– يوم السبت اللي فات اتفق وزراء مالية مجموعة الدول السبع وهي دول (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكندا، وإيطاليا، واليابان) علي اتفاق تاريخي يخص الضرائب العالمية.
– الاتفاق اللي كان محل تفاوض من فترة طويلة هيخلي الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة تدفع ضرائب في الدول اللي بتعمل نشاطها فيه مش في الدول اللي مسجل فيها مقر البشركة فقط.
– فرنسا كانت بدأت بشكل منفرد السياسة دي، وفرضت على كل الشركات الرقمية دفع 3% من عائداتها المتحققة داخل فرنسا، وفي أغسطس الماضي اضطرت شركة فيس بوك تدفع لفرنسا 106 مليون يورو ضرايب متأخرة في فرنسا.
– الاتفاق أقل ما يقال عنه لو تم تفعيله إنه تغير تاريخي في شكل الاقتصاد العالمي كله، لأن ممارسات التجنب الضريبي بقالها عقود بتتمارس باعتبار انها سلوك قانوني، ومثلت مشكلة كبيرة تحرم حكومات الدول النامية والمتقدمة من الدخل المطلوب للانفاق على الخدمات العامة رغم استفادة الشركات دي من مرافق وخدمات الدول.
– ايه الاتفاق الجديد؟ وليه مهم بالنسبة لنا في مصر؟ وازاي ممكن مصر تستفيد من الحركة العالمية اللي موجودة حوالين الإصلاح الضزيبي؟ دي هي الأسئلة اللي هنحاول نجاوب عليها النهارده.
*****
ايه هو الاتفاق الجديد؟
– الاتفاق الجديد بيركز علي محورين مهمين للعدالة الضريبية في العالم وخاصه فيما يتعلق بالشركات التكنولوجية الجديدة زي أبل -فيسبوك – جوجل وغيرهم.
– المحور الأول هو الاتفاق حوالين أنه الشركات تدفع ضرائب الأرباح بناء علي الدوله اللي بتقوم فيها بالنشاط، ده يعني ايه؟ يعني قبل الاتفاق ده كانت الشركات الكبيرة وخاصة الشركات التكنولوجيا والتجاره الالكترونية كانت بتعمل مبيعات وأرباح في بلاد كتير، لكن تخليها كلها أنشطة تابعة لمقر واحد للشركة فيها معدلات ضريبة أقل أو ملاذات ضريبية زي ايرلندا مثلا ولوكسبمورج أو جزر الكايمن أو غيرها.
– دلوقتي بقت شركات التكنولوجيا الكبيرة دي مجبره علي دفع علي الأقل ٢٠٪ ضرائب بعد ال١٠ ٪ الربح الأولي، بالتالي ده حيقلل شوية من ممارسات التجنب الضريبي، اللي هي عمليات نقل الأرباح للملاذات الضريبية.
– المحور التاني في الاتفاق هو الاتفاق علي حد أدني للضرائب علي أرباح الشركات وهو ١٥٪ عالميا ،وده علي الرغم من أنه أقل من المعدل اللي كان تم اقتراحه من قبل بايدن إلا أنه خطوه مهمة وممكن يزيد بعد مفاوضات مع مجموعة العشرين .
– الاتفاق الجديد ده من المتوقع أنه يجيب في حدود ٤٠-٧٠ مليار دولار سنويا للدول من ضرائب الشركات دي للدول اللي حتنضم له واللي بالتأكيد حيكون الجزء الأكبر منها للدول الكبرى.
– الاتفاق ده لسه لم تنضم له الملاذات الضريبية الكبرى في العالم ومن الممكن أن يتم توسيعه في المستقبل ليشمل دول أكثر منها الملاذات بس بعد ضغوطات من الدول الكبيرة اللي تجبرهم علي الانضمام للمراحل الجايه من الاتفاقية المبدئية دي.
– طبعا الاتفاق الحالي ده منطلق من تداعيات أزمه كورونا وتأثيراتها علي الإيرادات الضريبية للدول الكبرى وخاصة أنه الدول الكبيرة كلها اضطرت تعمل حزم تيسير نقدي كبيرة بسبب الأزمه بالتالي محتاجه حاليا أنها تزود الإيرادات الضريبية.
– وعلي عكس ما يحث في مصر فالطريق الأفضل دائما لزيادة الحصيلة الضريبية هو أنك تعمل ضرائب مباشرة تصاعدية علي الأفراد أو الشركات أو تحاول تعالج الاختلالات والثغرات اللي في النظام الضريبي زي ما الاتفاق ده بيعمل.
*****
ده يعني ايه بالنسبة لمصر؟
– مصر مازالت واحدة من الدول شديدة التأثر بموضوع الملاذات الضريبية، بحسب تقرير غير علني من صندوق النقد تم ارساله لوزارة المالية في ٢٠١٧ عندنا تلاتة من كل ١٠ شركات مصرية لديها ارتباط بفروع في ملاذات ضريبية.
– أيضا وفقا لبحث مبدئي عملته وحدة تسعير المعاملات الدولية بمصلحة الضرائب في مارس 2019 فالمعدل ده حوالي 4.5 شركة من أصل كل 10 شركات.
– شبكة العدالة الضريبية بتقدر حجم التجنب الضريبي في مصر بسبب الملاذات بحوالي ٦٨ مليار جنه سنويا، ودي تقديرات قديمة من ٢٠١٢ يعني ساعتها كانت ١٠ مليار دولار قبل التعويم وده يعني أنه الرقم حاليا أكيد أكبر من كده بكتير.
– الرقم ده وقتها كان حوالي ثلث الحصيلة الضريبية وده بيوضح قد ايه ممارسات التجنب الضريبي منتشرة في مصر بين الشركات.
– دول وجزر صغيره جدا زي جزر العذراء البريطانية وجذر الكايمن وموروشيوس ولوكسمبوج ليها استثمارات كبيره علي الورق في مصر بسبب أنه الشركات المصرية الكبيرة مسجله مقراتها هناك في الجزر دي، ساويرس وأوراسكوم مسجلين في مالطة مثلا، شركات كثير في قطاع الرعاية الصحية مسجله في موروشيوس مثلا،جزء من شركة جهينه المملوكه لصفوان ثابت مسجل في جزر العذراء البريطانية، شركه حسين سالم اللي بتصدر اللي كانت بتصدر الغاز لإسرائيل كانت مسجلة في جزر الكايمن.
– تقريبا جزء معتبر يعني من الشركات المصرية ليها علاقة ما بالملاذات الضريبية ٫ بالتالي مع الوقت دة بيؤدي لما يسمي بتأكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح للخارج للمناطق الآقل في الضريبة.
– بالتالي اتفاق زي ده خطوه أولي في طريق محاربة التجنب الضريبي واللي حيفيد بشكل كبير الدول المتقدمة والنامية وبالأخص الدول اللي زينا اللي مفيهاش أليات حوكمة وشفافية كبيره يعني.
– ده مهم أيضا في عملية تتبع الثروات المالية المخبئة في ملاذات ضريبية، واللي لينا تجارب سيئة في استردادها من رموز نظام مبارك زي حسين سالم وجمال وعلاء مبارك.
– لكن كل الخطوات دي تتوقف علي أنه مصر يكون عندها إراده سياسية للإنضمام للاتفاقية دي أو اتفاقات مشابهة في المستقبل لمحاربة التجنب الضريبي.
*****
إزاي مصر ممكن تستفيد؟
– في العالم كله أصبح موضوع الملاذات الضريبية مشكلة كبيرة، وواضح دلوقتي أنه في إرادة عالمية لمحاربه الموضوع، ومع كل المحاولات اللي بتعملها مصر لزيادة الحصيلة الضريبية مفيش أي تحركات جدية في ملف مكافحة التجنب الضريبي.
– بالتالي مع الاتفاق الجديد وزيادة الحركة العالمية حوالين عدالة الضرائب وخاصة علي الشركات الكبيرة من المفترض أنه مصر وغيرها تستفيد عن طريق أنها تفرض ضرائب علي أرباح نشاط الشركات دي علي أراضيها.
– في ٢٠١٩ وزارة المالية المصرية كانت بتدرس فرض ضرائب على إعلانات الفيس بوك، وبوقت قريب منه الفيس بوك فرض على المعلنين في مصر رسوم إضافية بقيمة ١٨٪ للمعلن اللي لا يحمل رقم تعريف لضريبة القيمة المضافة، ومن وقتها اختفى الكلام عن الموضوع.
– لكن الاجراء في سياقه العالمي سيتطلب اصلاح ضريبي أوسع من الانضمام للاتفاقية دي ومنها اتفاقات لمنع الازدواج الضريبي وإلغاء أنواع مختلفة من الضرائب الرقمية الأخرى علي منصات التجارة الالكترونية والسوشيال ميديا، وده بحيث يكون في توحيد للمعاملة الضريبية على أرباح الشركات الكبيرة دي في المستقبل في العالم كله.
– من ضمن الإصلاحات الضريبية دي مثلا هي أنه مصر لازم تتوسع في فرض الضريبة المستقطعة على الأموال والأرباح المحولة إلى ملاذات ضريبية إلى حين التأكد من طبيعة هذا التحويل. والأسلوب ده بيتم اتباعه في أميركا وبريطانيا وحتى دول أقل نموًا زي السلفادور اللي قامت بفرض ضريبة مستقطعة إضافية بنسبة ٢٥% على التحويلات المالية للأفراد والشركات إلى الملاذات الضريبية.
– لازم كمان يتم إلزام الشركات العاملة في مصر بالكشف عن دخل الشركات متعددة الجنسيات وأنشطتها الاقتصادية، والضرائب المدفوعة في كل دولة تملك الشركة فرع بها له تعامل مع الفرع المصري، وبكده نقدر نعرف إن كان في تهريب أموال لفرع بعينه عشان الشركة تدفع ضرايب أقل ولا لأ.
– كل الحاجات دي تتطلب إرادة سياسية للإصلاح الضريبي الحقيقي في مصر تسمح بأننا نوقف تحويل الأرباح للخارج من الشركات المصرية، نعمل قوانين لمحاربة الملاذات ونقدم كجزء من القوانين دي تحسين لمناخ الاستثمار وتسهيل للمعاملات الضريبية للشركات.
– ده بيتطلب أيضا دور للمجتمع المدني والصحافة والمؤسسات البحثية اللي بتشتغل علي الضرائب بجانب الحكومة طبعا لقياس أثر التجنب الضريبي وتصميم سياسات عامة ضريبية تقلل من المشكلة دي، وده في مصر حاليا شبه غائب مفيش مؤسسات مجتمع مدني كبيره بتشتغل علي الإصلاح الضريبي اللهم إلا المبادرة المصرية للحقوق الشخصية واللي ليهم شغل مهم جدا علي موضوع الملاذات الضريبية في مصر هتلاقوه في المصادر.
– نتمني أنه مصر تكون قادرة أنها تاخد خطوات جرئية في الملف لأن زيادة الحصيلة الضريبية خير لينا كلنا، ولأنه في ضغوط عالمية من كل الدول الكبرى في العالم في الموضوع بالتالي دي فرصة للإصلاح الحقيقي لملف التجنب الضريبي.
– بنكرر ان ملف الضرايب بيتطلب أيضا إصلاحات أوسع في المناخ الاقتصادي والسياسي في البلد، ترسخ للشفافية والحوكمة والثقة إن زيادة الحصيلة الضريبية هيوازيها زيادة بالانفاق على الخدمات العامة للمواطنين، وده عبر أجهزة ومؤسسات رقابية مستقلة، وأليات مجتمعية لمحاربة الفساد والرقابة الشعبية يكون جزء منها حرية الصحافة وغيرها من الآليات.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *