– لسه بنكمل في حملتنا لشرح التعديلات الدستورية المقترحة وتوضيح خطورتها، والنهاردة هنركز على واحدة من أخطر المقترحات وهي المادة الخاصة بالقوات المسلحة.

– التعديل الجديد بيضيف لمهام القوات المسلحة المنصوص عليها في المادة 200 غير حماية الأمن القومي وحدود البلد “حماية الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة، ومدنيتها، ومكتسبات الشعب، وحقوق وحريات الأفراد”.
– التعديل ده عشان نفهمه كويس لازم نحط جنبه كمان تعديل مادة اختيار وزير الدفاع اللي بقى كقاعدة ثابتة لا يتم إلا “بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.
*****

إيه معنى التعديل ده؟
– معناه إنه للأبد أي وزير دفاع كممثل للجيش حقه يمنع الرئيس المنتخب أو البرلمان المنتخب من أي قرار هوا يشوف انه ضد “المقومات الأساسية للدولة” أو “مكتسبات الشعب” .. يعني ايه؟ مين يحدد؟ المادة مقالتش تعريف، ولا قالت اجراءات زي مثلا وزير الدفاع يروح للمحكمة الدستورية تحكم القرار الفلاني ضد المقومات والمكتسبات ولا لا!
– يعني م الآخر مفروض ان كده الجيش هوا السلطة الحقيقية في البلد ومش مهم بقى مين يفوز في أي انتخابات، ولو عمل ما يعتبره الجيش خرق للحاجات اللي محدش عارف تعريفها دي حقه يعزله.
– طيب ووزير الدفاع ده مين هيجيبه؟ كده بالدستور وزير الدفاع لازم يوافق عليه الجيش بنفسه، ومفيش اي شرح طيب نعمل ايه لو حصل ان رئيس منتخب عايز وزير دفاع والمجلس الأعلى للقوات المسلحة موافقش عليه وعايز واحد غيره؟ مين يحكم بينهم؟ البرلمان المنتخب مثلا؟ لا مفيش.
وحيث ان الجيش وعلى راسه وزير الدفاع برضه هوا فقط اللي بيختار مين يتقبل بالكلية الحربية أصلا، ومين يترقى بعدين، ومين يدخل المجلس الأعلى، فإحنا بنتكلم عن فئة بتحكم بدون أي سند انتخابي أو رقابة محايدة.
*****

هل ده وضع طبيعي؟ وهل في دول عملت ده؟

– الوضع الطبيعي ان مفيش أي حاجة من دي في العالم، ده أصلاً كتير من الدول ومنها مصر بتحط قيود على النشاط السياسي والانتماء الحزبي لأفراد الجيوش، لأنه مفروض مهمته انه يكون بعيد تماما عن السياسة، ويكون عنصر لتوحيد البلد مش الانقسام والاختلاف اللي طبيعي تحتمله السياسة.

– الجيش التركي هو الوحيد اللي كان كاتب لنفسه في الدستور نصوص شبه اللي هتتضاف عندنا، وده كان بيتيح للجيش التركي التدخل في العمل السياسي وإقالة حكومات ورؤساء، وده ليه تاريخ طويل.

– سنة 1961 تم إنشاء لجنة الوحدة الوطنية في قانون الخدمة الداخلية للقوات المسلحة التركية، وضمن القانون ده مادة كانت بتقول “القوات المسلحة التركية مسؤولة عن حماية الأراضي التركية والجمهورية التركية كما جرى تعريفها في الدستور” وده كانت سبب في تدخلات عسكرية كتير في السياسة الداخلية تحت المبرر ده.

– مثلاً سنة 1982 تم عمل نص دستوري لمجلس الأمن القومي، المجلس ده أغلبيته المطلقة من العسكريين والقرارات بتتاخد فيه بالتصويت وبالتالي رئيس الجمهورية أو رئيس الوزارة هم مجرد صوت داخل المجلس، النص الدستوري كمان بيقول إنه قرارات المجلس ده المفروض بتكون في حدود حماية أمن ووحدة تركيا وتبقى أولوية للتطبيق من الوزارة.

– وبالطبع النصوص كلها أقل أهمية من الممارسة العملية، وفي الواقع بقى أي حزب أو رئيس حكومة بييجي بيبقى قدامه تخوف كبير من التدخل واللي أحياناً بيكون عنيف ودموي وأحياناً بيتم عن طريق إنذار من رئيس الأركان بيقدمه في مجلس الأمن القومي، وبالتالي رئيس الحكومة بيستقيل عشان يتجنب وضع أسوأ محتمل.
*****

طيب الوضع ده كانت نتايجه إيه في تركيا؟؟

– الوضع ده اتسبب في أكتر من انقلاب عسكري، ورغم إنه أول إنقلاب سنة 1960 مكانش انقلاب من الجيش كمؤسسة وعمله ظباط صغيرين لكن لأنهم كانو متشبعين بفكرة أحقية الجيش بممارسة السياسة وحماية الدولة بالطريقة اللي هما شايفينها، والانقلاب ده كان بسبب رفضهم انه رئيس الوزراء وقتها يعمل علاقات واسعة مع الاتحاد السوفييتي.

– سنة 1971 اتعمل انقلاب عسكري معروف باسم انقلاب المذكرة، ومفاده إنه الجيش كان شايف إنه الصراع السياسي لازم يتحسم بإنه رئيس الحكومة الحالي يمشي حكومته ويشكل حكومة جديدة وإلا هيضطر الجيش يمارس مهامه الدستورية، وبعد إجراء الانقلاب تم قمع الأحزاب اليسارية بشكل عنيف، ومع الوقت تم إعلان الأحكام العرفية وحصلت اضطرابات أمنية كبيرة.

– التدخل التالت كان سنة 1980 وبنفس المبررات القانونية والدستورية، وقالها قائد الانقلاب في البيان العسكري، وإنه الجيش بيدافع عن سيادة الدولة والتمسك بمبادئ أتاتورك وسيادة القانون، وبعد الانقلاب اتحبس رؤساء الأحزاب السياسية وبعض قيادات النقابات، واتحكمت البلد حكم مباشر بمجلس الأمن القومي لمدة 3 سنين وتم دسترة وضع قيادات الجيش وتحصينهم من أي محاكمة أو محاسبة، رغم اللي اتسبب فيه الجيش من القبض على أكتر من 600 ألف مواطن، وهروب أكتر من 30 ألف برة تركيا وطلب كتير منهم اللجوء السياسي، ومراقبة أكتر من مليون ونص مواطن !

– وبنفس النصوص الدستورية والقانونية اتعمل إنقلاب رابع سنة 1997 وباختصار الانقلاب ده كان عبارة عن استدعاء لرئيس الوزراء نجم الدين أربكان لمقر مجلس الأمن القومي، واتقدمله مذكرة من رئيس الأركان باعتراضات الجيش على مجموعة من السياسات اللي بتعملها الحكومة، ووقع رئيس الوزراء بموافقته على القرارات ده بدل من الانقلاب عليه واللي ممكن يتسبب في اعتقالات كتيرة وتكرار لتجارب سابقة، لكنه قدم استقالته.

– تركيا دفعت تمن كبير كل السنين دي، محصلش فيها التحسن الاقتصادي المطلوب، بالعكس التدهور والبطالة استمروا، ده غير انها دفعت من حريات المواطنين والصحافة.
– ومتحسنتش أوضاع تركيا إلا بعد ما نجح التداول السلمي للسلطة أكتر من مرة بدون تدخل من الجيش وساعد على ده نجاح اقتصادي في بداية الألفينات، وبعد ما استقر الوضع ده بسنوات قدر البرلمان التركي يعمل تعديلات على نصوص الجيش ومجلس الأمن القومي.
– الوضع في تركيا مازال مش مثالي إطلاقا خاصة بملف الحريات وحقوق الانسان، لكن ده ميغيرش من ان كل الوسط السياسي التركي متفق على انه ميكررش تجارب الوصاية العسكرية دي.
ولما حصلت محاولة انقلاب 2016 كل الأحزاب المعارضة لأردوغان وقفت ضد الانقلاب، وده يشمل حزب الشعوب الكردي اللي مشاكل أردوغان معاهم وصلت لرفع الحصانة عن نوابهم بالبرلمان! أو حزب الشعب الجمهوري اللي كان رئيسه نفسه متقدم ضده بلاغ في القضاء بالإساءة لأردوغان، كل دول اللي مازالوا للنهاردة ضد أردوغان وبيتظاهروا ضده وبيتبادلوا التصريحات الحادة في صحفهم، كلهم وقفوا ضد الانقلاب بموقف حاسم وصريح عشان البلد كلها اتعلمت بأغلى تمن ممكن ازاي الوضع بيسوء على الكل، كل السياسيين بيخسرو، وكل البلد بتخسر.
*****

طيب إحنا في مصر إيه دخلنا بالتجربة ده؟ وممكن نستفيد منها إيه؟؟

– الجيش لما بيخرج عن حدود ومهام وظيفته في حماية الدولة وحدودها والدفاع عنهم وبينشغل بالسياسة والحكم فده تأثيره سلبي جداً على أي بلد، خصوصاً لو كان ده بيتم بشكل “دستوري” يعني يبقى مهمة قيادة الجيش الطبيعية مش بس مناقشة الأمور العسكرية لكن كمان التحكم في الوضع السياسي، سواء بإقالة حكومة أو رئيس أو وقف قوانين أو حل برلمان.

– الجيش كمؤسسة مش من حقه يمارس العمل السياسي وفي فرق بين ده وبين حق كل شخص عسكري من العمل السياسي والترشح للانتخابات بعد استقالته أو نهاية خدمته، مشاركة المؤسسة بنفسها في الحكم بتخلي دايما الوضع السياسي مرتبك ومهدد بتحرك عسكري، وللأسف مبيبقاش في وسيلة لمراجعة أي تصرف عسكري في السياسة لإنه مبيتمش بانتخابات أو استفتاء إنما بالقوة المباشرة.

– السياسة دايماً هي مساحة اختلاف في الرؤى والأفكار وشكل الحكم إنما الجيش والمؤسسة العسكرية المفروض إنها بتاخد هيبتها وقوتها من احترام الكل ليها وحيادها التام عن السياسة، لكن لما الجيش يبقاله انحيازات سياسية مع طرف أو ضده وبيدخل جوة المعادلة ده بيقلل من محبة المواطنين ليه وبيتحول مع الوقت لخصم سياسي وده وضع خطر جداً في أي بلد ونتايجه في منتهى السوء على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي.

– اللي قدموا التعديلات الدستورية الحالية بيورطوا الوطن كله في معادلة قاسية، وعشان يتم تأبيد الرئيس السيسي في الحكم مطلوب من الشعب كله دفع تمن وفاتورة ده بالحكم المباشر من الجيش والأجهزة الأمنية وكمان دسترة الوضع ده عشان ميبقاش في أمل في تغييره بسهولة، ويكون الانقلاب العسكري باسم الحفاظ على الدستور أسهل وأسرع من عمل انتخابات.

– المواطنين المصريين دفعوا أتمان كتير عشان يقدروا يعيشو في عدالة وكرامة وحرية، وعشان المستقبل يبقى فيه تغيير من الأوضاع اللي بنتحكم بيها، وللأسف التعديلات الدستورية الحالية هي أسوأ شيء ممكن يحصل للمصريين دلوقتي وفي المستقبل.
– الجيوش جهات بتقدم خدمة عامة هيا تأمين الحدود وأمن البلد، زي ما جهات غيرها ممكن تقدم خدمة الصحة أو التعليم، وكلها مفروض من أموال دافعي الضرايب اللي هما احنا، وكلها مفروض تخضع لحكم الشعب عبر ممثليه المنتخبين نواب أو رئيس . حتى لو ده مش واقعي لكن غريب جدا انه يتكتب عكسه كمان.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *