– من 3 أيام أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكم بالسجن المشدد 10 سنوات لحنين حسام صانعة المحتوى على تطبيق تيك توك، وحكم حضوري بالسجن 6 سنوات على مودة الأدهم و3 شباب آخرين من اللي شغالين في تطبيق لايكي.
– وامبارح رحلت الأجهزة الأمنية حنين حسام إلى سجن القناطر، لتنفيذ الحُكم الصادر بسجنها 10 سنوات بتهمة الاتجار بالبشر، بعد مناشدتها للرئيس السيسي في فيديو بإنه ينقذها من الحكم الظالم بحقها.
– الحكم كان مفاجئ للكثيرين وخاصة أنه التهمة اللي اتوجهت للمتهمين أخطر حتى من الدعارة وهي تهمة “الاتجار بالبشر”، وده بعد ما كان تم اخلاء سبيلها في قضية أخرى من سنة بنفس الأدلة!
ليه الحكم صدر بالطريقة دي؟ والحكم ده يقولنا ايه عن التعامل مع النساء والحريات الشخصية ونظرة الدولة ومنظومة العدالة ليهم؟
**
ايه الحكم وليه صدر بالشكل ده ؟
– خلينا الأول نكون فاهمين معلومة إن عقوبة الدعارة في مصر سواء لمن تمارسها، أو للقواد (تسهيل الدعارة) الحد الأقصى ليها هوا السجن 3 سنوات، وبالتالي احنا بنتكلم عن جريمة تانية بتعريف تاني خالص في الحالة دي.
– الحكم صدر على حنين بـ10 سنوات سجن مشدد، غيابياً لأنها لم تحضر جلسة النطق.
– أيضا صدر الحكم بـ6 سنوات على مودة الأدهم و 3 آخرين من العاملين في تطبيق لايكي وهم محمد عبدالحميد ومحمد علاء الدين وأحمد سامح وتغريم كل منهم 200 ألف جنيه.
– القضية دي هيا التانية لحنين ومودة، الأولى كانت قدام محكمة جنح القاهرة الاقتصادية، واللي كانت حنين ومودة بنفس الأدلة متهمين بالتعدي على القيم والمبادئ الأسرية ونشر الفسق والفجور.
القضية الأولي دي خلصت قدام الاستئناف بإلغاء عقوبة الحبس سنتين مع تأييد الغرامة الـ٢٠٠ ألف جنيه.
– الحكم الحالي ده أول درجة وهيروح الاستئناف، ده غير اعادة محاكمة حنين حسام تاني بسبب ان الحكم غيابي.
**
ليه الحكم ده فيه مشكلة؟
– تعريف جريمة “الإتجار بالبشر” في القانون المصري هيا كالتالي: “يُعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة فى شخص طبيعى بما فى ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء فى داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية – إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة..”
من واقع كلام المحكمة نفسه مفيش أي دليل على الجريمة دي!
وده لأنه أولا: مفيش استغلال ولا إجبار لأي حد. فين “الضحايا” و “المجني عليهم؟! المحكمة قالت ان فيه بنتين قاصرتين تحت 18سنة دخلوا جروب “لايكي الهرم” اللي عاملاه حنين واتفقوا معاها يعملو اكاونتات على الأبلكيشن اللي فيه لايفات مقابل فلوس، والقاضي بيعتبر ده “دعارة مستترة” .. يعني إيه؟ ومفيش في الوقائع دي على الإطلاق إن حصل بالفعل ان بنت مارست الجنس أو حتى قدمت محتوى جنسي عبر اللايف ده، المحاسبة هيا كدة على النية والشبهة والاحتمال اللي وارد يحصل بالمستقبل مش على حاجة حصلت.
– “الاتجار بالبشر” لازم فيها ركن مادي للإدانة، يعني فلان أو فلانة يقولو إنه حنين أو مودة ضغطت عليهم واستغلت حاجتهم أو أجبروهم بالعنف على ممارسة الجنس مع آخرين، أو تم بيعهم وشرائهم، ده محصلش والنيابة والشرطة مقدموش ولا دليل على شيء زي ده.
ثانياً: موضوع جمع الأرباح من الانترنت ده مش شيء غريب، اليوتيوب بيقدم فلوس لأصحاب القنوات اللي عليها مشاهدات كبيرة سواء كان المحتوى ترفيهي أو رياضي أو سياسي أو ديني، وده شيء معروف في العالم كله، وفي مصر كل أسبوع بنلاقي حد من المشاهير في مجالات مختلفة بيعلنوا عن استلامهم درع من اليوتيوب بسبب تحقيقهم لمشاهدات عالية.
– وأهم نقطة بالحالة دي هيا ان تطبيق “لايكي” الصيني ده هو تطبيق مرخص في مصر، وفي القضية كان حاضر مع الشباب المتهم فيها محامي من الشركة الصينية مالكة التطبيق، والتطبيق ما زال يعمل من مكتب في التجمع، ومش محجوب ولا حاجة.
– وبالمناسبة التطبيق ده مش بيسمح بلايف خاص، وممكن أي حد من اللي بيقرا الكلام ده يحمل التطبيق بنفسه ويشوف ايه المحتوى اللي عليه وهل فيه أوبشن لايف مغلق لشخص واحد ولا لا.
– غير إنه أصلا هنا على الفيس بوك ممكن يحصل تواصل خاص بالفيديو على الفيس بوك ماسنجر مثلا، وممكن يستغل فعلا لمحتوى جنسي، هل معنى كده ان فيس بوك ده موقع جنسي وأي حد يشتغل عليه تبقى جريمة؟
– وبالتالي النمط ده في حد ذاته مش جريمة بغض النظر عن اتفاقك أو لا على الطريق ده في الربح، لكن في النهاية التطبيق زي تطبيقات أخري بتدي فلوس عشان الإعلانات والمشاهدات، وكلها تطبيقات موجودة في مصر، وحتى مع التوسع في حجب المواقع الحكومة المصرية محجبتش أي من التطبيقات دي سواء لايكي أو تيك توك أو غيرهم.
ثالثا: زي ما قولنا قبل حكم الغرامة اللي صدر من المحكمة الاقتصادية من حوالي سنة، أكبر دليل إنه مفيش أي سند قانوني إنه حسب محامي مودة الأدهم رفضت طلب ممثل النيابة أنها تكشف حساباتها البنكية، وأنها تجري كشف عذرية! لو فيه أي سند قانوني حقيقي كان اتقدم وكان البنك المركزي أمر بكشف حساباتها زي ما بيحصل لأي متهم بجريمة “اقتصادية” حقيقية.
وبرضه لو فيه أي سند قانوني لجريمة الدعارة كان اتقدم، مش يتطلب كشف عذرية كأن المتهم هو اللي مفروض يثبت براءته مش النيابة هي اللي تثبت الجريمة، ده غير انه أصلا طلب غير قانوني برضه لان عدم العذرية مش دليل على ممارسة الدعارة، لأنه من الناحية القانونية البحتة بالقانون المصري الجنس الرضائي خارج الزواج سواء من ذكر أو أنثي ملوش أي عقوبة قانونية، ده غير الرفض المبدئي للإجبار على إجراء “كشف العذرية” المهين وغير الانساني ده.
رابعا : وده شيء شديد الأهمية فيما يتعلق بالقضايا الأخرى واللي بتنظر قدام المحاكم المصرية وليها علاقة مباشرة بجريمة كبيرة زي الاغتصاب في حالة جريمة الفيرمونت اللي المتهمين خدوا فيها براءة بعد ما اغتصبوا أكثر من بنت وصوروهم، لكن المحكمة حكمت بالبراءة لأنه مفيش أدلة كافية بحسب تفسير المحكمة.
لكن في حالة حنين حسام ومودة الأدهم شوفنا الحكم القاسي لمجرد أنهم بنات بيعملوا محتوى، وحتى لو عندنا خلاف على اللي بيقدموه، وده شيء طبيعي يعني يمكن أي يرفض أو يقبل بشكل شخصي أي محتوى مقدم من أي شخص في الدنيا، لكن ده لا يبرر التعامل اللي بيحصل معاهم.
– كمان مش هنقدر نتجاهل إن الإصرار الغريب على عقاب البنات دي بالصورة دي يحمل في طياته استهانة بيهم، لأنهم من طبقة اجتماعية عادية وضعيفة جوا المجتمع، بدون نفوذ مالي أو سلطة، لأن فيه قضايا تانية خلصت لمجرد إن المتهمين كانوا من طبقات اجتماعية تانية لها ثقل اقتصادي أو غيره، وهنا محدش بيطالب بتقييد حرية حد، لكن على الأقل بلاش عقاب الضعفاء لمجرد إنهم ضعفاء.
***
نشوف ايه من الحكم ده؟
القضية دي بوضوح بتقول كتير عن دور الدولة وخطورة عمل الدولة كحارس أخلاقي للمجتمع، في كلمة المستشار محمد أحمد الجندى خلال جلسة الحكم قال “أن الأمم الأخلاق ما بقيت، أخلاقنا جزء من أمتنا وأن وسائل التواصل الاجتماعى سلاح ذو حدين، السعى الحثيث الأعمى للربح فى الشركات القائمة عليها، يحكمها الغاية تبرر الوسيلة، فكانت الرذيلة والفاحشة دأبها لتحقيق المعدلات القصوى لمتابعيها، وهدم قيمنا غايتها، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى تؤثر فى أبنائنا وسلوكنا، غابت الرقابة الأسرية وسارت الغفلة لبعض الأسر قائدة لهم فى الانهيار”.
من خلال الكلمة دي نشوف أنه القاضي ترك منصة القضاء وبقى بيقول رأي شخصي رغم أنه القضايا اللي زي دي من المفترض أنه القرائن الجنائية والأدلة هي اللي تحدد لأنها جريمة اتجار بالبشر لازم يتوفر فيها الركن المادي.
– هنا مش بنقول إنه مطلوب خالص إن القاضي أو أي شخص آخر يعجبه ما يقدمه البنات دي، أو يعيش حياته زيهم، أو يشوف إنهم صح، حقك تشوفهم غلط وترفض ده في حياتك، مش الهدف خالص الانحياز مع أو ضد ممارسة اجتماعية معينة.
– إحنا دايماً في صفحة الموقف المصري انحيازنا للحريات السياسية والاجتماعية، ودا يخلينا ضد إنه الدولة تلعب دور في الإجبار على تصور معين للمجتمع، دورها حماية الحريات وبعدها كل طرف حر يدعو للي عايزه ويعيش هو وأسرته بطريقته، ومجتمعنا بالفعل فيه ناس كتير جدا عايشين نمط حياة محافظ ومتدين، ومنهم اللي بينشر على نفس منصة “توك توك” فيديوهات لتقليد قراء قرآن مثلا، وناس اتشهروا وبيكسبوا فلوس برضه من محتوى ديني أو محافظ، وده حقهم برضه ودور الدولة تضمن حريتهم هما كمان.
– والتجربة أثبتت إن الحريات السياسية والاجتماعية مش بعيدة كتير عن بعض، ونفس النوع من التهم العامة بيتم استخدامه سياسيا، ويتحول حقوق متاحة بالدستور والقانون لمنع كامل زي مثلا المظاهرات السلمية فعل قانوني تماما إلا في حالة تعطيل المرور أو تخريب المنشآت وده مبيحصلش طبعا.
– الدولة دورها تتدخل بس في الجرايم الفعلية زي التحرش والاغتصاب والتحريض على العنف الإرهاب والطائفية، واللي أفعال خارج إطار الحرية الشخصية وبتمثل اعتداء عليها.
– نتمنى إنه الدولة والقانون المصري يتوقفوا عن الانشغال بلبس السيدات وأجسامهم، والجهد ده يتوجه ضد جرايم التحرش والاغتصاب، وضد حبس الناس ظلم، وضد الانتخابات غير النزيهة، وضد الفساد الاقتصادي والسياسي وضد عدم العدالة في الوظايف والتعيينات، وضد التحريض والطائفية ضد المسيحيين، وغيرها من جرايم كتير بتمثل فعلا خطر على المجتمع المصري و”الأسرة المصرية”.
****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *