– أول أمس الاثنين أجرى رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل زيارة إلى غزة، التقى فيها قيادة حركة حماس، اللي استقبلوه بحفاوة كبيرة، وده في إطار جهود مصر لتثبيت الهدنة وبحث ملف إعادة الإعمار.
– اللواء عباس كامل زار أيضا رام الله والتقى بالرئيس محمود عباس، وزار تل أبيب، وبالتزامن مصر استقبلت وزير الخارجية الإسرائيلي، وقبلها وزير الخارجية الأمريكي عمل أول جولة له بالمنطقة.
– الخطوات المتسارعة دي بتيجي بعد العدوان الإسرائيلي اللي استمر 11 يوم على قطاع غزة، ثم الاعلان عن هدنة كانت برعاية مصرية مباشرة وبدعم أمريكي في ظل أول تنسيق مباشر بين إدارة بايدن والسلطات المصرية.
– إيه الدور اللي بتعمله مصر من بداية التصعيد الإسرائيلي الأخير؟ وإيه المنتظر في الملف الفلسطيني؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست ده.
*****

إيه أهم الملفات اللي تمت مناقشتها في زيارة اللواء عباس كامل؟

– الملف الأول هوا ملف إعادة الإعمار، وشفنا وعد الرئيس السيسي بتقديم دعم بقيمة 500 مليون دولار، وبالفعل اللواء عباس كامل قام بوضع حجر أساس لمدينة سكنية وسط غزة هتبنيها مصر كهدية للشعب الفلسطيني.
والموضوع فيه بعض المعوقات لإن إسرائيل والمجتمع الدولي متخوفين من إن مواد البناء تستخدمها حماس، عشان كدة مصر عايزة تقدم المساعدات باشراف السلطة الفلسطينية، بينما حماس بتطرح فكرة تشكيل لجنة من غزة.
– الملف الثاني هوا ملف تبادل الأسرى، حيث إن إسرائيل فقدت 4 جنود في مراحل زمنية مختلفة في غزة، وحماس رافضة تظهر أي معلومة عنهم سواء أحياء أو أموات أو أي تفاوض إلا بعد الافراج عن الأسرى اللي أعادت اسرائيل اعتقالهم بعد اخلاء سبيلهم في إطار “صفقة شاليط”.
وبعد الاجتماع مع اللواء عباس كامل يحيي السنوار قائد حماس في غزة قال إن ملف تبادل الأسرى لن يتم ربطه بملف إعادة الإعمار أو أي ملف آخر، لكن لا مانع انه يمشي بالتوازي، وقال “تذكروا رقم 1111” فيما يبدو إنه تلميح لعدد الأسرى الفلسطينيين اللي حماس تطلب إخلاء سبيلهم مقابل الأسرى الإسرائيليين.
– الملف التالث هوا تثبيت الهدنة، وحماس متوافقة على ذلك لكن بتشدد على عدم فصل غزة عن القدس، وقال مسؤولوها إن الخط الأحمر بالنسبالهم هوا اخلاء منازل حي الشيخ جراح، ومش هيسكتو لو ده حصل.
انتهت الحرب باستشهاد 254 فلسطيني، بينهم أكتر من 100 مرأة وطفل في غزة، وهدم العديد من الوحدات والأبراج السكنية، وعلى الناحية التانية اتقتل 13 إسرائيلي.
وكل الأطراف تفضل عدم العودة للوضع ده مرة أخرى.
– الملف الرابع هوا اعادة مفاوضات الوحدة الفلسطينية، وحماس من جانبها أكدت قبولها باجراء انتخابات تحت اشراف دولي، ومفروض ان الانتخابات دي خطوة في طريق اعادة اطلاق مفاوضات السلام الفلسطينية الاسرائيلية، منطلقة من قرارات الشرعية الدولية لاقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وده توافق كل الدول العربية من وقت مبادرة 2002، وبالمناسبة حماس أيضا لما نشرت ورقتها السياسية الجديدة سنة 2017 قالت إنه رغم عدم اعترافها بإسرائيل لكن ستقبل دولة فلسطينية على حدود 67 يصاحبها هدنة بدون أجل محدد تسمح لهذا الجيل بالحياة في سلام وازدهار، لكن اليمين الإسرائيلي رافض تماما المبدأ، وشفنا محاولات نتنياهو وقت ترامب فرض الأمر الواقع للأبد، لكن يبدو إن نتنياهو على وشك خسارة مكانه في إسرائيل، وإن كان بدائله برضه لم يظهروا أي جدية بالملف.
*****

إيه اللي مصر عملته في الملف الفلسطيني؟

– وقت العدوان فيه طبعاً أكتر من دولة طالبوا بوقف إطلاق النار وكانوا بيتحركوا بشكل إيجابي، زي تونس وقطر والأردن، وكان في تواصل مستمر بينهم وبين أمريكا والأمم المتحدة، لكن التأثير الأكبر على كل المستويات كان من التحركات والاتصالات المصرية في العلن والسر، وللسبب ده حصل شكر خاص من مسؤولين غربيين لمصر وللرئيس السيسي وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بايدن.
– احتفل الفلسطينيين في غزة والضفة بشكل كبير بالانتصار المعنوي اللي اتحقق ضد الإسرائيليين، واللي ظهر في المظاهرات الكبيرة جداً في العالم كله وفي الدول الأوروبية تضامناً مع حقوق الفلسطينيين، بالإضافة للخسائر الكبيرة اللي حصلت لإسرائيل على المستوى الاقتصادي نتيجة توقف السياحة والطيران وحظر التجوال وغيره من الإجراءات، بعد ما كانت إسرائيل بتستعد لموسم سياحي جيد بعد تطعيم أكتر من نص سكانها من الكورونا.
– واصلت مصر جهودها لتثبيت الهدنة، ودبلوماسي مصري صرح لوكالة أسوشيتد برس إن المناقشات هتشمل تنفيذ إجراءات متفق عليها في غزة والقدس، بما في ذلك سبل منع الممارسات التي أدت إلى التصعيد الأخير، ومكنش فيه تفاصيل أكتر، ويبدو أنه كان بيشير إلى تصعيد المستوطنين في المسجد الأقصى وعملية الإخلاء المخطط لعائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، خاصة مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، مع انتظار نتائج جولة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن اللي بدأت بالفعل.
– مصر قدمت مساعدات تموينية كبيرة جداً في قوافل وشاحنات، من صندوق تحيا مصر، ومن الهلال الأحمر الفلسطيني، ومن نقابة الأطباء المصرية، بالإضافة لإجراءات تانية زي إعفاء الطلاب الفلسطينيين من أي مصاريف إدارية في الجامعات، وفتح المعبر بشكل مستمر، بالإضافة للمساعدات الطبية، وعلاج بعض الجرحى في المستشفيات المصرية، ودي كلها إجراءات كويسة جداً وتستحق الحكومة التحية عليها.
– ده غير ملف إعادة إعمار غزة عبر الشركات المصرية اللي مازال بانتظار الاعلان عن اجراءات تفعيله.
*****

ليه مصر تحديداً اللي تقدر تعمل الدور ده؟

– قوة التواصل المصري مع الفلسطينيين والإسرائيليين مش من فراغ، مصر عندها اتفاقات أمنية مع إسرائيل من بعد معاهدة السلام في عهد السادات، وفي نفس الوقت لديها علاقات قديمة ومستمرة مع فصائل غزة وعلى رأسها حماس، وبالتالي مصر بتقدر تكون وسيط خاصة أوقات التصعيد، وده تقريبا نفس الدور اللي كانت بتحاول مصر تلعبه في الحروب الإسرائيلية على غزة 2008 و 2012 و 2014 باختلاف تفاصيل كتيرة طبعا مرتبطة بالسياق الإقليمي، لكن الجوهر تقريبا واحد.
– مصر رغم وجود اتفاقات أمنية مع الجانب الإسرائيلي، وتعاون اقتصادي محدد في مجال الغاز مثلاً وبعض علاقات التطبيع في مجال الزراعة وغيره، لكن ده مغيرش كتير في الكواليس الأمنية، يعني في عز ما كانت مصر بتبيع الغاز لإسرائيل عن طريق وزارة البترول، كان في أنفاق بتوصل لغزة السلاح والغذاء والبترول، ورغم النفي الرسمي الدائم للأمر ده في فترة مبارك، لكنه كان وضع واقع وبعد الثورة اتضح ده أكتر.
– الأجهزة الأمنية في مصر وتحديداً المخابرات العامة عادت مؤخراً بتوجهات تقليدية بتحاول طول الوقت تطوع اتصالاتها مع الإسرائيليين وعلاقتها مع الفلسطينيين في دعم الملف الفلسطيني بقدر الإمكان، وفي مكتب خاص بالملف الفلسطيني داخل المخابرات العامة، وناجح في عمل علاقات جيدة مع الفصائل الفلسطينية، وحتى انطلاق حركة فتح كانت بدعم ورعاية من المخابرات المصرية في عهد عبد الناصر.
– وحتى بعد التوتر والخلافات اللي حصلت من 2013 بين السلطات المصرية وحركة حماس تحديداً، إلى جانب الأداء الإعلامي اللي كان بيشيطن في حماس والفلسطينيين، إلا إن المخابرات العامة المصرية تواصلت بشكل جيد مع حماس في ملف الإرهاب في سيناء تحديدا، اللي شكل نقطة تحول كبيرة في التعاون بين الطرفين، وقدرت مصر ترعى المصالحة الفلسطينية خاصة في الخطوات اللي تمت سنة 2017.
– الأسباب التاريخية دي كلها، بجانب الجوار الجغرافي المباشر مع فلسطين وإسرائيل، وبجانب الصراع والشد والجذب مع إسرائيل حتى لو كان في الكواليس، ومؤخراً ومع توتر ملفات غاز المتوسط نتيجة تحركات إسرائيل ضد المصالح المصرية، ده كله بيخلي مصر ممكن تاخد إجراءات داعمة دلوقتي للفلسطينيين وبشكل إيجابي جيد.
– ده كمان ظهر جداً في الخلاف حوالين صفقة القرن، ورغم التأييد الظاهري اللي أبدته مصر في تطبيع دول الخليج مع إسرائيل، لكن في الواقع العملي، مصر والأردن مكنوش راضيين وعملوا ضغط إلى حد ما في صفقة القرن، واللي تردد حولها شائعات عن مشاريع نقل مخيمات وأحياء فلسطينية داخل الأراضي المصرية والأردنية، وإعادة تجزئة لفلسطين ومنح أراضي جديدة للإسرائيليين باعتراف عربي كامل، وللسبب دا يمكن بدأ النظام في مصر سياسة بعيدة بصورة ما عن معسكر الإمارات اللي كان بيقود سباق التطبيع.
– وللسبب ده شفنا تراجع واختفاء كامل لدول البحرين والإمارات طول فترة الحرب والاعتداء الإسرائيلي، ومعاهم السعودية لحد ما مقارنة بالدور المصري الكبير، ودا كان نتيجة للتطبيع وسياسة الترحيب والاحتفاء بإسرائيل كحليف يحمي الخليج من إيران، خاصة إنه الدول الخليجية دي مكانتش طرف في النزاع مع إسرائيل بشكل مباشر، وده كان مبرر ضمني لاشتراكهم في صفقة القرن، رغم الكلام الدبلوماسي اللي قالوه وقتها إنه ده لصالح الفلسطينيين، لكن معروف ومفهوم إنهم اختاروا الابتعاد وترك الملف الفلسطيني نهائياً، ومصر بسياستها الجديدة بترفض دا وبتؤكد على مركزية القضية الفلسطينية في دور مصر الإقليمي.
– نتمنى إن النظام المصري زي ما أبدى مرونة كبيرة في تغيير سياساته بتغير الظروف، وأبدى قدر كبير من التفاوض والتفاهم مع خصوم إقليميين زي تركيا وقطر وحماس، نشوف كمان خطوات ايجابية نحو المعارضين والقوى السياسية المصرية، وانفراجة حقيقية بملفات سجناء الرأي وحرية الإعلام.
*****

إيه اللي منتظر بعد الهدنة؟

– فيه ملف فلسطيني في غاية الأهمية إنه يتحرك بعد الهدنة، وهو ملف الانتخابات الوطنية للبرلمان وللحكومة، وده نتيجة غياب أي انتخابات من سنين طويلة، وإنه ده بمثابة أحد الخطوات المهمة للاعتراف والشرعية الدولية للسلطة الفلسطينية، وفرصة لتجديد القيادة بعد الحراك الكبير اللي حصل مؤخراً للقضية، في ظل انتقادات كتيرة للسلطة الفلسطينية مع تصاعد الأحداث.
– والتحدي الأهم في عمل الانتخابات دي، هو إزاي هيصوت الفلسطينيين في مدينة القدس والأماكن اللي رافضة إسرائيل فيها وجود الفلسطينيين، وجزء طبعاً من المصلحة الإسرائيلية هو عدم وجود انتخابات من أساسه وبقاء الوضع مستقر كما كان من شهرين.
*****
– القضية الفلسطينية اتحركت بعد صمت وسكون من فترة طويلة، وليها تأييد كبير إعلامي وأكاديمي على مستوى دولي، وفي رأي عام حقيقي رافض للإجراءات الإسرائيلية القمعية وده جديد تماماً، خاصة وإنه إسرائيل بتشتغل من سنين على تثبيت وضعها وقوتها ووجودها، وبالتالي اللي حصل مفاجئ بالنسبالها.
– نتمنى إنه الحراك الفلسطيني السلمي يكبر وميقفش مع الهدنة، خاصة إنه مشاريع إسرائيل لتهويد القدس ولضم أراضي بالاحتلال والسرقة مستمر، ولا يزال الفلسطينيين معندهمش دولة ذات سيادة، ولا حق عودة للاجئين، ولا أي حق من الحقوق التاريخية للنضال الفلسطيني، مع أوضاع معيشية وإنسانية سيئة في الضفة وأسوأ بكتير في غزة.
– وكمان فيه حملات اعتقال إسرائيلية بتطال فلسطيني 48 داخل الخط الأخضر بعد حراكهم الأخير، وخاصة خطوة الإضراب، واللي إسرائيل شايفاه خطر كبير لا يقل عن خطر عن الحرب، إن يكون فيه التحام بين المكونات الفلسطينية المختلفة في مطالبهم، فخالص الدعم لكل أهلنا في فلسطين.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *