– وإحنا في انتظار ارتفاع قريب في أسعار البنزين، وبعد ارتفاع المترو وكل الأسعار، ممكن نبص على تجارب شبهنا حاولت تقاوم الغلاء وما يرتبط بيه من استغلال السلطة السياسية لتحقيق أرباح.
– من 20 إبريل اللي فات بدأ المغاربة حملة علي الفيس بوك لمقاطعة 3 شركات كبرى بسبب غلاء أسعار منتجاتها بأعلى من المعدل العالمي، ولكون أصحابها مسوؤلين كبار (افريقيا للغاز، سيدي علي للمياه المعدنية، ألبان سنترال دانون).
– الحملة قدرت تخسر الشركات الثلاثة كتير جدا، والأهم إنها كانت مقدمة لحملات شعبية واسعة ضد الغلاء بتربطه بالقرارات الحكومية أو بتقصير الدولة في دورها.
– المغرب زي مصر شهدت ارتفاع أسعار بداية السنة دي مع خطوة تعويم الدرهم المغربي، لكن مكانتش الزيادات زي مصر لأن البنك المركزي المغربي أقر خطة طويلة ليصل لتحرير العملة بالكامل بعد 15 سنة .. لكن الارتفاع الكبير حصل في سعر الوقود بعد قرار رفع الدعم سنة 2015 وبقى مرتبط بالأسعار العالمية.
*****

ايه قصة حملة المقاطعة في المغرب ؟

– القصة بدأت في مارس اللي فات، لجنة تحقيق برلمانية سلمت رئيس البرلمان المغربي نسخة من تقريرها عن أسعار الوقود، وضمن اللي اتكشف إنه الشركات تلاعبت، وكانت ترفع الاسعار مع ارتفاع السعر العالمي ومتخفضش بنفس وقت انخفاضه!
مثلاً لما البترول كان انخفض إلى 60 دولار للبرميل كان مفروض البنزين يكون ب 7 دراهم لكن الشركات باعته وقتها ب 11 درهم.
– المفروض ان فيه جهات رقابة حكومية، لكنها معملتش واجبها وواضح ان السبب الرئيسي هو إن الشركة الأكبر بالمغرب (60% من السوق) يملكها عزيز أخنوش، وده وزير الزراعة والصيد في الحكومة، وهو شخصية معروفة بقربه من الملك الحالي ومن والده الملك الحسن، وهو خامس أغنى ملياردير في أفريقيا.
– في 20 ابريل اللي فات بدأت صفحات فيسبوك كبيرة في المغرب بتدشين حملة مقاطعة لوقود شركة أفريقية تحت هاشتاج #مازوطكم_حرقوه (احرقوا بنزينكم)، وانضمت ليها مقاطعة شركة سنرتال دانون للألبان تحت هاشتاج #خليه_يريب (سيبة يعفن)، وشركة سيدي علي أكبر شركة للمياه المعدنية تحت هاشتاج #ماكم_شربوه (اشربوا المية بتاعتكم)
– شركة سيدي علي تملكها مريم بن صالح، عضو مجلس إدارة البنك المركزي المغربي، وعضو مؤسسة محمد الخامس اللي يشرف عليها الملك، ورئيسة اتحاد المقاولات.
– شركة سنترال دانون بقى اسمها كده من 2015 بس بعد ما شركة دانون الفرنسية اشترت أغلب أسهمها من الشركة الوطنية للاستثمار اللي تملكها العائلة الملكية المغربية.
– الحملة اكتسبت زخم أكبر بعد تفاعل المغاربة المقيمين في أوروبا معاها بعد عرض أسعار السلع ده في أوروبا وكشف انه تكلفتها في المغرب أعلى من أوروبا، وده ساهم في ارتفاع أعداد المقاطعين.
– عزيز أخنوش وبقية الشركات اللى استهدفتها حملة المقاطعة في البداية قللوا من قيمة الدعوات ده وانها افتراضية، وبعض الوزراء في الحكومة المغربية وصفوا حملة المقاطعة بالخيانة والعمالة، وقالوا طبعا المبررات الشهيرة أنه ده منتجات وطنية ومقاطعتها بتضر الفلاحين، فظهرت ردود من بعض الفلاحين في المغرب بأنهم يساندوا الحملة لأن الشركة دي بتشتري منهم اللبن بأسعار قليلة، والمقاطعين قالوا احنا بندعم شركات وطنية تانية، وبعضهم اتصوروا وهما بيشتروا اللبن مباشرة من الفلاحين.
– الحملة انضملها بعض الفنانين زي لطيفة رأفت ودنيا بطمة وبعض الاعلاميين والشيوخ.
*****

إيه اللي حققته الحملة لحد دلوقتي؟

– شركة عزيز أخنوش ( افريقيا للغاز) خسرت أكثر من 5 نقاط مئوية من قيمة أسهمها فى البورصة، كمان شركة الحليب بتخسر حسب تصريحات مديرها التنفيذي أكثر من 150 مليون دينار مبيعات فى الأسبوع الأول لحملة المقاطعة.

– لاحقا اعتذر رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني لحملة المقاطعة عن بعض التصريحات المسيئة من اعضاء حكومته، والشركات حاولت تتراجع.
– شركة الألبان أعلنت استقالة المدير اللي وصف المقاطعين بالخونة، وأطلقت حملة #خلينا_نتصالحو وقدمت عروض وخفض أسعار، وشركة المياه أعلنت انها هتراجع أسعارها عبر محاولة تخفيض ضرائب المبيعات على المياه.
– أول امبارح السبت رئيس الوزراء سعد الدين العثماني قال أنه المقاطعة صرخة للطبقة الوسطى ويجب الاستماع للمواطنين.. وكنا نعلم تبعات قرار رفع الدعم وسنعمل على ضبط بعض أسعار المواد الأساسية.
– بنفس اليوم عضو البرلمان النائب عمر بلافريج دعا لفرض ضرائب على شركات الوقود لاستعادة 17 مليار درهم كسبوها “بطريقة غير أخلاقية” على حد قوله.
*****

ليه الحملة نجحت؟
أولاً: واقعية
يعني مقالوش قاطعوا كل البنزين أو كل اللبن، لكن قالوا نقاطع شركة واحدة، ونشتري من الشركات التانية الأرخص. مفيش حملة غير واقعية بتنجح أبداً.
ثانياً: لا تعادي الناس
يعني زي لما مرة طلعت عندنا دعوة عجيبة ان الناس تركن عربياتها في الكباري لتعطيل المرور دي بتضر المواطن اللي زيك! النوع ده مستحيل ينجح.
ثالثاً: آمنة
مقالوش مظاهرات ولا تعرض نفسك لخطر الشرطة ولا أي حاجة، كل المطلوب بدل ما تمون عربيتك من البنزينة دي مون من اللي جنبها.
رابعاً: مُحددة
يعني مش دعوة عامة ضد الغلاء، لكن بالأرقام والدليل شركة البنزين دي بعينها تلاعبت بإنها عملت كذا وكذا، فكل مواطن حس بالضرر الشخصي المحدد اخد رد فعل.
خامساً: سياسية
يعني مقاطعوش تجار عاديين لأن ساعتها كان الكبار هينبسطوا أصلاً زي ما عندنا بنشوف إعلاميين بيدعو لمكافحة “جشع التجار”. المقاطعة اختارت شخصيات سياسية وسلع مرتبطة بقرارات حكومية.
*****

” لكن المغرب دي فيها أرقام اقتصادية كويسة، وحكومة منتخبة، الناس زعلانة ليه؟”

– رغم ان المغرب محقق فعلاً أرقام ممتازة (عجز موازنة لا يتخطى 3% ونسبة نمو ما بين 2 – 3% سنوياً، واستثمارات أجنبية كتير بالذات بصناعة السيارات)، لكن في المقابل مواطنين كتير موصلتهومش نتايج التنمية دي بالذات في الريف، وبالتالي بالمغرب 1.3 مليون شاب عاطل ونسبة 8% تحت خط الفقر في بلد تعدادها 35 مليون مواطن.
– توجهات الحكومة مع صندوق النقد الدولي بتاخد “السياسات النيوليبرالية” (بمعنى خفض التدخل الحكومي في الاقتصاد والانتاج، وأولوية حرية القطاع الخاص، وأولوية خفض العجر بالموازنة بخفض النفقات الحكومية ومنها الدعم)
– ورغم إن حكومات المغرب منتخبة، وحصلت اصلاحات دستورية بعد مظاهرات 2011، وترأس الحكومة وقتها حزب العدالة والتنمية (الإخوان) بقيادة بنكيران، لكن كل الحكومات تحت هيمنة تأثير الملك، وكلها مع نخبة “تكنوقراط” – اللي هما رجال دولة من اقتصاديين ورأسماليين كبار – موجودين دائما في كل الحكومات بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية زي عزيز أخنوش.
– في السنة الأخيرة حصلت أحداث بتدل على قسوة الأجندة الاقتصادية على الطبقة الوسطى والفقراء، زي “حراك الريف” اللي كان موجة من المظاهرات شهدت اشتباكات مع الأمن والقبض على مئات المواطنين، حالياً بيتحاكم 54 من قادة الحراك أشهرهم ناصر الزفزافي، كمان حصلت في نوفمبر حادثة تدافع على عربيات معونة غذائية أدت لوفاة 15 سيدة، ومؤخراً حصلت احتجاجات في منطقة ريفية بعد وفاة 4 من العمال في أحد المناجم.
*****

طب في مصر هنا إحنا ممكن نستفيد إيه من القصة دي؟
– بغض النظر عن التقييم النهائي لمدى نجاح حملة المقاطعة، أو تنظيمها واختياراتها، لكن يهمنا نشوف تفاعل المواطنين مع آلية زي دي كتعبير سلمي ومؤثر ضد قرارات رفع الدعم وزيادة الأسعار، ويهمنا أسباب النجاح أو الفشل، مع مراعاة اختلاف ظروف كل دولة محدش بيكرر نفس التجربة بالظبط.
– الحملة دي بتعيد فتح الكلام حوالين ما يسموا “بالتكنوقراط” اللي بيصدروا أنفسهم باعتبارهم خبراء وفنيين ملهمش انحيازات، بينما في الواقع زي ما كررنا سابقا مفيش أبدا اقتصاد بدون سياسية، دايما فيه اختيار لسياسات معينة بتفيد فئات أكتر من فئات، أو حتى تفيد مصالح أشخاص بعينهم زي ما قرار الوقود أفاد أخنوش في المغرب، أو احنا نعرف في مصر سوابق التلاعب بقرارات الخصخصة بعهد مبارك مثلا.
– مفيش حاجة اسمها لوم “جشع التجار”، الغلاء مسؤولية حكومية سواء بسبب القرار نفسه (التعويم، رفع الدعم) أو بسبب التقصير في المسؤولية الحكومية يعني دور الحكومة في المغرب أو مصر اجراءات مراقبة السوق وتفعيل أجهزة زي حماية المستهلك.
– الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي ممكن يكونوا مكان هام لفعل سياسي مؤثر بالواقع، خاصة في ظل التضييق على كل أنواع النشاط السياسي من الأحزاب والحركات، ولكن دا يتوقف على مدى القدرة فى جذب الناس للهدف المطلوب، والمصداقية معاهم، واختيار صحيح للهدف، ووجود ايجابية من الناس.
ينتهي الغلاء لما الناس متسكتش وتحاول تقاومه بكل ما بيدها..
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *