– من حوالي أسبوعين، رئيس الوزراء الألمانية أنجلا ميركل أعلنت انها مش هترشح نفسها تاني لرئاسة حزبها، وانها مش هتترشح تاني لرئاسة الحكومة أو حتى للبرلمان بعد نهاية فترتها الحالية (2021).
– ميركل قررت تعتزل رغم كل النجاحات اللي حققتها من 2005، ورغم ان حزبها فاز من أقل من سنة بأكبر عدد مقاعد بالانتخابات، لكنها هتمشي استشعاراً لمسؤوليتها عن تراجع الحزب في الانتخابات المحلية في ولاية هيسن غرب ألمانيا، وده مرتبط بجدل حول بعض الملفات أهمها اللاجئين.

– ايه اللي ممكن يدفع شخصية سياسية كبيرة بالنجاح ده انها تعتزل؟ السؤال يهمنا خاصة أنه عندنا في مصر في ناس كتير بتتكلم علي أنه لازم نعدل الدستور علشان الرئيس يحصد ثمار “انجازاته”.
ده غير اجابة الرئيس لما اتسأل بمنتدى شباب العالم عن الرؤساء اللي عايزين يحكمو للأبد فبدل ما يتكلم عن فترات الرئاسة، راح قال مفيش حاجة اسمها أبد لأن الانسان بيموت مش بيعيش ١٠٠ او ٢٠٠ سنة!
– بالصدفة ميركل أعلنت قرارها بالتزامن مع زيارة الرئيس السيسي لألمانيا آخر الشهر اللي فات .. وكمان لما كانت واقفة جنبه في المؤتمر الصحفي المشترك اتسألت لو كان قرارها ممكن يأثر على موقفها التفاوضي في الباقي من ولايتها فقالت “لا أعتقد أن أي شيء سيتغير بشأن الوضع التفاوضي في المفاوضات الدولية، بل يمكن القول أنه سيتاح لي المزيد من الوقت للتركيز على مهامي كرئيسة للحكومة”
*****

إيه هوا تاريخ أنجيلا ميركل السياسي؟

– أنجيلا ميركل دخلت العمل السياسي سنة 1989 بعد سقوط جدار برلين اللي كان بيقسم المانيا وقتها إلى شرقية في حلف الاتحاد السوفيتي، وغربية في الحلف الأمريكي، وميركل جت من ألمانيا الشرقية اللي كانت أفقر.
– ميركل كسبت الانتخابات البرلمانية سنة 1990 عن الحزب المسيحي الديمقراطي، وبسرعة بقت أصغر وزيرة في الحكومة بدأت بوزارة المرأة والشباب، وبعدها وزارة البيئة والسلامة النووية.
– خسر الحزب المسيحي الديمقراطي الانتخابات سنة 1998 وتحول للمعارضة، واتعينت ميركل في منصب أمين عام الحزب، وقامت بإخراج عدد من القيادات التاريخية بسبب تجاوزات مالية، وفازت برئاسة الحزب سنة 2000.
– وفي 2005 فازت الحزب تاني، وفازت ميركل بلقب المستشارة “رئيس الحكومة” كأول مستشارة في تاريخ ألمانيا، ومن وقتها استمرت 4 دورات انتخابية متتالية بسبب نجاحها المستمر.
*****

ايه الانجازات اللي حققتها ميركيل؟

– في 2005 كانت ألمانيا بتعانيمن مشاكل اقتصادية كبيرة اهمها تراجع معدل النمو، وارتفاع معدل البطالة إلى 12.6 % ، وهو المعدل الأعلى من 1933 يعني من وقت هتلر.
– بعد 12 سنة من حكم ميركل معدل البطالة بقى 4.9 % بس وهو الأقل من الثمانينات، وأقل من معظم دول أوروبا.
– في 2017 حققت الميزانية العامة الألمانية 38 مليار يورو فوائض مالية، وهو الفائض الأكبر في الميزانية العامة من 1990 لحد دلوقتي.
– ميركل نجحت أنها تعدي بألمانيا أكبر الأزمات المالية في التاريخ سنة 2008، رغم إنها أصابت أمريكا والكثير من الدول بالركود، وده نتيجة سياسات اقتصادية بدأها المستشار الألماني السابق – شرودر – وكملتها ميركل، مرتبطة بضخ الأموال في السوق بشكل مستمر والتصدير من خلال الشركات متوسطة الحجم، وبعدها استعادت معدلات نمو أعلى من معظم بقية دول اليورو.
– الصادرات الألمانية زادت من 2009 لحد دلوقتي زيادة ملحوظة، والميزان التجاري الألماني السنة اللي فاتت حقق فائض 280 مليار دولار ، يعني الصادرات أكبر من الواردت ب 280 مليار وده تاني أكبر فائض ميزان التجاري في العالم بعد الصين.
– في فترة ميركل زاد الإنفاق على التعليم من 4.2 % من الناتج المحلي في 2006 إلي 4.9 % في 2016 والرعاية الصحية زادت من10.2 % من الناتج المحلي في 2006 ل 11.9 % في 2017 .. ناخد بالنا أنه ال 1 % زيادة في الإنفاق في دولة زي ألمانيا يعني حوالي 40 مليار دولار لأنه الناتج المحلي هناك حوالي 4 تريليون دولار في واحد من أكبر 5 اقتصاديات بالعالم.
*****

– الحقيقة أن مفيش أي وجه مقارنة بين ألمانيا ومصر في أي شيء سواء على المستوى الاقتصادي، أو في الحريات، أو في الديمقراطية وطبعاً في النظام السياسي وطبيعة الرؤساء والمسؤولين والبرلمانيين هنا وهنا.
لكن إحنا بنذكر المثال ده لأكثر من سبب:
– أولهم إنه ميركل أحد أهم النماذج الناجحة في تاريخ ألمانيا، والنظام هناك ديمقراطي برلماني مبيحددش فترة محددة للحكم، طالما الحزب بيكسب الانتخابات ويقدر مع أحزاب تانية يوصل لأغلبية البرلمان ويشكل الحكومة فانت ممكن تستمر بشكل دائم، لأن الحاكم الحقيقي هنا هوا البرلمان، ومتقدرش تعين أو تقيل وزير من غير دعمه، وفي أي وقت ممكن يتم سحب الثقة منك .. ومع كده هيا اللي قررت تمشي.
– رحيل المسؤول هناك ممكن يحصل لأنه بيحس بالمسؤولية تجاه وطنه بإنه لازم أشخاص آخرين يجددوا ويطوروا، أو لأنه بيحمل نفسه مسؤولية خطأ أو إخفاق ويقرر ينسحب من المشهد زي ميركل، أو زي ما حصل مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني لما خسر استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي اتقدم باستقالته مباشرة كتحمل مسؤولية مع ان الاستفتاء مكانش على شخصه وحزبه كان مازال معاه الأغلبية.
– ثاني حاجة: نجاح أي نظام سياسي واستقرار أي بلد مش بإنه في رئيس بيحكم من غير حروب وقتل، إنما في تداول السلطة بشكل سلمي بين الجميع، والمؤسسات القوية هي اللي بتحمي حق المواطنين في الاختيار، وإنه أي إنجاز بيقدمه الرئيس أو الحكومة ده واجبه للشعب مش عشان يفضل في الحكم مدى الحياة بسبب الإنجاز، مش مكافئة هيا أو علاوة!
– تعديل الدستور عشان الرئيس يتمكن من الحكم مدى الحياة هو أكبر خطر على أي بلد، والتبرير لده بإنه الرئيس قدم إنجاز ما – أغلب المواطنين مش حاسين بيه – ملوش أي منطق، ولو افترضنا إنه حتى في نجاح اقتصادي ومعدلات نمو زي “الصين” – واحنا اتكلمنا بالتفصيل سابقا عن النموذج الصيني اللي رغم عدم ديمقراطيته لكنه بيدير الحكم بشكل (سياسي) مختلف تماما عننا – فغياب الديمقراطية بيمنع التوزيع العادل لأرباح النمو الاقتصادي، وده اللي بيخلي الدول الديمقراطية مستوى رفاهية المواطن فيها أفضل، لأنه الاستقرار والتنمية مرتبطين بالديمقراطية.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *