– على مدار الأسابيع اللي فاتت حصلت مواجهات مستمرة بين شرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وبين المواطنين الفلسطينيين في مدينة القدس، وانتهت بانتصار معنوي كبير للفلسطينيين بإزالة حواجز باب العمود، لكن مازال الحراك مستمر ضد تهجير حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين.
– الأحداث دي تزامنت مع صدور تقرير مهم وفريد من نوعه من منظمة “هيومن رايتس ووتش” بعنوان “تجاوزوا الحد، السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد”.
– إيه اللي بيحصل؟ وليه تقرير هيومن رايتس ووتش مهم ومختلف عن تقارير حقوقية أخرى سابقة؟ وإيه اللي ممكن نشوفه في الموضوع؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
إيه قصة المواجهات؟
– المواجهات الأخيرة بدأت بسبب احتكاكات بين المستوطنين واليمين الإسرائيلي مع الشباب الفلسطيني اللي بيتجمع دايماً عند “باب العمود” في كل ليالي رمضان، للسهر والتجمع والاحتجاج والتذكير بهوية القدس العربية.
– باب العمود هو تقريباً خط السير الرئيسي اللي بيروح من خلاله اليهود الإسرائيليين لحائط البراق، ومن ناحية تانية هو ممر لكل أسواق القدس القديمة في الشرق، وبالتالي قفل الممر والمنطقة دي بالحواجز بيمنع تدفق الفلسطينيين ناحية القدس وبيساهم في مزيد من قفل الأسواق الفلسطينية ومصادرة أماكنها لصالح عملية التهويد الكاملة.
– بدأت المواجهات الأخيرة بعد مظاهرة من المتشددين الإسرائيليين ضد التجمع الفلسطيني، واتحولت لاشتباكات تدخلت فيها الشرطة الإسرائيلية للقبض على الفلسطينيين واعتقال العشرات منهم، ووضع حواجز تمنع المرور في المنطقة دي للفلسطينيين.
– المواجهات فضلت مستمرة بشكل شبه يومي، ومكانش الإسرائيليين متوقعين وجود أي مقاومة من الشباب الفلسطيني للإجراءات الجديدة، لكن فوجئوا بالتظاهر اليومي وعدم الخوف من الاعتقال أو السلاح الإسرائيلي على الرغم من وجود مئات الجرحى في صفوف الفلسطينيين، وانتهت الاشتباكات اليومية دي بعد أسبوعين بإزالة الحواجز اللي كانت عاملاها الشرطة الإسرائيلية عند “باب العمود” وعودة تجمع الفلسطينيين فيها.
– وفي انتهاك آخر تخشى عشرات العائلات الفلسطينية بحي الشيخ جراح من طرد وشيك لها من منازلها اللي عايشين من سنة 1956 لصالح مستوطنين، ضمن مخطط مستمر لتهويد مدينة القدس، بالإضافة إلى هدم البيوت ومصادرة الأراضي وغيرها.
– العائلات دي كانت وصلت للحي الحي بعد نكبة 1948، وأقامت فيه بالاتفاق مع الحكومة الأردنية (اللي كانت بتحكم الضفة الغربية بما فيها القدس حتى 1967)، وكمان بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”(أونروا).
– وفيه اشتباكات بين أهالي الحي المعتصمين اعتراضاً على محاولات طردهم وما بين مستوطنين وجيش الاحتلال، سقط فيها إصابات بين الأهالي.
– وكان توجه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي يوم الاتنين برسالة إلى المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا، واستعرض فيها اللي بيتعرض له أهل الحي من جرائم، وبيطالب باتخاذ موقف علني وواضح تجاهها.
*****
– بكل أسف رد الفعل من جانب الحكومات العربية مكنش على قدر مستوى التصعيد الإسرائيلي، كان فيه بيانات إدانة زي بيان الخارجية المصرية اللي أدان عمال العنف والتحريض اللي قامت بها مجموعات يهودية متطرفة مستهدفة الأشقاء الفلسطينيين من سكان البلدة القديمة في القدس الشرقية، مما أسفر عن إصابة العشرات من المدنيين الفلسطينيين، والعاهل الأردني اللي دعا لضرورة وقف التصعيد في القدس.
– رغم انه مطلوب مواقف أكتر لكن حتى البيان المصري والبيان الأردني كانو أفضل من دول أخرى أخرى التزمت الصمت التام، أو بتدعم الاحتلال بشكل ضمني. الموقف العربي بيظل مهم لانه ممكن يساعد ولو إنه يخفف على الفلسطينيين شوية من الانتهاكات اللي بيتعرضوا لها.
– لكن موقف الإدانة الأهم كان هو تقرير من منظمة “هيومان رايتس ووتش” الحقوقية الدولية.
*****
إيه قصة تقرير “هيومان رايتس ووتش” ؟ وإيه علاقة المنظمة بالحقوق الفلسطينية ؟
– بعد مرور أيام من المواجهات دي صدر تقرير مهم جداً من منظمة “هيومان رايتس ووتش” مكون من 200 صفحة وتحت عنوان “تجاوزوا الحد”، ملخصهم إنه السلطات الإسرائيلية بترتكب “جريمتين ضد الإنسانية” وهما “الفصل العنصري والاضطهاد”.
– التقرير اللي رصد انتهاكات إسرائيلية بحق الفلسطينيين، مكنش زي اللي قبله من تقارير المنظمة دي وغيرها من المنظمات، لأنه مش بيتكلم عن واقعة أو حادثة بعينها، لكن عن توصيف للوضع العام لسياسات إسرائيل كلها.
– التقرير اللي جه في 213 صفحة، استخدم لغة مباشرة في اتهاماته، الموجهة للجانب الإسرائيلي، وبيقول إنه استند فيما توصل إليه من نتائج، إلى مصادر مختلفة، بما في ذلك “وثائق التخطيط الحكومية”.
– كمان التقرير قال إن السياسة الإسرائيلية تستهدف “الإبقاء على هيمنة الإسرائيليين على الفلسطينيين”، وإن الحكومة الإسرائيلية “تجاوزت الحد القانوني” ويجب أن تواجه عواقب نتيجة انتهاجها سياسة “فصل عنصري” ضد الفلسطينيين.
– بتقول هيومن رايتس إنها قامت على مدار سنوات بتوثيق عدد من الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني أبرزها وجود “6.8 مليون إسرائيلي يتحركون بحرية بين المدن الإسرائيلية والقدس الشرقية وأجزاء من الضفة الغربية بينما يعيش 6.8 مليون فلسطيني مشتتين في أماكن متباعدة ومتفرقة” .
– وبيضيف التقرير ” تستند هذه النتائج، إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة، للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين، والانتهاكات الجسيمة، التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”.
– التقرير كمان بيقول “ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. تشمل هذه الانتهاكات مصادرة الأراضي على نطاق واسع، والحرمان من حقوق الإقامة، وتعليق الحقوق المدنية، وترقى إلى مستوى الأفعال اللاإنسانية، والانتهاكات الخطيرة للحقوق الأساسية للفلسطينيين”.
– التقرير أوصى المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق مع الضالعين في “الفصل العنصري والاضطهاد” بحق الفلسطينيين.
– توصية التقرير بتتفق مع “الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصرية” الموقع عليها عام 1973 و”نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية” لعام 1998، واللي بيعتبر الفصل العنصري جريمة إذا توفرت عناصر “نية إبقاء هيمنة جماعة عرقية على أخرى في ظل سياق من القمع الممنهج من الجماعة المهيمنة مع ممارسة أفعال لا إنسانية” وهو ما ينطبق على الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
*****
– الرد الإسرائيلي كان مباشر ويشبه الردود المعتادة من أي نظام ديكتاتوري على التقارير الحقوقية، الخارجية الإسرائيلية رفضت التقرير وقالت إنه “غير صحيح ويتنافى مع المنطق” كما اتهمت المنظمة باتباع “أجندة معادية لإسرائيل”والسعي “منذ سنوات للترويج لمقاطعة إسرائيل” وإنه مجرد “منشور دعائي” لا يمت بصلة إلى “الوقائع أو الحقيقة على الأرض”.
– ومن وقت طويل السلطات الإسرائيلية بترفض التعامل مع منظمات حقوق الإنسان وبترفض الاعتراف بأي تقارير بتدينها أو تنتقد مخططاتها أو أي تمهيد لمسائلة أو محاسبة مسؤوليها عن جرائم بيقوموا بيها، وطردت قبل كده المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش من إسرائيل، وفق قانون بيحظر دخول أنصار مقاطعة إسرائيل ليها.
– وعلى الرغم من إعلان رئيسة الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق رسمي في جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية في شهر مارس اللي فات، بعد ما قررت المحكمة الجنائية إنه الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي تدخل ضمن اختصاصها، إلا إنه من غير المتوقع استجابة إسرائيل لخطوات المحكمة أو الاعتراف بيها أو وصولها لنتائج ملموسة قريب، ولكنها تظل خطوة مهمة في محاولة تعرية الاحتلال دولياً، ومسار يجب أن يكتمل.
*****
إيه اللي ممكن نشوفه في اللي بيحصل؟
– أول حاجة إنه المنظمات الحقوقية الكبيرة زي “هيومن رايتس ووتش” مش منظمة مخابراتية عميلة لأمريكا وإسرائيل والإخوان كمان ومركزة ضد النظام المصري تحديداً زي ما اتقال كتير من الإعلام الموالي وفي بيانات رسمية كلام قرب من دا، قال انها بياناتها مسيسة واجندات إلى آخر المصطلحات المعروفة.
– بالعكس المنظمة دي تحديداً ليها تقارير كتير بتدين أطراف مختلفة في المنطقة زي تركيا وقطر، وليها عداء كبير مع ممارسات إسرائيلية وبتصدر تقارير عديدة ضد انتهاكاتها.
– يعني مهم يكون واضح ومحسوم إن الدعاية الحكومية اللي كمان بقت بتظهر في مسلسلات دلوقتي هيا تضليل للتمويه على حقيقة ان دور المنظمات الحقوقية الدولية مش مؤامرة ومش متوجه خصيصا ضد مصر ولا حاجة، هوا دور مهم وفاعل بتراقب أوضاع حقوق الإنسان في كل الدول، وبتصدر تقارير دورية عنها، وده شيء طبيعي وفقاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وبتستخدم الآليات الدولية زي الأمم المتحدة مش الحكومات.
– لذلك سياسات الإنكار لن تغير من الواقع والحقيقة شيء، هتظل الانتهاكات الحقوقية موجودة بحق المواطن العربي وهتظل انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي والإنساني موجودة والتهرب فقط من الحل بيكون بلوم المنظمات اللي بتوثق.
– الحالة العربية المهرولة بالسنوات الأخيرة ناحية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي متجاهلة حقوق الشعب الفلسطيني تماما، وردود أفعالها الباهتة إلى حد كبير بتوضح للشعوب ان المبررات اللي بتتساق للوضع الحالي مش مقنعة وان الخطوات اللي حصلت بعهد ترامب كانت لتحقيق مصالح ضيقة معظمها أمنية دون أي استفادة سياسية، لأن حتى قنوات الاتصال المفتوحة بتتجاهل الوضع الفلسطيني بخلاف الي اتقال في الأول ان التواصل ده هوا اللي هيساعد على الحل، بينما إسرائيل بتواجه دا بالعربدة المطلقة.
– على الأقل كان يبقى فيه موقف عربي قوي موحد رافض لتأجيل الانتخابات الفلسطينية بسبب رفض إسرائيل إقامة الانتخابات في القدس، ودا موقف الاتحاد الأوروبي نفسه اللي دعا إن الانتخابات تقام في أقرب وقت، لأن دا حتى بيأثر بشكل مباشر على المصالحة الفلسطينية اللي مصر كانت الوسيط الرئيسي فيها، وتأجيل الانتخابات بالشكل دا هيأدي لفرقة وخلافات أخرى بين الفصائل الفلسطينية، ومع ذلك كان من الغريب الموقف العربي الباهت.
وده برضه لا يخلي مسؤولية السلطة الفلسطينية نفسها اللي تجاهلت دعوات فلسطينية أيضا بعقد الانتخابات بأي شكل، ويتحول في القدس لنضال شعبي، وسيبو إسرائيل تتشاف أمام العالم وهيا جيشها بيطارد صناديق اقتراع وناخبين.
– حتى لو وضعنا في مصر وفي كل البلاد العربية صعب ومشاكلنا الداخلية كتيرة، ما بين قمع وفقر وأزمات وحروب داخلية، فلازم حتى الحد الأدنى نقوم بيه، وأقل القليل هو رفض حالة التطبيع اللي انطلقت في “صفقة القرن” لكن الصفقة تبخرت مع رحيل ترامب وبقى التطبيع المجاني الرسمي وكمان محاولات شبيهة من فنانين أو شخصيات معروفة لكن بيتم التراجع عنها بعد رد الفعل الشعبي.
– كل التحية للأشقاء في فلسطين والأراضي المحتلة على أي محاولة دفاع عن أنفسهم وأرضهم ومقدساتهم، وكل التحية للي بيحاول يقدم أي شيء بيده للقضية الفلسطينية، حتى لو دعوة للمقاطعة أو مجرد إدانة وتذكير في تقرير أو مقال.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *