بنواصل معاكم سلسلتنا عن البحث العلمي. في أول حلقتين عرضنا الوضع في مصر، واتكلمنا عن التجربة الألمانية، النهاردة جايبين لكم تجربة من بلد نامي زينا، وهي الهند، عندها مشاكل اقتصادية تشبهنا زي ارتفاع نسبة الفقراء والزيادة السكانية، في بلد تعدادها 1.2 مليار نسمة، لكن مع ذلك استطاعت تحقق طفرة كبيرة في البحث العلمي.
– النهاردة هنتكلم تحديدا عن قصة برنامج الفضاء الهندي، وإيه اللي ممكن نستفيده من تجربتهم.

******

ليه برنامج الفضاء الهندي مبهر ؟
– برنامج الفضاء الهندي أو وكالة أبحاث الفضاء الهندية ISRO إتأسست سنة 1969، بعد حوالي 20 سنة من الاستقلال في عهد رئيس الوزراء الشهير نهرو، في الفترة دي كانت الهند دولة متخلفة، عدد سكان كبير جدا وموارد كثير لكن نمو اقتصادي ضئيل جدا مقارنة بحجم الدولة والإمكانات الاقتصادية اللي عندها.
– بعد 15 سنة تقريبا، تم إطلاق أول قمر صناعي هندي بمساعدة تقنية من الاتحاد السوفيتي، ومن 1975 لحد دلوقتي بدأت طفرة حقيقة في برنامج الفضاء الهندي. في الثمانيات بدأت الهند في تصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية لأغراض البث التلفزيوني، ومراقبة البيئة وللأغراض العسكرية كذلك.
– في 2008 نجحت الهند في أول رحلة إنزال ليها على القمر، وفي 2014 حققت الهند إنجاز كبير، لأنه بقت الدولة الرابعة اللي توصل للمريخ، نجحت المركبة مانجاليان Mangalayaan في الوصول للمريخ.
– المبهر مش مجرد الوصول للمريخ، لكن أنه برنامج الفضاء الهندي نجح في الوصول للمريخ من أول محاولة، وتكلفة الرحلة نفسها لم تتعدي 74 مليون دولار، في حين أنه الرحلات المماثلة اللي بتعملها ناسا أو روسيا، بتوصل تكلفتها لعشر أضعاف الرقم دا، مركبة انسايت الأمريكية تكلفة الرحلة بتاعتها وصلت ل 814 مليون دولار.
– التكلفة الرخيصة دي خلت ناسا وغيرها من الدول المهتمه بإطلاق الأقمار الصناعية تتوجه لأنه الهند تصنع لها صواريخ إطلاق أو تشارك معاها في الرحلات دي.
– وكالة الفضاء الهندية دلوقتي بتصنع أو بتشارك في اطلاق 75 قمر صناعي لصالح دول أخري، ودا يعني أنه الوكالة في القريب العاجل هتكون قادرة تمول نفسها بدون الحصول على ميزانية كبيرة من الدولة هناك.
– في 2018 بحسب الأرقام الرسمية فالدخل اللي حصلت عليه الوكالة من تقديم خدماتها للحكومة الهندية، والقطاع الخاص، والدول الأجنبية كان حوالي 281 مليون دولار، واللي أنفقته الوكالة كان 347 مليون دولار، يعني الفرق بين الإيرادات والمصاريف اقل من 60 مليون دولار، ودي تكلفة صغيرة جدا لوكالة فضاء كبيرة، يكفي أننا نعرف أنه ميزانية ناسا السنوية من 18 – 20 مليار دولار.
– دلوقتي الهند بتطور برنامج لإرسال رواد فضاء هنود للقمر، بتكلفة تصل ل 1.2 مليار دولار في سنة 2022.

*****

ايه سر نجاح الهند في البحث العلمي؟
– على الرغم من النجاح الكبير باقل التكاليف كان في دائما انتقادات بتوجه لوكالة الفضاء الهندية أنها بتصرف فلوس على أشياء ملهاش لازم في ظل معدلات الفقر العالية في الهند.
– يمكن النقد دا يكون منطقي في دول تانية، لكن في الهند اللي بتحاول دائما تطور باستخدام البحث العلمي إعادة استخدام أجزاء كبيرة من المركبات والصواريخ الفضائية، دا ممكن بجانب أشياء كثيرة اللي بيخلي تكلفة الرحلات الفضائية في الهند أقل.
– الهند دلوقتي بتسعي أنها تستحوذ على سوق تصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية العالمي، وهي الآن بالفعل منافس قوي جدا فيه، السوق دا فيه 300 مليار دولار سنويا استثمارات، وجلب النسبة الأكبر منها للهند هيكون حافز كبير لتطور قطاع الفضاء والأبحاث العلمية في البلد.
– غير الإنجازات في مجال الفضاء فالهند متقدمة جداً في كل ما يختص بالتكنولوجيا والبرمجيات والتعاون مع google أكبر دليل على ده، والهند في المركز العاشر على العالم في براءات الاختراع.
– الهند بتنفق حوالي 1 % من الناتج المحلي بتاعها على البحث العلمي كل سنة، وعلى الرغم من إنه النسبة دي قليلة مقارنة بدول متقدمة تانية في أوروبا والولايات المتحدة، إلا أنه في الغالب بيتم تعويض دا عن طريق الإنفاق غير الحكومي على البحث العلمي زي القطاع الخاص، والتعاون الدولي.
– أي حد متابع لمشهد البحث العلمي في العالم هيلاقي انه العلماء الهنود أو من أصول هندية واللي تلقوا تعليمهم في المدارس والجامعات هناك ليهم وزن على المستوى الدولي، لأنه الهند ورغم كل مشاكل نظامها التعليمي وزيادة نسبة الأمية قادرة انه يكون عندها جامعات حتى لو قليلة بتخرج عباقرة حرفيا في مجالات الرياضيات والفيزياء والطب وغيرها من المجالات العلمية.
– الهند بتتجه الفترة الجاية انها تزود الإنفاق على البحث العلمي، والتعليم في المراحل الأولي تحديدا واللي بيعتبر مشكلة كبيرة هناك، دا بسبب أنه الناس أدركت أنه الانفاق على البحث العلمي عمره ما كان رفاهية للدول اللي عايزة تحقق طفرات اقتصادية.

******

ايه اللي ممكن نشوفه في كل ده؟

– الحقيقة تجربة الهند رغم كل السلبيات والانتقادات اللي ممكن تتوجه ليها، إلا أنها تجربة ملهمة أنه دولة فقيرة تقدر يبقي عندها برنامج فضاء بالتطور دا.
– من المشاكل المشتركة بين الهند ومصر هو البيروقراطية الكبيرة في المؤسسات الجامعية والبحثية، واللي الهند قدرت بشكل ما تتجاوزه من خلال التعاون الدولي، لكن دا بينتج مشكلة على المدى الكبير وهو هجرة العقول بالتالي لازم حل جذري لمشكلة زي دي مش هينفع معاها مسكنات لوقت طويل.
– الهند فيها حرية بحث علمي وحريات أكاديمية كبيرة، وده نابع من النظام السياسي الديمقراطي هناك، وكمان مهم جداً الاشارة للنظام الفيدرالي السياسي اللي بيخلي عيوب المركزية أقل، ويتيح الفرصة لولايات تحقق انجازات لو الادارة المحلية المنتخبة عندها إرادة سياسية زي وضع ولاية “كيرلا” الهندية اللي فيها نسب الأمية منخفضة وبتتركز فيها معظم الصناعات التكنولوجية.
– التجربة الهندية بالفعل هي مثال يحتذى به في الدول الفقيرة لعائد الإنفاق على البحث العلمي، في النهاية برنامج الفضاء الهندي دا هو اللي خلى الانترنت في الهند والتلفزيون والاتصالات متاحة لشريحة أكبر، وبالتالي خلى الاستثمار في الخدمات التكنولوجية في الهند كبير جدا، وبيساهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الهندي.
– بشكل عام محتاجين ننبص على تجارب كل الدول، النامية والمتقدمة ونشوف ايه اللي ممكن نستفيد منه، ونحاول نتجنب الأخطاء والسلبيات في كل النماذج دي، ودا كله في النهاية محتاج إرادة سياسية واعية وعارفة إزاي تطور من التعليم والبحث العلمي مش تقيدهم أمنياً تحت شعارات حماية الأمن القومي أو إن التعليم مش هيفيد بلد ضايع.

***




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *