امبارح أصدرت النيابة العامة بيان عن حالة انتحار موظف شركة تيليبيرفورمانس بتاعت الكول سنتر واللي مصر كلها تقريبا تابعت خبر انتحاره وظروفه.

بنعزي طبعًا أسرة نور الدين اللي مصابها كبير جدا، ومفيش شيء يقدر يعوض هذه الأسرة عن فقدان الأب بالطريقة دي، ونتمنا إنه شركة عالمية زي تلي بريفورمانس اللي بتحققق أرباح رهيبة، إنها تتعامل بجدية مع الموضوع ده وتفتح فيه تحقيق داخلي وتصلح بيئة العمل داخل الشركة دي وتعوض أسرة نور الدين بشكل مناسب.

وفاة نور الدين بتفتح نقاش عن بيئة العمل في مصر، ومشاكل تسلط المديرين والشركات على الموظفين في كتير من القطاعات وفي وظايف بعينها بقت معروفة.

في البوست ده هنتكلم عن سوق العمل في مصر ليه سيئ ؟ وليه بيئات العمل في مصر بتسبب ضغوطات كتير على الموظفين نفسيًا ومعنويًا ؟ والمفروض يكون دور الدولة إيه ؟ والملف ده ممكن يتصلح إزاي ؟

*****

ليه سوق العمل في مصر سيء ؟

في عوامل كتير بتساهم أنه بيئة العمل الداخلية والخارجية في مصر تكون سيئة، نقدر نقول إنهم مجموعة عوامل رئيسية بتؤثر على جودة سوق العمل في أي بلد، وهم:
1- سيادة السوق الغير رسمي للعمل ( اللي هو ناس بتشتغل بأجر لكن بدون عقد )، وده في مصر منتشر بشكل كبير والتقديرات بتقول أنه تقريبا 40٪ من سوق العمل في مصر غير رسمي، و70٪ من اللي شغالين في المؤسسات الصغيرة اللي هي أقل من 5 عمال غير رسميين يعني بيشتغلوا من غير عقد بالتالي النهاردة شغال ممكن بكره صاحب العمل يمشيه ببساطة لأي سبب.
التأمين الاجتماعي : وده عامل مهم جدًا في تحسين جودة الوظائف وده بيشمل التأمين الصحي، والتأمين ضد العجز، والمعاشات وفي المجمل نظام التأمين الاجتماعي اللي في سوق العمل في مصر سيء جدا وخاصة في القطاع الخاص، الأرقام بتقول أنه حصل تراجع في تغطية التأمين الاجتماعي في مصر من 52٪ سنة 1998 إلى 30٪ فقط عام 2018، ومعظم القطاع الخاص بيتهرب من التأمين على الموظفين بتوعه ومبيسجلهمش.
انخفاض الدخول : ودي حاجة واضحة جدا في مصر، المصريين بيشتغلوا ساعات عمل أكثر في مقابل أجور أقل، تقريبَا المصريين بيشتغلوا 46 ساعة كل أسبوع في المتوسط، يعني تقريبًا بمتوسط 9 ساعات يوميًا، وكتير من الوظايف بتبقا 6 أيام مش 5 كمان، ومع ذلك متوسط الأجر الأسبوعي في مصر حوالي 900 جنيه يعني تقريبا ساعة العمل في السوق المصري ب19 جنيه يعني 1.2 دولار فقط.
مفيش حق تنظيم نقابي : دي حالة واضحة جدا من التعنت ضد النقابات في كل القطاعات وقتل كل محاولة للتنظيم النقابي، وتشويه كل ده بحجة أنه أي نقابة بتحاول تحسن وضع أعضائها في بيئة العمل مع الحكومة أو القطاع الخاص، بيتقال عنها مطالب فئوية وبتخرب الاقتصاد وبيتواجهوا بكل عنف.
لو جينا نطبق العوامل اللي فاتت دي علي حالة شركة تلي بريفورمانس تحديدًا، واللي بيئة العمل فيها بحسب زملاء نور الدين هي اللي دفعته للانتحار بسبب الديون اللي تراكمت عليه، هنلاقي إنه الشركة دي تحديدًا وكتير من شركات خدمة العملاء بتعمل ضغوطات رهيبة على الموظفين بطريقة غير طبيعية، بسبب السعي وراء تحقيق تارجت من المكالمات والأرباح، عشان يقدروا ياخدوا الحوافز واللي هي طبعًا بتبقا أرقام كويسة للمديرين بدرجاتهم المختلفة، لكن الموظفين بيبقا يدوب بيساعد.
بيئات العمل اللي فيها سلطات مطلقة للمديرين، واللي فيها الموظف بيمضي على استمارة 6 بتاعت الاستقالة وهو بيمضي على العقد، لازم تكون الناس فيها بتتعامل بالطريقة دي، وللأسف بسبب قلة الفرص المتاحة وخصوصًا للي بيكبروا في السن زي حالة نور، بتخليهم يتقبلو أمور كتير من المعاملة الضاغطة وقلة المرتب عشان ده أفضل بكتير من إنهم يسيبو الشغل بسبب ظروف العمل بشكل عام.
وللأسف عدم وجود أي دور لمكاتب العمل في مراقبة سياسة الشركات في التوظيف والحقوق القانونية للعمال والموظفين، بيخلي معظم القطاع الخاص بالمستوى ده من التحكم واستنزاف موظفيه للنهاية وتضييع كتير من حقوقهم الادمية.
وطبعًا في العالم كله المفروض إنه أي شركة فيها إدارة اسمها الموارد البشرية أو ال HR والمفروض إنهم بيتابعوا أداء الناس في العمل ولو لقوا مدير بيضغط على مرؤوسيه المفروض بيتدخلوا، باعتبار إنه العنصر البشري أهم شيء في الشركة وفي نجاحها واستمرار عملها، لكن في مصر المهنة دي مجرد اسم، وصاحبها بيتحول لمشروع شخص شغلته إنه يخصم للموظفين فلوس ويتسلط عليهم هو كمان !
عندنا مثلًا حاجة واضحة جدًا تقولنا قد إيه القطاع الخاص في مصر معظمه سيء، كتير من إعلانات التوظيف مبيرضوش يحطوا راتب متوقع في الإعلان عشان يفضلوا يضغطو في المقابلات الشخصية ويوصلوا لرواتب أقل من اللي كانو مستهدفينها، وعندنا كمان ظاهرة تانية اسمها إنه الموظفين بتوع المحافظات مينفعش ياخدوا مرتبات زي بتوع القاهرة، فتلاقي في اسكندرية مثلًا ناس بتعمل نفس الوظايف في نفس الشركات اللي في القاهرة، لكن بمرتب أقل تحت حجة إنه المصاريف وتكلفة المعيشة في الأقاليم أقل !
*****

ايه الإصلاحات المطلوبة ؟

عشان يبقا في بيئات عمل جيدة، وعمل لائق في مصر، فاحنا محتاجين إصلاحات كتيرة ليها علاقة بالاقتصاد ككل، إنك تطور قدرات العمال والموظفين وتهتم بالتعليم والتعليم الفني عشان يبقا ثمن الموظفين اللي خارجين من التعليم ده عالي وأجورهم كبيرة، مع إصلاحات تشريعية في سوق العمل، وإصلاحات سياسية زي إتاحة الحرية للنقابات إنها تتفاوض مع أصحاب العمل والحكومة وتضغط لتحسين مرتباتهم وأوضاعهم، وكمان دور رقابي من الدولة في تنفيذ القطاع الخاص لالتزاماته القانونية تجاه الموظفين وتفعيل قانون عمل ديمقراطي.
– الإصلاحات دي أيضا لازم تشمل الأتي:
1- تفعيل الرقابة الحكومية على عقود العمل في مصر عن طريق الرقابة على أصحاب الأعمال بمكاتب العمل وغيره.
2- تطوير قانون الحد الأدنى للأجور عشان يشمل القطاع العام والخاص بدون استثناءات، وربطه بعدد ساعات العمل، يعني يكون في قانون بيقول أنه في حد أدني للأجور لكل ساعة في القطاعات المختلفة.
3- إلزام أصحاب الأعمال بالتأمين على العمال اللي عندهم في القطاع الخاص، ومعاقبة أي منشأة بتتهرب من التأمينات تحت أي ستار، سواءًا كانت تأمينات اجتماعية أو تأمينات صحية.
4- توفير آليات تأمينية مرنة ومدعومة حكوميا مخصصة للمنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر عشان تقدر تأمن فعلًا على موظفيها.
5- محاولة تقليل الفجوة بين الرجال والنساء في سوق العمل عبر قوانين لصالح النساء (زي توفير حضانات بأماكن العمل وغيرها) وإلغاء التمييز الرسمي في التعيين في بعض مؤسسات الدولة زي القضاء للنساء وغيرها، بالاضافة لمكافحة التمييز غير الرسمي ووضع آلية تسمح بتلقي الشكاوى ضد التمييز بشكل عام على أساس الجنس أو الدين أو غيرها، عشان ميبقاش في شركات بترفض تشغل المسيحيين أو الستات أو الستات غير المحجبات أو غيره من إجراءات التمييز، وطبعًا مننساش إنه الدستور بينص على إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز ولم يتم تطبيقها من 2014 لحد دلوقتي.
******
– كل الحاجات دي محتاجة ديمقراطية وتحرك إيجابي من الدولة في الملف ده لأنه حرفيًا أكل عيش الناس وحياتها ودي أمور مش رفاهية.
– المفروض إنه في الدول الديموقراطية بتكون الدولة مراقب لسوق العمل، عشان تمنع أصحاب الأعمال من استغلال العمال، وتحسن بيئة العمل وتطور قدرات العمال والموظفين والخريجين زي ما قلنا، لأن العمالة الكفؤة والجيدة هي أهم جاذب للاستثمار.
– ياريت بشكل حقيقي إنه الشركات في القطاع الخاص تراجع نفسها في سياسة التعامل مع موظفيها، بالذات الشركات اللي فاهمة إنه حسن الإدارة في إهانة الموظفين أو تعسيفهم أو الضغط عليهم طول الوقت حتى أوقات الراحة والأجازة، دي كلها أمور بتخرج أي موظف عن تركيزه وبتخليه يكره شغله وإنتاجيته فعلًا بتقل مش بتزيد ولا بتتحسن في الأجواء دي.
– في قطاعات ووظايف بعينها لازم الناس تاخد بالها وترفض إنها تتحول فيها لحالة أشبه بالعبيد، تحديدًا خدمة العملاء والمبيعات بكافة أشكالها، واللي للأسف هي أكتر وظايف متاحة ولكن بفلوس قليلة وبمستهدفات لازم تتحقق عشان تاخد مكافئات وحوافز تقدر تعيش بيها، ودي حرفيًا وظايف وضعها في مصر بيدفع للانتحار من كتر الضغوطات، فلو انت مدير في قطاع من دول خلي عندك شوية إنسانية واحترام للبشر، ووجههم للشغل بطريقة لطيفة ولائقة لأنهم أصلًا تعبانين في حياتهم مقابل الفلوس اللي بياخدوها من الشركة دي.
– ونصيحة مننا للجميع، أهم شيء في أي بيئة عمل بالإضافة للجانب المادي هو بيئة العمل نفسها مريحة قد إيه، وابعد دايمًا عن بيئة العمل المؤذية ليك لو تقدر، لأن سلامتك النفسية أهم من أي فلوس.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة