– كل سنة بنشوف المشاهد المتكررة مع أي شوية مطر ، الحياة شبه بتتوقف والشوارع بتقف، وبعض الطرق بيحصل فيها هبوط، خسائر اقتصادية ضخمة والأهم انه بيروح ضحيته مواطنين وصلوا 19 مواطن بالمرة الأخيرة!

– ورغم كدة الحكومة بتقول أنه معندهاش حل ولا مقتنعة بإنها تبني شبكة تصريف لمياه الأمطار بحجة أنه تكلفتها عالية، ومينفعش ندفع مليارات في شبكة زي دي عشان مصر مش دولة بتشهد أمطار متكررة.
– النهاردة خلينا نفكر شوية برة عجز وتقاعس الحكومة، ونشوف تجارب مطبقة في كتير من الدول والمدن في العالم للتعامل مع المطر، في الهند والصين والولايات المتحدة وهولندا وتايلاند وغيرها من الدول اللي حريصة على حل مشكلة تراكم مياه الأمطار وإمكانية الاستفادة منها.

– هنحاول نقدم حلول مجربة وبسيطة تخلينا نقدر نصمم مدن في المستقبل أو نعيد هيكلة المدن الحالية بحيث نحول سقوط شوية المطر من كارثة بتاخد أرواح الناس لحدث طبيعي ممكن الاستفادة منه.

**********

ليه إعادة تصميم المدن بتاعتنا مهم؟
– العالم كله دلوقتي بيعيش في مرحلة إعادة التفكير في الطرق القديمة في البناء وتخطيط المساحات العمرانية، مش بس عشان يحل مشكلة السيول والفيضانات، لكن عشان تقريبا معظم المدن الكبيرة في العالم هي مدن على البحار والمحيطات ومعرضة بفعل الاحتباس الحراري بأنها تبقى تحت مستوى البحر.

– التقلبات المناخية الشديدة واللي سببها الإحتباس الحراري هي السبب الرئيسي وراء سقوط الأمطار في مصر بالكثافة دي، بالتالي الحكومة والناس علىها أنها تتكيف مع الوضع الجديد دا.

– التكيف مع الوضع دا بيكون تكلفته كبيرة، وبيكون تكيف غير مجدي لأنه بيعالج آثار الكارثة فقط بدون التفكير في حلول طويلة الأجل في المستقبل، بالتالي التفكير من دلوقتي في إزاي نحاول نعيد هيكلة وتصميم المدن بتاعتنا عشان مواجهة التغيرات المناخية اللي هنتأثر بيها جداً بقى شيء ضروري وملح. ده بالإضافة إلى إننا بلد بتعاني من حالة فقر مائي وكان إعتمادنا الرئيسي طول الوقت على مياه النيل كمصدر للمياه العذبة.
********

إزاي نحول المطر من كارثة إلي نعمة؟

– أول خطوة هو أنه الحكومة تغير منظورها للمطر اللي بينزل بأنه شيء سيء، لازم نتخلص منه في أقرب وقت، لو الحكومة عملت كدا هتقدر تفكر في المطر دا كمصدر للمياه بالتالي نتعامل معاه بطريقة مختلفة. خاصة لما نلاقي إن في دول من “شحيحة” الأمطار لأنها مجهزة بنية تحتية تستفيد منها فبتقوم بعمليات “استمطار” عشان تقدر تستفيد من الظاهرة الطبيعية دي، الإمارات مثلاً واحدة من الدول اللي بتهتم بالملف ده وعندها مركز خاص للشأن ده، وبيتم بأنواع معينة من الطائرات هدفها تكوين سحب ركامية فيها كمية أكبر من المياه بالإضافة لبعض الأملاح اللي بيتم بذرها داخل السحب بتقنيات متطورة، فتساعد في عملية هطول الأمطار خاصة إنها واحدة من الطرق الجيدة لمكافحة الاحتباس الحراري.

– لكن أفكار الاستفادة من مياه الأمطار نفسها كتيرة، زي مثلاً اللي اتعمل في “سيدني” في استراليا هو أنهم عملوا ملاعب وحدائق عامة بمستوى منخفض عن مستوى الشارع، الملاعب دي في حالات الأمطار بتسحب المياه من الشارع ليها وبتراكم المياه فيها لاستخدامات لاحقة. الملاعب والمساحات العامة الخضراء دي في الصيف وفصول الجفاف بتكون مساحات للترفيه، وفي فترات الشتاء بتشتغل كمخزن للمياه.

– في بانكوك “تايلاند” وهي واحدة من أكثر مدن العالم تعرضا “للفيضانات” بفعل الأمطار الغزيرة، وتم اختيارها في الفترة من 2010 ل 2015 كنموذج يحتذى بيه في العالم لجعل المدن مقاومة للفيضانات، عملوا نفس الفكرة برضه، بالإضافة لأنهم خلو مساحات ركن السيارات على جانب الطريق منخفضة، ومزروعة نجيلة بحيث تمتص المياة لأنه الأسفلت لا يمتص المياه.

– في تقنية تانية بيتم استخدامها وهي جمع المياه من “التجمعات الصخرية” بحيث يتم جمع المياه من خلال نتوءات الصخور ويتم توجيه المياه دي عبر “مواسير” من الأسمنت والحجر اللي بتكون موضوعة على أسطح الصخور لخزانات المياه الصخرية.

– في شيكاغو عملوا فكرة أنهم يخلوا أرصفة الشوارع أرصفة خضراء مزروعة ويكون في مواسير بين الرصيف والشارع بحيث أنه المياة لا تتراكم في الشارع وتروح ناحية الرصيف اللي هيمتص المياه دي.

– في الصين عندهم فكرة اسمها ” مدن الإسفنج ” SPONGE CITIES وهي ببساطة أنه مدينة الطرق فيها على جنبها قنوات صغيرة لتصريف المياه، بتتجمع كلها في بحيرة بحيث ينفع تستخدم المياه تاني بعد التنقية، الصين عندها خطة طموحة لأنها تبني 16 مدينة من دول، وبدأت بالفعل في تنفيذ الفكرة في مدينة “تشانج دي” في شمال الصين واللي عدد سكانها حوالي 1.3 مليون نسمة.

– في مطار “شانجي” في سنغافورة، تم عمل نظام تخزين لمياه الأمطار في 2 من الخزانات الكبيرة، وبيتم استخدام المياه المخزنة من الأمطار من 28 – 33 % من إجمالي المياه اللي بيستهلكها المطار، وبتوفر حوالي 275 ألف دولار سنوياً، وبيتم استخدام المياه دي في إستخدامات غير الشرب زي مياه “المراحيض” وإطفاء الحرائق وغيرها.

– في روتردام واحد من أهم وأقدم موانئ أوروبا واللي متوقع أنه المدىنة تتأثر بشدة من ارتفاع منسوب البحر، عملوا خطة شاملة لمواجهة ارتفاع منسوب مياه البحر، الخطة بتشمل استثمارات عامة لإنشاء مصدات طبيعية للرياح زي الأشجار ومصدات للأمواج وأيضا الأهم هو تغيير قوانين البناء في المدينة عشان تلزم أي حد عايز يبني جديد انه يتبع مجموعة من المواصفات القياسية اللي اتعملت عشان مواجهة ارتفاع منسوب مياه البحر.

– في مشاريع كثيرة في مناطق كتيرة زي الهند، فيتنام، نيويورك، تكساس، وكوريا، وغيرها كثير من دول العالم لا يتسع المجال لذكرها كلها هنا.
******
على مستوى العالم كله

– الأمم المتحدة عملت تقرير مهم سنة 2012 باسم “خطة التكيف الوطنية” للدول الأقل نمواً، وده بعد عمل الاتفاقية الإطارية بشأن تغيير المناخ، هدف الخطة دي دعم الدول الأقل نمواً اللي هتتعرض لأزمات تغيير في المناخ بحيث تقدر تواجه الأزمات دي. وأشرف على الخطة دي مجموعة كبيرة من الخبراء الدوليين في مجالات متعددة.
– المفروض إن مصر تبدأ بشكل حقيقي في وضع خطة وطنية للتكيف والتعامل مع تغييرات المناخ، وده مش هيحصل بتجاهل الموضوع من منطق إن معندناش فلوس لأن في إهدار كبير للموارد والأرواح ممكن يحصل نتيجة التجاهل ده، لازم يكون في خطة وطنية حقيقية للاستفادة من الظواهر الطبيعية زي الأمطار، ومن ناحية تانية عمل خطة لتجنب الآثار السلبية زي أساليب الري والزراعة وأساليب البناء والبنية الصناعية، وقبل كل ده وجود مرصد بحثي حقيقي على المستوى الوطني لدراسة الآثار دي وبالتالي وضع خطط مناسبة على المستوى الوطني للتعامل مع الظواهر المختلفة، واللي منها الأمطار الغزيرة أو الفيضانات، وكتير من دول العالم فيها خطط على المستوى الوطني وكمان على مستوى الولايات، وفي صندوق خاص في الأمم المتحدة لدعم الدول الأقل نمواً وصندوق خاص لمواجهة تغيرات المناخ، وكتير من الفرص المتاحة للإستفادة من التجارب الدولية في مواجهة أي أزمات طبيعية، مش مجرد “شوية أمطار”.

*********

– المشترك في كل التجارب والأفكار السابقة انه الحكومة تحملت مسؤوليتها تجاه المجتمع، مقالتش مش هنعمل نظام صرف أمطار عشان دا مكلف، لأنه في النهاية دي فلوس ضرائب الناس، ولو الناس عايزة نظام صرف أمطار ودا ضرورة في ظل التغيرات المناخية فالحكومة لازم توجه موارد من الضرائب دي لإنشاء النظام دا.

– اشتراك الناس في تحديد أولوية إنفاق أموال ضرائبهم هو شيء مهم وبيوضح البلد إلي أي بلد ديمقراطية وآلية اتخاذ القرار فيها من فوق ولا آليات اتخاذ قرار قاعدية بتشرك الناس في القرارات والسياسات العامة، وكمان الناس بتقدر تغير حكوماتها بكل سهولة بناء على إحتياجاتها وتفاعل السياسيين والمرشحين للحكومة والبرلمان مع المطالب دي بسياسات وخطط واضحة.

– الدلتا والإسكندرية وغيرها من مناطق مصر هي من المناطق المعرضة لأنها تبقى تحت مستوى البحر بفعل الاحتباس الحراري، ومع ذلك الحكومة مخدتش أي إجراءات جدية أو أعلنت عن خطط لمعالجة آثار دا على المدى الطويل.

– التفكير في التخطيط العمراني هو عملية تشاركية بين الناس وصناع القرار والقطاع الخاص والمجتمع المدني ولازم يتم استخدام خبرات الناس كلها فيها، لازم في المدن الجديدة اللي بتتبني في مصر نراعي التغيرات المناخية دي ونصمم المدن بناء على التغيرات دي، ومصر مش فقيرة في الهندسة العمرانية بالعكس عندنا خبرات وطنية مميزة، وتصميم المدن والطرق ده علم وخبرة ومهارة مش مجرد صب أسمنت على الرمل وبدل منعمله في سنة نعمله في شهرين عشان نبقى بنينا طرق ! ونكتشف بعدين إنها طرق هشة وضعيفة وبتنهار بسهولة.

– كل دا زي ما بنأكد كل مرة مش محتاج أكثر من إرادة سياسية ووعي حقيقي بمشاكل المستقبل في البلد دي، عايزين نبدأ نفكر في مستقبلنا ومستقبل الأجيال الجاية وندرس ونتعلم ونعمل دراسات جدوي ونشوف تجارب الدول التانية.

– دا الطريق الوحيد أنه البلد تتقدم بينا كلنا خطوة لقدام، مش أننا نقول أنه المشاكل ملهاش حلول أو حلولها مكلفة فنسيب المشاكل تكبر وساعتها يبقى تكلفة حلها اكبر وتكون للأسف حصدت أرواح وممتلكات المواطنين.

****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *