– في 17 يناير اللي فات تم توقيع عقد لبيع 5000 فدان في حدائق العاصمة الإدارية لمجموعة طلعت مصطفى، العقد الكبير ده لطلعت مصطفى جه بعد 4 أيام فقط من إعلان طلعت مصطفى التبرع لصندوق تحيا مصر لشراء 2 مليون جرعة لقاح لكورونا.
– التوقيت المتزامن للخبرين، وصفقة كبيرة بالحجم ده، والشبهات اللي حوالين صفقات طلعت مصطفى القديمة واللي كانت محل قضايا قدام المحاكم لسنوات طويلة، واتحكم فيها ضده بالفعل ببطلان عقد مدينتي، والعفو الرئاسي الأخير عنه من جريمة قتل سوزان تميم، كلها قصص تخلينا نسأل عن حاجات كتير في المشروع.
– النهارده هنركز على 3 أسئلة خاصة بالمشروع، إيه هو المشروع؟ وهل في شبه بين اللي بيعمله طلعت مصطفى دلوقتي في حدائق العاصمة واللي حصل في مشروع مدينتي؟ وإيه المشكلة في كل ده؟
*****
إيه هو مشروع حدائق العاصمة؟
– مبدئياً المشكلة الدايمة ان مفيش شفافية ومعلومات كفاية عشان التقييم يكون كامل أو مؤكد، وبنكرر التذكير بقانون حرية تداول المعلومات المعطل من سنوات، واللي كان مفروض يتيح للعلن أي عقد مع جهة حكومية.
يعني احنا وغيرنا في النهاية بنحاول نقدم تقدير بناء على المعلومات اللي مش كلها متاحة، ووارد الجزء الغائب يكشف ان حقيقة الوضع أحسن أو أسوأ، محدش يقدر يتأكد.
– بحسب المعلومات المتاحة العقد تم توقيعه بين هيئة المجتمعات العمرانية وبين شركة طلعت مصطفى، بهدف إنشاء مشروع عمراني متكامل على مساحة 5000 فدان بما يعادل 21 مليون متر مربع تقريبا، بمدينة “حدائق العاصمة”.
– نسبة الإسكان بالمشروع 50% من مساحته، بواقع 2500 فدان، وتتضمن عمارات وفيلات تتراوح نسبتها من 50 إلى 45 % من مساحة الإسكان و 4 % للخدمات العامة.
– التكلفة الاستثمارية للمشروع حوالي 500 مليار جنيه تقريبا بحسب إفصاح مجموعة طلعت مصطفى للبورصة، ويضم 140 ألف وحدة سكنية.
– عائد بيع الـ5 آلاف فدان في حدائق العاصمة بحسب خالد عباس، نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية، يصل إلى 28 مليار جنيه بالأسعار الحالية.
– وده يعني أنه سعر المتر تقريبا حوالي 1350 جنيه في حدائق العاصمة، مع العلم إنه غالبا الجزء المخصص لطلعت مصطفى هيكون أقرب لمدينتي والرحاب، لأنه عايز يعمل المشروع زي مدينتي والرحاب بحسب تصريحه.
– خالد عباس نائب وزير الإسكان قال كمان إنه العوائد المحققة من المشروع على مدار 15 عاما ستصل إلى 77 مليار جنيه، ودي تفصيله مش واضحة بشكل كامل، ولا مفهوم ده يعني جزء من العقد ولا توقعات، ودي أرباح مباشرة ولا غير مباشرة، لكن ممكن كده نتوقع إنه الحكومة هتحصل على عوائد نقدية وعينية من المشروع في المستقبل، يبدو جزء من الاتفاق إنه طلعت مصطفى يبني وحدات يسلمها للحكومة زي ما حصل في قصة مدينتي قبل كدة.
– أو ممكن يكون جزء من العقد هو تنازل طلعت مصطفى عن أراضي اشتراها في منطقة تانية للحكومة، للأسف غياب الشفافية من جانب الحكومة في الموضوع بيخلي في أسئلة كتير بلا إجابة.
– حدائق العاصمة هي مدينة جديدة صدر قرار بإنشائها من الرئيس السيسي على مساحة حوالي 30 ألف فدان، وكل الكلام اللي كان منتشر الفترة الأخيرة عنها هو أنها هتبقى سكن لموظفي العاصمة الإدارية الجديدة، وبالفعل في مشروع إسكان اجتماعي في المدينة عشان كده قرار بيع 5000 فدان يعني 20 % من مساحة المشروع كان مفاجئ نوعا ما.
– من المحتمل أن الحكومة وهيئة المجتمعات العمرانية قررت تبيع الأرض دي عشان تنفق الفلوس على استكمال مشاريع العاصمة الجديدة، أو تحل أزمة سيولة عاجلة خاصة أنه الدفع هيتم على 15 سنة.
*****
ليه حدائق العاصمة ممكن تكون تكرار لفساد مدينتي؟
– خلينا نبص على شوية أرقام ومقارنات مهمة في صفقة حدائق العاصمة، سعر المتر 1350 هو قليل جدا، بأكثر من معيار، أولا لأنه سعر متر الأرض (مش المباني) في العاصمة الإدارية اللي هي قريبة ليها جدا بيتراوح بين ٥ آلاف جنيه سكني ووصل إلى 17 ألف جنيه تجاري لترخيص 7 أدوار +5٪ زيادة على كل دور بعدها، بل إنه تم بيع المتر ب 40 ألف جنيه في بعض المناطق لإقامة أبراج، ده حسب تصريحات اللواء أحمد زكي عابدين رئيس شركة العاصمة في سبتمبر الماضي.
– ثانيا وده الأهم لو بصينا لسعر المتر شقق شقق الإسكان الاجتماعي اللي عملتها الحكومة في نفس المدينة “حدائق العاصمة”، واللي المفترض أنها تكون مدعمة، سعر المتر فيها بيوصل لـ5000 آلاف جنيه.
– ثالثا إنه أسعار المتر في مدن قريبة منها زي بدر، ومدينتي والرحاب أكثر من كده بكثير، مثلا طلعت مصطفى بيبع المتر شقق هناك بـ 12500 جنيه.
هل بتقارنو متر الصحراء بمتر المباني؟
– لا طبعا، وضحنا مقارنة الأرض بالأرض، لكن كمان مهم الإشارة لسعر المباني لبيان معدل الربحية المتوقع، احنا مش عايزين طلعت مصطفي يشتري المتر ب 12 الف جنية يعني بالتأكيد، لكن برضه مش منطقي إنه يتقال ده سعر عادل لو كان متوقع يبيعه زي الرحاب ومدينتي أو حتى أكتر، لأنه متر الشقق في مشروع سيليا بتاع طلعت مصطفي فيالعاصمة الإدراية وصل ل 18 الف جنية.
– نقطة تانية مهمة جدا إن دي معادتش صحرا خلاص!
لما تاخد الأراضي بعد ما اتمد ليها طرق – كباري – محطات كهرباء – محطات مياة – أبراج اتصالات، وقرب مقرات الوزارات والحكم الجديدة، تبقى دي صحرا ازاي بس؟
بالمناسبة طلعت مصطفي اشتري 500 فدان في العاصمة الادارية من شهور بس ب 4.4 مليار جنية ، في حين انه ال5000 اللي اشتراهم في حدائق العاصمة لو حيبقوا بنفس السعر 44 مليار، أكيد حدايق العاصمة أقل بس برضه هل منطقي أقل نسبة 40 % تقريبا في سعر الفدان ، فدان العاصمة ب 8.8 مليون جنية ، فدان الحدائق ب 5.6 مليون؟
– لكن برضه عنصر مهم جدا في التقييم العادل لسعر المتر في منطقة زي دي لازم يكون داخل فيه تكلفة الترفيق ؟ طيب هل تكلفة الترفيق دي هتتحملها الحكومة ولا طلعت مصطفي؟ الترفيق الخارجي ولا الداخلي؟
مفيش معلومة معلنة واضحة، لكن الحقيقة ان الحكومة هتوفر المرافق دي لمدينة حدايق العاصمة كلها ومنها الجزء اللي واخده طلعت مصطفى. وده معناه ان الحكومة على الأقل هيا اللي هتعمل محطة كهرباء مركزية ومحطة مياة مركزية في مدينة حدائق العاصمة وتوصلها لحد الأرض، وهيا اللي هتعمل الطرق.
– وبعدها تبقى كلفة الترفيق الداخلية في ال5000 فدان بتوع طلعت مصطفى، يعني مد مواسير وأسلاك للبيوت ووغيرها، هل دي هيتحملها المستثمر ولا كمان على الحكومة؟ محدش عارف.
– لما الرئيس السيسي اتسأل قبل كدة في 2019 عن فلوس العاصمة الإدارية جايه منين كان جزء من رده إنه تطوير الأراضي الصحراوية دي (مد طرق وترفيق وغيره يعني) بيرفع سعر المتر بالتالي لما بنبيعه بيكون قيمته أكبر وممكن بعدها نصرف به على العاصمة وغيرها من مشروعات المدن الجديدة.
– لكن الحقيقة في حالة حدائق العاصمة اللي بيحصل مختلف عن كلام الرئيس، لأنه بعد ما طورنا وعملنا طرق وترفيق في العاصمة وحدائق العاصمة لسه بنبيع المتر بأسعار رخيصة لرجال الأعمال.
– حاجة تانية مهمة جدا بتدعم افتراضنا أنه سعر المتر ده قليل جدا وهو أنه فترة السداد كبيرة ( 15 سنة ) ، بينما الإسكان الاجتماعي للمواطن محدود الدخل على عشرين سنة!
والأهم انه بمتوسط معدلات التضخم في أسعار الأرض في مصر واللي بتوصل سنويا في أقل تقدير ل 8-10 % فدا يعني أنه بعد 15 سنة سعر الأرض دي هيكون زاد 150 % عن القيمة الحالية ، احنا منعرفش من العقود اللي وقعتها هيئة المجتمعات العمرانية مع مجموعة طلعت مصطفي ايه نوع التحصين الموجود فيها ضد التضخم واللي هو شيء بالبديهة بيكون موجود في عقود طويلة الاجل زي دي، يعني مثلا هل في العقد نص علي دفع معدلات فائدة ثابتة او تراكمية علي المبلغ الأصلي؟
ده منعرفوش ومفيش أي معلومة عنه لأنه مفيش عقود منشورة لغياب الشفافية
– اللي بيخلينا نتكلم عن شبهات فساد كمان هو الاطار العام لمنظومة العقارات في مصر ومنها سوابق شركة طلعت مصطفي سواء في مدينتي أو غيرها ، وسوابق كثير من المطورين العقاريين غيره في مصر واللي هما بجانب الدولة حاليا سبب مباشر في تضخم حجم قطاع العقارات في مصر في ظل أنه في 12 مليون وحدة سكنية مغلقة حاليا ( نظريا تكفي لتسكين 50 مليون مصري ) ومع ذلك أسعار العقارات مرتفعة جدا.
– الخلاصة إن السؤال حوالين التقييم العادل لسعر المتر في المنطقة هو مش سؤال تقني او اقتصادي صرف ولكن سؤال سياسي مرتبط بمين اللي بيشتري الأرض والأرض قيمه اللي اتدفع ليها من الموارد العامة كام لأنه هيئة المجتمعات العمرانية اللي بتشارك في المشروع واللي تكلفة ترفيق حدائق العاصمة والعاصمة الادارية الجديدة هي اللي بتدفعها .
– حاجة تانية مهمة ومرتبطة بالجانب السياسي هيا شبهات تضارب مصالح، طلعت مصطفى مش سر أبدا إنه أحد أكبر داعمي النظام وأكثر المتبرعين سخاء لصندوق تحيا مصر.
– لازم نذكر هنا إن رجل الأعمال طلعت مصطفى خرج من السجن هو وشريكه في جريمة قتل سوزان تميم، محسن السكري بعفو رئاسي، وبقى يظهر في الصورة مع حزب الشعب الجمهوري المؤيد للنظام، واللي حصل على 28 مقعد من القائمة و 22 مقعد في الفردي عشان يبقي عنده خمسين عضو في البرلمان ويكون الحزب الثاني بعد مستقبل وطن.
– وكل المعطيات دي يجب أخذها في الحسبان، ونفتح عنينا كويس في أي مشروع يدخل فيه، والحقيقة إن دا شغل الأجهزة الرقابية ومن خلفها البرلمان وكمان الصحافة والإعلام والمجتمع المدني، عشان منصحاش فجأة على قضية فساد كبيرة يكون فيها إهدار للأموال العامة، واستغلال نفوذ، وأو نرجع لفكرة تزاوج السلطة مع رأس المال.
– اللي حصل في مدينتي بيتكرر دلوقتي بشكل مختلف شوية مع “حدائق العاصمة”، في مدينتي الحكومة كان المفروض تستلم 7 % من الوحدات عشان تكون إسكان اجتماعي وهي المماطلة اللي فضلت مستمرة لبعد الثورة، وصدر بعدها حكم من الإدارية العليا ببطلان عقد التخصيص اللي حصل لمجموعة طلعت مصطفى واللي بموجبه حصلت على 8 آلاف فدان وأضاعت على الدولة مليارات.
*****
نشوف إيه في كل ده؟
– اللي بيحصل دلوقتي في قصة حدائق العاصمة وغيرها من العقود الحكومية وتخصيص الأراضي هو نتيجة مباشرة لتعديلات القوانين اللي ألغت المزايدات والمناقصات في العقود الحكومية وقننت تخصيص الأراضي بالأمر المباشر لرجال الأعمال بدون أي رقابة.
– دلوقتي بقت الحكومة وتحت حجة سرعة الإنجاز وبتوجيهات من الرئيس نفسه بتخصص الأراضي، منعرفش هل مثلا في شركات غير طلعت مصطفى طرحت أسعار أفضل للحصول على الأرض دي ولا لأ، كل الموضوع حصل بدون أي تفاصيل أو أي شفافية، وكل المعلومات اللي عرفناها من إفصاح طلعت مصطفى للبورصة لأنها شركة مدرجة في البورصة وفي حقوق مساهمين فيها.
– الشفافية في العقود الحكومية ركن أساسي في محاربة الفساد، ومينفعش نقول إننا بنحارب الفساد ونقبض على الموظفين الصغيرين في حين أنه باب كبير زي تخصيص الأراضي والعقود الحكومية خاضع بشكل مباشر للجيش وأجهزة سيادية أخري، والرقابة عليه حاليا ضعيفة جدا.
– اللي ييحصل ده بيرجعنا للمربع صفر في ملف مكافحة الفساد، وبيحطنا امام شبهة اهدار مليارات على الدولة في وقت اقتصادي حرج زي دا، وبيخلينا طوال الوقت معرضين لتكرار فضائح فساد كثيرة سابقة.
– نتمني يكون في أي قدر من الشفافية في ملف تخصيص الأراضي في مصر، ورغم أننا مختلفين على تركيز مسار التنمية ببناء العقارات وإنه الدولة من الأساس المفروض تشجع القطاع الخاص على الاستثمار في الصناعة ومشاريعها الصغيرة والمتوسطة مش في العقارات خاصة إننا بلد فيها 12 مليون وحدة سكنية مقفولة، ورغم دا لسه عندنا أزمة سكن، ودا مؤشر بيقول إنه لازم نراجع السياسة دي.
– لكن حتى لو خلاص يعني مركزين في الاستثمار العقاري، فعلى الأقل نتأكد إنه موارد الدولة متروحش لحفنة من رجال الأعمال بسبب علاقتهم الجيدة بالنظام، وبتسهيلات لا يحصل عليها غيرهم، وبالأمر المباشر بغياب العدالة عبر اعلان الأرقام والمناقصات والمزايدات.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *