– مع بداية ظهور لقاحات كورونا في العالم كان في حالة من غياب المعلومات الواضحة في مصر، سواء طريقة توفيرها أو حجم التعاقدات ونوعية اللقاح، لكن ممكن نشوف دا ارتباك أصاب دول كتير.
– وبدأ في الأسابيع اللي فاتت كلام محدد أكتر عن استيراد جرعات من لقاح سينوفارم الصيني و أوكسفورد البريطاني، وبدأ توفيره بشكل مجاني فقط للفرق الطبية وللمستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، مع الزام باقي المواطنين بدفع تمنه.
– التطورات دي بتخلي فيه أسئلة زي ليه اللقاح مش هيكون مجاني؟ وإيه الوضع في باقي دول العالم؟ وإزاي الدولة بتتعامل مع ملف اللقاح بشكل عام؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست دا.
*****
هل في خطة عند مصر في ملف اللقاح؟
– في دول كتير بالعالم بنشوف خطة معلنة بجدول زمني لتطعيم نسبة كبيرة من المواطنين ممكن توصل لـ 50 – 70 %، ودي عملية بيتم حسابها وفقاً لتقديرات علماء في الأوبئة وعلماء في الإحصاء ولجان على مستوى قومي، وبنشوف إعلان يومي عن عدد متلقي اللقاح وانعكاسه على عدد الإصابات.
– لكن حتى الآن مفيش خطة معلنة بتقول مصر هتقدر تطعم كام مليون شخص وفي خلال قد إيه عشان الحالة الوبائية توصل لأي مستوى، ولا حتى عندنا إعلان يومي تم تطعيم كام.
– شفنا حالة تضارب وتخبط كبير في تصريحات المسؤولين في ملف اللقاحات، سواء في حجم التعاقدات أو عملية وصولها، والواضح أكتر إنه مفيش نوايا لتوفير جرعات لكل المواطنين بشكل مجاني وهيتم تسعير اللقاحات، ودي كلها تكهنات لأن زي ما قولنا فيه غياب للخطة المعلنة والشفافية.
– مصر مثلاً شاركت في “التجارب السريرية” للقاح سينوفارم الصيني بـ 3 الآف متطوع في الفترة من سبتمبر لنوفمبر 2020، وبعدها تم الإعلان عن وصول هدية من “الإمارات” ب 50 ألف جرعة من اللقاح الصيني، لكن المعلومات فضلت شحيحة ونادرة.
– فمثلاً صدر تصريح من وزير المالية يوم 24 ديسمبر 2020 بإنه مصر تعاقدت على 50 مليون جرعة من لقاحات كورونا (20 مليون للصيني و30 مليون لأكسفورد البريطاني)، لكن بعد أيام صدر تصريح مختلف من وزيرة الصحة يوم 2 يناير في يوم إنه مصر هتطلب 100 مليون جرعة ( 40 مليون من لقاح سينوفارم – 20 مليون من لقاح أوكسفورد استرازينيكا – 40 مليون عن التحالف العالمي للقاحات “جافي”).
– صدر من أيام دراسة مهمة اتعملت من وحدة المعلومات التابعة لمجلة الإيكونوميست – المجلة الاقتصادية الأهم في العالم – والدراسة دي بتحط مؤشرات مبنية على خطط وصول وتوفير اللقاحات بالتزامن مع حجم عمليات الإنتاج، وكمان التوازن والعدالة بين الدول الغنية والفقيرة في الحصول على اللقاحات.
– الدراسة دي مهمة وكبيرة ومعقدة، لكن ببساطة بتقول إنه حتى يوم 30 يناير الماضي كان حجم متلقي اللقاح في مصر فعلياً 1315 شخص، وإنه عدد الجرعات لكل 100 شخص هو أقل من 0.1 ودي نسبة متدنية جداً، وإنه مصر مش هتقدر على المستوى العملي توفر لقاح للكورونا للمواطنين بشكل موسع إلا في أواخر سنة 2022.
– طبعا إحنا ممكن نتفهم كل دا في إطار ظروف الجائحة والصراع العالمي المحموم على توفير اللقاحات.
– لكن حتى الرقم بتاع التطعيمات داخل مصر يبان قد إيه هو ضعيف لما نلاقي إنه دولة زي السعودية عدد الجرعات اللي تم إعطائها هو حوالي 444 ألف جرعة بمعدل جرعتين لكل مواطن، والإمارات وصلت لـما يقرب من 5 مليون جرعة، والمغرب اللي بدأ التلقيح فيها يوم 30 يناير وصلت ل 855 ألف جرعة، وتركيا وصل عدد الجرعات فيها 2.8 مليون جرعة، ودي كلها دول قريبة مننا بشكل ما وحوالينا في المنطقة، لكنها نجحت في وضع نفسها داخل أولويات الشراء والتعاقد بشكل جاد، فلذلك بنأمل في جهد أكبر لاستدراك الأمر.
– وطبعاً المقارنة هتكون صعبة مع دول زي أمريكا وبريطانيا وكتير من دول الاتحاد الأوروبي اللي نسب التطعيم فيها 14% و 20%، لأنه عملية إنتاج اللقاح بتحصل عندهم وبالتالي ممكن يوصلوا لحالة تشبع مبكرة، ورغبة في إنهاء الأزمة سريعاً وبالتالي في احتمالات تشديد في عملية تصدير اللقاح لخارج الاتحاد الأوروبي في الفترة الحالية.
– دراسة الإيكونوميست بتقول إنه في صعوبة كبيرة لتوفير لقاحات لـ 7 مليار إنسان في العالم بشكل سريع، وإنه في كتير من الحكومات متخوفة تصارح شعوبها إنها مش هتقدر توفر اللقاح قبل سنة 2023.
*****
هل في إمكانية لتسريع وصول اللقاح؟
– خلينا هنا نقول معلومة مهمة جداً، وإنه عندنا دولة زي الهند بقى بيتم فيها تصنيع لقاح أوكسفورد وحصلت على موافقة بده، وبيتم التصنيع عن طريق شركة ” معهد الأمصال الهندي” أحد أكبر منتجي اللقاحات في العالم.
– وبحصول الشركة دي على الترخيص بدأت على الفور عمليات إنتاج واسعة، وبدأت الهند حملة موسعة لتطعيم 300 مليون شخص من العاملين بالمجال الطبي والمعرضين للخطر خلال 6 شهور فقط في حملة هي الأكبر في العالم، وفي نفس الوقت أعلن رئيس الشركة إنه هيحاول بقدر الإمكان يلبي طلبات الدول الإفريقية النامية اللي معندهاش قدرات مالية كبيرة، واستفادت كمان كتير من الدول اللي نجحت في التعاقد السريع مع الهند على الجرعات، ومنها على سبيل المثال السعودية واللي بيوصلها 3 مليون جرعة من اللقاح البريطاني المصنع في الهند، وكمان المغرب واللي وصلها بالفعل 2 مليون جرعة من اللقاح البريطاني المصنع في الهند.
– طبعاً في سؤال هنا بيطرح نفسه وهو ليه مصر مطلبتش بوقت مبكر ترخيص بالتصنيع المحلي من شركة استرازينيكا واللي ليها فرع في مصر، وخصوصاً إنه مصر مش دولة سيئة في تصنيع الدواء على الأقل نقدر نصنع زي الهند، ونحل جزء رئيسي من المشكلة، ودا اتذكر من وزيرة الصحة المصرية في تصريحات سابقة قالت فيها إن شركة فاكسيرا بتتفاوض على تصنيع لقاح فيروس كورونا محليا في ظل إشادة عالمية من المنظمات الدولية بخطوط إنتاج الشركة، لكن مفيش أي معلومة خرجت لنا عن نتيجة المفاوضات دي.
– كذلك سمعنا من وزيرة الصحة عن سعيهم في إجراءات الحصول على موافقة تصنيع لقاح سينوفاك في مصر، وإن الشركة القابضة للقاحات “فاكسيرا” بيتم إعدادها لدا، بدون أي معلومات كذلك المسار دا وصل لفين.
– لكن على الأقل بما إن خطوة التصنيع مش واضح نتيجتها لحد دلوقتي، فليه مبيتمش التعاقد مع الهند لاستيراد جرعات كبيرة من لقاح أوكسفورد زي ما عملت السعودية والمغرب وجنوب إفريقيا بما إنه عندهم انحياز أصلاً لتوفيره للدول النامية مش لأوروبا، حتى لو سعر الجرعة هيرتفع من 4 دولار ل 5.25 واللي هو فرق لا يذكر في ظل الجائحة، وبرضو مفيش إجابات واضحة حتى الآن عن ده.
– طبعاً في خطوات تانية متعلقة بالالتزامات الدولية، زي مثلاً الخطوة اللي بادرت بيها جنوب إفريقيا والهند، بطلب كسر اتفاقية “التريبس” أو حماية الملكية الفكرية من منظمة التجارة العالمية، عشان يتم إسقاط فكرة براءة الاختراع عن لقاحات الكورونا، وبالتالي العالم كله ينطلق في التصنيع بناء على إتاحة كافة التفاصيل وبدون تعاقد مع الشركات المنتجة، ومصر انضمت للخطوة دي في تجربة سابقة ناجحة لتصنيع علاج فيروس سي محليا ساهمت في النجاح الكبير لحملة ١٠٠ مليون صحة، لكن مش واضح المرادي ايه الموقف.
– وفي خطوة تانية لكن مصر مش فاعلة فيها بشكل كبير، وهي تحالف “جافي” وآلية منظمة الصحة العالمية “كوفاكس”، واللي بتتيح آلية الحصول على مليارين جرعة للدول النامية والفقيرة، وإنه ده بيتم عن طريق إجبار كل دولة على شراء عدد محدد من الجرعات بأسعار مخفضة بشرط إنه الشراء ده يكون جماعي، لكن التفاوض المباشر الثنائي خارج الاتفاق ده.
– ودي برضه خطوات مش فاعلة قوي في الواقع نتيجة أزمة الإنتاج وسعي الدول اللي عندها قدرة شرائية إنها تشتري سريعاً، ومنظمة الصحة العالمية نفسها بتشتكي إنه 130 دولة في العالم لسه مش قادرين يقدموا جرعة واحدة لمواطنيهم، وبالتالي هنا سرعة الاتفاقات المباشرة هي أفضل وسيلة في الوقت الحالي.
*****
طيب إيه قصة مجانية اللقاح؟
– طبعاً محتاجين نذكر نفسنا ونذكر الحكومة إننا قدام جائحة وبائية، وبالتالي إحنا مش قدام سلعة مطروحة للاختيار قدام الناس، دي لقاحات نتيجتها إنها هتقلل من حجم الإصابات وانتشار الوباء، وللسبب ده فالحكومات في العالم كله حريصة إنها توفرها لمواطنيها مجانا، وتكون أولوية التوزيع ليها أسس ومعايير علمية واضحة، زي كبار السن والأطباء وأصحاب الأمراض المزمنة وغيرهم.
– وشفنا كمان تحركات زي مثلاً معاقبة مسؤولين وإقالتهم لاشتباههم في الحصول المبكرة على لقاح كورونا بمخالفة المعايير الصحية باستخدام نفوذهم، وده طبعاً شيء منطقي من الناحية الأخلاقية.
ممكن تقرأوا اللي نشرناه عن استقالة رئيس أركان الجيش الإسباني للسبب دا
– عندنا في مصر أوبئة كتير سابقة جت، زي الكوليرا، واللي كانت الدولة فيها بتوفر اللقاح مجاناً وبشكل إجباري للمواطنين عشان ينتهي الوباء في أسرع وقت، وكمان المادة 18 من الدستور بتؤكد على إنه في حالات الطوارئ فالدولة بتلتزم بتوفير الأدوية واللقاحات للمواطنين، وكمان توصيات منظمة الصحة العالمية بتشترط (ألا يكون هناك تمييز بين المواطنين في الوصول للقاح، على أساس القدرة المالية أو على أساس النفوذ، ويجب أن تكون أولوية التوزيع على الفئات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس).
– لكن عندنا في مصر الموضوع غريب جداً وعكس العالم كله، فمثلاً في يوم 5 يناير صدر تصريح من المتحدث باسم صندوق تحيا مصر عن إنه 5 مليون مواطن هيحصلو على لقاح كورونا بالمجان، وسط أخبار عن تبرعات رجال الأعمال لصندوق تحيا مصر لتوفير جرعات مجانية من اللقاح لغير القادرين، والتبرعات دي شملت هشام طلعت مصطفى وآخرين.
– ويوم 25 يناير ومع بدأ التطعيمات للأطباء، قالت وزيرة الصحة بشكل رسمي إنه اللقاح هيكون مجاني للأطباء والمواطنين غير القادرين المسجلين في برنامجي «تكافل وكرامة»، وإن ثمن اللقاح هيكون في حدود 200 جنيه للجرعتين.
– وخلينا نقول إن التسعير دا وإجراءات جمع التبرعات دي عكس تصريحات قديمة للوزيرة قالت فيها إن الاعتمادات المالية لشراء 100 مليون جرعة لقاح متوافرة وفقا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي.
– الحكومة بتراجعها عن كلامها بتصدر للمجتمع مشكلة وأزمة، لأنه مهما كانت قدرات الحكومة على تحديد الفقراء ومستحقي اللقاح هيفضل في فجوة متقدرش ترصد الناس اللي ممكن الـ 200 جنيه تخليها تتراجع عن وضع اللقاح كأولوية في تكاليف معيشته ولو هو وأسرته 5 أفراد التكلفة هتوصل ل 1000 جنيه في الوقت اللي الحكومة بتعتبر الفقير هو اللي بياخد أقل من 700 جنيه شهرياً!
– الحكومة لو هتوفر 100 مليون جرعة بتكلفة 5 دولار-وده رقم أعلى من المعدل- للجرعة الواحدة من لقاح أكسفورد مثلا وهو الأرخص، هتكون التكلفة 500 مليون دولار، يعني حوالي 7 مليار جنيه ونص، وده فعلاً رقم مش كبير خالص بالمقارنة بفوائده، خصوصاً إنه الرقم ده هيكون كفيل بإنهاء الضغط على المستشفيات وتقليل الإصابات وإنقاذ الأرواح – وبالذات الأطباء اللي بيموتو في الموجة الثانية بشكل أسرع – وبالتالي تعافي الاقتصاد بشكل كامل خلال وقت قليل، وعودة الحياة لطبيعتها، خصوصاً كمان إنه الرقم ده مش هيندفع مرة واحدة بل على عدة دفعات.
– وده طبعاً مع الأخذ في الاعتبار إنه كمان ثمن الجرعات دي المفروض بتغطيها تكلفة “التأمين الصحي” واللي القانون بيتكلم على إنه تمويل عملية التأمين بيلزم الدولة إجبارياً على تقديم الرعاية الصحية وتغطية الكوارث والأوبئة مجاناً، فضلاً عن العمليات اللي تمت لخصم 1% من مرتبات الموظفين و 0.5% من المعاشات لصالح مواجهة كورونا!
– وطبعاً ضآلة الرقم ده هتبان قصاد حجم الاستثمارات اللي بيتم في عز الجائحة لمشاريع قومية كبيرة زي القطار السريع، وقطار المونوريل، واستكمال استثمارات العاصمة، وكمان الـ 7 مليار دول هما رقم ضعيف قصاد الـ 100 مليار اللي تم تخصيصهم من بداية الأزمة، وطبقا لوزارة المالية أنفق منهم حوالي 65 مليار جنيه، بالإضافة للقروض اللي خدتها مصر لمواجهة كورونا ومش معروف بالظبط مصير إنفاق القروض دي لأنه مفيش اعلان لذلك، بجانب إن الرئيس طلب تخصيص مبلغ آخر احتياطيا للموجة الجديدة.
– ده دفع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لإصدار بيان يطالب بتوفير اللقاح مجاناً، ودفع كمان كتير من الشخصيات العامة لرفع قضية قدام القضاء الإداري للمطالبة بتوفير اللقاح مجاناً، والحكومة بدل ما تخجل إنها الوحيدة في العالم اللي بتتكلم عن عدم توفير اللقاح مجاناً، وإنها تلتزم بتوفير اللقاح وتعلن خطط واضحة، لأ بتطلب أجل لنظر القضية دي وبتتجاهل الموضوع في خطابها الإعلامي والرسمي.
– التطعيم مش هيؤدى لحماية اللي بيحصل عليه بس، لكن هيوقف انتشار الوباء، وكل فرد هيتلقى اللقاح هيساهم في حماية المجتمع ويسرع من عودة عجلة الاقتصاد، لذلك نقدر نقول إن اللقاح دا خدمة عامة مش خاصة باللي يحصل عليه بس، وعليه يلزم تمويلها من موازنة الدولة.
– نتمنى إنه الحكومة توقف عملية التجاهل وتسمع صوت العقل اللي العالم كله ملتزم بيه في موضوع مجانية اللقاح من جانب لأن فعلاً فيه بدائل مالية متوافرة، وكمان مطلوب تكثف جهودها لتوفير اللقاح بشكل أسرع وإعلان خطط زمنية وتنفيذية واضحة وشفافة للبدء في التلقيح الشامل عشان نقدر ننتهي من الأزمة دي في أسرع وقت.
– الكل مدرك إن دي ظروف جائحة غير طبيعية، وبالفعل فيه مجهودات بتبذل من الدولة للسيطرة على الوباء، لكن ملف اللقاح له أولوية في كل العالم حاليا، ويتطلب تعامل استثنائي من الدولة على صعيد التوفير وكمان المجانية، ونتمنى في النهاية الصحة والأمان لكل المصريين.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *