– في التاريخ المصري وعلى مدار الـ 100 سنة اللي فاتوا، كان مطلب التحول الديمقراطي وتأسيس دولة مدنية تحتكم للدستور والقانون، ومصدر السلطات فيها هوا الشعب، بيتجدد وبيتعثر باختلاف شكل النظام السياسي والاستقلال الوطني، وده من وقت ثورة 1919 على الأقل.
– البوست ده هيتكلم عن ملف الديمقراطية والحقوق السياسية، قبل وبعد ثورة يناير، كنا فين؟ ووصلنا لفين حاليا؟
– مرفق صور انفوجراف بتقارن بين الأرقام الرسمية لنسب المشاركة ولنتائج الانتخابات خلال السنوات العشرة الأخيرة.
*****
إيه وضع الديمقراطية والحريات قبل الثورة؟
– خلونا نتفق إن نظام مبارك كان نظام سمته الرئيسية هي “الديمقراطية الصورية” يعني نظرياً كان في أحزاب وتعددية حزبية، كان في انتخابات برلمان ومحليات، كان في صحف قومية وصحف معارضة، وشكل نظام سياسي مستقر وبيحاول يتعامل ببعض من الذكاء مع متطلبات ومتغيرات الوضع الإقليمي والدولي، إلا إنه مش متاح أي تداول سلطة، وفيه خطوط حمراء واضحة.
– يعني مثلاً مع بداية عصر مبارك مكانش في حاجة اسمها انتخابات رئاسية، كان لسه في استفتاءات على رئيس الجمهورية واللي هي كانت مستمرة من سنة 1952، وبالتالي لحد التعديلات الدستورية اللي حصلت سنة 2005 تحت ضغط إدارة بوش الابن بعد حرب العراق، كانت طريقة تجديد الشرعية هي استفتاء على شخص واحد وهو الرئيس الموجود.
– رغم ان انتخابات 2005 أبهرت المصريين بشكل جديد لوجود أكتر من مرشح قدام رئيس الجمهورية، زي أيمن نور ونعمان جمعة وغيرهم، لكن نظام مبارك فرغها من محتواها ولاحق المرشحين ضده بعدها.
– ودليل كبير على الإطار الشكلي ده هو تعديلات المادتين 76 و 77 المعدلتين، اللي مادة منهم بتتيح الترشح لرئاسة الجمهورية “مرات متعددة”، والمادة التانية اللي بتصعب شروط الترشح وعملياً بتخليه مقيد باللي السلطة عاوزاه يترشح عن طريق تزكيات ثلث مجلس الشعب.
– على مستوى تاني كانت الانتخابات البرلمانية بعهد مبارك فيها سمات أبرزها إنه مكانش التصويت مفتوح للمواطنين، ده كان حق حصري للي بيمتلك البطاقة الانتخابية أو اللي شهرتها “البطاقة الحمراء”، ودي كان هدفها إنه مش كل الناس تشارك في الانتخابات بشكل تلقائي، وإنه تفضل عملية الانتخابات في الدوائر ليها تكتلات وعائلات وكتل سكانية يسهل التحكم فيها عبر الحزب الوطني (الحزب الحاكم اللي يرأسه رئيس الجمهورية) أو بتسهل التزوير الصريح في أحيان أخرى.
مع السماح لهوامش جيدة للمعارضة تسمح بالاستجوابات وبعض الرقابة، وبعض التنفيس عن الغضب يتوجه للحكومة والوزراء بدون مساس بالرئيس أو تغيير في سياسات الدولة.
– كان في شكل ما للتعددية السياسية أيام مبارك حتى لو صورية، كان في أحزاب التجمع والوفد الجديد، والعربي الناصري، والعمل، والأحرار، جنب الحزب الوطني، ومعاهم بشكل غير رسمي الإخوان المسلمين، كانت الأحزاب دي ليها جرايد، وبيتسمحلها بالمشاركة في الانتخابات واستمرار بعض نوابها اللي ليهم شعبية حقيقية في مجلس الشعب، ويتعين رؤساء الأحزاب في مجلس الشورى، مع السماح بمعارضة ذات سقف منخفض، وبتعمل تفاهمات مستمرة مع أمن الدولة.
وفي نفس الوقت في تفجيرات بتحصل للأحزاب من الداخل في أوقات بعينها عشان تضمن استمرار وتصعيد أصحاب التفاهمات مع الأمن، أو المخبرين في أوقات معينة، وشفنا نماذج للتفجيرات دي في حزب العمل اللي خرج منه حزب “الجيل”، أو حزب الغد، اللي حصل فيه انشقاق لتمكين رجال مقربين من أمن الدولة وقتها رجب هلال حميدة وموسى مصطفى موسى من الحزب بدل أيمن نور، كان كان فيه أحزاب لا يُسمح لها بالخروج للنور وبتفضل تحت التأسيس بلا نهاية زي حزب الوسط، وكان بيضمن الترتيبات دي إنه لجنة شؤون الأحزاب كان المشرف عليها هو رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف.
– في 2010 الأخيرة انهار التوازن ده تماما، وتم رفع الإشراف القضائي الكامل اللي كفل قدر من النزاهة قبلها، ومحصلتش المعارضة على أي كرسي تقريبا، وده اللي خلا اللي شاركوا بأول مرحلة يرجعوا ينسحبوا بناء على نداء البرادعي والجمعية الوطنية بمقاطعة الانتخابات وتوقيع “بيان التغيير”.
*****
إيه اللي اتغير بعد ثورة يناير؟
– اللي حصل إنه فجأة المجال السياسي اتفتح، مفيش أمن دولة، مفيش قيود على تكوين التنظيمات والأحزاب، أو على حرية الرأي والتعبير، مفيش منع لأي حد إنه يترشح، الانتخاب بقى حق بالرقم القومي، تأسست عشرات الأحزاب، وبقى كمية الفاعلين بالعمل السياسي والتنظيمات الحزبية كبير جداً، وحرفيا بقى في مئات الالاف من المواطنين عندهم عضويات حقيقية في أحزاب سياسية بعد ما كانت عضويات جميع الأحزاب لا تتخطى بضعة آلاف.
– شوفنا طوابير طويلة وصلت عشرات الأمتار في الاستحقاقات المختلفة، لما كان صوت المواطن بيفرق فعلا، وكل مرشح كان هدفه رضى المواطنين، اللي كان الوسيلة الوحيدة للوصول لمنصب رفيع، ولما كان فيه نقاشات سياسية واسعة حوالين الاختيارات المطروحة. (تقدرو تلاحظو ده من انفوجراف 1، 2، 3)
– لكن التغيير ده كان صعب إنه يشكل حالة سياسية منتظمة وراسخة بسرعة، يعني الأحزاب كانت بتتصنف لأحزاب إسلامية أو أحزاب “مدنية” أو أحزاب “فلول”، بس مفيش مدارس أيدلوجية كبيرة بتتشكل، كانت البرامج والأفكار تقريباً نسخة من بعضها والانتخابات بتحصل على أساس الهوية، إنت ميال لفكر الإخوان ومحتك بقواعدهم فهتختار الحرية والعدالة، أو أنت من أبناء التيار السلفي بمدارسه الكبيرة والكتيرة هتختار حزب “النور”، أو انتا من أنصار مصطلح الدولة المدنية هتختار “الكتلة المصرية”، إنت من الداعمين لشباب الثورة هتختار قائمة “الثورة مستمرة” اللي مليانة شباب للثورة معندهمش إمكانيات مالية أو تنظيمية كبيرة.
– وكان تفاعل “الدولة” مع التنظيمات والكتل السياسية دي هادي وبيتم في الكواليس، يعني لقاءات منتظمة بين المجلس العسكري وقادة الأحزاب دي كلها، بيحصل فيها مشاورات ومحاولات لشق الصفوف وإذكاء الصراعات الأيدلوجية والصراع على الهوية بين جميع الأطراف، ومحاولة إبعاد الأجيال الجديدة من شباب يناير، والعودة للقواعد القديمة واللاعبين القدامى المعتادين من قبل ثورة يناير في إدارة الأحزاب والحركات وتقديم نفسهم كمرشحين للرئاسة وقيادات سياسية، وده من جميع الأطراف، إخوان وسلفيين ويسار وليبراليين ومحافظين.
– كان طول الوقت المجلس العسكري بيساعد على وضع حالة عامة فيها انقسام يقدر يدير من خلاله ويفضل متواجد، لكن بدون قيود خشنة، يعني مفيش اعتقالات للتنظيمات السياسية بشكل موسع أو تزوير في الصناديق.
– وفي نفس الوقت جماعات المصالح القديمة بتاعت الحزب الوطني تفرق جمعها مع حل الحزب، بعضها تماهى مع الإخوان المسلمين، والبعض الآخر تماهى مع “القوى المدنية” بالذات أصحاب الشهرة الأقل في المحافظات، والبعض فضل منعزل عن الحالة بشكل عام، وبيحاول يحافظ على أمواله واستثماراته، ولكن مع انتظار تحرك منظم من الدولة، ودعم عمليات البلطجة والتخريب للانتقام من ثورة يناير.
– في نفس الوقت حصل انقسام حاد بين شركاء الثورة السابقين، تصاعد مع تغيير الإخوان لشعار “مشاركة لا مغالبة”، وشفنا تفتيت الأصوات في انتخابات الرئاسة، وبعدها انقسام أصوات الشعب تقريبا النص بالنص بين المرشحين مرسي وشفيق (الأرقام في الإنفوجراف).
وبعدها انتهى أي حوار من بعد أزمة كتابة دستور 2012 وأحداث الاتحادية، وتشكل جبهة الإنقاذ، وبقى كل من الطرفين بيحاول يتقرب من الجيش وأجهزة الدولة عشان يستخدمهم ضد خصمه.
– كمان نقدر نقول إن مكنش فيه وعي كافي عند الأطراف اللي دخلت المجال العام بعد يناير بحجم التحديات واحتمالات الخسارة، ويمكن نقول دا نتاج التجريف السياسي لـ30 سنة من ديمقراطية صورية محكومة بخطوط حمرا بتمنع أي تفاعل حقيقي ينتج قيادات سياسية واعية.
*****
– بعد 30 يونيو وأياً كان تقييم أي طرف لأسبابها وللأحداث المباشرة بعدها، لكن المؤكد للجميع إن نتيجة الصراع “الإسلامي – العلماني” كان المستفيد الرئيسي منه هو الطرف اللي عاوز يرجع للقواعد القديمة تماماً، ولو بشكل أكثر شباباً، فرجعنا تاني لفكرة تقييد ومحاصرة حق الترشح لرئاسة الجمهورية، وعودة للانتخابات الشكلية في 2014 و 2018 والانتقام وتصفية المرشحين الجادين، بالتهديد أو بالسجن.
– زي ما في الانفوجراف رجعت تاني أرقام الفوز ب 98%، ورجعت تاني نسب المشاركة بالانتخابات البرلمانية تنخفض بسبب عودة فقد المصداقية في الانتخابات.
– ظاهرة تاني هيا الارتفاع الكبير في نسبة إبطال الأصوات في 2019 و 2020، وده اللي فسره البعض بإنه نوع من التصويت العقابي. (انفوجراف رقم 6)
– الانتخابات البرلمانية رجعت تتم مرة تانية بمحاولة خلق برلمان السيطرة الكبيرة فيه للأجهزة بدون تلويث لسمعة النظام الجديد بوصفة “تزوير الانتخابات” الفج في 2015، ولأنه كمان مكانتش استتبت جميع الأوضاع الإقليمية والدولية للنظام الجديد، لكن حصل انهيار كبير في انتخابات 2020 اللي كانت مهزلة وفضيحة ومحصلش فيها الاكتفاء بالتحكم في قانون الانتخابات، والتحكم بالقائمة الوحيدة، ده كمان حصل تزوير فج بعدد مش قليل من دوائر الفردي.
وبقى واضح تماما وجود حزب واحد هوا “مستقبل وطن” مدعوم من الأجهزة الأمنية، مع اختلاف إنه رسميا الرئيس ملوش علاقة بيه مش زي رئاسة مبارك للحزب الوطني.
– ملف الحياة الحزبية رجعت القيود فيه تدريجياً، لحد ما وصلنا لاعتقالات “قضية الأمل” وغيرها، على الرغم من إن أول حكومة بعد 30 يونيو كان فيها وزراء محسوبين على بعض أحزاب التيار المدني، لكن الحكومة دي تورطت في مشاكل كبيرة، وتمت اقالتها بسرعة وعدم مشاركة أي سياسيين بأي حكومة بعدها، وبالإضافة لضغوط أمنية على الأحزاب انتهت بانه عمليا الأحزاب دي تنهار من داخلها واحد ورا التاني، زي مثلاً حزب الدستور اللي كان حالة كبيرة في التواجد الشبابي بداخله وحجم عضويات كبير ونخب تكنوقراطية كتير، ولكنه بدأ بالانهيار بعد استقالة الدكتور البرادعي مباشرة احتجاجا على فض رابعة، مع انشقاقات تنظيمية مدعومة أمنياً خلت الحزب انتهى.
نفس الأمر انطبق على التيار الشعبي، والمصري الديمقراطي، وباقي المكونات المدنية، مع اختلاف الدرجات والحالة لكل حزب، ويعتبر الناجي الوحيد هو حزب النور اللي عمل موائمات واضحة تضمن استمراريته مع النظام السياسي الحالي مهما انهارت أجزاء كبيرة من قواعده الجماهيرية، عشان يكون في مبرر للنظام إنه يقول إنه لا يستهدف الإسلاميين بدليل وجود حزب النور كفاعل في النظام السياسي.
– الخلاصة انه اتحقق انجاز كبير بمجال سياسي واسع، وحركة مفتوحة، لكن التنظيمات كان عمرها قصير، ملحقناش تحصل عملية ديمقراطية منتظمة لسنوات تقدر تكون حالة سياسية منظمة وقوية، وتداول سلطة أكتر من مرة، بشكل يطمن كل الأطراف، وفي نفس الوقت بطريقة تستوعب الحراك الجماهيري الكبير.
– بشكل عام، خرجنا من مكتسبات ثورة يناير ببعض الخبرات التنظيمية والسياسية لكتير من الفاعلين الجدد بعد يناير واللي كان معظمهم شباب، لكن رجعنا لحالة أسوأ من ما قبل 2011 في ملف الديمقراطية وحيوية الحياة السياسية. صحيح سيناريو التوريث اتمنع عن جمال مبارك، لكن نفس نهج مصادرة الحياة السياسية رجع بشكل أسوأ، حتى هوامش الحركة المتاحة أيام مبارك في الصحافة وفي انتخابات المحليات والبرلمان معادتش موجودة .
– ده كمان بعكس أيام مبارك اللي كان بيفخر انه في نظام ديمقراطي، وصفوت الشريف يعمل حوارات مستمرة مع الأحزاب، كلها شكلية طبعا، حاليا بقى فيه مناخ يعادي بوضوح كلمة “الديمقراطية”، وبيردد أساطير عن عدم جاهزية الناس لها أو ان الأمن القومي لا يسمح دلوقتي.
– كذلك التعامل مع أي صوت معارض بقى عدواني بشكل يمكن أكتر من أيام مبارك، وتخوين وتشكيك واتهامات، ومفيش أي توازنات سياسية أو استخدام للحلول الوسط، كل دا بيخلي المجتمع مشحون ضد بعضه طول الوقت، وبيحرم الناس من وجود معارضة سياسية تراقب أداء الحكومة وتقدم مشروعات بديلة.
– فتح المجال العام قدام كل المصريين عشان يشتغلوا سياسة كل واحد حسب مشروعه وتوجهه، اللي عاوز يخدم به البلد هو الحل الوحيد اللي نادت بيه ثورة يناير لإعطاء أمل للناس في وجود فرص لمستقبل أفضل، لأن مفيش دول بتمشي بدون سياسة إلى الأبد.
May be an image of ‎text that says "‎نسبة المشار ركة في التصويت على تغيير أو تعديل الدستور نسبة نسبةالمشاركة المشاركة %100 %80 %60 %41.19 %40 %32.9 %38.6 %44.3 %20 %0 2011 2012 2014 2019 :المصدر الهيئة الوطنية للانتخابات الموقف المصري‎"‎
May be an image of text
May be an image of text
No photo description available.
May be an image of text
May be an image of text
May be an image of text

المصادر




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *