من يومين في تشيلي فاز المرشح اليساري الشاب وزعيم الحركة الطلابية السابق جابريل بوريك (35 سنة فقط) برئاسة الجمهورية في حدث تاريخي.

إيه اللي حصل ؟ وإزاي شاب في السن ده يبقى رئيس جمهورية ؟ وإزاي تشيلي اللي كانت بلد شديدة الديكتاتورية توصل للمرحلة دي ؟

*****

مين هو جابرييل بوريك؟

جابريل بوريك اتولد في 1986 في بونتا أرينا وهي مدينة في أقصى جنوب تشيلي .
في 2011 كان أحد قادة الحركة الطلابية في تشيلي، وهو في السنة الرابعة في كلية الحقوق والقانون، وقاد ساعتها إحتجاجات كبيرة مع الطلاب ضد السياسات النيوليبرالية في تشيلي اللي كانت بدأت في فترة الديكتاتور بينوشيه وكملت حتى بعد سقوطه.
السياسات دي كانت حزمة من الإجراءات الاقتصادية المدعومة من الولايات المتحدة على رأسها الخصخصة، ورفع الدعم الاجتماعي وتسليع الخدمات العامة زي التعليم والصحة وخفض الضرائب على الأغنياء.
ورغم نهاية دكتاتورية بينوشيه بتعديل دستوري سمح بتأسيس نظام ديمقراطي ونهاية للديكتاتورية في 1989 إلا أنه نفس السياسات الاقتصادية كملت بعد رحيله.
السياسات اللي رفعت من معدلات الفقر في تشيلي، رغم تحقيق البلد أداء جيد لاحقا على مستوى النمو الاقتصادي بالتالي رسخت اللامساواة واللي فيها حاليا 1٪ من السكان بيملكوا 26 ٪ من الثروة.
حصلت تغييرات كثيرة من 1990 لحد النهاردة، لكن كل السياسات الإصلاحية في ال30 سنة اللي فاتت مكنتش كافية لإصلاح الوضع، وده سبب تفجر احتجاجات كل فترة في تشيلي.
جابريل بوريك والحركة الاجتماعية اللي حواليه، واللي كانوا طلاب معاه ومعظمهم أعضاء في حملته الانتخابية كانوا جيل جديد جاي بالأساس بخطاب سياسي واقتصادي مبني على تفكيك إرث بينوشيه في البلد وخاصة المتعلق بالسياسات الاقتصادية.
بعد فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات صرح جابريل في خطاب الفوز ” لقد كانت تشيلي هي مهد النيوليبرالية، وسوف تصبح قبرها أيضا”.
البرنامج الانتخابي لجابريل مبني على عدد من المحاور كلها تقريبا سياسات اجتماعية لإصلاح الوضع الاقتصادي هناك منها زيادة الضرائب على الأغنياء، وإعادة دولة الرفاهة في تشيلي من خلال التوسع في الإنفاق على التعليم العام والصحة، وتمكين النساء وإتاحة الفرصة للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة للنمو من خلال الدعم الحكومي.
ده بالإضافة لوعد مهم بالنسبة لحالة تشيلي وهو تطبيق اللامركزية ومعالجة الاختلالات التنموية بين المناطق المختلفة في البلد.
*****

إزاي فاز بالرئاسة ؟

من نهاية بينوشيه ولحد دلوقتي اللي بيحكم تشيلي بالتبادل يمين الوسط ويسار الوسط ولأنه المشاكل الأساسية في الفقر والعدالة الاجتماعية متحلتش فكان كل فترة بتحصل مظاهرات واحتجاجات اجتماعية، بيقودها المجموعات المنظمة زي اتحادات العمال، والطلاب، والنساء.
الانتخابات الحالية دي الوحيدة اللي كان فيها تقريبا تفريق واضح، مرشح من أقصى اليسار الراديكالي، ومرشح من أقصى اليمين اسمه خوسيه أنطونيو كاست، اللي بيتقال عنه ترامب تشيلي.
عشان كده محصلش تفتيت كبير للأصوات في المرحلة الأولى أو في الجولة الثانية من الانتخابات، وفاز جابريل بنسبة 56 ٪ من الأصوات بسبب البرنامج الاجتماعي اللي عنده وشغل حملته الانتخابية على الأرض مع الناس.
في حالة كمان عامة في تشيلي لإعطاء الفرصة لوجوه جديدة وخاصة من الشباب، وجابريل مش بس شاب لكنه عنده خبرة سياسية من 2012 وهو في البرلمان التشيلي، وطول ال8 سنين اللي فاتت كان واحد من أهم أصوات المعارضة، وبالتالي هو شاب وعنده شوية خبرات وانحياز اجتماعي واضح تخلي الناس تصوتله بكثافة، وبالذات قطاعات الشباب.
وللصدفة أو ممكن نقول لسخرية الأقدار يعني نفس اليوم اللي فاز فيه جابريل بالرئاسة هو نفس اليوم اللي ماتت فيه زوجة بينوشيه الدكتاتور التشيلي السابق لوسيا هيرارت، وكإنها رسالة قدرية إنه نهاية عصر بينوشيه الحقيقية هي بقيادة جابرييل بوريك.
*****

نشوف ايه من كل ده؟

قصة تشيلي طويلة جدًا ومعقدة ومليانة دروس حوالين التحول الديمقراطي، ايه اللي ممكن يحققه التحول الديمقراطي وايه اللي مش ممكن يحققه ومحتاج سياسات اقتصادية واجتماعية أخرى بجانب التحول الديمقراطي.
العلاقة بين الديمقراطية والتحسن الاقتصادي ورفع مستويات الشعوب بعد الثورات هي علاقة معقدة، ومش شرط الديمقراطية تجيب مستوى معيشي أفضل، لكنها في نفس الوقت ضمانة مهمة جدا للإصلاح وجعل الحياة أفضل مع الوقت، لأنه في النهاية تقدر بالانتخابات تغير الحكومة والبرلمان والرئيس والسياسات بتاعتهم حتى لو حسيت إنه مفيش فرق كبير بينهم في وقت من الأوقات.
يمكن شوفنا الثنائية دي في حالات كثير، زي تونس مثلا واللي رغم التحول الديمقراطي اللي حصل في 2011 مازالت بتعاني على مستوى المشكلات الاقتصادية وده اللي كان عامل مهم في الأزمة الحالية، وحتى في السودان قبل انقلاب البرهان الأخير.
الشاهد في حالة تونس والسودان وغيرهم أنه حصلت ثورة وبقا في نوع من الحرية والديمقراطية لكن المؤسسات الحكومية مقدرتش تكون على قد طموحات الشعب اللي هي في الأساس طموحات اقتصادية زي العيش والعدالة الاجتماعية.
وده بالمناسبة شبيه جدا للي حصل في مصر بعد 2011، وإنه رغم الثورة فمفيش أي تغيير حصل في السياسات الاقتصادية ولا معدلات الفقر أو مستويات التنمية في كل الحكومات اللي جت بعد الثورة بمختلف الأطياف السياسية، وعشان كده كانت قطاعات من الناس زهقانة من الثورة والتغيير والانتخابات لأنها مش حاسة بفرق.
لكن برضه في قصة تشيلي نقدر نشوف أنه التغيير مش بيحصل بين يوم وليلة، لكن على مدار سنوات بيكون في حرية تنظيم وحريات سياسية وغيرها من الحريات اللي الديمقراطية ضمانة لوجودها. بالتالي مع الوقت المؤسسات اللي بتخرج من الديمقراطية زي الاتحادات الطلابية والأحزاب الشبابية والاتحادات النسائية وغيرها.
كل المؤسسات دي في ظل الديمقراطية بتتطور وتنتج كوادر سياسية وتنافس في الانتخابات الحرة وتقدر تطلع ناس زي جابريل بوريك وغيره وتجدد دماء النظم السياسية في البلاد دي، وتتيح فرصة حقيقية للأجيال الجديدة من الشعوب دي.
الشاهد أيضا أنه الجيل ده اتطور وكبر في سياقات سياسية ديمقراطية، يعني دخلوا اتحادات طلاب ونقابات ونزلوا انتخابات يكلموا الناس ويقدمولهم برامج، مش اتطوروا بقرار الأجهزة الأمنية وتمكين الشباب المشروط بالتأييد زي البرنامج الرئاسي وتحيا مصر وغيرها من التنظيمات اللي بالشكل ده.
نتمني مع الوقت تدرك السلطة الحاكمة في مصر أنه غياب الديمقراطية مضر للجميع بما فيهم الدولة وأنه التكلس وانعدام الكفاءة دي نتائج طبيعية للسلطوية وأنه البحث عن جمهورية جديدة بيبدأ بالبحث عن الديمقراطية نفسها.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *