مشاكل الواقع والروتين، قدرت توقفه عن العمل وعن الإنتاج الغزير. لدرجة إنه أخرج 21 فيلم، قبل وفاته بأزمة قلبية، وهو سنه 47 سنة. وجايز يكون الأغرب إنه صنع كل الأعمال دي في 14 سنة بس.

– اهتمام عاطف الطيب بالناس الغلابة وحكايتهم وظروف معيشتهم، نقدر نشوفه كويس في اهتمامه وتصويره وتركيزه على “الكومبارس”، اللي يمكن يكون دورهم هامشي وتكميلي مع مخرجين آخرين. ونتأكد من ده من حكاية زوجته بعد وفاته، إن في خروجاتهم كان بيقف يتكلم مع عساكر المرور، ويقول لزوجته بعد كده إن: ده عسكري غلبان واقف في الشمس طول اليوم محتاج لأي حد يتفاعل معاه.

– عاطف من المخرجين القليلين اللي أفلامه قد ما لاقت دعم ومتابعة وحب جماهيري، قد ما لاقت إعجاب من النقاد.

– اشتغل عاطف الطيب في بداية حياته مساعد مخرج مع يوسف شاهين ومع مخرجين عالميين بيصوروا في مصر، ده أضاف ليه كتير من الاحترافية والتنظيم. فكان بيبقى شغال على فكرة وبيجهز لفيلم، وهو بيصور في فيلم آخر. كان كمان مثال للمخرج الذكي، اللي قادر يطوع مشاكل الإنتاج والسوق، بإنه يشتغل على أفلام غير مكلفة ماديا.

– عاش عاطف الطيب حياته ابن مخلص للطبقة الوسطى، المهمومة بالظلم. الظلم اللي ممكن يأخر أبناء الطبقة الوسطى كتير رغم امتلاكهم يمكن لأدوات أفضل من غيرهم في فهم الواقع والتعامل معاه. اتربى في حي بولاق، وساعد والده في محل ألبان ملكهم. فقدر يتشبع ويعبر عن الطبقة الوسطى. وعشان كده نور الشريف وصفه بإنه “نجيب محفوظ الإخراج السينمائي”.

– ده خلاه يتعرض لهجمات كتير من الصحفيين والنقاد المؤيدين واتقال ان أفلامه “بتساعد على قلب نظام الحكم وتهييج الجماهير”، أو “دي مش أفلام دي خطب سياسية”. بل تم اتهامه بالخيانة هو ونور الشريف، بعد إخراجه فيلم “ناجي العلي” من جريدة رسمية بحجم الأخبار.

– ونشوف رد عاطف الطيب عليهم في فيديو قصير، بيقول فيه عن رؤيته للتطور في صناعة وتقنيات السينما، وعن اقتناعه بإن الحكاية قبل الصورة: “في رأيي التطور نابع من جوهر القضايا اللي بتتناولها الأفلام، ومدى التحامها مع هموم وطموحات وأحلام الناس، ومدى صدق العناصر الفيلمية في التعبير عن ده”.

– قضى عاطف الطيب 5 سنين من عمره في الجيش، حضر خلالهم حرب أكتوبر. وده أثر كتير على رؤيته للواقع المصري، وتعجبه من المبادئ والقيم الجديدة اللي شافها بتنتشر بعد خروجه من الجيش، مع بداية عصر السادات. ودي الرؤية اللي شفناها كويس أفلام زي “كتيبة الإعدام” و”سواق الأتوبيس”.
****

إيه أهم أفلام عاطف الطيب؟

– عاطف الطيب ناقش تقريبا من خلال أفلامه كل القضايا اللي تهم المجتمع، لكن يمكن الروح اللي صعب تشوف فيلم لعاطف الطيب بدون ما تحسها، هي روح الفارس اللي بيطالب بالعدالة:

١- ظهر ده في فيلم البريء. الفيلم اللي اتكلم عن معاناة المجندين البسطاء، وبعد عرضه بأشهر قليلة حدثت بالفعل أحداث الأمن المركزي.
٢- وفي فيلم الهروب. وإحنا بنشوف “منتصر” بيسعى للانتقام من اللي ظلموه.
٣- ناجي العلي. عن رسام الكاريكاتير، الساخر المتمرد، المعارض لكل حكام الدول العربية.
٤- سواق الاتوبيس. وإحنا بنتابع “حسن” السائق المتعجب، بعد خروجه من الجيش، من تغير الناس، والظلم اللي بيتعرضله عشان تمسكه بالدفاع عن بعض القيم.
٥- الحب فوق هضبة الهرم. ومعاناة الشباب، والكبت الجنسي اللي بيتعرضوله نتيجة ضغط المجتمع وظروفه.
٦- كتيبة الإعدام. اللي بنشوف في آخر مشهد، العدل بيتحقق على إيد أبطال الفيلم من “فرج الأكتع”
٧- ضد الحكومة. الفيلم صاحب أشهر خطبة سياسية في تاريخ السينما المصرية.
*****

نظرة على السينما السياسية

مصر من عهد الملكية عندها تراث طويل من الأفلام ذات الرسائل السياسية، أو ما يمكن أن نسميه أفلام مواجهة السلطة.

– العدد السابع من مجلة “الفيلم” تناول ملف “الثورة في ذاكرة السينما”، بتقصى وعمق كبير. من أول فيلم “لاشين” إنتاج عام 1938، الفيلم اللي تنبأ بثورة بيقوم بيها الشعب الجعان بعد ما فاض بيه من السلطة. وتم وقف عرض الفيلم فعلا بعد غضب السرايا.

– كمان أفلام تانية زي “ابن العامل” سنة 1943 اللي أمر الملك فاروق بوقف عرضه، وفيلم “مصطفى كامل” سنة 1947، وفيلم “مسمار جحا” إنتاج 1952، وتم منع عرضه برضه. وزي فيلم “يسقط الاستعمار” اللي فضل ممنوع من العرض، بأمر من سلطة الرقابة 5 سنين.

– وفي عهد عبد الناصر كان هناك فيلم “شيء من الخوف”، و”المتمردون” 1968. وفي عهد السادات تم إنتاج أفلام مثل “العصفور”، و”إحنا بتوع الأتوبيس”، و”زوجة رجل مهم”، و”الكرنك”. ووصولا لعهد مبارك، حيث ظهرت أفلام زي “هي فوضى”، و”البريء”، و”ضد الحكومة”

– الفن جايز دوره في أي حراك شعبي، مش دور مباشر، لكنه وسيلة تراكمية لإنعاش وعي الناس بالقضايا اللي تهمهم، وللظلم اللي مهم يعترضوا عليه. وفي أوقات كتير بتلعب السينما دور الوسيط، في ترجمة الصراع بين السلطة والشعب، وإعطاء نصائح للسلطة قبل أن تنفجر الأوضاع.

*****

عشان كده محتاجين نطالب، والجهات المعنية زي نقابة المهن التمثيلية وغيرها تضغط عشان:

– وقف سلطة الرقابة على الأعمال السينمائية، والاكتفاء بنظام تحديد الفئة العمرية لكل فيلم. وعرض أعمال، تعب فريق عملها لإتمامها، ثم تم وقفها بجرة قلم من سلطة الرقابة، زي مسلسل “أهل إسكندرية”.

– النظام متمثلا في جهاز المخابرات العامة يشيل ايده من الهيمنة بشركات إنتاج زي سينرجي. ويكتفي بتنظيم السوق، ومفيش مانع من انتاج حكومي كأحد المنافسين والحكم للجمهور.

– زيادة منح الإنتاج الكامل، والمشترك من خلال المهرجانات المصرية، ووزارة الثقافة، وجهاز السينما.

– مع تفشي ظاهرة “سينمات المولات”، وأسعار تذاكر السينمات المرتفعة، والتي لم تعد مناسبة لحال ناس كتير، على الدولة تجهيز المراكز الثقافية – على الأقل – بشاشات عرض، وتنظيم لقاءات وندوات نقاش في الأفلام.
– وتشجيع وتسهيل افتتاح السينمات في مدن ومحافظات وقرى مصر البعيدة عن العاصمة.

– افتتاح أكتر من فرع بمحافظات مصر لمعهد السينما، الذي يقبل بفرعه الوحيد بالقاهرة، أعداد أقل بكتير من اللي عايزين يدرسوا فيه. وطبعًا تطوير المعهد بمناهج ومعدات تواكب تقنيات السينما في عصرنا.

– الفن مش بس أداة تنفيس، وكمان نشر الثقافة والأفكار ومقاومة للأفكار المتشددة، لكنه الوسيلة الأوسع والأكتر تأثيرا اللي بتعبر بيها المجتمعات والشعوب عن أحوالها، وأداة تحليل ومناقشة للواقع ده. أداة بتلهم بعد كده العقل الجمعي بكل ما يحقق المصلحة لمجتمعاتنا، بناء على صدق تعبير هذا الفن عن رسالته ومضمونه.

-نتمنى تأسيس جهة أو جمعية فيلمية تهتم بتراث عاطف الطيب وترميم أفلامه الأقدم، وتشجيع وتمويل أفلام يمكن اعتبارها منتمية لمدرسة الواقعية اللي الطيب من مؤسسيها في مصر.

******




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *