– في بداية الشهر الجاري وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار من رئيس الجمهورية بشأن إعادة تشكيل المجلس الأعلى للتصدير في مصر.
– القرار الجديد مهم وإن كان متأخر كثيرا لأنه من المفترض أنه الحكومة تبدأ إجراءات إصلاح واسع لمنظومة التصدير من قبل قرار تعويم الجنيه في نوفمبر 2016 عشان نقدر نستفيد بأهم جانب إيجابي في التعويم وهوا ارتفاع منافسة سلعنا في الأسواق العالمية بعد انخفاض الجنيه أمام الدولار، لكن ملف الصادرات محصلش فيه كتير في السنوات الأخيرة.
– إيه تأثير القرار الجديد؟ هل هو كافي؟ إيه المشكلة في ملف التصدير في مصر؟ وإيه الإصلاحات المطلوبة عشان نزود الصادرات المصرية للعالم؟
دي الأسئلة اللي هنجاوب عليها في البوست النهاردة.
*****
إيه القرار الجديد وإيه تأثيره؟
– المجلس الأعلى للتصدير كان من أول الإصلاحات المؤسسية اللي تمت في التسعينات، مع الموجة الأولى “للإصلاح الاقتصادي” في مصر بعد توقيع أول اتفاق مع صندوق النقد في بداية التسعينات.
– من المفترض أنه تشكيل المجلس برئاسة رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه، وعضوية رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط وزير قطاع الأعمال، ووزير الزراعة والمالية والتجارة والبترول وغيرهم من الوزراء، بالإضافة لمحافظ البنك المركزي ورؤساء اتحادات الصناعة والبنوك والاتحاد العام للغرف التجارية، وأربعة من المصدرين يختارهم رئيس الوزراء.
– بعد قرار إعادة التشكيل الأخير فضل الرئيس أو من ينوب عنه رئيس للمجلس، وكذلك رئيس الوزراء وبعض الوزراء والمسئولين الآخرين، لكن تم تحديد عضوية كل منهم بـ4 سنين قابلة للتجديد.
– المجلس الأعلى للتصدير بشكله القديم مجتمعش إلا اجتماعات إجرائية، والمصدرين كانوا بيطالبوا دايما بإعادة تفعيله.
– أيضا تم توسيع بعض الصلاحيات للمجلس الأعلى للتصدير زي إصدار الدراسات والتوصيات اللازمة لتنشيط الصادرات.
– طبعا إعادة التشكيل مش هي الإصلاح المؤسسي المطلوب، لكنها خطوة كبداية لإصلاح أوسع لمنظومة الصادرات في مصر، تشمل إصلاح المجالس التصديرية المختلفة وخاصة المتعلقة بالسلع المنتجة زي النسيج ودي لأن لها قيمة مضافة مرتفعة.
*****
إيه وضع التصدير في مصر حاليا؟
– لما الحكومة قررت تاخد قرار التعويم في نوفمبر 2016 كان الشيء الإيجابي الأبرز في القرار هو أنه هيزود الصادرات، لكن اللي حصل ورغم الزيادة إلا أنها كانت زيادة منخفضة جدا.
– لو استبعدنا الصادرات البترولية هنلاقي إن مصر حاليا بتصدر سنويا بحوالي 17.7 مليار دولار صادرات سلعية غير بترولية، ودي كانت في 2016 حوالي 15.1 مليار دولار، يعني كل الزيادة اللي حصلت كانت حوالي 2.5 مليار دولار فقط.
– عشان نعرف قد إيه دي زيادة منخفضة في الصادرات، فيه نموذج عمله صندوق النقد الدولي بدراسة على 80 دولة من اللي حصل عندهم تخفيض للعملة، الدراسة دي قالت إنه كل 10 % خفض في قيمة العملة بينتج عنها زيادة صادرات بنسبة 1.5 % من الناتج المحلي.
– وده يعني أنه مصر كان المفترض يحصل عندها زيادة صادرات بنسبة 7.5 % على الأقل من الناتج المحلي، يعني مصر كان المفروض تزيد الصادرات عندها بحوالي 25 مليار دولار وده بالإضافة لـ 15 مليار دولار قبل التعويم يعني مصر كان المفروض صادراتها غير البترولية تكون في حدود 40 مليار دولار، وإحنا دلوقتي أقل من نص الرقم ده.
– حتى البنك الدولي وصندوق النقد اتكلموا أكثر من مرة أنه تأثير التعويم لم يكون جيد على الصادرات على عكس توقعاتهم وتوقعات الحكومة المصرية قبل التعويم، وقال البنك في تقرير صادر في ديسمبر اللي فات أنه مصر ما زال فيها نسبة منخفضة من المصنعين بتصدر للخارج وهي 9% فقط.
*****
ليه مصر عندها مشكلة في التصدير؟
– في عوامل كثيرة ساهمت في أننا لا نستفيد من طفرة الصادرات المرتقبة بعد قرار التعويم وممكن نلخص العوامل دي في الآتي:
1- هيكل الصادرات مشوه بيعتمد على سلع غير مصنعة زي الغاز ومواد خام زي الذهب والسلع الزراعية نصف المصنعة ودي قيمتها المضافة أقل من تصدير منتجات.
2- في فجوة في سلاسل القيمة في مصر بنضطر نستورد مواد أولية وسلع وسيطة كثير عشان نصنعها بالتالي لما نرجع نصدر السلع دي قيمتها بتكون منخفضة وكمان السلع دي تأثرت بالسلب بقرار التعويم.
3- مشكلات في الإنتاجية في مصر، لأنه النشاط الاقتصادي بيحفز عملية المضاربة في العقارات ومش بيوجه المدخرات المحلية للتصنيع.
4- مشكلات في جودة المنتجات وعدم مطابقتها للمواصفات الأوروبية والأمريكية في أحيان كثيرة بالتالي بتتمنع من دخول الأسواق دي.
5- مشكلات في القوانين واللوائح المنظمة للجمارك وعمليات التصدير والحصول على الرخص التصديرية واللي بتاخد وقت ومجهود كبير.
6- مشكلات في السوق الداخلي في مصر بتخلي عملية التصدير صعبة على صغار المنتجين وبتخلي في شبه احتكارات كبيرة لعمليات التصدير، وده بيتضح في سوق الحاصلات الزراعية مثلا واللي فيها شركة او اتنين بيحتكروا تصدير المنتجات المصرية زي البطاطس والبرتقال وغيرها لأوروبا والخليج.
7- مشكلات مؤسسية في عدم تفعيل أدوار المجالس التصديرية المختلفة وعدم تفعيل مؤسسات زي المجلس الأعلى للتصدير في السابق، بالتالي مفيش إصلاح مؤسسي جاد اتعمل في الملف ده من فترات طويلة رغم كل المحاولات.
*****
نعمل إيه في الملف ده؟
– الحكومة بتقول أنها بتستهدف إن مصر تصدر بـ 100 مليار دولار في السنوات القادمة، وده شيء طموح وجيد جدا أنه يكون هدف الحكومة تسعى لتحقيقه، لكن عشان ده يحصل لازم يكون في إصلاح اقتصادي واسع في مصر يشمل تغيير نمط الاقتصاد نفسه عشان يكون اقتصاد إنتاجي، ونقدر نوجه جزء من الإنتاج ده للتصدير.
– بالتالي مثلا كل عوامل الإخفاق اللي ذكرناها فوق دي محتاجة يتم علاجها بشكل جذري، يعني مثلا:
1- محتاجين إصلاح مؤسسي يفعل أدوار المجالس التصديرية وينهي الاحتكارات الموجودة فيها وسيطرة كبار رجال الأعمال عليها، وندخل صغار ومتوسطي المنتجين جوه المجالس دي، بنشوف النموذج ده واضح في اقتصاد متقدم قائم على الشركات الصغيرة والمتوسطة زي ألمانيا واللي شركاتها الصغيرة بتصدر لكل حته في العالم لأنه الحكومة بتساعدها أنه يكون عندها نفاذ للأسواق دي.
– والخطوة دي كمان مهمة لأن دعوة المصدرين والفنيين المناسبين عشان يكون المجلس له دور فعال في زيادة الصادرات، ولأن إعادة الهيكلة يفترض إنها قايمة على اختيار ناس يقدروا يقولوا رأيهم في قضايا التصدير وفقاً لمعايير، عشان ميتحولش المجلس مجدداً لمجلس إجرائي بس بدون جدوى على الأرض.
2- عملية الإصلاح المؤسسي دي لو تمت هتفعل المنافسة بالتالي هترفع جودة المنتجات المصرية وتخليها أفضل في المنافسة في الأسواق العالمية، لأنه من المعلوم بالضرورة أنه كلما زاد الاحتكار قلت المنافسة وبالتالي الجودة.
3- إصلاح البنية القانونية للتصدير وتسهيل الحصول على رخص التصدير وتفعيل آليات رقابة الجودة على المنتجات.
4- استخدام آليات موجودة لدى مصر دلوقتي في تنشيط التبادل التجاري خاصة مع الأسواق النامية زي إفريقيا، لازم نفعل دور الملحق التجاري في السفارات المصرية وميبقاش مجرد موظف شرفي.
5- إصلاح أوسع وهيكلي للاقتصاد يعتمد على توطين الصناعات في مصر وتقليل الاعتماد على استيراد السلع الوسيطة، وبالتالي يبقى فيه قيمة مضافة أكبر للاقتصاد المصري لما السلع النهائية يتم تصديرها.
6- التركيز على السلع الإنتاجية في التصدير، محدش بيقول أننا لا نصدر فائض المنتجات الزراعية لكن لازم نعرف إن المنتجات الزراعية القيمة المضافة منها أقل، والدول المصدرة الحقيقية زي كوريا وألمانيا بتصدر منتجات نهائية لأنه قيمتها أعلى، وده بيتطلب طبعا تغيير طبيعة الاقتصاد اللي إحنا فيه وتشجيع الصناعة مش المضاربة في العقارات زي ما الدولة حاليا بتعمل.
– كل الإصلاحات دي وإصلاحات تانية كثيرة لازم تُطرح على مائدة نقاش المجلس التصديري بل والحكومة، ويتم إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في التخطيط لزيادة الصادرات المصرية ويكون كل ده من خلال خطط واضحة ومنشورة ومسئولين يتم محاسبتهم لما ميعملوش شغلهم.
– كل الإصلاحات دي بتتطلب إصلاحات اقتصادية حقيقية تدمج الناس في اقتصاد إنتاجي وتديهم أجور عادلة وتنشط السوق وتعمل على رفع المنافسة مش تزاحم القطاع الخاص وتضيق عليه السبل كلها، وكل الإصلاحات دي مرتبطة بإصلاحات في هيكل عمل السوق في مصر وإنهاء الفساد والاحتكارات اللي موجودة سواء من الدولة أو من القطاع الخاص.
– في النهاية لازم نعرف أنه الكلام عن إعادة تشكيل المجلس الأعلى للتصدير مهم، لكنه غير كاف لوحده لزيادة الصادرات لو مكنش في إصلاح جذري في الاقتصاد ككل يخلينا بالبلدي يعني نلاقي اللي نصدره للعالم ونسوقه بالقدر الكافي.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *