– من النهاردة هنبدأ سلسلة بوستات حول قضية محطة الضبعة النووية.. اللي منتظر يشوف كلام نهائي حلو أو وحش طلبه مش عندنا، هنا هنقدم (مناقشة)، وبشكل رئيسي نطرح (أسئلة).
– نؤكد على رفضنا من حيث المبدأ الأسلوب اللي حصل لإدارة الاتفاقية اللي محدش عرف حاجة عنها إلا بعد التوقيع بالفعل، نفس أسلوب الحكم الفردي وانعدام الشراكة، زي ما حصل بقضية الجزيرتين وغيرها كتير.
****
السؤال الأول: اشمعنى تركيا؟
– الصورة الأولى فيها سيرجي كريينكو رئيس شركة روس أتوم، مع وزير الطاقة المصري محمد شاكر، يوقعان اتفاقية انشاء محطة الضبعة بحضور الرئيسين المصري والروسي.
– الصورة الثانية فيها نفس الشخص، سيرجي كريينكو، رئيس شركة روس أتوم، لكن المرادي مع وزير الطاقة التركي تانير يلدز، يحتفل بوضع حجر أساس محطة أك كويو للطاقة النووية بتركيا، واللي ستقوم بانشائها نفس الشركة الروسية.
المحطتين التركية والمصرية يشتركان في الآتي:
– كلاهما أول محطة نووية بدولتيهما.
– كلاهما ستولد طاقة كهربائية بقدرة ٤٨٠٠ ميجا.
– كلاهما به ٤ مفاعلات، كل مفاعل ينتج ١٢٠٠ ميجاوات.
– كلاهما به نفس طراز المفاعلات: VVER موديل ٢٠٠٦. (الجيل الثالث)
لكن عندنا اختلافين مش بسيطين إطلاقاً: فرق التكلفة، وفرق طريقة الدفع!
****
أولاً فرق التكلفة:
– تكلفة إنشاء المحطة النووية التركية: ٢٠ مليار دولار.
– تكلفة إنشاء المحطة النووية المصرية:٢٩.٤ مليار دولار. (حسبنا التكلفة الإجمالية من إنه رسمياً تم إعلان إن قيمة القرض الروسي ٢٥ مليار دولار ستغطي ٨٥% من التكلفة، و ١٥% ستتحملها مصر).
الفارق الضخم جداً ده ٩ مليار دولار حقنا نسأل: ليه؟!
شفنا ناس بتبرر بإن السعر المرتفع طبيعي بسبب انخفاض قيمة الروبل أمام الدولار وإن الاتفاق التركي وافق عليه البرلمان في ٢٠١٠، وتم توقيع عقد شركتي الانشاء التركية والروسية عام ٢٠١٣ .. لكن الحقيقة ده كلام خاطيء تماماً، لإنه بالعكس الانخفاض الكبير للروبل مفروض انه يقلل قيمة ما سندفعه بالدولار، لأن صناعة المفاعلات ستتم في روسيا مش هيستوردوها .. لنفس الأسباب مثلاً الصين تتعمد تخفيض عملتها أمام الدولار لأنها دولة صناعية مُصدرة فالتخفيض لصالحها لرفع تنافسية صادراتها. (وهنشرح بعدين الفارق بين أثر انخفاض أو ارتفاع العملة حسب اقتصاد الدولة)
٩ مليار دولار، يعني قرابة ٩٠ مليار جنيه، ده رقم رهيب جداً مش فرق بسيط أبداً، كفاية نعرف مثلاً إن ميزانية الصحة لمصر كلها في العام المالي الماضي كانت ٤٨.٥ مليار جنيه، والتعليم ٧٦ مليار!
حقنا نسأل كتير: ليه؟
هل هناك شيء مختلف تم الاتفاق عليه في مواصفات المحطة المصرية رغم تطابق كل التفاصيل المعلنة مع المحطة التركية؟
هل هناك جزء سري في الاتفاقية، مكتوب أو غير مكتوب، بالاضافة للمحطة النووية؟
هل ده جزء من صفقة سياسية؟
عدم الاجابة على السؤال ده ممكن يفتح كمان الشك حول تربح أشخاص أو جهات في مصر أو روسيا!
****
ثانياً فرق طريقة الدفع:
المحطة المصرية هيتم دفع تكلفتها عبر قرض ضخم قيمته ٢٥ مليار دولار (حوالي نصف إجمالي الديون الخارجية الحالي)، وده شيء مرعب أن يتم تحميله للأجيال الجاية، حتى لو كانت الإيجابية هنا إن شروط القرض في حد ذاته جيدة جداً حيث أول قسط يُسدد في ٢٠٢٩ على أقساط تمتد لمدة ٢٢ سنة، بفائدة ٣% سنوياً.
لكن المحطة التركية تم بها نمط اتفاق مختلف تماماً، هو نظام BOO (البناء، التملك، التشغيل)، وبالمناسبة دول تانية بالمنطقة عملت نظام BOT (البناء والتشغيل ونقل الملكية).
الاتفاق التركي يشمل النقاط التالية:
١- الحكومة التركية لا تدفع تكاليف المحطة ولا تملكها، ولكن تتشكل شركة مساهمة تملك المحطة، وشركة روس أتوم تتحمل ٩٣% من رأس المال، ويُتاح لشركاء الدخول كمستثمرين، والكُلفة سيتم تعويضها من بيع الكهرباء.
دي ميزة كبيرة لأن الحكومة لا تدفع أي كلفة أو قرض يخص المحطة، بل ستدفع مقابل الكهرباء نفسها، و الشركة الروسية عندها دافع قوي لإتمام العمل والنجاح به بوقته، وإلا مش هتعوض مليم من اللي هتدفعه.
٢- السعر هيكون ثابت لمدة ١٥ سنة بـ ١٢.٣٥ سِنت لكل كيلو واط/ساعة، وده يسري على ٧٠% من الطاقة اللي هيتم توليدها من أول وحدتين، و٣٠% من الوحدتين التانيين (المشروع أربع وحدات)، وده طبعًا بيحفظ حقوق الحكومة التركية من تقلبات السوق ويمنع رفع الأسعار لحد ٢٠٣٠، أما النسب الباقية هيحق للشركة الروسية تبيعها في السوق للقطاع الخاص بسعر السوق.
٣- للشركة الروسية الحق في بيع نسبة من الأسهم بشرط موافقة تركيا على المشترين، في مايو الماضي تم طرح ٤٩% من الأسهم للبيع، وتجري حاليا مفاوضات مع شركة الانشاءات التركية جنكيز للشراء. (شركة قطاع خاص يملكها رجل الأعمال محمد جنكيز المُقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم).
٤- بعد ١٥ سنة من بدء تشغيل المحطة، وهي الفترة اللي مفترض تكون الأرباح فيها غطت قدر كبير من تكاليف بناء المحطة، هتكون الشركة الروسية ملزمة تدي ٢٠% من أرباحها من المشروع للحكومة التركية.
٥- بعد ٥٠-٦٠ سنة لما صلاحية المفاعل تنتهي الشركة الروسية هي اللي مسؤولة تقوم بوقف تشغيله بشكل آمن وإخراجه من الخدمة، ودي عملية مهم جداً الاتفاق حولها.
ولسه فيه مفاوضات نهائية جارية حول التخلص من النفايات، وهل الشركة الروسية هتتخلص منها خارج تركيا زي ما تركيا تطلب، ولا هتتخلص منها داخل الأراضي التركية.
٦- المفاعل التركي هيقوم فيه الجانب الروسي بتزويد التكنولوجيا كلها، لكن الشركات التركية هتشارك فيه بشكل يسمح ليها مستقبلًا بإدارة كل مراحل المفاعل النووي من تشغيله لحد انتهاء صلاحيته، ده غير وجود شركات تركية هي اللي هتبني الأجزاء غير النووية من المشروع الخاصة بمراحل توليد الكهرباء، وبناءً على هذا الاتفاق حصل سنة ٢٠١١١ إن مُحاضرين من الجامعة الوطنية للبحوث النووية الروسية شاركوا في امتحانات لطلبة أتراك في أنقرة، وتلقوا أكثر من ٩٠٠٠ أبلكيشن للتدريب في روسيا اختاروا منهم ٤٨، يروحوا فرع الجامعة في مدينة أوبنينسك الروسية، و٦٩ تانيين سنة ٢٠١٢، وهكذا مجموعات متتالية كل سنة (خمس مجموعات لحد انهاردة)، وبعد ما بينتهوا من دراستهم في الجامعة بيتلقوا تدريبات قبل ما يرجعوا تركيا في مراكز تدريبية تابعة لشركة روس أتوم عشان يبقوا جزء من الفريق اللي بيدير المفاعل في تركيا.
****
فيه تجارب تانية حصلت فيها نماذج تمويل مشابهة:
– الأردن اتفقت مع نفس الشركة الروسية على نظام BOT ، ويشمل ان ٤٩.١% من الاسهم ستملكه الشركة الروسية، وتملك الأردن ٥٠.٩% من الأسهم، وحالياً هناك مفاوضات مع بنك التجارة والصناعة الصيني انه يساهم بالتمويل وياخد جزء من حصة الاردن وروسيا ليملك ٣٠٪ من الأسهم.
والتكلفة والأرباح سيتم سدادها من الكهرباء، بعقد شراء من الحكومة الأردنية مدته ٤٥ عام.
– تركيا ستبني محطة أخرى اسمها محطة سينوب، بشراكة شركتين يابانية وفرنسية، بكلفة ٢٢ مليار دولار، وبنفس النظام التمويلي، والمرادي ستملك شركة الكهرباء التركية ٣٠ % من أسهم المشروع.
****
الأسئلة:
– ليه مصر معملتش اتفاق مشابه يجنبنا القروض؟!
سواء نظام BOT أو BOO أكيد ده كان أفضل من القروض الخطيرة على مستقبلنا، واللي تقلل من تصنيفات مصر الاقتصادية.
وكمان هتكون ميزة ايجابية تاني دخول الأموال الروسية كاستثمارات أجنبية للسوق المصري.
ليه مصر مأخدتش المعاملة دي رغم إنه مفروض علاقة مصر بروسيا حالياً أفضل من تركيا، خاصة بعد التوتر بينهما بسبب الخلاف في سوريا؟
– نعرف بشكل عام ان من مميزات الاتفاق المصري يشمل تدريب كوادر، لكن ما مدى وتفاصيل ذلك؟ هل فيه مميزات ممنوحة لينا بنفس القدر الممنوح لطلاب وكوادر تركيا، ولا هنفضل دائما لا نستطيع الإدارة بأنفسنا ومحتاجين للروس؟
– وبخصوص إخراج المشروع من الخدمة والتخلص من النفايات كمان الجانب المصري اتفق مع روسيا على إيه؟
– طبعا السؤال الأخير، واللي هنفضل نكرره دايماً: ليه مفيش أي شفافية في الإفصاح عن تفاصيل الاتفاق قبل أو بعد توقيعه؟
– يعني لو كملنا المقارنة مع تركيا، هنلاقي ان المحطة النووية التركية ليها موقع على الانترنت بيعرض كل الاخبار التفصيلية أولاً بأول، يقدر أي حد يشوف ايه التقدم اللي بيحصل في أعمال المشروع ، وأخبار البعثات الطلابية التركية في روسيا وغيره وغيره.
لو الحكومة فعلًا عندها تفاصيل إيجابية في هذا الاتفاق ليه لا يوجد شيء منشور رسمياً؟ مش ده المفترض هيكون رصيد إيجابي قدام الرأي العام بتخبوه عن الناس ليه؟