– خلال السنوات الأخيرة القاهرة موجودة بشكل دائم في قوائم أكثر المدن تلوثاً على مستوى العالم، ومؤخراً مجلة فوربس نشرت تصنيف لمؤسسة “إيكو إكسبرت” الأمريكية اللي وجدت إن القاهرة هي المدينة الأكثر تلوثاً.
– لما تكون مدينة تعداد سكانها بيوصل ل 30 مليون تبقى في التصنيف الخطير ده، فلازم الدولة كلها تتعامل مع الموضوع بجدية، وهو بالظبط عكس اللي حصل، وده اللي هنتكلم عنه في البوست ده.

****

إزاي التقرير وصل للنتيجة دي؟
– الموضوع اعتمد على معايير محددة مش آراء وتقديرات، بناء عليها القاهرة كانت الأكثر تلوثاً وبعدها مدينة دلهي الهندية، ثم بكين الصينية، ثم موسكو الروسية، ثم اسطنبول التركية.
– أول معيار هو تلوث الهواء، استخدموا مقياسين معروفين في المجال ده اسمهم PM10، PM2.5 دول بيقيسوا كمية الجسيمات الدقيقة المعلقة في الهوا.. كنموذج مفروض مقياس PM10 يبقي أقل من 20 ميكروجرام في المتر المكعب حسب منظمة الصحة العالمية، بينما في القاهرة لقوه 284 ميكرو جرام لكل متر مكعب!

– كمان قارنوا نسبة التلوث الضوضائي وصلت 1.7،حسب مقياس Mimi Hearing اللي بيقول كل ما النسبة قربت ل 2 كانت المدينة مليئة بالضوضاء، وكل ما اقتربت النسبة للصفر كانت المدينة أهدأ.

– كمان استخدموا مقياس تالت لقياس تلوث الضوء الصناعي بالليل، وده وحدة قياسه الشمعة، يعني أقل اضاءة عشان تقدر تشوف بالليل هي شمعة لكل متر مربع، والاضاءة الطبيعية للسما في الليل حوالي 174 شمعة لكل متر مربع.
لكن شدة الضوء في القاهرة وصلت 14900 شمعة لكل متر مربع.

*****
هل باقي التصنيفات الدولية بتقول نفس الكلام؟
– كل تصنيف ليه معاييره فالترتيبات بتختلف، لكن كلها تتفق على ان القاهرة من الأكثر تلوثاً بالعالم.
– في مايو اللي فاتت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أصدرت تقرير عالمي عن تلوث الهواء، والمرادي القاهرة كانت في المركز التاني بعد نيوديلهي الهندية.
ونلاحظ هنا ان مقياس “الصحة العالمية” بيقيس تلوث الهوا بس، بينما المقياس اللي نشرته فوربس بيقيس كمان التلوث الصوتي والضوئي، عشان كده النسب كلها لما اتجمعت على بعض بقت القاهرة أول مدينة.

****

المسؤولين ردوا ازاي على الكلام ده؟

– صلاح عيسى عضو لجنة البيئة في البرلمان قال ان التقرير مغرض ويسيء لمصر، واحنا هنقضي على أي تلوث، ولجنة البيئة ليها خبرة طويلة في المجال، ومصر قوية ومش هنبص ورانا، ولو كان مصر فيها شوية تلوث فده موجود في العالم كله.
– من ناحية تانية النائبة شيرين فراج طالبت بالغاء وزارة البيئة لانها مش شايفة شغلها، والإبقاء على الأجهزة المختصة اللي بتقوم بدور مباشرة لصالح البيئة بس تكون تابعة لمجلس الوزراء.
– أما بيان الوزارة الرسمي فقال إن كلام فوربس مصدره مش محدد، وإن مؤشر جودة الهواء لازم يتم رصده على مدار السنة، وان البيانات المستخدمة في التقرير مش مصدرها الوزارة وهي الجهة الوحيدة اللي بتعمل المؤشرات دي في مصر .. وكمان استشهد بان منظمة الصحة العالمية بتحط 6 معايير لتلوث الهواء واحد منها هوا الجسيمات العالقة اللي ركز عليها التقرير.
– أما مصطفى مراد رئيس الإدارة المركزية لنوعية الهواء بوزارة البيئة، قال لجريدة الشروق إن التقرير مش دقيق، وان الصين فيها اكتر من 200 مليون عربية و45 % من حجم إنتاج الأسمنت العالمي، في حين ان مصر فيها 9 مليون عربية و1 % بس من انتاج الأسمنت عالميا.

*****
ليه الردود دي مش مقنعة؟
من ناحية الأسلوب:
– أول حاجة، مفيش أي تعامل موضوعي لكن في هيستيريا قوية ضد أي انتقاد، بقى فيه نغمة ثابتة مرتبطة بنظرية المؤامرة العالمية، وانتو معلوماتكو غير دقيقة خدوها مننا في الوزارات ..الخ، ده الرد على أي حاجة من أول حقوق الإنسان لحد موضوع التلوث!
– التقرير فيه مدن من كل العالم مش احنا بس، علما بأن خامس أعلى المدن تلوثا فيه هيا اسطنبول التركية، وعاشر أعلى المدن تلوثا هيا لوس أنجلوس الأمريكية. هل مثلا بيتآمرو علينا وعلى تركيا وأمريكا سوا؟
– غريب جدا ان الوزارة تقول تقرير فوربس مصدره غير محدد، بينما هما ناشرين المؤسسة اللي اخدوا منها ومعايير ده.
– بيقولو المعلومات عندنا في الوزارة، بينما بالفعل بيانات منظمة الصحة العالمية اللي طلعت القاهرة رقم 2 مكتوب ان مصدرها كتاب حالة البيئة في مصر اللي بتصدره الوزارة سنويا! (آخر نسخة على موقع الوزارة لسنة 2016).
– ازاي مسؤول يعتمد على المقارنة بين عدد العربيات ومصانع الأسمنت في مصر والصين، بينما التقرير بيتكلم عن المدن مش الدول، وبمعايير محددة لكل مدينة .. ليه مش بيناقش الموضوع؟

******
من ناحية الأرقام والمعايير:

– لازم ناخد بالنا ان فيه تفاوت في تقدير الحد الأقصى المسموح بيه بين منظمة الصحة العالمية والمعيار المصري، يعني لو أخدنا الجسميات ذات القطر PM2.5 كمثال هنلقى قانون حماية البيئة المصري ينص على حد آمن هو 50 ميكرو جرام لكل متر مكعب، بينما المعيار العالمي هو 10 فقط.
– حسب الأرقام الحكومية الجسيمات دي كان متوسط تركيزها في المناطق الحضرية 63، وفي المناطق الصناعية 79، مفيش رقم محدد للقاهرة، لكن بما انها منطقة حضرية وفيها مناطق صناعية هنلاقي ان المعدل رقم وسط، ده معناه انها أعلى من المعدل الآمن (العالمي) بحوالي 7 أضعاف على الأقل، وبرضه أعلى بكتير من المعدل المحلي نفسه، غير ان دي ارقام 2016 منعرفش النهاردة إيه .. في المقابل تصنيف ايكو اكسبيرت بيقول ان القاهرة أعلى من المعدل الآمن بأكتر من 11 مرة في نفس المقياس، بتركيز 117.
– على كل حال لو أرقام فوربس مش حابينها بلاش منها خالص، خلينا في منظمة الصحة العالمية أو أي تصنيف دولي تحبوه، حتى لو اختلف الترتيب شوية هتفضل من أعلى المدن تلوثاً، فالأولى نشوف المشكلة مش ننفيها.
– بخصوص التلوث الضوئي والضوضائي: بيان الوزارة معلقش عليها من الأساس.

******
التلوث ده بيضر السكان في ايه؟

– منظمة الصحة العالمية بتقول ان فيه حوالي 7 مليون واحد في العالم بيموتوا كل سنة بسبب التعرض لجسيمات بتكون عالقة في الهواء الملوث، الجسيمات دي تتغلغل في الرئتين، وبتوصل للأوعية الدموية والقلب، وبتسبب أمراض السكتة الدماغية وسرطان الرئة، والانسداد الرئوي المزمن وغيرها.

– بالنسبة للتلوث الضوئي والضوضائي، بيسببو اضطرابات النوم، وبيأثروا على الانتظام البيولوجي للجسم وعلى سلامة العقل والحالة النفسية، ومرتبط بأمراض زي الزهايمر.
– عشان كده مش غريب ان اقل مدن العالم تلوثا، زيوريخ السويسرية، دايما بأعلى تصينفات السعادة العالمية، مش بس جودة الهواء، لكن كان فيها أقل نسبة ضوضاء في الدول اللي شملتها الدراسة، وأقل من 2170 شمعة لكل متر مربع. السر في ده ان عندهم حاجة اسمها ساعات الهدوء، بتكون كل أيام الأحد، وباقي الأيام من 10 بالليل ل 6 الصبح، ومن الضهر للساعة واحدة.

****
ليه المفروض الدولة تهتم دلوقتي بالموضوع ده ؟
– مصر تاريخياً عندها عدم اهتمام مرعب بموضوع البيئة! أول وزارة تم إنشائها سنة 1997 وده متأخر جدا.
– دايما كان مطلوب من وزير البيئة يكون دوره هامشي، وأي وزير كان بيحاول يحط اشتراطات بيئية صارمة للمصانع كان بيتم التضييق عليه أو اقالته زي ما حصل مع الوزيرة نادية مكرم عبيد، أو مع الوزيرة المحترمة ليلى اسكندر بسبب اعتراضها على رفض انتاج الطاقة من الفحم بسبب أضراره البيئية .
– عندنا أزمات مزمنة في ملفات مختلفة: حرق مخلفات الزراعة وقش الرز، التشجير بمياه الصرف، الاشتراطات البيئية للمناطق الصناعية، الصرف الزراعي والصناعي في النيل، منظومة التعامل مع المخلفات الصلبة وانتاج القاهرة من القمامة .. ولحد دلوقتي مفيش سياسات جادة وشاملة لمواجهة الأزمات دي، مع تقديرنا لأمور ايجابية جزئية زي مبادرة توزيع المكابس للحد من حرق قش الرز.
– كمان التلوث الضوضائي بسبب اختناقات المرور والزحام، وسوء تخطيط الأحياء والشوارع، وضعف رقابة المحليات، محتاج جهود ضخمة للعاصمة القديمة مش نهملها لصالح الجديدة.
– الحكومة عندها “رؤية مصر 2030” من ضمن أهدافها خفض نسبة الأتربة العالقة في الهواء بنسبة 15 % في 2020، وبنسبة 50 % في 2030، والحقيقة مجرد وجود ده شيء محترم ومقدر، لكن مش واضح ان فيه خطوات بدأت تتعمل، أو مين يتحاسب لو وصلنا 2020 (بعد سنتين) وده محصلش.

*****
من 3 شهور المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية عملت ورقة عن تلوث الهواء في مصر، وقالت بعض التوصيات، أهمها:
– استخدام مصادر طاقة نضيفة بدل الفحم، وتسريع عملية توليد الكهربا من الطاقة المتجددة، وهنا بالتأكيد من الايجابي مشاريع الطاقة شمسية والرياح الجديدة ونتمنى تتوسع.
– نقل الصناعات اللي بتستهلك طاقة كتير خارج المدن والكتل السكنية.
– تشجيع وسائل نقل صديقة للبيئة زي العجل عبر توفير البنية المطلوبة ليها، وتوفير وسائل نقل عام مريحة وآمنة تخلي الناس تعتمد عليها بدل السيارات.
– تحسين المعايير المصرية المسموح بها للملوثات لأنها أزيد من المعايير العالمين بضعفين أو 3 أضعاف في بعض المعايير.

****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *