– من حوالي أسبوعين وتحديدا في 4 ديسمبر الحالي استقالت مديرة “إدارة العمال والرفاهية النرويجية ” حاجة كدا زي وزارة التضامن الاجتماعي عندنا، الاستقالة جت على خلفية فضيحة كبيرة هزت النرويج، وخلت رئيسة الوزراء النرويجية إلنا سولبرج تطلع تعتذر علنا للشعب النرويجي.
– إدارة العمال والرفاهية النرويجية (NAV) Norwegian Labour and Welfare Administration هي أكبر إدارة حكومية في النرويج، ومسئولة عن إدارة ثلث مخصصات الموازنة العامة في النرويج.
– الإدارة دي هي المسئولة عن المعاشات، إعانات البطالة، إعانات العجز عن العمل، إعانات الأطفال، وكل المساعدات الاجتماعية اللي بتقدمها الدولة للمواطنين هناك، واللي من المعروف أنه النرويج بلد بينفق بسخاء على الإعانات دي.
– هنشوف النهاردة مع بعض ايه هي الفضيحة ؟ وايه رد الفعل عليها؟ وإيه اللي ممكن نشوفة في قصة زي دي؟
*******
ايه القصة؟
– زي ما قلنا “الناف” جهة حكومية ضخمة جدا، عندها 456 مكتب ومقر، وعدد موظفيها 19 ألف موظف، منهم 14000 بتعينهم الحكومة المركزية و 5000 بتعينهم الحكومات المحلية أو زي المجالس المحلية عندنا، ده بيخلي أي خطأ في أي اجراء بينعكس فورا على عدد كبير من الناس.
– النرويج مش عضو في الاتحاد الأوروبي لكنها عضو في المنطقة الاقتصادية الأوربية EEA من سنة 1993 ، وبالتالي هي ملزمة بتطبيق القوانين والقواعد الأوروبية الخاصة بالمساعدات والإعانات المختلفة زي البطالة.
– في سنة 2012 الاتحاد الأوروبي غير جزء من القانون وخلي إنه من حق أي مواطن في أي دولة عضوة في المنطقة الاقتصادية انه يستمر في الحصول على الإعانات دي طالما كان في زيارة لأي دولة تانية عضوة في المنطقة الأوروبية.
– يعني لو انتا عايش في النرويج وليك اعانة بطالة فمن حقك أنك تاخد الإعانة الشهرية دي طالما سافرت بشكل مؤقت لدولة من دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية وراجع النرويج تاني.
– إدارة العمال والرفاهية “الناف” فسرت القانون غلط، ومنعت تقديم أي مساعدات للأسر والأفراد طالما كانوا برة النرويج.
– ده خلا أسر كثير تحاول تخادع السيستم وتثبت وجودها في النرويج عشان متقطعش الإعانات لما تسافر، لكن “الناف” اكتشفت الموضوع ده واخدت إجراءات قانونية ضد الناس دي، حوال 2400 قضية احتيال رفعتهم “الناف” على مواطنين، انتهوا بأنه في 48 قضية اتحكم فيها بعضها غرامات وبعضها بالسجن وأكبر عقوبة سجن فيهم كانت 8 شهور.
– لكن دلوقتي بعد سنتين اكتشفت الإدارة والاتحاد الأوروبي إنه تفسيرهم للقانون كان غلط، بالتالي سجن الناس والغرامات اللي وقعت عليهم كانت ظلم.
– رئيسة الوزراء طلعت اعتذرت للأسر والأشخاص المتضررين بعد اكتشاف المشكلة دي، وتم استجوابها في البرلمان واتوصف اللي حصل بالفضيحة الأسوأ في تاريخ النرويج.
– الموضوع موقفش عند اعتذار رئيسة الوزراء ووعدها بأنها تعوض ضحايا القضايا دي بأثر رجعي، لكن في مطالبات كثير باستقالة رئيسة الوزراء نفسها، ودا خلي رئيسة “الناف” تستقبل زي ما قولنا من أسبوعين.
– الاعلام والصحافة في النرويج عملوا تغطيات لقصص للناس اللي اتسجنت رغم عددهم القليل، واتكلموا عن العذاب النفسي اللي الناس شافته في السجون – رغم أنه سجون النرويج من الأفضل في العالم في احترام الآدمية وحقوق السجناء وفعلياً هي أقرب لفنادق، هتلاقو في المصادر لينكات لصور سجون النرويج- والموضوع بقا أزمة رأي عام بين الشعب النرويجي تضامنا مع المظلومين دول.
******
ايه اللي ممكن نشوفه في كل ده؟
– كل التفاصيل الكثيرة في القصة بتقول لنا أكثر من حاجة حوالين إدارة الدولة بمعناها الديمقراطي:
أولا : أنه عادي وطبيعي الحكومة وأجهزتها تخطأ في تقدير أشياء كثيرة، لكن المهم هو إصلاح الخطأ دا واللي مش هيكون ممكن إلا بآليات ومؤسسات.
ثانيا : أنه أهم من الاعتذار عن الخطأ وتحمل المسئولية إصلاح الخطأ نفسه، بعد الفضيحة دي بقا في نقاش عام في الصحافة حوالين التعارض الموجود بين القوانين الأوروبية والقوانين المحلية، وإزاي الموظفين البيروقراطيين ممكن لما يسيئوا تفسير القانون يعلموا كوارث زي دي.
ثالثا : أنه مهمة البرلمان هي الرقابة المشددة على الحكومة، يعني رغم أنه رئيسة الوزراء اعتذرت ورئيسة الناف قدمت استقالتها، إلا انه دا ممنعش الأحزاب المعارضة جوة البرلمان إنها تطالب باستقالة رئيسة الحكومة، محدش طلع قال دا خطأ صغير ورئيسة الوزراء مش مسئولة عنه.
رابعا: ملاحظة على خلفية القصة انه الدول بتدفع “دعم” لمواطنيها في صورة اعانات اجتماعية نقدية كتير جدا، فمينفعش عندنا يحسسونا ان الشعب بيشحت حاجة مش حقه، أو يتقالنا أصل “المترو بيخسر” كإن دور الدولة تكون رجل اعمال يكسب مش انها مسؤولة عن توزيع الضرايب أو موارد الدولة وكلها حق الناس.
– الأهم في القصة دي هو تقدير الدول لحياة وحرية البشر وازاي مسألة ظلم مواطنين دي كارثة كبيرة جدا تتطلب كل ردود الأفعال دي في الأوساط الصحفية والسياسية.
– في مصر قضايا التعويضات بتقعد بالسنين بسبب البيروقراطية وبطئ وانعدام كفاءة إجراءات التقاضي، ودا بيعرض الاف الاسر لمعاناة أكبر بمراحل من اللي بيحصل في النرويج ومع ذلك مفيش حكومة بتعتذر عن ده، نفتكر بس موضوع فلوس صندوق التأمينات والمعاشات اللي اتنهبت من وزارة المالية سنة 2005 وبعد صراع قضائي طويل وعد الرئيس السيسي في مايو 2019 بردهم على دفعات، يعني بعد 14 سنة بحالهم واتكلمنا عن ده في بوست سابق بالتفصيل.
– في مصر آلاف المعتقلين السياسيين في السجون في منهم اللي قضى سنين مش 8 شهور، في حبس احتياطي بدون أي إدانة قضائية ضده، وفي سجون طبعا مش زي السجون النرويجية دي سجون فيها تعذيب نفسي وجسدي ومنع زيارات وإهانات، واللي بيخرج منهم بعد سنين اخلاء سبيل زي ما حصل مع ناس كتير بيخرجوا بدون أي تعويض مادي أو نفسي، أو حتى اعتذار من الدولة ليهم ولأسرهم على الأذى اللي اتعرضوله ده رغم برائتهم رسميا.
– ده يخلينا كلنا نفكر قد ايه النظام الديمقراطي أساس تطور حياة أي مجتمع، لو عندنا حد أدنى من الرقابة على الحكومة والفصل بين السلطات فعلاً، مكانش ضياع أعمار ناس في السجون هيكون شيء بسيط جدا، ولو عندنا عدالة ومحاسبة مكانش في نزاعات بين الناس والحكومة على تعويضات تقعد أكتر من 10 سنين بدون متوصل لحل ينصف الناس المظلومة.
– لو عندنا ديمقراطية وبرلمان حقيقي هنقدر نراقب فلوس ضرايبنا بتروح فين وبتتصرف إزاي، وهنعرف نطالب بحقوقنا من الحكومة والسلطة، ولما الحكومة تغلط هنعرف نعاقب الأشخاص اللي غلطوا بالقانون، ونعاقب المسئولين السياسيين بأننا منديهمش أصواتنا تاني في الانتخابات.
– لو عندنا ديمقراطية حاجات كتير حتتغير، مش لازم حنبقى زي النرويج، لكن على الأقل حنبقى على الطريق الصحيح أننا نبقي زي النرويج وأحسن.
******



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *