– خلال الشهرين اللي فاتوا بدأت أزمة كبيرة بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة بسبب نظام التكليف الجديد للأطباء، أي حد من الأطباء – باستثناء الأوائل اللي هياخدوا نيابات الجامعة – أول ما بيخلص كليه بيقضي سنتين تكليف إجباري (ممكن تبقى سنة بناء على تفاصيل معينة) في أحد مستشفيات وزارة الصحة أو الوحدات الصحية ووحدات طب الأسرة اللي في الريف.
– لكن في أكتوبر اللي فات هالة زايد وزيرة الصحة طلعت نظام جديد بينص على أنه الأطباء يلتحقوا ببرنامج “الزمالة المصرية”، وهو برنامج تدريبي لمدة 3 سنوات بجانب التكليف الأساسي بتاعهم.
هنشوف في البوست دا ايه التغيرات الجديدة في برنامج التكليف؟ وايه الجوانب الإيجابية أو السلبية؟ وايه اللي ممكن يحصل لحل أزمة نقص الأطباء بشكل عام في مصر ؟
******
ايه هو نظام الزمالة الجديد؟
– هو برنامج تدريبي لمدة 5 سنوات بيتيح للطبيب أنه يتخصص في أي تخصص بناء علي مجموعة وإحتياجات المحافظة اللي بيشتغل فيها، دا طبعا إيجابي لأنه الطبيب حيقدر يتخصص من بدري، مش حيستنى أنه يخلص التكليف بتاعه زي زمان.
– إيجابي كمان لأنه من المفترض أنه الطبيب يتلقى تدريب لمدة 9 شهور في كل سنة في المستشفى اللي بيشتغل فيها على ايد دكاترة أكبر فده وقت كويس لرفع كفاءة وخبرة الأطباء حديثي التخرج.
ال 3 شهور الباقيين من المفترض أنه الطبيب يقضيهم في وحدات الرعاية الصحية.
– حسب كلام وزيرة الصحة فبرنامج الزمالة هيتم بالشراكة مع كلية الطب بجامعة “هارفارد” الأمريكية، اللي تم التوقيع معاها لمدة 3 سنين عشان تقوم بتدريب الأطباء المصريين المدربين على طرق التعلم، وكمان بالتعاون مع الكلية الملكية البريطانية هيتم التطبيق على الدفعات الجديدة من التكليف في مناهج وطرق التدريب والحصول على الاعتماد منها لبرنامج الزمالة المصري.
لحد دلوقتي دي خطة ممتازة، لكن في أسئلة كثيرة حوالين مدي قدرة استيعاب برنامج الزمالة دا لكل الأطباء حديثي التخرج، مصر بتخرج كل سنة حوالي 9000 ألاف طبيب. أيضا مدى تأثر الوحدات الصحية اللي في القرى والمحافظات بالبرنامج خاصة أنها بتعاني حاليا من عجز شديد في الأطباء.
*****
هل كان نظام التكليف القديم كويس؟
– بالطبع نظام التكليف القديم كان فيه مشاكل، وكان لازم نفكر في حل لتغييره مع الوقت، لكن الخطوة المفاجئة دي فيها مشاكل برضه. ليه؟
– مصر تقريبا فيها حوالي 5300 وحدة صحية، وبتخرج كل سنة 9000 طبيب من المفترض انهم يلتحقوا بالأماكن دي اللي في الأغلب بتكون أماكن في الريف بدون إمكانات حقيقية، وفي أماكن نائية لا يفضل الأطباء العمل فيها.
– الدكتور في التكليف بيتعامل مع حالات كثير ومختلفة بدون الخبرة الكافية أو التدريب اللازم، من المفترض أنه في سنة الامتياز الأطباء بياخدوا تدريب في كل قسم من أقسام المستشفى لمدة شهرين لكن ده عليه شكاوى كتير لأنه بيكون بدون برنامج تعليمي محدد، وكل دكتور شاب وشطارته وطريقته، غير انه ساعات بيتم تكليفهم بمهام العمال أو التمريض بدلا من التدريب الطبي.
– ومع نقص التدريب ده اول ما يخرج للشغل وحده الحالات اللي بيقابلها طالب كلية الطب اللي بياخد التكليف في أي مستشفى حكومي بتعادل سنين كتيرة لأي طبيب تاني في أوروبا.
– البيئة نفسها صعب تكون بيئة مشجعة سواء من جاهزية المستشفيات وعدد ساعات العمل غير الآدمي، في أطباء ماتوا من الإرهاق والتعب والعمل المتواصل زي الدكتور أحمد عبدالهادي (27 سنة) اللي كان بيشتغل في المعهد القومي للقلب، ومات نتيجة نزيف بالمخ وغيره كتير من شباب الأطباء اللي بيشتغلو في التكليف بيستمرو في العمل لأكتر من 10 و 16 وأحياناً 24 ساعة متواصلة، خاصة ودي كارثة.
*****
ايه المشكلة في النظام الجديد؟
– كان عندنا بالفعل برنامج الزمالة المصرية، وهو تدريب طويل الأجل شويه من المفترض أنه يطلع أطباء أكثر خبرة، لكن برنامج الزمالة دا كان بيقدر يستوعب 1800-2200 طبيب كل سنة بالعافية.
في الوقت الحالي اللي بتغيب فيه أي تطورات كبيرة في كفاءة المستشفيات العامة، ومدربين أكفاء قادرين على تدريب الأطباء وهو شيء غير متحقق حاليا.
– في المتوسط كان كل مدرب في برنامج الزمالة بيدرب من 4- 6 أطباء، دا يعني أنه عشان برنامج التدريب الجديد يستوعب ال9000 طبيب المتخرج حديثا لازم يكون عندنا حوالي 1350 -2000 مدرب كفؤ ودا غير موجود حاليا، كل اللي وزارة الصحة قالته انها عندها 200 مدرب فقط!
– هل بسهولة ممكن نصرف أكثر على توفير المدربين؟ دي مشكلة معقدة لأنه رواتب المدربين في وزارة الصحة دلوقتي متدنية حوالي 3000 جنيه بس، دا يعني أنه لو احنا عايزين نجذب المزيد من المدربين من جامعة هارفارد لتدريب مدربينا زي ما اتقال، فده محتاج زيادة ضخمة في زيادة المرتبات ونفقات السفر والإقامة، ودي مخصصات لسه متقالتش ولا اتحددت في ميزانية وزارة الصحة على حد علمنا وفي الموازنة العامة للدولة المنشورة.
– إشكالية تانية أكبر أنه قضاء الأطباء حديثي التخرج كلهم حينتج عجز كبير في عدد الأطباء خاصة في الوحدات الصحية في القرى واللي بتعتمد على التكليف بشكل أساسي، ومفيش أي تفسير من الوزارة عن خطة سد العجز اللي هيتضاعف ازاي؟.
– الوحدات دي أساسا بتعاني من عجز هائل دلوقتي، بحسب دراسة لوزارة الصحة نفسها في 62 % من الأطباء اللي لديهم رخصة مزاولة مهنة في مصر هما إما في الخارج، إما مستقيلين من العمل الحكومي، أو واخدين إجازة منه.
– كتبنا قبل كدة بوست مفصل على هروب الأطباء من العمل الحكومي بسبب ضعف الأجور وعدم كفاءة المستشفيات وصعوبة بيئة العمل واللي وصل مجموع المستقيلين من العمل الحكومي في ال 3 سنين الأخيرة إلى 5200 طبيب.
– النظام الجديد مليان مناطق غموض مش مشروحة، محدش فاهم خالص ايه التعامل مع أسئلة طرحتها د.منى مينا زي:
* ايه مصير الدكتور اللي مش هيلاقي التخصص اللي عايزه؟ زمان كان هيفضل في التكليف بمكانه ينتظر الحركة اللي بعدها لكن هنا هيبقى عاطل بره الوزارة؟
* لو ملقاش التخصص المناسب من حقه يتقدم في كام حركة بالنظام الجديد؟
* الدرجة المالية للدكتور هتكون في مكان التدريب ولا في مكان العمل؟
حصل تحرك إيجابي جدا ان الوزارة استجابت بعدها لبعض المطالب والأسئلة وأرسلت خطاب في 11 ديسمبر الماضي للنقابة تضمن تعديلات زي إن “التعديل للتخصص سيكون في حركة تديل مكملة ومزانة لحركة التكليف الأساسية وذلك لمدة 3 حركات تالية”.
******
ايه الحل؟
– في الأنظمة الديمقراطية مينفعش أبداً الحكومة تتجاهل النقابات المهنية والعمالية في مناقشة أي سياسة أو برنامج مرتبط بيهم، وبالتالي القرار فجأة يتعمل بدون مناقشات حقيقية مع أصحاب الشأن، وكويس إنه في النهاية تم لقاء بين الوزيرة ونقابة الأطباء ولجنة الصحة في مجلس النواب، وده كان المفروض يحصل من البداية.
– الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء السابق كتب مقال بجريدة الوطن مناشدة للوزيرة قال انه عبر 330 سنة كان رئيس لجنة الصحة بالبرلمان كان لازم استشارة النقابة قبل أي تعديل مشابه.
– زي ما قولنا المشكلة مش برنامج الزمالة الجديد اللي من المفترض أنه يحل محل التكليف القديم، لكن المشكلة في وقت تطبيقه، لو كان التطبيق جاي بالتدريج كان هيبقى أفضل وفرصة جيدة لأننا ننفق بشكل أكبر على المدربين.
– لكن برضه هو مش حل نهائي لمشكلة القطاع الصحي، واللي سببها الأساسي هو ضعف الإنفاق العام على الصحة من موازنة الدولة.
– ضعف الإنفاق وسوء إدارته بحيث يروح جزء كبير من أجور وزارة الصحة للأعمال الإدارية مش للأطباء، ضعف بدل العدوى للأطباء، وضعف الإنفاق العام لتطوير المستشفيات هي أساس مشاكل القطاع الصحي.
– مهم طبعا الاهتمام بالعنصر البشري ورفع خبرته وكفاءته، وبالتأكيد دي حاجة محدش يعترض عليها لأنه مهم طول الوقت تطوير العنصر البشري في الأطباء وطواقم التمريض كمان -اللي بتعاني جداً من الكفاءة المتدنية – لكن الحقيقة هي مش المشكلة الرئيسية، بدليل أنه في طلب متزايد في الخليج وأوروبا وأمريكا على الأطباء المصريين.
– بالتالي أي كلام عن تغيير نظم إدارة المنظومة الصحية في مصر زي نظام التكليف أو الزمالة أو غيرهم بدون ضخ استثمارات عامة في تطوير المستشفيات أو رفع أجور الأطباء لجذب مزيد من الأطباء بعد التكليف للعمل في القطاع الحكومي هو حل جزئي لواحدة من مشاكل المنظومة الصحية في مصر.
– توفير الرعاية الصحية للمواطنين من صلب مسؤوليات أي دولة، مش مطلوب الناس تتعالج بناء على مستواها المادي، وحتى في أكتر الدول “الرأسمالية” في أوروبا عندهم أنظمة رعاية صحية مجانية أو مدعومة، وفي حتى أمريكا اللي عندها ملف سئ جدا تاريخيا بالمسألة دي أوباما عمل نظام “أوباما كير” وترامب رغم وعوده بالغائها مقدرش لأن الكونجرس رفض.
– تطوير القطاع الصحي بالتأكيد هو أكثر أهمية من شراء طيارات رئاسية أو بناء قصور رئاسية واستراحات عشان مصر. الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات العامة دي أهم إنفاق واستثمار ممكن في المواطن المصري.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *