– من يومين وافقت لجنة الخطة والموازنة في البرلمان على تعديل تشريعي بزيادة رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية إلى 100 جنيه سنوياً على كل راديو سيارة.
– طبعاً القرار ده لقى اعتراض كبير لحد دلوقتي في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً إنه جاي مباشرة بعد إقرار قانون بخصم 1% من مرتبات العاملين في الدولة لصالح مواجهة كورونا.
هنتكلم في البوست ده عن الضريبة دي وفكرتها وليه بتتطبق في مصر؟
*****
منين جت فكرة الضريبة دي؟
– الضريبة مش جديدة، دي بدأ تطبيقها فعلاً سنة 1968 مع قرار الرئيس السابق جمال عبدالناصر، واللي كانت تكلفتها وقتها 140 قرش على كل راديو سيارة. كانت الفكرة وقتها إنه أصلا اللي بيملكو سيارة أو راديو جواها فئة قليلة جداً من المصريين، والضريبة كانت لصالح الاذاعة اللي كانت الوحيدة والمهمة جدا بوقتها لمصر والعالم العربي، زي بالظبط ضريبة التلفزيون اللي كانت بتتحصل على كل جهاز تلفزيون في مصر لدعم الإذاعة المصرية، واتلغت بعد كده سنة 1974 لأنها مبقتش مناسبة للعصر وخلاص بقى التلفزيون شيء أساسي مش رفاهية، بينما استمرت ضريبة الراديو 140 قرش لحد النهاردة لما تم تعديلها وبقت 100 جنيه.
– المادة التانية المقترحة في القانون بتنص على ” يؤدي كل مالك سيارة بها أجهزة اليكترونية أو ترفيهية أو مجهزة لاستعمال هذه الأجهزة رسما سنويا مقداره مائة جنيه يتم تحصيله عند سداد أية ضرائب أو رسوم مستحقة على السيارة، وتؤول حصيلة الرسم إلى الخزانة العامة للدولة، على أن يتم تخصيص نسبة ٤٠ % من حصيلة الرسم للهيئة الوطنية للإعلام، ونسبة ١٠ % للجهات القائمة على متابعة هذه الأجهزة والتي يتم تحديدها بموجب قرار يصدر من مجلس الوزراء، ونسبة 10 % لوزارة الداخلية، وتلتزم إدارات المرور المختصة بتحصيل الرسم، ويتم توريده إلى وزارة المالية بما لا يجاوز الأسبوع التالي لتحصيله.”
– المدافعين عن الرسم الجديد بيقولوا أنه لتطوير المحتوى اللي في الراديو كخدمة إعلامية، لكن القانون بيقول أنه 40 % بس من حصيلة الضريبة هتروح للراديو، و 10% لوزارة الداخلية و 10% للجهات القائمة على متابعة هذه الأجهزة – بدون تسميتها – وباقي المخصصات من الضريبة مش معروف مصيرها إيه في التعديل الجديد.
*****
ليه الحكومة عملت الرسم ده دلوقتي؟
– الموارد الضريبة تأثرت بشكل كبير جدا بسبب فيروس كورونا، أهم مصادر التأثر هيكون تراجع حصيلة ضريبة القيمة المضافة اللي بتمثل تقريبا نص الإيرادات الضريبية، بالإضافة لتأجيل ضرائب تانية زي الضريبة العقارية و ضرائب البورصة.
– بحسب تصريحات وزير المالية مصر من أول أزمة كورونا فقدت 125 مليار جنيه من الحصيلة الضريبة، يعني تقريبا 20% من الحصيلة الضريبة بتاعت 2019.
– دا طبعا بيخلي الدولة تدور عن مصادر بديلة للتمويل، بالتالي حاجة زي رسوم تنمية الموارد اللي زادت، ورسم الراديو الحالي هي أسهل طريقة لجمع الفلوس، لأنه ببساطة دي ضرائب بتتجاب من المنبع، أي شخص هيروح يجدد رخصة عربية أو يدفع مخالفات أو يعمل أي حاجة في المرور هيدفع الرسم.
– مصر تقريبا فيها ما يقرب من 12 مليون سيارة مرخصة، 5 مليون منهم سيارات ملاكي، يعني لو الحكومة هتجمع الضريبة دي فدي حصيلتها السنوية مليار و200 مليون جنيه.
– بحسب المقترح ف 40 % من الحصيلة دي يعني تقريبا نص مليار جنيه هتروح للهيئة الوطنية للإعلام، الهيئة حتعمل بيهم ايه؟ هل مثلا هتضخهم في تطوير المحتوى في ماسبيرو؟ طيب ما هو المفترض أنه الحكومة متعاقدة مع إعلام المصريين اللي هي شركة تابعة للمخابرات العامة على تطوير التلفزيون المصري ! هل ال500 مليون دول هيروحوا لإعلام المصريين؟ ده احتمال، خصوصاً مع كلام رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين، اللي بيتكلم عن زيادة الاستثمارات ومصاريف تقديم المحتوى في الراديو والتلفزيون.
– لكن الاحتمال الأقرب إنه الحصيلة دي هيتم توجيه جزء مش قليل منها لسد مديونية “ماسبيرو” اللي وصلت ل 36 مليار جنيه، وجزء تاني لمرتبات موظفي ماسبيرو، واللي عددهم الحالي 35 ألف موظف، ومنتظر إنهم يبقو 29 ألف في آخر السنة، بناء على استراتيجية خفض العمالة والتشجيع على المعاش المبكر داخل الهيئة، واللي طبعاً هي بتحاول تصحح خطأ تاريخي من تراكم التعيينات في الإذاعة والتلفزيون، وحرفياً الهيئة تقدر تشتغل بأقل من 10 الآف موظف بحسب كتير من التقديرات.
– عامة المعلومة الدقيقة عن أوجه ومصير الفلوس المتوقعة ده إيه، وده تحديداً أهم جزء في المشكلة إنه ثقافة الضريبة في الأساس يعني إن المواطن بيدفع للحكومة ضريبة، عشان ياخد قصادها خدمة حقيقية، ويقدر المواطن بعد كده يحاسب المسؤولين التنفيذيين عن الخدمات اللي بيدفع قصادها ضرايب، زي ما العالم كله بيعمل، لكن ده مش الوضع عندنا للأسف.
*****
هل الضريبة دي موجودة في دول تانية؟
– عندنا مثال شهير في إنجلترا، كل بيت فيه تلفزيون بيدفع “رخصة تلفزيون” بتتدفع سنويا، وغرضها تمويل الBBC اللي هي هيئة الإذاعة البريطانية اللي تشمل أيضا كل خدماتها عبر التلفزيون والمخصصة للأطفال وغيرها.
– لكن الغرض من حاجة زي دي هو أنه البي بي سي ورغم أنها شركة حكومية إلا أنها تكون كيان مستقل عن الحكومة، بالتالي توفر الاستقلالية المفترضة في أي وسيلة إعلامية ومتبقاش تابعة لممولي الوسيلة الإعلامية دي.
– دا خلي البي بي سي عندها استقلالية عن الحكومة البريطانية وعن توجهاتها داخل وخارج إنجلترا، انتقدت المشاركة في الحرب على العراق، عندها برامج وتقارير كل يوم فيها نقد للحكومة أي كان مين اللي بيحكم سواء حزب العمال أو المحافظين. وبالتالي هي بتقدم خدمة حقيقية للمواطن البريطاني أو المقيم في إنجلترا، وميزانيتها مش سر حربي.
– عندنا كمان ألمانيا اللي اترفض فيها إلغاء النوع ده من الضرايب على الخدمات الإعلامية، واللي هدفها الارتقاء بمستوى الإعلام الرسمي وتقديم خدمات مميزة للمواطنين ويتم سداد وتمويل مرتبات وتكاليف الإنتاج الإعلامي ده من المواطنين الألمان مش الحكومة الألمانية.
*****
طيب هل ده هيحصل عندنا؟
– طبعاً كل الشواهد بتقول لأ، لأن المواطن المصري لحد دلوقتي هو مبيشاركش في إقرار سياسات الضرايب، لأنه المصريين مبينتخبوش برلمان وحكومة بإرادة حرة، والحكومة والبرلمان مش مهتمين بإنهم يناقشو الناس في الضرايب اللي بتتفرض عالمواطنين ويتابعوا أوجه الصرف بتاعتها، المناقشة دي كلها مش موجودة في مصر، حتى البرلمان اللي كان بيحاول يعمل ده أيام مبارك على استحياء دلوقتي ده مبيحصلش خالص.
– كمان الإعلام عندنا سواء رسمي أو خاص هو تحت السيطرة الكاملة من الأجهزة الأمنية، سواء في اختيار المذيعين، اختيار الضيوف، اختيار المحتوى، اختيار الأخبار، تحديد الخطاب، تحديد المناقشات، الدعاية للرئيس والحكومة طول الوقت، وبالتالي مش منطقي أبداً إنه مجرد دفع المواطنين رسوم زيادة للتلفزيون ده هيخليهم شركاء في القرار أو يقدروا ينتقدو ويغيروا في سياسات الإعلام.
– طيب إذن الحكومة بتلم الرسم دا ليه؟ الواضح أنه الهدف من الرسم ده هو مجرد جباية فلوس للصرف على مكان بيصرف فلوس كثيرة، وتوفيرها من الموازنة العامة.
– ماسبيرو ميزانيته السنوية تتخطي ال5 مليار جنيه، وكان في 2018 عليه ديون متراكمة بحوالي 32 مليار جنيه بالتالي فهو هيئة بتصرف فلوس كثير، بالإضافة لاستحداث هيئات أخري زي الهيئة الوطنية للإعلام واللي بالتأكيد بتصرف فلوس برضه وليها ميزانية، وعندنا كمان منصب وزير الإعلام اللي رجع رغم إلغاء الوزارة بنص “الدستور”، مهي كل دي مصاريف كبيرة للإعلام.
*****
– في أي مكان في العالم من حق الحكومة أنها تفرض ضريبة، لكن الحكومات اللي مهتمة بمصلحة مواطنيها بتقول هي بتفرض الضريبة ليه، وهتعمل بيها ايه؟ وايه آلية الرقابة؟ والمواطن يعرف إزاي أنه ضريبته تم استخدامها بالشكل الأمثل؟
– كمان عندنا غياب مستمر للشفافية، وادارة ملف الاعلام نموذج، محدش عارف إيه خطة الرئيس والحكومة مثلاً لتطوير ماسبيرو؟ هل حيفضل؟ ولا هيتخصخص؟ ولا هيتم تخفيض عمالته؟ ولا يتلغي خالص ويتم تعويض العاملين والاكتفاء بعدد محدود من القنوات التلفزيونية وقنوات الراديو، خاصة ان كل القنوات شبه بعض.
المهم يبقى في اختيار واضح، مش استمرار الوقوف على السلم بين التطوير والإلغاء.
– قصة زي ضريبة الراديو وغيرها مئات القصص جاية من نفس خلفية غياب الآليات الديمقراطية، وبالتالي مفيش مشاركة للمواطنين ولا محاسبة للمسؤولين على قراراتهم وعلى حسن إدارة الموارد العامة، ودي الصورة الكبيرة اللي لازم متغيبش عن عينينا في أي قصة تفصيلية زي دي.
******



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *