– من أسبوع بدأت الحكومة تنفيذ برنامج بيع حصص من أسهم شركات القطاع العام في البورصة، الطرح بدأ بالشرقية للدخان، بشكل مفاجيء عبر “طرح خاص” مش عام!
بمعنى أنه مؤسسات مالية وصناديق استثمار أو صناديق سيادية هي اللي اشترت 95 % من الأسهم، وال 5 % التانيين اتطرحوا بشكل عام للناس.

– الطرح الغريب اللي حصل هو أشبه الخصخصة القديمة، من حيث توقيت الطرح بدون إعلان مسبق، والتخصيص لمشتري معين بشبهات أهداف سياسية، ومخالفة قواعد الشفافية والإفصاح المعمول بيها في كل بورصات العالم، بيخلي كتير من الأسئلة لازم ليها توضيحات من المسئولين.

– اتكلمنا قبل كدا عن برنامج طروحات البورصة بشكل عام، النهاردة هنركز معاكم على اللي حصل ونناقش أسئلة: ليه تم الطرح بالطريقة دي؟ هل كان هناك طريقة أفضل؟ وتقييم عملية الطرح نفسها من حيث جدواها الاقتصادية؟ وتأثير ده علينا كمصريين.
*****

ليه تم الطرح بالطريقة المريبة دي؟

– الطرح شمل 4.5 % من أسهم الشرقية للدخان المملوكة للدولة، يعني حوالي 101 مليون سهم.

– يوم الأحد اللي فات اتفاجئ الناس انه تم بيع 95 % من الأسهم المقررة للطرح في طرح خاص يوم الخميس، بينما فقط ال 5 % الباقيين اتطرحوا من يوم الحد ليوم الثلاث في الطرح العام.

– الطرح الخاص ببساطة أنك بتعرض الأسهم مش على الجمهور كله لكن على فئات محددة ذات “ملاءة مالية” يعني كبار المستثمرين الأفراد والشركات واللي ليهم خبرة كبيرة في البورصة المصرية.

– نتيجة طرح ال 95 % من الأسهم دي واللي هي حوالي 95 مليون سهم، بسعر سهم 17 جنيه كانت انه 94 % من الأسهم راحت للأجانب ( 70 % مستثمرين أجانب – 30 % عرب ).

– أول مشكلة حصلت انه اللجوء للطرح الخاص كان مبررة من الحكومة هو استهداف شرائح من المستثمرين عارفة تقدر سعر السهم كويس، خاصة أنه الشركة ربحيتها عالية ورأس مالها كبير بما انها تقريبا المحتكر لأكثر من نص سوق السجائر في مصر وصانع السجائر الوحيد في مصر للماركات العالمية.

– كان أهم المستفيدين من الطرح ده الملياردير الإماراتي محمد العبار ومجموعة مستثمرين سعوديين خدوا ربع الأسهم المطروحة، وده بوضوح فيه شبهة سياسية بسبب الدعم الإماراتي والسعودي السياسي الحالي.

– بحسب مذكرة بحثية أصدرها بنك فاروس للإستثمار في فبراير اللي فات، كانت القيمة العادلة للسهم في الشرقية للدخان هي 19.8 جنيه، صحيح الفرق عن السعر العادل هو 2 جنيه، لكن ال2 جنيه الفرق دول يعملوا فرق كبير جدا في نتيجة البيع، حوالي 500 – 700 مليون جنيه.

– السهم اللي اتباع ب 17.3 جنيه للسهم، في حين انه السعر الاسترشادي كان 16.8 – 20.5 جنيه، يعني البيع في الطرح الخاص تم بزيادة حوالي نص جنيه بس عن الحد الأدنى للسعر الاسترشادي، ولو كان الطرح الخاص لنسبة أقل من الأسهم كانت الأرباح منه هتزيد.

– هشام توفيق وزير قطاع الأعمال صرح من 4 أيام بس انه الحصيلة المتوقعة للبيع هي 1.8 مليار جنيه، بينما رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية اللي تابعة ليها الشرقية للدخان كان صرح في يوليو 2018 أنه الحصيلة 2.5 مليار.

– الحصيلة النهائية للبيع هتكون تقريبا في حدود ال 2 مليار مش 2.5 نتيجة بيع السهم بسعر منخفض عن السعر العادل المقدر للشركة، وبالتالي راح من المال العام للدولة 500 مليون جنيه في العملية ده.
*****

هل كان هناك طريقة أفضل ؟

– بالتأكيد أيوة، لو كان لازم يحصل طرح خاص فالمفروض هدفه هو توجيه عملية البيع لمستثمرين وصناديق استثمار عندها القدرة على دفع السيولة المطلوبة بشكل سريع، وعندهم خبرة وتقدير لحجم الشركة، وبالتالي ممكن الحكومة تبيع لهم بسعر أعلي من الطرح العام من باقي المستثمرين والمضاربين .. فلما تبيع ليهم وميبقاش أغلى، وكمان ده بيع بالجنيه مش بالدولار، إيه الفايدة؟

– جزء من هدف طرح الشركات نفسها هو تنشيط حركة التداول في البورصة، إن المصري العادي يحط فلوسه في استثمار أكثر فايدة من البنوك أو العقارات والأراضي، لكن ده محصلش، وكمان كان واضح عدم الاهتمام بيه في توقيت الطرح اللي مأثرش على حركة التداول الضعيفة أصلاً وبالتالي ليه تقدم طرح في البورصة في وقت مؤشراتها فيها مش كويسة؟

– كمان المسئول عن إدارة عملية الطرح هي شركة هيرمس للأوراق المالية، واتكلمنا قبل كده عن شبهات للشركة ده تحديداً بخصوص علاقتها القديمة مع جمال وعلاء مبارك في قضيتهم الشهيرة بتاعت التلاعب في البورصة، وكمان مسألة “التجنب الضريبي” اللي اتكلمنا عنها قبل كده “الملاذات الضريبية”.

– الكلام عن طرح الشرقية للدخان في البورصة تم الإعلان عنه في أكتوبر 2018 يعني من 5 شهور، وحصل تأجيل وقالو التوقيت غير مناسب، إيه اللي خلاه مناسب دلوقتي؟ وبالتالي السؤال عن توقيت الطرح الحالي اللي فيه أزمة أسواق ناشئة زي تركيا والأرجنتين.

– خصوصاً مع ربط البعض بين الطرح في التوقيت ده وبين تأخير استلام مصر لشريحة القرض الخامسة من صندوق النقد واللي قالها الصندوق في أحد بياناته، هل عشان نستلم الشريحة دي هوا الغرض وخلاص؟
*****

إيه جدوى عملية الطرح بالأساس؟

– بشكل عام بقا وبعيدا عن المشاكل التقنية في عملية الطرح، في مشكلة أكبر في فلسفة طرح شركات حكومية بتكسب للتداول في البورصة، يعني قيمة الطرح نفسها 1.8 مليار دي أقل من نص صافي ربح الشركة في السنة واللي بيقدر ب 4 مليار جنيه، فليه نطرح أسهم شركة كسبانة للتداول في البورصة؟

– خصوصاً إن الشركة مستمرة في النمو، زي إنه أثناء ما كانت أسهم الشركة بتتطرح للتداول اتوقع عقد بين الشركة وبين شركة الوحدانية الإماراتية لتصدير 200 طن من أحد أنواع المعسل لمدة 3 سنين مقابل 600 ألف دولار سنوياً، وده بيعادل أكتر من 10 مليون جنيه سنوياً بعقد واحد.

– البعض بيقول إن الفلوس هتروح في سد عجز الموازنة، ودي ملوش معنى لأنها نسبة لا تُذكر بالقياس للعجز، وحتى لو الفلوس دي هتستخدم زي ما رئيس الشركة القابضة للكيماويات في تطوير شركات تانية، فالمبلغ نفسه مش كبير لدرجة اننا نبيع أصول بتكسب وتدر دخل كبير للموازنة سنويا، كان ممكن نوفر ال 2 مليار دول من أرباح الشركة نفسها.

– الشرقية للدخان دلوقتي بعد الطرحبقا للحكومة فيها 50.5 % وحوالي 45 % في البورصة والباقي هي اسهم للعاملين بالشركة، ولو الهدف هو إشراك القطاع الخاص في الإدارة لأنه اكفأ مثلاً فده يخلينا نسأل عن التطور اللي حصل للشركة لما القطاع الخاص دخل شريك فيها في الحصة الأولانية عشان نفهم أكتر أسباب الطرح.

– شركة بالحجم دا وفي سوق كبير للمدخنين في مصر والمنطقة فهي بالبلدي منجم أرباح، الشركة دفعت ضرائب ورسوم للحكومة في 2018 أكتر من 57 مليار جنيه، ودا يعادل حوالي 20 % من حصيلة ضرائب القيمة المضافة كلها في مصر، وبالتالي كان ممكن الاستفادة أكتر من الشركة ده بالاستثمار الحكومي فيها اللي بيستفيد منه المال العام.

– مفيش حاجة اسمها بالضرورة القطاع الخاص أفضل في الإدارة في المطلق وعشان كدا نبيع أو نخصخص الشركات الحكومية، العالم مليان نماذج لشركات قطاع عام عملاقة قادت نمو الدولة زي الصين، وكمان شركات قطاع خاص هائلة بتفيد اقتصاد الدولة زي أمريكا، وفي الصين برضه فيه قطاع خاص كبير، وفي أمريكا برضه وقت الأزمة المالية الدولة تدخلت واشترت أسهم بمليارات لانقاذ الاقتصاد، وفي كلاهما وغيرهم أوجه للنقد، خصوصاً إنه مصر نظامها الاقتصادي مش تخطيط مركزي على النمط الاشتراكي ولا نيوليبرالي ومنافسة حرة برضه، لأ ده في مزيج غريب من النموذجين.

– مفيش قاعدة ثابتة في الموضوع ده، لكن الفكرة في التوازن ووجود أسباب علمية ومدروسة ومعلنة لكل خطوة وقرار، وتوافر آليات الرقابة والمحاسبة الادارية والسياسية، هو اللي بيوفر الثقة، ومكافحة الفساد، وامكانية المراجعة والإصلاح، وفي النهاية سؤال كفاءة ونزاهة الادارة عندنا بيطرح نفسه في نموذج بيجيب مكاسب زي طرح الشرقية للدخان، ونموذج تاني تم تصفيته بسبب سوء الادارة زي القومية للأسمنت اللي اتكلمنا عنها قبل كده واتاخد قرار ببيع الشركة وتصفيتها نهائياً، مين بيحاسب أو بيراجع؟
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *