من أسبوع أصدرت هيئة تحكيم تابعة للبنك الدولي قرار بإلزام مصر بدفع 2 مليار دولار كتعويض عن توقف إمداد الغاز لمحطة إسالة الغاز في دمياط اللي بتديرها شركة ” يونيون فينوسا ” الإسبانية.
– التعويض ده مش الأول، في أحكام سابقة كتير فيها اللي يتعلق بالغاز أو بالغاء عقود خصخصة شركات القطاع العام وغيرها، في العشر سنين الأخيرة بس مصر اترفع عليها حوالي 30 قضية قدام هيئات التحكيم الدولي المختلفة.
– وبقدر ما فيه أسباب قانونية وإدارية ورا مشاكلنا في التحكيم بشكل عام، لكن كمان قضايا الغاز تحديداً فيها جوانب سياسية مهمة جدا ومحدش اتحاسب عليها لحد دلوقتي.

***

ايه قصة قضية التحكيم الأخيرة؟
– التعويض جه على خلفية توقف إمدادات الغاز المصرية للمحطة في 2012 بعد قرار من الحكومة المصرية لأنه السوق المحلي محتاج الغاز بسبب أزمة الطاقة في مصر في الفترة دي.
– القضية رفعتها الشركة الإسبانية في 2014، وصدر الحكم أخيراً ضدنا لأنه حسب هيئة التحكيم مصر أخفقت في توفير معاملة عادلة للمستثمرين، وأخلت باتفاقية حماية المستثمرين اللي وقعتها الحكومة المصرية مع اسبانيا.
– بيان وزارة البترول قال إنه الدفاع المصري قال ان التوقف حصل ” عقب ثورة يناير 2011 وما اعقبها من أزمات، الأمر الذى أدى إلى انخفاض كميات الغاز الموردة إلى أن توقف التوريد فى ديسمبر 2012 .. وذلك نظراً لحالة القوة القاهرة الناتجة عن تلك العوامل”.
– المحكمين مأخدوش بالكلام ده لأنه اذا كان خط الغاز الاسرائيلي اللي تم تفجيره مراراً اتحكم فيه ضد مصر لأن مسؤولية الحكومة تأمين الخط، فمابالنا بالخط ده لمحطة الاسالة في دمياط اللي لم يتعرض لأي هجمات أصلاً.

– محطة الإسالة في دمياط بتمتلك مصر فيها 20 % ، في حين يمتلك ال80 % الباقيين من المحطة تحالف استثماري بيضم شركة يونيون فينوسا الاسبانية وبين إيني الإيطالية.

– الفاينيشال تايمز نقلت عن مصادر إنه التعويض الأخير اللي هو 2 مليار هيتم تسديده من نصيب مصر في غاز حقل “ظهر” اللي شركة إيني الايطالية ليها حصة كبيرة فيه، لكن ده لم يتأكد رسمياً.

***

ولما الخط ده متعرضش لأي ضرر ليه مصر وقفت تصدير؟
– الحقيقة إن التصدير توقف بقرار إيجابي من رئيس الشركة القابضة للغاز (إيجاس) لما لقى عبث انه مطلوب يشتري وحدة الغاز الطبيعي ب 3 دولار من الشريك الأجنبي، عشان يصدرها حسب العقد بـ 1.5 دولار، وده عقد ثابت 20 سنة!
– وكمان بالوقت ده ثبت ان معندناش غاز كفاية للاستهلاك المحلي أصلا، وكلنا فاكرين فترات قطع الكهرباء الطويلة اللي بدأت من 2010.

***

ليه وقعنا الاتفاقيات دي أصلا؟ ايه خسائرها؟
الاجابة هي ببساطة الأسباب سياسية.
ناخد هنا جزء من كلام المسؤول المحترم المهندس عبدالخالق عياد، رئيس الهيئة العامة للبترول سابقا، Abdelkhalek Ayad@ كتب على صفحته:

التصدير هو الذي جعل قطاع البترول يفعل المحرمات والعبث التالي :
1 ) استنزاف الحقول بإنتاج يفوق قدرة الخزانات مما خربها وعجل بانخفاض حاد في الإنتاج، وترك احتياطي خلف آبار مملوءة بالماء يحتاج إصلاحها إلي أموال لن يستثمرها أحد.لعدم جدواها.
2 ) استخدام مازوت لتوليد الكهرباء بما أثر سلبيا علي كفاءه التوليد وإنفاق ملايين الدولارات في حرارة ضائعة وتدمير المولدات (أكاسيد\ الكبريت في المازوت)
3 ) أسعار تصدير متدنية في مقابل شراء غاز من الشريك بسعر اعلي لتصديره .وخسارة كبيرة للهيئة.
4 ) عندما اكتشفت المصيبة، تحملت وزرها وعبثها شركات الاسمنت ومواطنين مستثمرين دفعوا مبالغ كبيرة لاستصدار رخص لمصانع أسمنت لم تحترم الحكومة تنفيذها.
5 ) مصانع سماد وأخري لا يصلها نصف ما تحتاجه من غاز، واخترعت مسميات غريبة، مثل هذا كثيف الاستخدام وهذا ظريف الاستخدام، بينما ما يجب أن يحدث هو توفير الغاز واختلاف السعر حسب القيمة المضافة للمصنع .
5 ) ثبت أنه مع كل هذا لم يكن هناك احتياطي يكفي استهلاك مصر لعشرين سنة مع إنتاج مرشد .. وكل ما قيل عن الاحتياطي كان فبركة يعاقب عليها قانون الجنايات حيث يقع في دائرة التزوير في أوراق رسمية .
6 ) توقف التصدير ، ليس بثورة 25 يناير ..وكان المفروض أن يتوقف عام 2007 بعدما اكتشفت حكومة نظيف المأساة وحاولت إصلاحها ولم يمكن، فقررت إيقافها ولم تستجيب لطلبها جهات معنية! (تردد الكلام وقتها في مناقشات لجنة السياسات وقيل أن الامر صعب ويحتاج للحكمة ..وقد طالت حتي أتي الرجل الحكيم وصاحب القرار فأوقف التصدير منقذا وطنه من كارثة محققة…)

****

مش أول قضية

– من أشهر قضايا التحكيم اللي خسرتها مصر كانت قضية تانية مرتبطة بالقضية الأخيرة، هي قضية شركة الكهرباء الإسرائيلية وشركة غاز شرق المتوسط (حسين سالم) بسبب وقف تصدير الغاز لإسرائيل.
– في القضية دي اتحكم على مصر بتعويض 1.7 مليار دولار لشركة الكهرباء الاسرائيلية، و288 مليون دولار لشركة غاز شرق المتوسط.
– في تسوية التصالح اللي تمت مع حسين سالم احتفظ بأسهمه في شركة شرق المتوسط، وبالتالي منطقي نسأل هل دفعنا أو هندفع مبلغ 288 مليون دولار لشركته بينما هوا دفع ما يوازي 311 مليون دولار في 2017 للتصالح؟! وللا كان جزء من التصالح انه يتنازل عن التعويض؟ ولا إيه بالظبط؟؟ كل حاجة بتتم في غياب كامل للشفافية.
– فيما يخص التعويض للشركة الإسرائيلية مفيش معلومة رسمية، لكن فيه مصادر صحفية إسرائيلية ومصرية اتكلمت عن تفاوض لتخفيض التعويض إلى النص أو أقل، وان برضه التعويض هيتم دفعه من نصيب الحكومة من الصفقة الأخيرة الخاصة باستيراد الغاز الاسرائيلي لصالح شركة دولفينوز اللي هتعيد التصدير بعد إسالته لأوروبا، بحكم ملكية الحكومة لنسب في خطوط ومحطات تسييل الغاز.
– ساعتها الرئيس السيسي قال إن “مصر جابت جون”، وكمان وزير البترول قال انه تنازل إسرائيل عن قضايا التحكيم شرط أساسي لانجاح اتفاق الغاز، لكن صحيفة هارتس الاسرائيلية قالت انه الاتفاق مش مشروط بالتنازل عن التحكيم ولا حاجة، ولغاية دلوقتي يبدو كلام الاسرائيليين صحيح لأنه مفيش أي اعلان رسمي من الطرفين عن أي اتفاق بخصوص الحكم.

****

طيب واللي وقعوا العقود دي اتحاسبوا؟
واللي كدبوا وقالوا عندنا احتياطي يكفي ويفيض 20 سنة اتحاسبوا؟
– الحقيقة ان كل المتورطين بقطاع البترول وعلى رأسهم الوزير السابق سامح فهمي صدرت لهم أحكام بالبراءة، وده بالتأكيد أفقدنا ورقة كان ممكن نستخدمها في التحكيم، زي بالظبط زي ما سويسرا مش بترجع الأموال المجمدة عندها لأنه مجاتلهاش أحكام نهائية ضد أصحابها بقضايا فساد مالي بقيمتها.

***
ليه كلهم أخدوا أحكام براءة؟
مرة تانية الأسباب سياسية.
– في حيثيات حكم البراءة في تصدير الغاز لإسرائيل المحكمة قالت انها اعتمدت على شهادات رؤساء المخابرات العامة سابقا اللواء عمر سليمان واللواء مراد موافي، ورئيس هيئة الأمن القومي اللواء مصطفى عبد النبي كلهم أجمعوا إن حسين سالم أنشأ شركة شرق المتوسط كواجهة للمخابرات العامة.
وان غرض التصدير لإسرائيل كان أولاً ورقة سياسية في القضية الفلسطينية، وثانياً لتوفير ما يحتاجه جهاز المخابرات العامة من نفقات “مع عدم قدرة الميزانية العامة على تحمل هذا العبء”!
– في أبريل 2015 حسين سالم عمل حوار مع المصري اليوم كرر فيه نفس الكلام: “أنا قمت بكل شىء بناء على توجيهات من المخابرات، وعمر سليمان والتهامى، رئيسا المخابرات السابقان، شهدا بذلك في المحكمة، وقال القاضى في حيثيات الحكم إن شركتى هي تابعة للمخابرات، فكيف أحاكم وأنا كنت أعمل لمصالح الدولة..”.
– لكن محدش قالنا خالص ايه شكل العلاقة بين المال الخاص (أسهم الشركات المسجلة باسم حسين سالم) وبين المال العام اللي هوا جهاز المخابرات؟ هل كان بيحصل تقاسم للأرباح؟ النسب كام؟ طيب دلوقتي بعد مصالحة حسين سالم واحتفاظه بأسهم الشركة دي أسهمه ولا أسهم المخابرات؟ محدش فاهم حاجة طبعا.
– حسب تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية فمصر خسرت ما يقارب من 10 مليار دولار جراء التسعير البخس للغاز لإسرائيل وأسبانيا والأردن. الرقم ده طبعا غير مقدر فيه مليارات التعويضات اللي صدرت لاحقا.
تخيلو كل الاهدار ده كان ممكن يعمل كام مدرسة ومستشفى وفرصة عمل.
***

بعيد عن كل الجوانب السياسية ليه بنخسر أغلب قضايا التحكيم؟
احنا سابقاً كتبنا بوست مفصل عن الموضوع ده ممكن تشوفوه هنا: http://bit.ly/2xgoWKn
وممكن نلخص الموقف في نقاط مختصرة:
– كتير من المستثمرين بيطلبوا التحكيم لعدم ثقة أو لبطء اجراءات نظام التقاضي المصري.
– عندنا مشكلة رئيسية في العقود نفسها زي ما شفنا نموذج عقود الغاز، فمهما بلغت قوة الفريق القانوني مش هيغير من ده.
– عندنا مشكلة رئيسية كمان تخبط السياسات، مثلا الحكومة تخصص أرض لمشروع وبعدين يسحبوها، يقرروا نظام معين لإنشاء مصانع وبعد ما الشركات تقدم يغيروا النظام، المستثمر يدفع مبلغ ضخم للحصول على رخصة وضمن شروطها مثلا توفير الغاز لمصنعه بسعر ثابت رخيص ثم يصدر قرار برفع سعره ..الخ.
– عندنا تقصير في اختيار الخبرات المؤهلة والمتخصصة للدفاع القانوني.
– عندنا مشكلة في موازنة الخسائر، هل التحكيم يخسرنا أكتر ولا الالتزام بالعقد المعيب؟ ولو لقينا موقفنا اضعف ليه ميتطرحش خيار التفاوض قبل صدور الحكم؟ ، ده كان ممكن يحصل مثلا بتفاوض مع ايني الايطالية قبل الحكم مش بعده.

*****

– التعويض الأخير بيخلينا نفكر في السياق الأوسع شوية لقصة الغاز والموارد الطبيعية، وفقا لمؤشر حوكمة الموارد (المصطلح ده يعني تطوير نظم الادارة والرقابة) الصادر سنة 2017 مصر حصلت علي 39 من 100 في حوكمة الغاز، وجت في المرتبة ال60 من 81 دولة مصدرة للغاز والبترول على مستوى العالم، لا يتبعها سوى الدول “فاشلة الحوكمة”، وأسوأ درجة كانت في مجال إدارة الموارد الطبيعية. ده ممكن يفسر جزئيا فساد التعاقدات اللي بتسبب إهدار الموارد لأسباب سياسية أو بسبب المحسوبية.
– الحقيقة كمان لا يمكن فصل القضية عن الفساد المؤسسي والسياسي واللي سببه الأساسي هو غياب الشفافية والمعلومات من جهة، وغياب المحاسبة من قبل الأجهزة الرقابية في الدولة أو البرلمان المنتخب بنزاهة.
مشكلتنا في عقود الغاز بعهد مبارك مكانتش نقص خبراء البترول أو خبراء القانون، مشكلتنا كانت القرار السياسي اللي فوقهم، تاني بنكرر ان الاقتصاد مسألة سياسية مش زي ما بيحاولو يفصلوهم عن بعض.
– إحنا عرفنا كل ده دلوقتي عشان فيه ثورة قامت وسقط نظام مبارك فظهر كل ده، ومع كده بعدها لحد النهاردة محدش اتحاسب أو تم تدارك الخسائر .. طبيعي نطالب بتوفير آليات شفافية ورقابة وشراكة عشان الناس تطمن ان ده مش هيتكرر تاني.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *