– بعد أسبوع من الإخفاء القسري، ظهر الباحث أحمد سمير سنطاوي أمام نيابة أمن الدولة العليا، واللي قررت حبسه 15 يوم بتهمة “نشر أخبار كاذبة” و”الانضمام لجماعة إرهابية”.
– أحمد سمير مش أول باحث علوم اجتماعية بيدرس خارج مصر يتم القبض عليه، غطينا سابقا قصص إسماعيل الإسكندراني، وباتريك زكي، وغيرهم.
إيه السبب؟ وفين الجريمة؟ وتأثير ده إيه على الأكاديميين والباحثين؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست ده.
*****
إيه اللي حصل؟
– أحمد سمير سنطاوي، هو باحث ماجستير بالجامعة المركزية الأوروبية بالنمسا، بيدرس أنثروبولوجيا – ودا نوع من علم الاجتماع يدرس أصل الإنسان والظواهر المحيطة به والحضارات والمجتمعات البشرية – وكمان سبق لأحمد الدراسة بالمجر، وقبل سفره كان بيشتغل كاتب وباحث لعديد من المؤسسات.
– بحسب أسرة الباحث “أحمد سمير” كان بيتم توقيف شقيقه أحمد أثناء سفره للنمسا وعودته للقاهرة كل مرة، يسأل فيها عن دراسته طول السنتين اللي فاتوا، في إجراء أصبح شبه معتاد، لكن مع رحلته الأخيرة للقاهرة في منتصف شهر ديسمبر، وبعد توقيفه في المطار وسؤاله المتكرر عن الدراسة، اقتحمت قوة أمنية منزل أهله بتاريخ 23 يناير أثناء وجود أحمد في مدينة “دهب”، وفتشوا الموبايلات والأجهزة والبيت وبعدين طلبوا من أهله إبلاغه بالذهاب لمكتب الأمن الوطني بقسم التجمع.
– وبناء على طلب القوة الأمنية ذهب أحمد لمكتب الأمن الوطني يوم 30 يناير، وطلب منه الذهاب للمكتب مرة تانية يوم 1 فبراير، ومن وقتها تم احتجازه بشكل غير رسمي وبدون إبداء أي أخبار أو أسباب قانونية لمدة 7 أيام.
– أحمد فضل يستجيب لمطلب ضباط الأمن الوطني، وراح بنفسه لأنه كان خايف يتعطل سفره أو دراسته، وكمان كان متوقع إنه الأمر مجرد سؤالين ويعدوا زي المطار، خاصة وإنه لا يمارس أي عمل سياسي منذ سنوات طويلة، بحسب أسرته.
– محامي أحمد كمان قال في تصريحات صحفية إنه بعد ظهوره في النيابة، اشتكى من تعرضه للضرب والصفع عدة مرات أثناء احتجازه داخل مقر الأمن الوطني بقسم التجمع الأول، وإن الضابط اللي حقق معاه أثناء احتجازه، سأله عن علاقته بجماعة الإخوان وألتراس أهلاوي، ونفى سمير انتماؤه لأي منهم.
*****
إيه ردود الفعل على احتجاز أحمد سمير حتى الآن؟
– بعد إعلان أخبار اختفائه القسري لحد ظهوره أمام النيابة واتهامه بالانضمام لجماعة إرهابية، حصلت مجموعة من ردود الأفعال من جامعته، أبرزها كان إصدار مايكل إيجناتيف رئيس جامعة أوروبا المركزية بالنمسا اللي يدرس فيها أحمد بيان طالب فيه السلطات المصرية بإطلاق سراحه وإعادته إلى أسرته ودراسته فورا.
– كمان “الرابطة الأوروبية للانثروبولوجيين الاجتماعيين” أصدرت بيان عن اختفاء أحمد سمير، وطالبت فيه بالإفراج عنه، والرابطة دي تعداد أعضائها 3 آلاف أكاديمي على مستوى العالم.
– كمان مؤسسة حرية الفكر والتعبير المصرية، أصدرت بيان عن احتجاز أحمد سمير “غير القانوني” وأكدت إنه ده نمط من التضييق على الباحثين والبحث العلمي بشكل عام، وإنه ده بييجي في الوقت اللي بيكمل فيه باتريك جورج طالب الماجستير المصري في جامعة بولونيا الإيطالية عام من الحبس الاحتياطي، بعد أن تم القبض عليه في مطار القاهرة أثناء عودته لقضاء إجازة دراسية في فبراير 2020.
– بيان حرية الفكر والتعبير أشار كمان لواقعة القبض على وليد سالم، باحث الدكتوراه في جامعة واشنطن، في مارس 2018، أثناء تواجده في مصر لإجراء بعض المقابلات المتعلقة ببحثه الميداني. وأخُلي سبيل سالم في ديسمبر 2018، غير أنه مُنع من السفر حتى الآن.
*****
نشوف إيه من اللي بيحصل ده؟
– القبض على باحث مصري آخر بدون أي سبب حقيقي بيخلينا نقول مجدداً إن دي التصرفات اللي بتشوه “سمعة البلد” بجد، وبتدي صورة سيئة على صعيد الحريات الأكاديمية أو ملف حقوق الإنسان قدام الجامعات الغربية، خاصة وإن المجتمع الأكاديمي في الغرب لسه منساش أبداً جريمة مقتل باحث الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في جامعة كامبريدج، في يناير 2016، ولسه بيطالب بتقديم المتهمين في مقتله للمحاكمة.
– طول الوقت بنسمع جهات حكومية وأذرع إعلامية بتقول إن فيه تصيد في ملف الاعتقالات وحقوق الإنسان والتضييق على الحريات، وإن فيه حاجة لمخاطبة المؤسسات في الخارج لتوضيح الصورة، في حين إن كل الرسايل اللي بتوصل تقريبا من عينة اعتقالات لباحثين وتوجيه لهم اتهامات أقل ما يُقال عنها إنها هزلية.
– عندنا مثلا توقيت القبض على الباحث أحمد سمير بالصورة دي، بيقول إن فيه استمرار لمنهجية مطاردة الباحثين والتضييق عليهم بلا أي منطق، ودا اللي واصل للعالم كله لأن أحمد بيتقبض عليه زي ما قولنا في وقت بيكمل فيه الباحث باتريك جورج سنة من الحبس الاحتياطي، وبيحصل معاه حالياً حراك تضامني واسع على خلفية ذكرى اعتقاله، بندوة في جامعته بإيطاليا، ومارثون فني على الإذاعة الوطنية الإيطالية، ومجلس مدينة بولونيا بينظم احتفال ويطلق اسم باتريك على مكتبة البلدية.
– فأصبح بدل ما كان عندنا مشكلة ريجيني وباتريك ووليد سالم وغيرهم، فيه جهاز أمني قرر يؤكد سمعة استهداف الباحثين على خلفية الدراسة أو عملهم البحثي، بزيادة باحث معتقل إلى القائمة.
– الدستور المصري كفل حرية البحث العلمي وألزم الدولة برعاية الباحثين على اعتبار أن البحث العلمي وضمان حرية ممارسته ضمن الوسائل الأساسية لتحقيق السيادة الوطنية، فتعقب الباحثين بالشكل دا هو اللي خارج إطار القانون والدستور.
– الباحثين المصريين مقيديين بمجموعة من الاعتبارات الأمنية العجيبة اللي بتحد حريتهم الأكاديمية، مثلا إجبارهم على أخذ موافقة أمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس لحضور أي مؤتمر علمي أو ورشة تدريبية خارج مصر، ودا أفقد عشرات الباحثين المصريين فرص كبيرة في إنهم يستفيدوا ويحققوا شيء لبلدهم، مش كده بس إنت كباحث لو نجحت وتخطيت العقبات دي وسافرت تدرس برا، فأنت معرض للحبس إذا جهة أمنية قررت ذلك فقط، زي ما حصل مع أحمد.
– فيه نمط تعامل أمنى مع الباحثين في العلوم الإنسانية على إنهم “خطر” بسبب نوع القضايا البحثية اللي بيشتغلوا عليها، وبالتالي بتحصل مطاردات للباحثين على مجرد التخصص، فمحدش عارف إيه خطورة دراسة العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتعلقة بواقع الناس وحياتهم، فبالتالي مفيش سبب حقيقي للقبض على الباحث في جامعة واشنطن وليد سالم بعد لقائه بأستاذ جامعي، في إطار العمل على بحث الدكتوراه الخاص به، وبعد كده الإفراج عنه ومنعه من السفر.
– الممارسات الأمنية دي وصلت لحد توقيف باحثين وأكاديميين مصريين وأجانب في المطارات المصرية المختلفة، وعدم السماح لهم بدخول مصر من الأساس، ودا اللي العالم بيستنتج منه وجود أسماء الباحثين دول في قوائم أمنية، ودا دليل واضح على رقابة الأمن لنشاطهم البحثي بدون مبرر.
– كل دا بيؤكد وجود حالة من الإحساس بالخطر تجاه أي بحث علمي وأكاديمي حر، لا يخضع للمراقبات الأمنية اللي بتحجب كتير من الدراسات والأبحاث ورسايل الماجستير والدكتوراه والأوراق الأكاديمية داخل الجامعات والمجتمع المصري.
– حتى لو ده كانت نتيجته هو تأخر مصر في البحث العلمي وفي العلوم الاجتماعية، لأن واضح إنه أي اهتمام بملف التعليم والبحث العلمي بقى له كتالوج أمني، لأن لازم الأشياء دي ميكونش فيها أي كلام عن الإنسان أو المجتمع أو السلطة أو الثقافة.
– كمان بنشوف في نفس الإطار إنه النظام وأجهزته الأمنية معندهمش أي رغبة في التصالح مع ملف حقوق الإنسان وحريته مهما كان تمنها، على الرغم من كل البيانات الأوروبية اللي خرجت تضامنا مع الباحثين ومطالبات متكررة من الجامعات ومظاهرات تضامن، ولا يزال النظام في مصر رافض الإفراج عن الباحثين دول وعن آلاف غيرهم من المعتقلين غير المدانين بأي جريمة حقيقية.
– زي ما ممكن يكون بيحصل في البلد طفرة على صعيد الطرق والكباري، وممكن يحصل فيها مشاريع عملاقة من بناء مدن لخطوط قطارات جديدة لمشاريع إنشائية وصناعية كويسة جداً، وكمان جزء من تقدم أي بلد إن يكون عندها دايما أسلحة متطورة وتحديث لجيشها، وكل دا أشياء تستحق فعلا.
– لكن اللي مش ممكن أبداً إنه في مجتمعات ودول هتتقدم بدون ما يكون فيها دولة قانون، مش هيبقى في مجتمع متقدم والإنسان معرض فيه للحبس والتعذيب لمجرد إنه عنده رأي أو بيدرس تخصص معين، ومش ممكن يبقى في مجتمع متقدم والنيابات والمحاكم فيه بتنفذ رغبات أجهزة أمنية وبتستخدم الحبس الاحتياطي كعقوبة.
– المجتمع هيتقدم لما يكون فيه حرية بحث علمي وحريات أكاديمية، والناس يكون متاح لها إنها تاخد فرص وتتعلم وتنقل خبرات ومعارف من الخارج تساعدنا في فهم واقعنا وحل مشكلاته، وبدون ما يتم التعامل مع الباحثين كمجرمين ومشتبه فيهم، في الوقت اللي فيه بلدان بتعتبرهم ثروة قومية يجب الحفاظ عليها، مش سجنها وتعذيبها وإهانتها.
– كل التضامن مع الباحث أحمد سمير سنطاوي، ودعواتنا بخروجه وحريته في أقرب وقت، هو وكل الباحثين والسجناء السياسيين.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *