– في السنين الأخيرة مصر شهدت ميلاد مخترعين صغار كتير، طلبة مدارس بيخترعوا حاجات تفوق الخيال، واهتم بيهم الإعلام وبقو مادة للتفاخر والاضافة لانجازات المرحلة!
– بداية من جهاز الكفتة ولحد ما وصلنا المخترع الصغير وليد عبادي طلعت أكتر من ظاهرة زي أوباما كلمني علي الجي ميل وقالي تيجي أمريكا، أو اتعرض عليا مليارات الدولارات ورفضت عشان البلد، أو انه في دول كتير بتجري وراء عبقرية أطفالنا ومؤسسات الدولة لحقت المؤامرة!
– في البوست إحنا مش هنقيم اي اختراع من الناحية العلمية لأنه مفيش اعتراف من أي مؤسسة علمية محترمة جوه أو برة مصر بأي حاجة، إحنا هنقيم تعامل مؤسسات الدولة مع الأساطير دي، والمثال الأوضح ليهم الأسطورة “وليد عبادي” أو الكيان العلمي.
****
ازاي بدأ الكيان العلمي ؟
– في إبريل 2016 وعلى قناة صدى البلد استضاف “مصطفى بكري” طفل كان ساعتها في تانية اعدادي بيقول أنه عنده حل لمشاكل كتير بتواجه مصر عن طريق اختراع سماه “إختراع مصر المستقبل “، وده عبارة عن مفاعل نووي شغال بالطاقة الشمسية هيغير مستقبل مصر بحسب وليد، والأستاذ مصطفي بكري كان فرحان جدا بوطنية الطفل العبقري.
– في الحوار قال وليد أنه كيان علمي من ضلع واحد وأن أبوه أستاذ الزراعة بقسم البساتين جامعة القاهرة كان له الدور الأكبر في تنشئة المخترع الصغير، الموضوع لحد دلوقتي انه مخترع من وسط عشرات المخترعين اللي بيكتشفهم جورنال اليوم السابع وقناة صدى البلد!
– لكن كلام الطفل على أنه أخد لقب “أصغر بروفيسور في العالم”، وأنه فاز بجوائز كتيرة خلي ناس كتير تدور وراه خاصة أننا في عصر الانترنت يعني وسهل التأكد من أي معلومة.
– محدش لقى أي معلومة عن الجائزة الدولية اللي بيقول إنه أخدها في معرض العلوم بإيطاليا.
– كمان ثبت إن ملوش علاقة بنادي أرشميدش للعلوم والابتكارات واللي قال أنه حصل على جايزته، ودي جايزة مهمة فعلاً، لكن بالدخول على الموقع ملقيناش اسمه، وتبين أنه النادي ملوش أي علاقة بأي حد من مصر كلها بحسب الخريطة التفاعلية اللي بترصد نشطات المركز بدول العالم.
– أما فيما يتعلق بموضوع أنه أصغر محاضر في الجامعة الوطنية بماليزيا فبالبحث على موقع الجامعة، ملقيناش أي حاجة ليها علاقة بوليد عبادي أو حتى زيارة له للجامعة!
– وليد أضاف برضه أنه قابل أحمد زويل وفاروق الباز وانهم أشادوا بأبحاثه وأنه حتى اختلف مع الدكتور مصطفى السيد لما قابله حوالين نتائج بحثه على علاج السرطان بجزيئات الدهب، طبعا محدش عارف هو قابلهم فعلاً ولا لا، ومحدش منهم قال حاجة عنه.
– وليد في كل اللقاءات الاعلامية بيتكلم في العلوم بشكل عام (فيزياء ذرية، نانوتكنولوجي، بايولوجي) بثقة مطلقة غريبة جدا لكن كله كلام عام مفيهوش أي تخصص أو بحث، لكنه قادر يقنع محاوريه من الاعلاميين أنه صح وبيوريهم شهادات، وللأسف محدش بيكلف نفسه يدور أو يتأكد.
*****
الدولة اتعاملت ازاي مع الموضوع ده؟
– المخترع الصغير تم تكريمه بداية من مسئولي مديرية التربية والتعليم بكفر الدوار، وحتى محافظة البحيرة اللي منحته بدرع المحافظة ، وقابل رئيس البرلمان علي عبدالعال اللي أشاد بيه وشجعه على استكمال أبحاثه للنهوض بمصر، وأخيرا وزارة الداخلية – ومش مفهوم ايه المناسبة أو علاقة الداخلية بالموضوع – كرمت وليد وادتله درع الوزارة!
– ده بيوضح بتوضح قد إيه ترهل الدولة المصرية وعدم قدرتها أنها توفر إطار مؤسسي حقيقي لأي حاجة، ليه مثلا رئيس البرلمان أو وزارة الداخلية أو غيرها محدش طلب من جهة حكومية مختصة زي أكاديمية البحث العلمي أو المعهد القومي للبحوث أو أي مركز أبحاث علمي فى أي جامعة مصرية رأيه فى الكلام اللي بيقوله الطفل عشان يعرف يستاهل يتكرم ولا لا؟
عندنا أساتذة هندسة نووية محترمين بالجامعات، ليه محدش أبداً سمع رأيهم في المفاعل اللي مفروض اخترعه وليد؟
– مفيش أي آلية للمراجعة والمحاسبة زي اللي حصل مع اللواء عبدالعاطي وجهاز علاج الايدز وفيرس سي اللي طلع فنكوش، وبعد كل البروباجندا الاعلامية محدش اعتذر عن الخداع والتضليل اللي أساء للجيش، ولا عرفنا مين منح النصاب ده رتبة لواء مكلف، ولا حد من الاعلاميين اللي قلبوا الدنيا تحريض ضد أي حد شكك في الجهاز طلع اعتذر، ومحدش اتحقق معاه الا بعض الأطباء “المدنيين” اللي حققت معاهم نقابة الأطباء وعاقبتهم مش أي جهة حكومية.
– التطور العلمي النهاردة شيء مؤسسي جداَ مش مجرد عبقرية فردية، يعني مفيش في العالم خالص حد بيبقى في بيته ويطلع يقول اكتشفت كذا وده يخلي بلده تتقدم، كل اللي بيكتشفوا النهاردة بياخدوا طريق طويل جدا في إطار مؤسسات علمية وعمل جماعي .. يعني مثلا مستحيل حد في أمريكا يصحى يقول اكتشفت علاج جديد للسرطان، لأ ده ياخد سنين بحث لحد ما يقدمه لمؤسسة علمية معترف بيها، ويتعمل عليها اختبارات طويلة ليها 4 مراحل محددة.
مثلا أحمد زويل معملش انجازاته بعبقرية فردية، ده راح أحد أهم جامعات العالم في المجال ده واشتغل لسنوات جماعيا مع فريق كبير وبتمويل كبير .. إيهام الناس إن فيه حلول سهلة وفردية وسريعة غير سياسات شاملة للتعليم والبحث العلمي هوا تلاعب بالمشاعر وخداع للعقول.
****
هل وليد ضحية ؟
– في معظم لقاءات وليد الإعلامية كان والده حاضر دائماً، وباس ايده على الهوا، ووليد قال انه والده بيشتغل على اخوه الصغير عشان يطلعه عالم صغير هو كمان! بالتأكيد محدش يلوم أي أب على تعليم ولاده وتشجيعهم، لكن لما يكون الموضوع بيتحول لتجارة لازم نقف شوية.
– جريدة الوطن اكتشفت برضه انه مأخدش جائزة أرشميدس ولا حاجة، فكلموا والده واجهوه فقلهم انا مش فاضي كلموني بعدين، وبعدها تهرب وبطل يرد .. يعني هوا عارف مش مخدوع!
وده برضه ممكن نربطه ان الجايزة الوحيدة اللي طلع أخدها فعلا هيا جايزة محلية على مستوى مصر تخص النباتات، نفس تخصص والده.
– الطفل ده تحت السن القانوني ومن الوارد ان والده أو غيره بيستغله مقابل شهرة أو شوية فلوس، ولو في تحقيق جاد هيتضح إيه الأسباب، خصوصاً انه لما يتفضح كل الزيف بتاع القصة دي زي اختراع الكفتة الطفل ده هيتعرض آثار نفسية سيئة جداً مع الوقت، وبالتالي لو هو مش مدرك خطورة اللي بيتعمل فيه لازم الدولة اللي فيها جهات رسمية مسؤولة عن الأطفال تقوم بواجبها نحوه.
***
– وليد وغيره بيوضحو قد ايه الإعلام بقى مفلس لدرجة أنه بيجري ورا نماذج تافهة بدل ما يركز فعلا على النماذج الايجابية زي مثلا الشباب اللي اتكلمنا عنهم في بوست سابق عن قايمة فوربس لرواد الأعمال بالعالم العربي، وأد إيه فيه تعمد لنشر الأفكار دي.
– الحقيقة الموضوع رغم أنه يبان مضحك لأقصي درجة ومادة جيدة للسخرية علي السوشيال ميديا إلا انه فعلا محزن ومؤسف لأقصي درجة وبيوضح المستوى اللي وصلناله في كل حاجة .
***



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *