الأسبوع اللي فات قدام محكمة أمن الدولة طوارئ كانت أول جلسة محاكمة ل 22 من أهالي جزيرة الوراق المقبوض عليهم بسبب دفاعهم عن بيوتهم ضد الداخلية اللي كانت رايحة تهدم بيوت في الجزيرة، وبسببها اتقتل أحد المواطنين.
– في نفس الوقت أهالي جزيرة الوراق رافعين قضية في القضاء الإداري ضد قرار نقل تبعية الأراضي.
– في البوست ده هنتكلم عن قضية جزيرة الوراق وقانون نزع ملكية العقارات اللي وافق عليه البرلمان، وخطورة ده على نماذج كتير مشابهة.
*****

إيه بداية الأزمة؟
– من حوالي سنة اقتحمت قوات الأمن جزيرة الوراق وقالت انها جت لإزالة التعديات على أراضي الدولة، حصلت إشتباكات بين الأهالي والشرطة وأحد الشباب اتوفى، الداخلية قبضت على مجموعة من المواطنين ووجهت ليهم تهم التجمهر والتظاهر والاعتراض على قرار نقل تبعية الجزيرة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، واللي بمقتضاه من حق الهيئة بيع الجزيرة وتخصيصها للمستثمرين.
– الحكومة بتقول ان دي أراضي تابعة للدولة بدليل عدم وجود تراخيص لأي من المباني اللي فى الجزيرة، لكن وفي نفس الوقت أهالي الجزيرة عندهم عقود “خضرا” وده الاسم المتداول للعقود من ايام الملكية، بالاضافة لوجود الخدمات عندهم مياه، وكهرباء و 3 مدارس حكومية فى الجزيرة.
– حاولت الدولة قبل كده انتزاع الأرض من أهالي الوراق سنة 2000 لما أصدر رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد قرار باعتبار أرض الجزيرة للمنفعة العامة، لكن الأهالي قدموا طعن في محكمة القضاء الإداري وقضت المحكمة بإلغاء القرار، والحكم ده شجع أأهالي الجزيرة بالسعي لتوثيق ملكيتهم للعقارات فى الشهر العقاري لكن بتوجيه من الحكومة السابقة رفض الشهر العقاري توثيق الملكية ده.
– بعد فشل إخلاء الجزيرة بالقوة، اتجهت الدولة للتفاوض، وراح اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة للتفاوض مع الأهالي، ولحد اللحظة ده كانت الهيئة الهندسية جزء من القصة لأنه تخصيص الأراضي كان ليها بالشراكة مع هيئة المجتمعات العمرانية.
– قال اللواء كامل الوزير وقتها للأهالي انه الدولة عاوزة تخلي بعض المساحات والمباني في الجزيرة مع إزالة البيوت المخالفة، عشان يتم استخدام باقي المساحة لعمل مشروع عمراني كبير وطلب الأهالي الاطلاع على المشروع لكنه رفض، وتجاهل مطالبات الأهالي بالافراج عن المعتقلين وقال انه حبسهم لن يطول، لكن تم تحويلهم لقضية أمن دولة طوارئ.
– والمهم في الموضوع انه الاهالي انتخبوا بشكل راقي ومحترم “مجلس عائلات جزيرة الوراق” وادوله حق التفاوض التام مع الدولة، ومعاه حصر كامل بالأهالي والأراضي عشان محدش يقول دول وسطهم ناس من بره جايين ياخدو التعويضات مثلا أو اصلنا مش لاقيين معلومات .. ونلاحظ اللجنة مكانش منها نواب برلمان، وده بيعكس مستوى ثقة المواطنين في النواب وحقيقة تمثيلهم لمصالح الناخبين.
*****

وليه السلطة عاوزة تنزع ملكية الأراضي ده من أهلها وسكانها؟
– بداية من 2015 تصاعد خطاب من السلطة ومن رئيس الجمهورية ضد موضوع التعديات على أراضي الدولة، حتى أنه في أحد المؤتمرات في محافظة قنا سنة 2017 اتكلم الرئيس السيسي عن أراضي الدولة وشكل لجنة بقيادة الجيش والداخلية لازالة كل الاراضي على مستوى الجمهورية خلال شهر، وقال ” إن الدولة مش هتسمح لحد ياخد حاجة مش بتاعته واللي يعترض يتاخد عالمحكمة” بعدها بأقل من شهر حصل إقتحام الجزيرة ومحاولة إخلائها بالقوة.
– الرئيس السيسي في أحد خطاباته كمبرر لاخلاء الجزيرة قال انه البناء عليها مخالفة لقرار من سنة 1988 بينص على تجريم البناء على ضفاف النيل بمسافة أقل من 30 متر، وده على الرغم من أن الدولة نفسها بتخالف القانون وبتبني نوادي للقضاة وضباط الشرطة على ضفاف النيل، ومثلا كورنيش النيل فى الجيزة طوله 99 كيلو متر فى منها بس 27 كيلو متر غير مسدودة بمباني على ضفة النيل.
– الوراق بيسكنها من 60 – 90 ألف مواطن مصري، وبحسب شهادات الأهالي بقالهم سنين بيطالبوا بتطوير الخدمات في الجزيرة والحكومات كانت بتتجاهلهم وبترفض توثيق عقود ملكيتهم.
– رفض الدولة كان نابع من الموقع المهم للجزيرة وكونها فى وسط النيل فهي مكان ممتاز للاستثمار السياحي، وفي 2008 بالذات كان في مخطط من إعداد مجموعة جمال مبارك الوزارية لتطوير القاهرة المعروف باسم القاهرة 2050 – كان احد الفاعلين في اعداد المشروع هو رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي – المشروع بينص على تحويل الجزر النيلية دي لأبراج استثمارية ومنشآت سياحية لكن متمش بسبب الثورة، وبعد تراجع الثورة رجع المخطط مرة ثانية للواجهة وظهرت تصميمات لشركة استشارات هندسية إماراتية عن جزيرة الوراق، ومعظم الكلام هو عن تخصيص أرض الجزيرة لمستثمرين إماراتيين رغم انه رسمياً مفيش اعلان واضح.
*****

طب وإيه قصة قانون نزع الملكية الجديد؟
– في فبراير اللى فات، وافق البرلمان على قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، ولو قارنا القانون بالقانون القديم اللى صدر فى التسعينات هنلاقي أن القانون الجديد أسوأ بكتير لعدة أسباب:

– أولا لأنه منع الطعن على قرار تخصيص عقار ما ونزع ملكيته للمصلحة العامة، بينما القانون القديم كان بيسمح بده لمدة شهر من صدور القرار، وبالتالي الناس مبقاش عندها فرصة أنها تتظلم على نزع ملكيتها، وده ظلم كبير بأبسط قواعد العدالة والقانون في العالم كله.
– مش بس كده ده صادر حق الناس من انها تتظلم على مقدار التعويض المقدم من الدولة للناس، وبرضه على عكس القانون القديم اللى كان بيدي 4 شهور للطعن على مقدار التعويض، فمثلا لو العقار قيمته مليون جنيه والدولة قدرته بس ب 100 ألف فحسب القانون هيتم برضه مصادرة العقار للمنفعة العامة حتى لو في غلط أو ظلم في عملية التقدير.
– اللجنة البرلمانية اللي أعدت مشروع القانون قالت في تقريرها انه التعديل المقترح هدفه معالجة السلبيات في قانون نزع الملكية ومنع عرقلة تلك الاجراءات الضرورية لحماية أملاك الدولة، وده معناه في حالة جزيرة الوراق وضع قيود قانونية أكثر ضد المواطنين لصالح قرارات المصادرة ونزع الملكية.
*****

طيب لو الدولة عاوزة تطور الأماكن ده وتجيب فرص للاستثمار فين المشكلة ؟
– بالتأكيد احنا بندعم الاستثمارات الجادة اللي بتوفر فرص عمل وتحرك النشاط الاقتصادي في البلد لكن في جانب مهم لازم نحطه في الاعتبار هنا.
– أغلب المساكن فى مصر هي بناء ذاتي، والبناء الذاتي دا غالبيته تم تاريخيا عبر تقسيم الأراضي زراعية أو الخلاء لقطع بناء حتي قبل دخولها فى كردون المباني، وده اللي استوعب معظم الزيادة السكانية في مصر والدولة في حالات كتير قننت ده .. يعني فى أمر واقع وهو انه ناس ساكنة في بيوتأماكن مرتبطة بمصدر رزقها، في حالة الوراق مثلا كتير من سكان الجزيرة بيشتغلوا بالزراعة أو الصيد فالبتالي محاولة نقلهم هو شيء مضر جداً ليهم.

– في مفهوم كمان بيطرح نفسه هنا وهو “الحق في المدينة” يعني حق جميع الأطراف المختلفة من المواطنين في المشاركة في رسم وتخطيط المدن اللي بيعيشوا فيها حسب الطريقة اللي تناسبهم وتدعم ثقافتهم وبيئتهم وعملهم، لو تابعنا اراضي القاهرة والجيزة فهنلاقي انه اغلب الجزر والأماكن المطلة على النيل تم نزعها تحت مسميات مختلفة من سكانها وأهلها وكأنه مش من حق المواطنين اللي معندهمش ملايين من المعيشة على ضفاف النيل، واعتباره حق حصري للمستثمرين الأجانب والأغنياء ونوادي الجيش والشرطة والقضاء.

– ودا يخلينا نفكر فى مصطلح تاني مهم جدا وهو ” أمن الحيازة “، حسب تقديرات مرصد العمران 70 % من المصريين معندهمش أمن حيازة، بمعنى انه حتى لو مبانيهم مرخصة فقانونا رخص البناء لا تعني إثبات ملكية الأرض ليك، وبنشوف حالات كتير لناس بنت وعاشت سنين والدولة بتدفعهم فلوس وبعدين بتزيل ملكيتهم عشان دي أملاك دولة زي نموذج جزيرة القرصاية اللي الجيش قرر في 2012 انها ارضه وحاول اخلائها من سكانها وقبض على بعضهم وقدمهم لمحاكمات عسكرية.
– الدولة صرفت مليارات على مشاريع تطوير العشوائيات، ودايما كان بيحصل خلافات كبيرة بين الدولة والسكان لأن الدولة بتفكر بمنطق أنه لازم إجلاء الأماكن ديه، وترحيل الناس قصريا حالات زي منشية ناصر، ومثلث ماسبيرو اللي فى قلب القاهرة، وحتي قرية صغيرة زي قرية الديبة فى بورسعيد واللي الحكومة أخلتها لصالح مجموعة عامر جروب عشان تعمل عليها مشروع سياحي.
– الدولة محتاجة تعيد التفكير في طريقة تعاملها مع العشوائيات ومع أماكن سكن الفقراء، بالتأكيد عاوزين تطوير وخدمات واستثمار، لكن مش بالضرورة ده يكون على حساب بيوتهم وسكنهم اللي مقيمين فيه من عشرات السنين، ومش لأنهم فقراء يبقى ده مبرر للتعدي عليهم وتعريضهم لمحاكمات أو قتل بعضهم.
– رغم وجود تحفظات وتفاصيل سلبية وتخوفات مستقبلية، لكن تجربة إخلاء مثلث ماسبيرو كانت في المجمل خطوة ايجابية لكون الحكومة تفاوضت مع “رابطة أهالي مثلث ماسبيرو” واتعرضت خيارات تشمل التعويض أو الانتقال للأسمرات أو السكن بنفس المكان، والاخلاء تم سلمياً مش بالقوة الجبرية. أكيد الناس لما تحس ان مصلحتها في التطوير هتستجيب وتتعاون.
– سكان الكومباوندات الجديدة بيتاخد رأيهم في تصميمات البيوت والتخطيط داخل الكومباوند وشكل الخدمات وغيره، وده المفروض يكون الطبيعي في كل حي ومحافظة انه الناس تشارك برأيها في تطوير وتخطيط أماكن حياتهم بشكل عادل ومنصف لأننا المفروض متساويين أمام القانون بغض النظر عن مستوياتنا المادية والطبقية.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *