الصورة اللي قدامنا دي من شهر أبريل اللي فات، الرئيس البوتسواني الجديد موكسيسيسى ماسيسى في مراسم حلف اليمين بيسلم على الرئيس السابق أيان خاما، بعد ما خلص فترتين رئاسيتين (10 سنين) وسلم السلطة بهدوء.
– ده أفضل مشهد نبدأ بيه الكلام عن تجربة بوتسوانا، أفضل دولة أفريقية في مؤشر مدركات الفساد العالمي، وده في إطار شغلنا المستمر عن تجارب مكافحة الفساد اللي هنواصل الكلام عنها، ونفهم سوا ايه اللي عملوه وممكن نتعلم ايه منهم.
*****

إيه اللي حققته بوتسوانا لحد النهاردة؟
– محتاجين نرجع لتاريخ بتسوانا، اللي هيا دولة صغيرة استقلت سنة 1966 عن الاحتلال البريطاني، وبالتأكيد ساعدها قلة عدد السكان (2 مليون) لكن مننساش انها وقتها كانت متخلفة جدا عن مصر.
– حسب مقال للدكتور هاني السلاموني الخبير بالأمم المتحدة البلد وقتها مكانش فيها إلا 22 شخص خريج جامعي اتعلموا بره لأن البلد مكانش فيها أي جامعة، و100 شخص فقط معاهم ثانوية عامة، وإجمالي الطرق المرصوفة 5 كيلو فقط!! كانت من أفقر دول العالم، بنصيب فرد من الناتج المحلي 70 دولار فقط.
– بحسب آخر مؤشر لمدركات الفساد في 2017، بوتسوانا حالياً هي الدولة ال34 على مستوى العالم والأولى على أفريقيا فى ترتيب المؤشر.
– بجانب ده فهي بتحتل مراكز متقدمة في مؤشر حكم القانون كل سنة، في آخر مؤشر لحكم القانون ترتيبها ال45 علي مستوي العالم.
– بتسوانا نجحت من الاستقلال لحد دلوقتي أنها تحافظ على متوسط لمعدل النمو الاقتصادي حوالين ال 5 %، ووصلت لحوالي 10% في بعض الأوقات، ونصيب الفرد من الناتج الاجمالي المحلي تضاعف بسرعة إلى حوالي 18000 دولار بالمقارنة بمصر 13700 دولار (توضيح: المؤشر ده عن نمو الاقتصاد وحجمه مش عن متوسط دخل الفرد).
– الدين العام في بوتسوانا منخفض جداً، حسب صندوق النقد الدولي سنة 2017 نسبته حوالي 15% بالمقارنة بمصر 103%، والدين الخارجي في بتسوانا شبه معدوم حوالي 2.4 مليار دولار فقط.
*****

إزاي وصلت بوتسوانا للمستويات دي؟
– أهم فارق في تجربة بوتسوانا عن باقي الدول الأفريقية هوا الوضع السياسي، انها حافظت من وقت الاستقلال على انتخابات مستمرة رغم انها مكانتش مثالية.
– في بداية التسعينات كان هناك فضائح فساد كبيرة تورط فيها وزراء من الحكومة وكمان اتهامات بتزوير في الانتخابات الرئاسية.
– لحد 1998 كان حكم بوتسوانا رئيسين من نفس الحزب خلال 34 سنة، لكن في 1998 أقر البرلمان تعديل للدستور لا يسمح للرئيس بأكتر من فترتين رئاسيتين، وده كان جزء منه تحت الضغط الشعبي من فضائح الفساد.
– سنة 1994 أسست الحكومة هناك جهاز خاص تحت اسم “مديرية شؤون الفساد والجريمة الاقتصادية”، واستعانو فيه بتجربة الجهاز الشبيه في سنغافورة اللي حكينا عنه سابقا، والجديد انهم وظفوا عندهم خبراء سابقين من سنغافورة جنب الخبراء المحليين.
– الجهاز تم منحه الاستقلال وكل الصلاحيات والاستقلال في تعقب الفاسدين وإحالتهم قضائيا، وخصص ارقام للتواصل المباشر مع بلاغات المواطنين، ومن اللحظات الأولي بدأ يراعي المعايير الدولية للشفافية زي معايير منظمة الشفافية الدولية.
– أقرت الحكومة كمان قانون بإنشاء جهاز حكومي للمناقصات، واتعمل على 3 مستويات إدارية (مركزي للدولة – على مستوى الولايات (المحافظات) – على مستوى الأحياء)، وبالتالي مفيش موظف واحد يقدر يوافق على عقد حكومي للقطاع الخاص بل اجراءات مناقصات شفافة وعليه اشراف منظم والانتخابات المحلية ساعدت في المزيد من الرقابة والكفاءة.
– في 1997 تم فتح مكتب مخصص لاستقبال الشكاوى من المواطنين ضد استغلال السلطة من الموظفين العموميين.
– في 2009 تم وضع قانون “الذكاء المالي” المتعلق بمراقبة التعاملات البنكية ورصد أي شيء مريب.
– بوتسوانا قررت تخلي محاربة الفساد ثقافة شعبية، وبقت موجودة بالمناهج وفي التلفزيون .. ومثلاً مكتب مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية عمل زيارات في 2013 لأكثر من 200 مدرسة في حملات توعية ضد الفساد.
– بوتسوانا حافظت على استقلال القضاء وفصله عن السلطة التنفيذية، وكمان حافظت على إعلان الموازنات الحكومية، عشان كده في 2016 في تقرير لصندوق النقد تم تصنيف بوتسوانا إنها دولة المؤسسات الأفضل في أفريقيا، ودا كان مستند لعوامل أهمها الفصل الواضح بين السلطات الثلاثة في البلد، وأنها الدولة الأعلى في أفريقيا في شفافية الموازنة العامة.
*****

– بالتأكيد الصورة مش وردية 100%، وعندهم مشاكل، زي ارتفاع نسبة البطالة عشان كده الرئيس الجديد ركز عليها في خطابه، و خلافات حول إدارة عوائد الألماس (لكن مننساش انها قدمت تجربة رائدة في افريقيا بعدم حدوث أي حروب أهلية بين القبائل على الموارد الطبيعية في أراضيها).
– كالعادة حرية الصحافة دايما بترتبط بمكافحة الفساد، وفي مؤشر حرية الصحافة العالمي بوتسوانا حاليا في المركز 48 حالياً بينما مصر في المركز 160 للأسف. لكن حتى ده يعتبر تراجع في بوتسوانا الي كانت في ترتيب افضل سابقا وده ضمن انتقادات بتوجه للمزيد من الخطوات الأفضل.
*****

إيه اللي ممكن نستفيده من النموذج ده؟
– زي ما قلنا سابقا محاربة الفساد دايما مرتبطة بمنظومة كاملة تشمل الأوضاع السياسية، واستقلال القضاء، وحرية الصحافة .. مش صدفة إن ده يحصل في البلد اللي نشوف فيها المشهد اللي بدأنا بيه للرئيس بيسلم السلطة بسلام .. ومهم جداً نشوف إن الرئيس السابق ماسيسي مقالش انا حاربت الفساد أهو عدلو الدستور عشاني لأن انا بس الي اقدر احافظ على “انجازاتي”، لكن انجازه الحقيقي انه خلا مكافحة الفساد منظومة ومؤسسات مش مرتبطة بشخصه.
– محاربة الفساد ودولة القانون والمؤسسات بتنعكس فايدة مباشرة في جذب الاستثمار الأجنبي وثقة الاستثمار المحلي، وبالتالي النمو الاقتصادي، برضه دي ملفات مرتبطة مش منفصلة.
– فيه فرق بين رفع شعارات محاربة الفساد أو ضبط حالات فردية من المسؤولين الفاسدين وبين وضع سياسات محددة وثابتة، وهنا بنكرر التذكير بغياب قانون حرية تداول المعلومات في مصر، أو اجراءات توحيد الحسابات البنكية للتعاملات الحكومية إلكترونيا لضبط الحد الأقصى والأدنى للأجور وغيرها مما كررناه سابقا .. وده اللي اسمه “إرادة سياسية” اللي نتمنى تكون عندنا.
– النماذج الإيجابية دي مش بس متاحة في الغرب عشان يتقال احنا فين وهما فين، لأ ده دول أفريقية كتير قدرت تاخد خطوات للمكافحة المؤسسية للفساد وللديمقراطية المستقرة، بينما إحنا مسارنا في اتجاه آخر للأسف.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *