– من أيام اللواء كامل الوزير وزير النقل الجديد أقال نائب رئيس هيئة السكة الحديد للشئون المالية مصطفى سلطان، بناء على مخالفات مالية ارتكبها، بصرف أكتر من 52 ألف جنيه شهرياً لنفسه بصورة علاوات وحوافز.

– بالطبع القرار ايجابي، لكن المهم هنا مش الكلام عن إزاي اللواء كامل الوزير بيطهر الوزارة زي ما هتسمعو في البرامج، لكن محدش هيتكلم إزاي دا حصل من الأساس؟ وليه مفيش أي عقاب قانوني أصلا للي يتجاوز الحد الأقصى للأجور؟ وازاي ممكن نتفادى ده حاليا وفي المستقبل ؟ وكمان هنتكلم عن عدالة القانون نفسه.
*****

إيه قصة المخالفات المالية؟؟

– حتى الآن مفيش أي بيان رسمي من وزارة النقل أو تصريحات واضحة من وزير النقل عن السبب، لكن الكلا نشرته الصحف كالعادة نفلا عن (مصادر)، بعضها اتكلم بس عن صرفه لنفسه علاوات وحوافز تتخطى 52 ألف جنيه شهريا، بينما مثلا جريدة الوطن نشرت تفاصيل تانية بناء على مستندات، إن الشكوى اللي اتحرك على أساسها وزير النقل وثبت صحتها كان فيها صرف علاوات وبدلات لبعض الموظفين والتوقيع عليها بدون معرفتهم، أو يوقعوا عليه بدون ما يبقضو المبالغ بالكامل.

– بعد القرار بيومين لقينا تصريحات تانية من رئيس هيئة السكة الحديد المهندس أشرف رسلان، إنه تم إنهاء إنتداب مصطفى سلطان من وزارة المالية قبل تعيين كامل الوزير أصلا، وإنه المخالفات ده بتحقق فيها النيابة الإدارية وإنه مفيش أي إدانة للراجل.

– وبغض النظر عن صحة الخبر أو كونه كان مجرد فرقعة إعلامية ومحاولة تخويف وإظهار قوة من كامل الوزير، لكن الأسئلة الحقيقية هنا هو إيه وجه الحق في إنه موظف باللدولة أصلاً يتخطى الحد الأقصى للأجور اللي هوا 42مفروض ألف جنيه؟ وليه لحد دلوقتي مفيش ضبط للمرتبات والأجور بشكل حقيقي تطبيقاً لفكرة الحد الأقصى؟
*****

هل دي أول مرة؟؟
– الحقيقة إن القصة دي متكررة جدا، اتكلمنا سابقاً عن قصة حوافز إدارة الشركة المصرية لتجارة الأدوية (اللنك موجود بآخر الموضوع)، وكمان اتكلمنا عن قصة قضية حبيب العادلي اللي فيها العادلي منح نفسه وقيادات الداخلية حوالي 2 مليار و388 مليون جنيه تحت مسميات زي “حافز مواجهة احتياطات أمنية” واتحكم ببراءة 90 قيادة بالداخلية من الدرجة الأولى بسبب “توافر حسن النية لديهم تجاه المال العام، وعدم توافر القصد الجنائي”، وبعدها النقض ألغت الحكم الصادر على 12 مسؤول منهم العادلي أخدوا قرارات الصرف لأسباب شبيهة، كله قانوني ورسمي!
*****

هل الحد الأقصى للأجور موجود فعلاً ولا هو حبر على ورق؟
– عندنا من ديسمبر 2011 مرسوم من المجلس العسكري بقانون الحد الأقصى، لكن مصدرش لائحة تنفيذية ليه وبالتالي متطبقش وكان مجرد كلام غير جاد.
– في يناير 2014 صدرت لائحة تنفيذية لقانون 2011 وتم الترويج ليها باعتبارها قانون جديد ومن إنجازات حكومة حازم الببلاوي بعهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، وبرضه متطبقش.
– بعدها بأقل من 6 شهور بعهد الرئيس السيسي صدر قانون جديد اللي هوا القانون 63 لعام 2014، وبالنص “لا يجوز أن يزيد عن 35 مثل الحد الأدنى، وبما لا يجاوز 42 ألف جنيه شهريا صافي الدخل الذي يتقاضاه من أموال الدولة أو الهيئات والشركات التابعة لها”
ونص القانون على استثناء واحد لهيئات التمثيل بالخارج أثناء مدة عملهم خارج مصر فقط.
– القانون معجبش ناس كتير من اللي شغالين في الجهاز الإداري للدولة ورفعوا دعوات قضائية لإسقاطه، بنك التعمير والإسكان، والبنك المركزي، والبنك الأهلي خدوا أحكام بوقف تنفيذ القانون عليهم كذلك قضاة المحكمة الدستورية ومجلس الدولة رفضوا القانون الجديد.
– بعيد عن الجهات الكتير اللي اخدت استثنائات، القانون لم ينص على أي آلية ازاي تتأكد من اجمالي الدخل وبالتالي عندنا مثلا مسؤولين بياخدو مرتبات من أكتر من جهة، زي المستشارين المنتدبين للوزارات، وعندنا اللي بياخدوا خارج المرتب بدلات حضور الاجتماعات وحوافز وغيرها من كذا ادارة بنفس الوزارة او من اكتر من وزارة وجهة.
– القانون كمان لم ينص على أي عقوبة للي يتجاوز ده ولا بيوصفه بالفساد مثلا ولا حاجة.
– وبالتالي وضع عجيب جدا ان قانون اتحط بينما اللي بيكتبه بيسمح بتجاوزه، والتفسير المنطقي الوحيد ان الغرض سياسي للسماح لبعض الفئات المطلوب انها تتراضى بتجاوزه كإنه فساد قانوني أو رشوة سياسية قانونية!
*****

طيب هل الحد الأقصى للأجور مهم فعلا ؟

– طبعاً وفي حالة مصر لازم يكون موجود، لو احنا في دولة تانية كان ممكن نقول أن الحد الأدني أهم، والحد الأقصى ممكن التغاضي عنه مادام عندنا آلية ضرائب عادلة وقوية وتفرض ضرائب أكبر على أصحاب الدخول الأعلى.
– عندنا في مصر الشريحة الأكبر في الدخل السنوي هي 200 ألف جنيه فما فوق، يعني حوالي 16.5 ألف جنيه في الشهر ودي بيتاخد منها 22.5 % بس من الدخل، ودي تقسيمه شرائح مشوهة بتخلي اللي دخلة 20 ألف جنيه في الشهر يدفع نفس النسبة للي دخله دخله مليون في الشهر.

– جزء تاني مهم أنه في الوقت اللي الحكومة فيه بتقول إنها بتعمل إجراءات تقشفية وبتعاني من عجز الموازنة، ومش عايزة تزود الحد الأدنى للأجور عن 1200 جنيه، يبقي جزء مهم من تحقيق العدالة الاجتماعية انك توزع أعباء التقشف علي جميع العاملين في الحكومة .. يعني طالما بتقول للموظف الصغير استحمل واصبر عشان مصر، يبقى كمان الكبير يصبر عشان مصر معاه!
– مبرر تاني بيتقال كتير في انتقاد فكرة الحد الأقصى إنها هتخلي الكفاءات تهرب من الجهاز الحكومي وتروح للقطاع الخاص، والحقيقة ده مبرر فيه وجاهة فعلا خاصة لقطاعات معينة، لكن ده حتى المفروض يكون لاستثناءات قليلة جداً وممكن يتحدد لها معايير واضحة، زي خبرات سابقة معينة أو نتيجة معينة تتضح بأرقام قيمة مضافة حقيقية للإنتاجية والأرباح، إنما استثناء شرائح بأكملها من كبار الموظفين ده ملوش علاقة بفكرة الكفاءة!
– كمان بيتقال انه الحد الأقصى للأجور مش موجود في أي دولة متقدمة، والحقيقة أنه فعلا مفيش قوانين للحد الأقصى للأجور في الدول دي، لكن المنظومة كلها مختلفة، أولا عندهم حد أدنى يحدد بالساعة للقطاعين العام والخاص وبيكون منطقي وعادل وبيتغير لو حصل تضخم في البلد واللي يشغل حد بأقل منه يبقى ارتكب مخالفة قانونية .. كمان بعض البلاد بتفرض شرط نسبة بين أقل وأكبر مرتب وده يشمل القطاع الخاص واقل من 35 ضعف وفيه ضغوط مستمرة، في سويسرا قدموا قانون لتحديد الحد الأقصى بنسبة 12 ضعف الحد الأدني واتحط في استفتاء شعبي لكن اترفض بفارق بسيط، زي ما قلنا اختلاف الضرايب الللي ممكن توصل في بعض الدول لحوالي 60 % للشرائح الأعلى، ده غير ان الغرب برضه رغم تمتع المواطنين بأنظمة رعاية اجتماعية عامة اضعاف أي حاجة عندنا مطروح عندهم بجدية الكلام عن عدم المساواه وحلولها، مثلا جيرمي كوربن في إنجلترا وهو زعيم حزب العمال واحد من أكبر حزبين هناك مؤيد لفكرة الحد الأقصى.
*****

طيب نصلح الوضع الحالي دا ازاي ؟

– أول إجراء تعديل القانون بانه يلزم الموظف بالابلاغ الطوعي عن أي حاجة يتقاضاها اكتر من 42 ألف جنيه، واللي ميبلغش ويتكشف تبقى دي جريمة قانونية تتعاقب بتهم الفساد والاستيلاء على المال العام.
– عندنا حل مهم ومطروح من زمان، من أيام الوزير أحمد درويش بعهد مبارك، وهوا ربط كل التعاملات المالية للمواطن برقمه القومي بحساب واحد مع وزارة المالية، وبالتالي يبقى معروف كل مليم دفعه المواطن للدولة بصورة ضرائب ورسوم، أو تقاضاه من الدولة أيا كان اسمه مرتبات ولا بدلات وحوافز.
وبالتالي تبقى في قدرة لمعرفة إمكانية تحديد وتطبيق الحد الأقصى والأدنى المنطقي، والمعدل الضريبي العادل.
– على المدى الطويل هيكل الأجور والضرائب محتاجة عملية إصلاح حقيقي، مش معقول اللي يدفع تمن عجز الموازنة والتقليل في الأجور والحوافز هما الموظفين الصغيرين في الدولة لوحدهم، اللي هما الطرف الأضعف إقتصادياً، صحيح في قانون لكن عدالة القانون أهم من وجوده الشكلي أو تطبيقه على الصغيرين فقط.
*****

بوستات سابقة:
التقشف ممنوع على الوزراء http://bit.ly/2HHzUzY
الشركة المصرية لتجارة الأدوية .. قصة الاقتصاد والسياسة في مصر http://bit.ly/2CyJ5yL
****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *