خلال الأسبوع اللي فات قبضت السلطات الأثيوبية علي 63 جنرال (لواء) ومسئولين كبار في الجيش والمخابرات والأمن الداخلية في حملة ضد الفساد، والمقبوض عليهم اتوجهت ليهم تهم الفساد واستغلال النفوذ وانتهاكات لحقوق الإنسان.
– المسئولين المقبوض عليهم منهم 27 جنرال سابق ومسئول في شركة “ميتك ” التابعة للجيش، وهيا أحد أكبر الشركات العاملة في بناء سد النهضة.
– أثيوبيا صاحبة واحدة من أعنف تجارب الحكم العسكري في أفريقيا، وحكينا في بوستات سابقة عن التاريخ ده وأهمية الجيش الأثيوبي عندهم اللي كانت آخر حروبه ضد أريتريا قريبة نسبيا خلصت سنة 2000، وازاي رغم ده بقى من الممكن تحصل خطوات تدريجية كبيرة في الإصلاح، والنهاردة بنكمل السلسلة دي، وهنضيف في الآخر لنكات البوستات السابقة.
*****

إيه قصة فساد شركات الجيش في أثيوبيا ؟

– شركة ميتك هي شركة عملاقة تخصصها الرئيسي هندسي في مجال المعادن، لكن كمان ليها نشاطات كتيرة بمجالات زي الزراعة وغيرها، عير شغلها كمان في توريد الأسلحة!
– الشركة خلال العهد السابق أخدت أحد العقود المتعلقة بمشروع سد النهضة في أثيوبيا، لكن تنفيذ المشروع تأخر جدا، وبشكل مباشر في أول مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء الجديد آبي أحمد في أبريل اللي فات وجه اللوم للشركة دي وقال: “لقد سلمنا مشروعا مائيا معقدا إلى أناس لم يروا أي سد في حياتهم، وإذا واصلنا السير بهذا المعدل، فإن المشروع لن يرى النور”.
الشركة فشلت في تسليم أعمال التوربينات بالوقت المحدد، وده خلا الشركة الايطالية الشريكة تطلب مستحقاتها الضخمة لإنها ليست سبب التأخير.
– آبي أحمد كلف مكتب النائب العام يعمل تحقيقات، وبدأت تظهر أخبار ان الموضوع مش بس ضعف كفاءة لكنه فساد صريح، وخلال التحقيقات اتقتل مدير مشروع سد النهضة، وبعض التوقعات ترجح أنه اتقتل بسبب قضية الفساد دي .
– حسب بيان النائب العام الأثيوبي الجنرالات المقبوض عليهم اللي هما مسئولي الشركة قاموا بعمليات شراء لمعدات علي مدي 6 سنين بالأمر المباشر بدون إجراء اي عطاءات (مناقصات) لتوريدها، قيمة المبالغ دي تصل ل 2 مليار دولار!
– أيضا في لجنة برلمانية حققت في مخالفات ميتك واكتشفت أن الشركة أهدرت ملايين الدولارات علي إنتاج أشياء بدون دراسات جدوي للانتاج دا مما تسبب أنه الشركة تخسر فلوس.
– الجنرالات في “ميتك” كمان ظهر تورطهم في قضية فساد تانية، لما اشتروا سفن مملوكة لشركة الملاحة الأثيوبية (شركة مملوكة للحكومة) بتمن قليل عشان نقل معدات ثقيلة لسد النهضة، لكن بعد كدة استخدموا السفن لنقل صفقات سلاح بين إيران والصومال وأخدوها عمولات خاصة لجيوبهم من العمليات دي!
– في عملية القبض الأخيرة أيضا اتقبض علي ناس ليها علاقة بانتهاكات حقوق الانسان اللي أعقبت مظاهرات 2015 في أثيوبيا، وجنرالات في جهاز المخابرات الأثيوبي يرجح أن لهم علاقة مباشرة بمحاولة اغتيال ابي احمد بانفجار من حوالي 4 شهور، واللي اتحاكم فيه بالفعل خمس أشخاص.
– في البيان اللي صدر عن مكتب آبي أحمد بعد الحملة حذر من سرطان “الفساد وانتهاك حقوق الإنسان في الدولة” – جمع القضيتين سوا مش قال ان فيه تناقض بينهم زي ما بيتقال عندنا! – وقال “سيتم الكشف عن جميع المجرمين المختبئين”.

– كمان آبي أحمد اتعرض لمحاولة تمرد تانية من الجيش من حوالي شهرين لما مئات الجنود اقتحموا مكتبه للمطالبة بزيادات في الرواتب، وقدر يحتويهم بانه قالهم تعالو نلعب ضغط عشان نهدى قبل ما توصلله المساعدة ويقدر يمشي، وبعدها قال ان الجنود دول كان فيه أطراف هيا اللي دفعتهم وكانت مؤامرة ضده.
قال للبرلمان: “لم يكن دخول بعض أعضاء الجيش لمكتبي مروعا فحسب، بل كان خطيرا أيضا لأنهم كانوا يهدفون لإعاقة مسيرة الإصلاح” .. “بعد أن سيطرنا على الموقف سمعت بعض الأصوات التي كانت تقول: لقد هرب قبل أن نتمكن من قتله”.
*****

بنحكي القصة دي ليه؟

– زي ما قلنا سابقاً أنه اهتمامنا بأثيوبيا مش عشان بس هي دولة مهمة في القارة، وعشان موضوع سد النهضة، لكن هوا اهتمام بتجربة مختلفة فيها عملية إصلاح داخلي وبطيء حصل بمزيج من العمل في الشارع (المظاهرات) والعمل عبر المؤسسات بالانتخابات ودخول الأحزاب، والقبول من الطرفين السلطة والمعارضة في الآخر بحل وسط وإصلاح من داخل النظام.
– إزاي دولة عاشت عقود تحت الحكم العسكري يتعين فيها وزيرة دفاع مدنية، وتتعمل إصلاحات واسعة وصريحة للأجهزة الأمنية المسئولة عن القمع، ويعين سيدة أيضا مشرفة على الأجهزة الأمنية (وزارة السلام)، وبعدها يطارد الفاسدين في شركات الجيش ويقبض على قيادات كبيرة وكل ده بأجهزة مدنية (النيابة والبرلمان المنتخب) مش محاكمات عسكرية، الكل بيخضع للقانون والديمقراطية.
– محاربة الفساد عمرها ما بتتفق مع كلام الرئيس السيسي اللي ناقشناه سابقا “بلاش مناقصات ونتكلم مع المستثمر بشكل مباشر “، لأ محاربة الفساد بتيجي بالقضاء النزيه، و بالتحقيقات الشفافة من البرلمان المنتخب، وحرية الإعلام، والخطوات دي بنشوفها قدامنا في دولة اسمها أثيوبيا مش أمريكا ولا أوروبا.
– محدش قال في أثيوبيا نسيب الجيش يشوف شغله، أو سد النهضة دا مشروع قومي بلاش نعطله بالتحقيقات دي، ولا حد بيقول انه دا مخطط خارجي لضرب الجيش الأثيوبي ونشر الشائعات. بالعكس لما ثبت تورط قيادات كبيرة تم القبض عليهم علنا، وده لصالح بلدهم وجيشهم مش ضده .. طبعا مش محتاجين نقارن بأسلوب التعامل مع اقتصاد الجيش عندنا.
– بشكل عام التجربة الأثيوبية ممكن تكون تجربة ملهمة بالنسبة لينا في مصر، للمعارضة وللسلطة كمان، لو فيه فعلا إرادة سياسية للتغيير ومحاربة الفساد بجد .. ومش معنى كده ان أثيوبيا بالضرورة هتتحل كل مشاكلها بين يوم وليلة، ولا إن آبي أحمد ده نفسه مش وارد يرتكب أخطاء كبيرة كمان، لكن الفكرة في وجود منظومة سياسية هيا اللي أدت للنتيجة دي مش شخص لوحده، ده وراه دعم شعبي وبرلماني وجوا تجمع الأحزاب الحاكم اللي انتخبه وجوا أجهزة بالدولة، وآبي أحمد سعى لده انه يوسع جداً من دايرة حلفاؤه، وبعد الوصول للحالة دي بمجرد بداية الطريق هتظهر خطوات للاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي حقيقية مش شعارات.
*****

بوستات سابقة:

*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *