– من أيام أثناء حضور الرئيس السيسي منتدى افريقيا 2018 قال: “وفق تقديري إن في مصر لو مشيت بدراسات الجدوى وجعلتها العامل الحاسم في حل المسائل كنا هنحقق 20-25% فقط مما حققنا، وده لا يعني اغفال الجانب العلمي”

– قال كمان إن السرعة المطلوبة بالمشاريع القومية دي كان من أسبابها اننا “كنا بحاجة إلى تشغيل من 4-5 ملايين مواطن، من خلال مشروعات البنية الأساسية والطاقة وغيرها”

– في البوست ده هنقيم التصريحات دي؟ وحقيقة جدوى المشروعات الكبرى والسياق بتاعها.
*****

يعني إيه دراسة جدوى؟ ليه دي حاجة مهمة؟

– خلينا في البداية ناخد الرد من الرئيس نفسه، في نفس الكلمة وجه كلامه للدول المتقدمة قائلاً: ” إحنا مش قادرين نفكر ولا نخطط زيكم، معندناش الخبرات ولا الكوادر زيكم، أنا واحد منكم ومصر دولة منكم محتاجين الدعم الفني والعلمي والخبرات تقدم ضمن ما يقدم”.

يعني كده سيادتك عايز منهم الدعم الفني والعلمي اللي أكيد فيه دراسات جدوى، ولا العكس شايف اننا لينا طريقتنا غيرهم؟!

– دراسات الجدوي عبارة عن عمل معقد ليه مراحل كتيرة، وبيجيب على أسئلة زي مقارنة مزايا المشروع بعيوبه – لأن جايز له فعلاً مزايا لكن العيوب أكتر – ومقارنة المدى القصير بالمدى الطويل، ومدى المخاطرة، ومعدل الربح المتوقع.

– كمان جانب مهم جداً بدراسات الجدوى اسمه “كلفة الفرصة البديلة”، يعني انا هعمل مشروع أو آخد قرار إيجابي وزي الفل، لكن لو مكنتش اخدته ووجهت الموارد لحاجة غيره هل كانت النتايج هتكون أحسن؟ هل ده فعلا أفضل اختيار في اللحظة دي؟

– أي حكومة أو حتى أي شركة أو كيان فيه حد أدنى من المؤسسية والمسؤولية مستحيل يعمل مشروع مخالف لدراسات الجدوى، ده حاجة بسيطة زي ان بنك يدي قرض لعميل بيطلب دراسة جدوى، ودي حاجة بيتعلمها الطلاب في الكليات.

– تطور علم الاقتصاد والإدارة هو اللي خلي الناس قادرة تحكم علي نجاح المشروع قبل ما تضخ فلوس واستثمارات فيه، يعني دراسات الجدوى دي موجودة لتقليل مخاطر المشاريع دي.

– ولما نكون بنتكلم على إقتصاد دولة، فالدراسة هنا أهميتها بتزيد لأنه مصدرها هي فلوس المواطنين من الضرايب أو من موارد الدولة من أراضي وخدمات.
*****

هل كل مشروعات وقرارت الرئيس أثبتت جدواها؟

– الرئيس السيسي قبل كده قال أنه في خلال ال4 سنين الأولى لرئاسته عمل 11 ألف مشروع بمعدل 3 مشروعات يوميا، وبعيده عن صدق الرقم اللي محدش يعرفه، وعن الجدل حول تعريف كلمة “مشروع”، لكن غريبة ان الرقم الضخم جدا ده 11 ألف مشروع مش كفاية إن كل مصري يحس بفرق إيجابي في حياته!!

– خلينا ناخد أمثلة محددة: قناة السويس، العاصمة الإدارية، شراء القنوات الخاصة.

– مثلاً مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة، اللي بعض مؤيدي الرئيس طلعو يتفاخروا انها اتحفرت في سنة واحدة مش تلاتة .. جايز لو كنا قرينا والتزمنا بدراسة الجدوى كنا عرفنا إنه مكانش فيه أي داعي للاستعجال الشديدحتى لو فرضنا انه لازم نحفرها الآن، واللي حصل ان القناة استنزفت 8 مليار دولار من الاحتياطي النقدي بتاعنا وده كلام هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق، وده كان من أسباب التعويم ومعاناة كل المصريين بعده.

– يمكن كنا عرفنا قبلها أنه مع تراجع حركة التجارة العالمية وغيرها من التطورات دخل القناة مش هيزيد وقتها، وجايز كنا استثمرنا الفلوس في حاجة تنفع الناس أو حتى في إنشاء منطقة خدمات لوجيستية للقناه تزيد من تنافسيتها الفعلية من بقية طرق التجارة البحرية في العالم.

– كمان في موضوع العاصمة الإدارية، اللي لسه قيد التنفيذ باستثمارات محلية وقروض اجنبية منها القرض الصيني بقيمة 2.5 مليار دولار، غير ان كتير من الخبراء شايفين ان الأكثر جدوى كان أنه الاستثمارات دي تتضخ بعيدة عن القطاع العقاري المصري اللي يبدو أنه بقى القطاع الوحيد الجاذب للاستثمار في مصر مع اهمال كبير لقطاعات الصناعة والزراعة والخدمات.

– أو حتى لو مكملين العاصمة الإدارية احنا عرضنا سابقا حالة فندق الماسة اللي اتبنى بسرعة بكلفة 700-900 مليون جنيه ولسه في الصحرا بدون زباين تبرر الاستعجال اللي معاه كلفة اضافية ده، ونفس الكلام عن ايه جدوى القصور الرئاسية الجديدة؟ أو بناء أكبر مسجد (الفتاح العليم) وأكبر كنيسة.

– مثال تاني هوا دخول المخابرات للإعلام، وبعد ما اشترو القنوات والصحف بمبالغ ضخمة، ثم غيروا الإدارات والسياسات، الموضوع مجابش ربح برضه فبقو السنادي بيفرضو شروطهم على العاملين انهم يوفروا في االميزانية.
*****

– لو الرئيس السيسي شايف فعلا إننا محتاجين خبرات الدول المتقدمة في الإدارة لازم يتم فتح المجال للاستفادة من ده بشكل علمي، والحكومة بالفعل بتتعاون مع مؤسسات وحكومات غربية، بس لما ده يحصل ويتمسكو بدراسات الجدوى مينفعش نقول مؤامرة وبيستهدفونا ومش عايزينا نتقدم!

– لو الرئيس السيسي شايف أنه معايير الدول المتقدمة لا تنطبق علينا فدي برضه مشكلة في طريقة التفكير دي، لكن بالتأكيد مش الحل إنه نشتغل بطريقة غير علمية عشان بس نقدر نعمل مشاريع بتتصور وتتضاف لسجل الانجازات واللي العمالة اللي بتشتغل في أغلبها هي العمالة المؤقتة وأول ما تخلص الانشاءات يرجعوا بلا شغل.

– الحقيقة أنه النوع ده من الكلام والتصريحات بيضر الاقتصاد أكثر ما بيفيده، خصوصاً لما بنحط الكلام ده مع كلام زي ” بلاش مناقصات “، وهاتولي أي شركة وأنا هتفاوض بنفسي وامضيلكم معاها، ومفيش عمال نوصلهم للمصانع يركبوا مواصلات ! كل دي عبارات مضرة تماماً ، وبتشكك في جدية أي اجراءات ل”الحوكمة” أو مكافحة الفساد.

– الاقتصاد بيتطور بالدراسة والعلم والتعلم من الأخطاء مش أنه أحلام الرئيس تتحول لمشروعات قومية بغض النظر عن جدواها، خصوصاً لو احنا بلد “فقيرة” زي ما قال.. وكل الدول المتقدمة اللي اتكلم عنها الرئيس اتقدمت من خلال المعايير العلمية ودراسات الجدوى والتخطيط السليم والشفافية والرقابة مش تجاهل كل ده، فمش منطقي ييجي بعدها يشتكي من ضعف مستوى الكوادر في مصر، أو ييجي حد بعدين يسأل إحنا متخلفين ليه؟
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *