– على مدار الأسابيع اللي فاتت، عشرات الأسر من أصحاب المدافن في منطقة الإمام الشافعي والسيدة نفيسة والمجاورين، بيستغيثوا بعد ما وصلتهم إخطارات من محافظة القاهرة، طلبوا منهم فيها نقل رفات ذويهم المدفونين هناك من عشرات السنين، عشان الحكومة ناوية تعمل طرق ومشاريع استثمارية وحدائق في المكان ده.
– الخبر خض الأهالي، لأن عدد المقابر المطلوب إزالتها وصل للمئات، والمقابر دي قديمة جدًا ومدفون فيها كتير من الشخصيات التاريخية.
– ايه اللي بيحصل في ترب الإمام والسيدة نفيسة ؟ مين هما المهددين بهدم مقابرهم؟ وليه الدولة عشان تطور الطرق بتستسهل هدم أماكن تراثية ؟ ده اللي هنناقشه في البوست ده.
*****
إيه اللي بيحصل في القرافة؟
– في بداية العام الحالي محافظة القاهرة أعلنت عن إزالة حوالي 2700 مدفن بالقرب من ميدان السيدة عائشة، خلال عملية توسعة الميدان، وشالت بعض المقابر والمباني العشوائية فعلا، اللي كانت قريبة من حرم الطريق.
– لكن بعد إتمام التوسعة الأولى بدأت توضح الخطة الكاملة للمشروع، لما موظفين في المحافظة بدأ يعملوا علامات حمراء على بعض المدافن البعيدة عن مسار طريق صلاح سالم، مكتوب عليها كلمة ”نزع“. بعدها عرفوا إنه في تخطيط لطريق جديد هيتعمل في منطقة المقابر، بحيث يتعمل طريق سريع موازي لشارع صلاح سالم، ويتحول صلاح سالم لاتجاه واحد والاتجاه التاني هو الطريق الجديد، مع زيادة عدد الحارات الفرعية والجانبية.
– غفر المقابر أو التربية بلغوا أصحاب المدافن اللي اتعلم عليها إن الحكومة هتوفر لهم مدافن بديلة في مدينة 15 مايو في حلوان، مساحتها 30 متر، وفيها 2 عين، واحد لدفن الرجال، والآخر للنساء. الأخبار دي تسببت في قلق أكبر عند الناس، خصوصا إن بعض المقابر اللي هتتشال مساحتها كبيرة، بتوصل لألف وألفين متر، ومدفون في كل واحد منها عشرات الأموات.
*****
إيه المقابر المهددة؟
– المقابر المهددة بالهدم تعود لشخصيات مهمة زي الملكة فريدة، اللي كانت زوجة الملك فؤاد، ووزير الخارجية السابق أحمد مدحت يكن، وفيه مخاوف من هدم مقابر أمير الشعراء أحمد شوقي، والشاعر الكبير حافظ إبراهيم وغيرهم.
– دي مش أول عمليات هدم تحصل في منطقة الترب أو الجبانات، ومن حوالي سنة، الحكومة هدت أجزاء كبيرة من مقابر شخصيات مهمة في منطقة ترب المماليك، واللي كان مدفون فيها كتير من الشخصيات التاريخية، وبترجع لمئات السنين، وللأسف عملية الإزالة وقتها تم إبلاغ الناس إنهم يشيلو جثامين ورفات ذويهم قبل الإزالة بساعات قليلة، وكان شيء مأساوي للغاية.
– جزء كمان من المشكلة هو تكلفة النقل العالية للجثث ورفات الموتى واللي بيشتكي منها كتير من أصحاب الترب اللي هيتم هدمها لأنها بتعدي ال 100 ألف جنيه لما نتكلم عن عدد كبير لأسرة معدية ال 100 شخص، واللي هي صعب يتحملها شخص مرة واحدة كده.
– المقابر دي تضاف لقائمة طويلة من الأماكن التراثية أو الأثرية اللي تم إزالتها في الفترة الأخيرة عشان تطوير الطرق، زي قصر أندراوس في الأقصر، ووكالة العنبريين في القاهرة القديمة، وللأسف التهديد بإزالة أماكن تاريخية أو تراثية مستمر وممكن يطول قناطر أماكن جديدة زي قناطر ابن طولون في القاهرة.
*****
هل النمط ده من الإزالات تعتبر تطوير فعلًا ؟
– مفيش شك إنه توسعة الطرق وعمل محاور وكباري جديدة، أمور جيدة بيستفيد منها المواطنين في الحركة ونقل البضايع وغيره، وفعلًا المرور اتحسن كتير بعد حجم الطرق الجديدة اللي اتبنت.
– لكن في مشكلة كبيرة إنه عشان يتعمل مخططات طرق جديدة، إنه تتشال أماكن أثرية أو تراثية زي المقابر، ده جزء من التاريخ اللي تم إهماله واللي لو تم الاهتمام بيه في تجميله وتنظيفه هتتحول المناطق دي لمزارات سياحية مميزة جدًا.
– طبعًا كالعادة بيخرج مسؤولين يقولوا إنه مفيش اثار بتتهد، وإنه المناطق دي مش متسجلة آثار، وده جزء من الحقيقة لأنه في تعمد لعدم تسجيل كتير من الآثار عشان يحصل إمكانية لإزالتها لاحقًا بدون مشاكل مع منظمة اليونسكو، أو تقلل وزارة السياحة والاثار من المصاريف اللي هتزيد عليها مع تسجيل أي منزل أو مكان كأثر لأنه هيتحطله حراسة وبنود للإنفاق والترميم وغيره.
– لكن حتى لو مكانتش الترب دي أو غيرها متسجلين آثار بشكل رسمي، هي برضه مباني ومناطق تراثية مر عليها عشرات السنين، وليها طراز معماري وجمالي مميز، وليها قيمة ورمزية، وده اللي بيفرق ما بين كونها جزء من التراث وما بين وجود بيت مثلًا عمره 100 سنة مش هيعتبر أثر لأنه ملوش أي قيمة ولا دلالة.
– الأهم إنه منطقة الجبانات دي مسجلة كمنطقة ذات طابع معماري مميز في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، وكونها ذات طابع معماري مميز فده بيديها حماية قانونية، بحظر البناء أو الهدم فيها إلا بشروط خاصة، أهمها الحصول على موافقة الجهاز، لكن ده محصلش، ولم تعرض أي جهة حكومية الأمر بشكل رسمي على الجهاز، والهدم بيتم رغم اعتراض أعضاء الجهاز !
– والأكثر أهمية بقا إنه المنطقة دي مسجلة ضمن القاهرة التاريخية على قوائم التراث العالمي لليونسكو، والحكومة ملتزمة أمام العالم كله بالحفاظ عليها. سبق لليونيسكو التهديد بشطب القاهرة التاريخية من قائمة التراث بسبب الإهمال الجسيم اللي بتتعرض له من سنين، واعترضت موخرا على عمليات الهدم اللي بتحصل في المنطقة، واشتكوا عدم الحصول من مصر على معلومات حوالين اللي بيحصل، وطالبوا مصر بوقف كل هذه الأعمال.
******
طيب إيه التغير اللي هيحصل بعد التطوير المروري ؟
– في طبعًا مشكلة كبيرة في منطق التعامل مع الطرق في مصر، يعني توسعة الطرق وإضافة كباري جديدة ده بيساهم في تسريع حركة المرور أكيد، لكن مبيقضيش بشكل نهائي عالزحمة، لأنه الناس هتفضل تشتري عربيات خاصة وتزود في كثافة المرور، طول مهو مفيش مواصلات عامة آدمية ومحترمة ونظيفة الناس تعتمد عليها في الحركة.
– وبالتالي صحيح السيولة المرورية هتتحسن في شارع صلاح سالم، لكن مداخل ومخارج صلاح سالم هيحصل فيها زحمة برضه لأنه شارع ضيق بيأدي لشارع سريع، أو طريق سريع حينهي بشوارع ضيقة، زي نفق الأزهر والعباسية.
– مخطط التطوير الحكومي، هيعمل ميدان في النص في داخله مجموعة من المساجد الأثرية زي مجموعة جوامع الغوري والسيدة عائشة وجامع المسيح باشا، ومن جنب الميدان ده هيبقا الطريق السريع يمين وشمال.
– طبعًا هو شيء غريب قوي إنه ميدان في نص طريق يبقا فيه مساجد أثرية، لأنه ده هيعمل ارتباك وزحمة بسبب المشاة اللي هيعبروا الطريق لزيارة المساجد دي ! نفس الأمر في مسجد السيدة نفيسة اللي هيتحول لميدان جنبه طريق سريع، وده برضه هيعمل مشكلة مرورية لأنه في مشاة كتير هيدخلوا الجامع، وبالذات مع أوقات الجنازات والمعازي، ده غير إنه المنطقة مش مخنوقة قوي لدرجة إنه يتعمل طريق سريع فيها حاليًا.
– اختراق الطريق الجديد منطقة الأمام الشافعي برضه أمر غريب، لإن مافيش أصلا كثافة مرورية في المنطقة، ومفيش احتياج حالي ولا مستقبلي لتوسعة الطريق هناك، ونفس الأمر ينطبق على سور مجرى العيون، واللي لما يتعمل فيه ميدان هيعطل المرور أكتر مهو بيبقا مزدحم في المنطقة دي.
*****
– بعض الناس عندهم خوف حقيقي من إن اللي بيحصل مش مجرد تشويه وتدمير لمنطقة تراثية، واللي هو كارثة في حد ذاته، وإنما هدفه تفتيت منطقة الجبانات، ويكون مقدمة للمخططات اللي ياما طرحت خلال السنوات الأخيرة من خلال مسؤولين كبار، منهم رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي، بنقل كل المدافن وتحويل المنطقة لحدائق ومناطق تباع للمستثمرين.
– كمان في أزمة تانية وهي إنه مصر فيها للأسف سكان للمقابر، مئات الأسر المعدمة اللي قررت تسكن في المدافن لأنه معندهمش قدرة يسكنو في أي مكان تاني، مفيش أي كلام رسمي عن محاولة نقلهم لأحياء زي الأسمرات مثلًا أو غيرها من المناطق اللي اتعملت سكن بديل لسكان العشوائيات، ومش معروف مصيرهم إيه الحقيقة.
– في النهاية التطوير شيء مهم، لكن فعلًا شيء محزن جدًا لما تفتح صور الترب اللي حيتم إزالتها وتشوف قد إيه كان ممكن تبقا مزارات، وتشوف دول تانية لما بيكون عندها سيف أو نخلة أو طوبتين مر عليهم 50 سنة بتعملهم متاحف وتتعامل معاهم كأثار، واحنا عندنا تراث أثري وإنساني ومعماري ضخم جدًا وبنفرط فيه بسهولة.
– والأسوأ كمان إنه الحكومة بتعمل المخططات دي وبتبدأ بالإزالات بدون أي نقاش أو حوار مع المعماريين والمهتمين بالآثار ولا كإن في أهمية ولا اعتبار لخطورة الموضوع وتأثيره، وكإن اللي بيتهد بيرجع تاني ! للأسف ده التفريط في التراث والتعامل معاه بالطريقة دي جريمة كبيرة جدًا محتاجة اللي يوقفها.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *