علي مدار الأسبوعين اللي فاتو انتشرت على مواقع التواصل قصة السور اللي بيتبني على الكورنيش في اسكندرية، وبعيد عن الجدل عن حقيقة حجم وأسباب الواقعة دي، لكن ده بيرجعنا لقضية متكررة عن حق المواطنين في توافر المساحات العامة للاستمتاع بالبحر أو النيل اللي هما في النهاية ملك كل المصريين.

****
إزاي اتعاملت الدولة مع الواقعة الأخيرة؟
– الخطاب الرسمي ركز ان الصورة دي تم تضخيمها، وان الشائعات انه هيحجب كل اللي باقي من الكورنيش عن المواطنين غير صحيحة، وده ممكن يكون كلام سليم فعلاً فيما يخص الواقعة دي، لكنه بيتجاهل حجم وتكرار المشكلة.

– التفسيرات كان فيها تضارب، مثلا صلاح عيسي أحد نواب الاسكندرية قال انه الغرض من السور هو حماية السيارات علي الطريق من السقوط في البحر لأنه السور اتبني تحت الكوبري الجديد بمنطقة مصطفي كامل، لكن اللواء أحمد حجازي رئيس الادارة المركزية للسياحة والمصايف بالاسكندرية قال كلام مختلف تماما أنه السور هو جزء من مبنى بمشروع استثماري فندق ومحلات وغيرها مكان مسرح السلام، وهيوفر 800 فرصة عمل، وان الشاطئ اللي هياخده المشروع مكانش شاطيء عام ده كان شاطيء مخصص لنادي ضباط القوات المسلحة.

– الشرطة قبضت على الطالبتين سهيلة محمود وخديجة بهاء لما حاولو يعملو مشروع تخرجهم عن قصة السور وآراء أهالي المنطقة عنه، لكن الشرطة قبضت على الطالبتين ووجهت ليهم تهمة التصوير بدون ترخيص، قبل ما النيابة توجه لهم تهمة الانتماء لجماعة ارهابية وتحبسهم 15 يوم علي ذمة التحقيق! وده يورينا تاني وضع الصحافة في مصر، وكمان رؤية السلطة للشراكة المجتمعية، ممنوع ان الناس اللي هما مفروض هيستفيدو بفرص العمل دي أو هيتضرو من حجب البحر حد منهم يقول أي رأي أصلأً.

******

إيه حجم المشكلة؟
– مفيش احصاءات دقيقة عن المساحات المحجوبة من النيل أو من بحر الاسكندرية، لكن بوضوح كل الناس تقدر تشوف مئات المباني والجهات اللي بتقتطع مساحات منهم.
– السنوات الأخيرة شهدت توسع خاص في المشاريع الاستثمارية التابعة للقوات المسلحة، زي ما شفنا السيناريو اللي حصل مع مسرح السلاح اللي ظهر وقت هدمه ان الارض المقام عليها تابعة من الأول للقوات المسلحة وكانت الجهات الثقافية بتأجره فقط، وشفنا الكوبري اللي اتعمل مخصوص في سيدي جابر، وبناء فندق تيوليب اسكندرية.
– مفيش إحصاءات دقيقة عن عدد النوادي والفنادق والمنشآت التابعة للقوات المسلحة علي النيل أو البحر، عندنا فقط مؤشرات زي انه 2014 أيام ما كان الرئيس السيسي لسه وزير دفاع افتتح نادي الضباط بزهراء مدينة نصر وفي الشرح اللي قدمة اللواء طاهر عبدالله رئيس الهيئة الهندسية أيامها قال أنه القوات المسلحة في 2014 بس أنشئت 142 منشأة رياضية وترفيهية، بما فيها النوادي وحمامات السباحة و 4150 غرفة فندقية في 18 محافظة.
– النوادي والمنشآت الموجهة بالأساس لخدمة فئات زي الجيش والشرطة والقضاة، وأحياناً بعضها تتبع نقابات مهنية، ولو فتحت ابواب خدماتها لغير الاعضاء بتكون بمقابل مادي

– في المقابل بنشوف تراجع عدد الشواطئ والمساحات العامة بشكل عام في مصر، مثلا اسكندرية اللي هي المصيف اللي بيقصده أغلب المصريين اللي معندهمش رفاهية الشواطئ الخاصة أو مدن سياحية أخرى انخفض عدد الشواطئ العامة من حوالي 20 شاطئ في 2010 لخمسة فقط سنة 2017، وببداية الصيف السنادي هنوا المواطنين إنها زادت لسبعة!
وحتي الشواطئ العامة دي غالبا مستوى النضافة والخدمات بها مش مناسب، قد تدفع للحصول على خدمات، أو بعضها يسيطر عليه بلطجية يفرضوا اتاوات بلا تدخل أمني.

– وهنا السؤال الأهم هو ليه المواطن العادي صعب يلاقي مساحة عامة محترمة للترفيه في مصر، رغم انه مسؤولية الدولة انها توفر مساحات عامة زي الميادين والحدائق العامة والشواطئ العامة وأماكن الانتظار العامة! وده طبعا بيتناقض مع كلام الرئيس السيسي في الفديو المشهور بتاع “هتدفع هوريك اللي عمرك ما شفته، ببلاش؟ أنا معنديش حاجة اسمها ببلاش”.

****

هل كل الدول بتعمل زينا؟
– العالم فيه تجارب مختلفة كتير، أغلب مدن العالم الكبرى فيها مفهوم الحديقة المركزية الضخمة وبعضها فيها بحيرات الناس بتقعد على شاطئها وبتكون مجانية تماما، زي سنترال بارك في نيويورك، وهايد بارك في لندن، بينما الحاجة الوحيدة الشبيهة شوية في القاهرة هيا حديقة الأزهر ودي عملتها مؤسسة الأغا خان مش الحكومة وبرسم دخول.
– في 2017 في ألمانيا صدرت محكمة إتحادية حكم مهم بأنه من حق كل المواطنين الألمان الاستمتاع بكل الشواطئ العامة بدون دفع أي رسوم، حتى أنه لاحقا أدت للسياح واللاجئين الحق دا بدون أي رسوم.
– في فلوريدا مثلا واحد من أشهر المصايف علي مستوى العالم في قانون بيتيح لأي شخص أنه يتمشي علي الشاطئ حتى لو الشاطئ دا خاص، وبيحظر على ملاك المنازل وأصحاب الفنادق على الشط أنهم يمنعوا الناس من حق المشي علي الشط .
– كمان في شواطئ ماليبو كاليفورنيا واللي على شطها منازل مليونيرات ومليارديرات تم تمرير قانون في 2015 بيسمح للناس بحق المشي على الشاطئ ويمنع فكرة أنه تحط يافطة وتقول الشط ده بتاعي زي ما كان أغلب المليارديرات هناك بيعملوا.

*****

القانون بيقول إيه؟
– النائب هيثم الحريري Haitham Elhariri قدم طلب إحاطة بمجلس النواب استشهد فيه بالمادة 45 من الدستور اللي بتقول “تلتزم الدولة بحماية بحارها، وشواطئها، وبحيراتها، وممراتها المائية… وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول…”.
– المادة 73 من قانون البيئة بتنص على إنه “يحظر إقامة منشآت علي الشواطئ البحرية للجمهورية لمسافة مائتي متر إلي الداخل إلا بعد موافقة الجهة الإدارية المختصة بالتنسيق مع جهاز شئون البيئة….”
– اللي بيحصل في الواقع بقى ان عملية تخصيص أراضي حكومية، واستخراج التصاريح الخاصة بالاستثناء من شرط امسافة من الشواطيء، بتكون عبر الجهاز الحكومي اللي بيخضع للضغوط السياسية غير شبهات المحسوبية وغيرها، فلو مواطن عادي قرر يبني منشأة هيتقاله لا ممنوع .. يعني طالما شايفين ان الاستثمارات دي مهمة وميزانية الدولة محتاجة فليه ما يتمش طرح رؤية كاملة، احنا هنتيح مساحات كذا للاستثمار بشروط كذا، ومساحات كذا عامة للمواطنين، ومساحات الاستثمار دي هتتاح بشفافية عبر مزادات وشروط وتنظيم منافسة.
طيب هل الأراضي أو المساحات المخصصة للقوات المسلحة أو غيرها من الجهات بتدفع تمنها للموازنة العامة أو بتدفع حق انتفاع؟ وهل القوات المسلحة بما أنها بتمتلك عمليا وقانونيا حق توزيع الأراضي الصحرواية – لأنه مينفعش تاخد أرض بدون موافقة منها لدواعي الأمن القومي- تدخلت أنها يبقي فيه إمتياز ليها في الحصول علي الأراضي؟ كل دي وغيرها أسئلة محدش يقدر يجاوبها بمعلومات قاطعة غير لما يكون عندنا شفافية.

***

ليه مهم الناس تشوف البحر والنيل؟

– للأسف فيه نظرة ساعات بتعتبر ان اي حد مهوش فلوس ده لازم نفكر بس في اولويات الأكل والسكن والصحة، وأي حاجة تانية رفاهية مش مهمة .. بينما الواقع ان كل البشر مهما بلغ سوء ظروفهم بيحتاجوا أوقات من الترفيه أو التواصل الانساني، وغياب ده بيؤدي لارتفاع نسب التوتر والمشاكل النفسية، وبالتالي العنف والجريمة.
– كمان مهم الناس تحس بالعدالة، لما المواطن يحس بالظلم ليه انا مقدرش آخد ولادي نشوف النيل او البحر زي الآخرين اللي معاهم فلوس، شعور الظلم ده ممكن يوصلنا لإيه؟
– المشكلة مش هتتحل غير بتغير في التخطيط العمراني والسياسات الحكومية اللي بتدي للمستثمرين أو “الجهات السيادية” الأولوية دون مراعاة الناس، وكمان لازم مشاركة محلية من المجتمع في التخطيط للمدن والقرى اللي بيعيشوا فيها، وتاني ده يرجعنا زي كل المشاكل للجوانب السياسية المتعلقة بشراكة الناس من أكبر الأمور لأصغرها.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *